كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ حِينَ فَرَغَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ يَسِيرُ إِلَى الْعِرَاقِ ، فَخَرَج خَالِدٌ مِنَ الْيَمَامَةِ ، فَسَارَ حَتَّى أَتَى الْحِيرَةَ ، فَنَزَلَ بِخِفَّانَ وَالْمَرْزُبَانُ بِالْحِيرَةِ - مَلِكٌ كَانَ لِكِسَرْى مَلَّكَهُ حِينَ مَاتَ النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ - فَتَلَقَّاهُ بَنُو قَبِيصَةَ ، وَبَنُو ثَعْلَبَةَ ، وَعَبْدُ الْمَسِيحِ بْنُ حَيَّانَ بْنِ بُقَيْلَةَ ، فَصَالَحُوهُ عَنِ الْحِيرَةِ ، وَأَعْطَوُا الْجِزْيَةَ مِائَةَ أَلْفٍ عَلَى أَنْ يَتَنَحَّى إِلَى السَّوَادِ ، فَفَعَل ، وَصَالَحَهُمْ ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا ، فَكَانَتْ أَوَّلَ جِزْيَةٍ فِي الْإِسْلَامِ ، ثُمَّ سَارَ خَالِدٌ إِلَى عَيْنِ التَّمْرِ ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ ، فَأَبَوْا ، فَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا ، فَظَفَّرَهُ اللَّهُ بِهِمْ ، وَقَتَلَ وَسَبَى ، وَبَعَثَ بِالسَّبْيِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَحِمَهُ اللَّهُ ، ثُمَّ نَزَلَ بِأَهْلِ أُلَّيْسَ - قَرْيَةٌ أَسْفَلَ الْفُرَاتِ - فَصَالَحَهُمْ ، وَكَانَ الَّذِي وَلِيَ صُلْحَهُ هَانِئُ بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ عَلَى مِائَتَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ سَارَ ، فَنَزَلَ بِبَانِقْيَا عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ ، فَقَاتَلُوهُ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَّاحِ ، ثُمَّ طَلَبُوا الصُّلْحَ ، فَصَالَحَهُمْ ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا ، وَصَالَحَ صَلُوبَا بْنَ بَصِيهَرَا ، وَمَنْزِلُهُ بِشَاطِئِ الْفُرَاتِ عَلَى جِزْيَةٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى الشَّامِ ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ : " إِنِّي قَدِ اسْتَعْمَلْتُكَ عَلَى جُنْدِكَ ، وَعَهِدْتُ إِلَيْكَ عَهْدًا تَقْرَأُهُ ، وَتَعْمَلُ بِمَا فِيهِ ، فَسِرْ إِلَى الشَّامِ حَتَّى يُوَافِيَكَ كِتَابِي " فَقَالَ خَالِدٌ : " هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَسَدَنِي أَنْ يَكُونَ فَتْحُ الْعِرَاقِ عَلَى يَدَيَّ " فَاسْتَخْلَفَ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ الشَّيْبَانِيَّ مَكَانَهُ ، وَسَارَ بِالْأَدِلَّاءِ حَتَّى نَزَل دُومَةَ الْجَنْدَلِ ، فَوَافَاهُ بِهَا كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ وَعَهْدِهِ مَعَ شَرِيكِ بْنِ عَبْدَةَ الْعَجْلَانِيِّ ، فَكَانَ خَالِدٌ أَحَدَ الْأُمَرَاءِ بِالشَّامِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ ، وَفَتَحَ بِهَا فُتُوحًا كَثِيرَةً ، وَهُوَ وَلِيَ صُلْحَ أَهْلِ دِمَشْقَ ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا ، فَأَنْفَذُوا ذَلِكَ لَهُ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ ، وَوَلِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَزَلَ خَالِدًا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ ، وَوَلَّى أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ ، فَلَمْ يَزَلْ خَالِدٌ مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي جُنْدِهِ يَغْزُو ، وَكَانَ لَهُ بَلَاءٌ وَغَنَاءٌ وَإِقْدَامٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِحِمْصَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ ، وَأَوْصَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَدُفِنَ فِي قَرْيَةٍ عَلَى مِيلٍ مِنْ حِمْصَ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ : حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنْ عَامِرٍ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ : وَحَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَا : كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ حِينَ فَرَغَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ يَسِيرُ إِلَى الْعِرَاقِ ، فَخَرَج خَالِدٌ مِنَ الْيَمَامَةِ ، فَسَارَ حَتَّى أَتَى الْحِيرَةَ ، فَنَزَلَ بِخِفَّانَ وَالْمَرْزُبَانُ بِالْحِيرَةِ - مَلِكٌ كَانَ لِكِسَرْى مَلَّكَهُ حِينَ مَاتَ النُّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ - فَتَلَقَّاهُ بَنُو قَبِيصَةَ ، وَبَنُو ثَعْلَبَةَ ، وَعَبْدُ الْمَسِيحِ بْنُ حَيَّانَ بْنِ بُقَيْلَةَ ، فَصَالَحُوهُ عَنِ الْحِيرَةِ ، وَأَعْطَوُا الْجِزْيَةَ مِائَةَ أَلْفٍ عَلَى أَنْ يَتَنَحَّى إِلَى السَّوَادِ ، فَفَعَل ، وَصَالَحَهُمْ ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا ، فَكَانَتْ أَوَّلَ جِزْيَةٍ فِي الْإِسْلَامِ ، ثُمَّ سَارَ خَالِدٌ إِلَى عَيْنِ التَّمْرِ ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ ، فَأَبَوْا ، فَقَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا ، فَظَفَّرَهُ اللَّهُ بِهِمْ ، وَقَتَلَ وَسَبَى ، وَبَعَثَ بِالسَّبْيِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَحِمَهُ اللَّهُ ، ثُمَّ نَزَلَ بِأَهْلِ أُلَّيْسَ - قَرْيَةٌ أَسْفَلَ الْفُرَاتِ - فَصَالَحَهُمْ ، وَكَانَ الَّذِي وَلِيَ صُلْحَهُ هَانِئُ بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ عَلَى مِائَتَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ سَارَ ، فَنَزَلَ بِبَانِقْيَا عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ ، فَقَاتَلُوهُ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَّاحِ ، ثُمَّ طَلَبُوا الصُّلْحَ ، فَصَالَحَهُمْ ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا ، وَصَالَحَ صَلُوبَا بْنَ بَصِيهَرَا ، وَمَنْزِلُهُ بِشَاطِئِ الْفُرَاتِ عَلَى جِزْيَةٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ إِلَى الشَّامِ ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ : إِنِّي قَدِ اسْتَعْمَلْتُكَ عَلَى جُنْدِكَ ، وَعَهِدْتُ إِلَيْكَ عَهْدًا تَقْرَأُهُ ، وَتَعْمَلُ بِمَا فِيهِ ، فَسِرْ إِلَى الشَّامِ حَتَّى يُوَافِيَكَ كِتَابِي فَقَالَ خَالِدٌ : هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَسَدَنِي أَنْ يَكُونَ فَتْحُ الْعِرَاقِ عَلَى يَدَيَّ فَاسْتَخْلَفَ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ الشَّيْبَانِيَّ مَكَانَهُ ، وَسَارَ بِالْأَدِلَّاءِ حَتَّى نَزَل دُومَةَ الْجَنْدَلِ ، فَوَافَاهُ بِهَا كِتَابُ أَبِي بَكْرٍ وَعَهْدِهِ مَعَ شَرِيكِ بْنِ عَبْدَةَ الْعَجْلَانِيِّ ، فَكَانَ خَالِدٌ أَحَدَ الْأُمَرَاءِ بِالشَّامِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ ، وَفَتَحَ بِهَا فُتُوحًا كَثِيرَةً ، وَهُوَ وَلِيَ صُلْحَ أَهْلِ دِمَشْقَ ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا ، فَأَنْفَذُوا ذَلِكَ لَهُ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ ، وَوَلِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَزَلَ خَالِدًا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ ، وَوَلَّى أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ ، فَلَمْ يَزَلْ خَالِدٌ مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ فِي جُنْدِهِ يَغْزُو ، وَكَانَ لَهُ بَلَاءٌ وَغَنَاءٌ وَإِقْدَامٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِحِمْصَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ ، وَأَوْصَى إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، وَدُفِنَ فِي قَرْيَةٍ عَلَى مِيلٍ مِنْ حِمْصَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ : سَأَلْتُ عَنْ تِلْكَ الْقَرْيَةِ ، فَقَالُوا : قَدْ دَثَرَتْ