" لَمَّا وَثَبَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيَالِيَ الْحَرَّةِ , فَأَخْرَجُوا بَنِي أُمَيَّةَ عَنِ الْمَدِينَةِ , وَأَظْهَرُوا عَيْبَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَخِلَافَهُ أَجْمَعُوا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ , فَأَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إِلَيْهِ , فَبَايَعَهُمْ عَلَى الْمَوْتِ , وَقَالَ : يَا قَوْمُ , اتَّقُوا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ , فَوَاللَّهِ مَا خَرَجْنَا عَلَى يَزِيدَ حَتَّى خِفْنَا أَنْ نُرْمَى بِالْحِجَارَةِ مِنَ السَّمَاءِ . إِنَّ رَجُلًا يَنْكِحُ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتَ وَالْأَخَوَاتِ , وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ , وَيَدَعُ الصَّلَاةَ , وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ لَأَبْلَيْتُ لِلَّهِ فِيهِ بَلَاءً حَسَنًا , فَتَوَاثَبَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يُبَايِعُونَ مِنْ كُلِّ النَّوَاحِي , وَمَا كَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ تِلْكَ اللَّيَالِي مَبِيتٌ إِلَّا الْمَسْجِدُ , وَمَا كَانَ يَزِيدُ عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ سَوِيقٍ يُفْطِرُ عَلَيْهَا إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْغَدِ يُؤْتَى بِهَا فِي الْمَسْجِدِ يَصُومُ الدَّهْرُ , وَمَا رُئِيَ رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ إِخْبَاتا , فَلَمَّا دَنَا أَهْلُ الشَّامِ مِنْ وَادِي الْقُرَى صَلَّى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ , ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ , فَحَمِدَ اللَّهَ , وَأَثْنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ , إِنَّمَا خَرَجْتُمْ غَضَبًا لِدِينِكُمْ , فَأَبْلُوا لِلَّهِ بَلَاءً حَسَنًا لِيوجِبْ لَكُمْ بِهِ مَغْفِرَتَهُ وَيُحِلَّ بِهِ عَلَيْكُمْ رِضْوَانَهُ . قَدْ خَبَّرَنِي مَنْ نَزَلَ مَعَ الْقَوْمِ السُّوَيْدَاءَ , وَقَدْ نَزَلَ الْقَوْمُ الْيَوْمَ ذَا خَشَبٍ وَمَعَهُمْ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ , وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مُحَيِّنُهُ بِنَقْضِهِ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَتَصَايَحَ النَّاسُ , وَجَعَلُوا يَنَالُونَ مِنْ مَرْوَانَ , وَيَقُولُونَ : الْوَزَغُ بْنُ الْوَزَغُ , وَجَعَلَ ابْنُ حَنْظَلَةَ يُهَدِّئَهُمْ , وَيَقُولُ : إِنَّ الشَّتْمَ لَيْسَ بِشَيْءٍ , وَلَكِنِ اصْدِقُوهُمُ اللِّقَاءَ , وَاللَّهِ مَا صَدَقَ قَوْمٌ قَطُّ إِلَّا حَازُوا النَّصْرَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ , ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ , وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ , وَقَالَ : اللَّهُمَّ , إِنَّا بِكَ وَاثِقُونَ , وَبِكَ آمَنَّا , وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا , وَإِلَيْكَ أَلْجَأْنَا ظُهُورَنَا , ثُمَّ نَزَلَ وَصَبَّحَ الْقَوْمُ الْمَدِينَةَ , فَقَاتَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى كَثَرَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ , وَدَخَلَتِ الْمَدِينَةُ مِنَ النَّوَاحِي كُلِّهَا , فَلَبِسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ يَوْمَئِذٍ دِرْعَيْنِ , وَجَعَلَ يَحُضُّ أَصْحَابَهُ عَلَى الْقِتَالِ , فَجَعَلُوا يُقَاتِلُونَ , وَقُتِلَ النَّاسُ , فَمَا تُرَى إِلَّا رَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ مُمْسِكًا بِهَا مَعَ عِصَابَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ , وَحَانَتِ الظُّهْرُ , فَقَالَ لِمَوْلًى لَهُ : احْمِ لِي ظَهْرِي حَتَّى أُصَلِّي , فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا مُتَمَكِّنًا , فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ لَهُ مَوْلَاهُ : وَاللَّهِ , يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا بَقِيَ أَحَدٌ , فَعَلَامَ نُقِيمُ وَلِوَاؤُهُ قَائِمٌ مَا حَوْلَهُ خَمْسَةٌ ؟ فَقَالَ : وَيْحَكَ إِنَّمَا خَرَجْنَا عَلَى أَنْ نَمُوتَ , ثُمَّ انْصَرَفَ مِنَ الصَّلَاةِ وَبِهِ جِرَاحَاتٌ كَثِيرَةٌ , فَتَقَلَّدَ السَّيْفَ وَنَزَعَ الدِّرْعَ , وَلَبِسَ سَاعِدَيْنِ مِنْ دِيبَاجٍ , ثُمَّ حَثَّ النَّاسَ عَلَى الْقِتَالِ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ كَالْأَنْعَامِ الشُّرَّدِ , وَأَهْلُ الشَّامِ يَقْتُلُونَهُمْ فِي كُلِّ وَجْهٍ , فَلَمَّا هُزِمَ النَّاسُ , طَرَحَ الدِّرْعَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ سِلَاحٍ , وَجَعَلَ يُقَاتِلُهُمْ وَهُوَ حَاسِرٌ حَتَّى قَتَلُوهُ . ضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ فَقَطَعَ مَنْكِبَيْهِ حَتَّى بَدَا سَحْرُهُ وَوَقَعَ مَيِّتًا , فَجَعَلَ مُسْرِفٌ يَطُوفُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فِي الْقَتْلَى وَمَعَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ فَمَرَّ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ وَهُوَ مَادٌّ إِصْبَعَهُ السَّبَّابَةَ , فَقَالَ مَرْوَانُ : أَمَا وَاللَّهِ , لَئِنْ نَصَبْتَهَا مَيِّتًا لَطَالَ مَا نَصَبْتَهَا حَيًّا , وَلَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ مَقَامٌ , فَانْكَشَفُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ وَكَانَ الَّذِي وَلِيَ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ رَجُلَانِ شُرَّعًا فِيهِ جَمِيعًا وَحَزَّا رَأْسَهُ , وَانْطَلَقَ بِهِ أَحَدُهُمَا إِلَى مُسْرِفٍ وَهُوَ يَقُولُ : رَأْسُ أَمِيرِ الْقَوْمِ , فَأَوْمَأَ مُسْرِفٌ بِالسُّجُودِ , وَهُوَ عَلَى دَابَّتِهِ , وَقَالَ : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ . قَالَ : مَا اسْمُكَ ؟ قَالَ : مَالِكٌ . قَالَ : فَأَنْتَ وَلَّيْتَ قَتْلَهُ وَحَزَّ رَأْسِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . وَجَاءَ الْآخَرُ رَجُلٌ مِنَ السُّكُونِ , مِنْ أَهْلِ حِمْصَ , يُقَالُ لَهُ سَعْدُ بْنُ الْجَوْنِ , فَقَالَ : أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ , نَحْنُ شَرَعْنَا فِيهِ رُمْحَيْنَا , فَأَنْفَذْنَاهُ بِهِمَا , ثُمَّ ضَرَبْنَاهُ بِسَيْفِينَا حَتَّى تَثَلَّمَا مِمَّا يَلْتَقِيَانِ . قَالَ الْفَزَارِيُّ : بَاطِلٌ . قَالَ السَّكُونِيُّ : فَأَحْلَفَهُ بِالطَّلَاقِ وَالْحُرِّيَةِ , فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَحَلَفَ السَّكُونِيُّ عَلَى مَا قَالَ , فَقَالَ مُسْرِفٌ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَحْكُمُ فِي أَمْرِكُمَا , فَأَبْرَدَهُمَا , فَقَدِمَا عَلَى يَزِيدَ بِقَتْلِ أَهْلِ الْحَرَّةِ , وَبِقَتْلِ ابْنِ حَنْظَلَةَ , فَأَجَازَهُمَا بِجَوَائِزَ عَظِيمَةٍ , وَجَعَلَهُمَا فِي شَرَفٍ مِنَ الدِّيوَانِ , ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْحُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ , فَقُتِلَا فِي حِصَارِ ابْنِ الزُّبَيْرِ "
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيُّ , عَنْ أَبِيهِ قَالَ : وَأَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ , عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسَّانَ قَالَ : وَحَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ , عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى , عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيم , عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ , وَعَنْ غَيْرِهِمْ أَيْضًا كُلٌّ قَدْ حَدَّثَنِي قَالُوا : لَمَّا وَثَبَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لَيَالِيَ الْحَرَّةِ , فَأَخْرَجُوا بَنِي أُمَيَّةَ عَنِ الْمَدِينَةِ , وَأَظْهَرُوا عَيْبَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَخِلَافَهُ أَجْمَعُوا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ , فَأَسْنَدُوا أَمْرَهُمْ إِلَيْهِ , فَبَايَعَهُمْ عَلَى الْمَوْتِ , وَقَالَ : يَا قَوْمُ , اتَّقُوا اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ , فَوَاللَّهِ مَا خَرَجْنَا عَلَى يَزِيدَ حَتَّى خِفْنَا أَنْ نُرْمَى بِالْحِجَارَةِ مِنَ السَّمَاءِ . إِنَّ رَجُلًا يَنْكِحُ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتَ وَالْأَخَوَاتِ , وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ , وَيَدَعُ الصَّلَاةَ , وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعِي أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ لَأَبْلَيْتُ لِلَّهِ فِيهِ بَلَاءً حَسَنًا , فَتَوَاثَبَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ يُبَايِعُونَ مِنْ كُلِّ النَّوَاحِي , وَمَا كَانَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ تِلْكَ اللَّيَالِي مَبِيتٌ إِلَّا الْمَسْجِدُ , وَمَا كَانَ يَزِيدُ عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ سَوِيقٍ يُفْطِرُ عَلَيْهَا إِلَى مِثْلِهَا مِنَ الْغَدِ يُؤْتَى بِهَا فِي الْمَسْجِدِ يَصُومُ الدَّهْرُ , وَمَا رُئِيَ رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ إِخْبَاتا , فَلَمَّا دَنَا أَهْلُ الشَّامِ مِنْ وَادِي الْقُرَى صَلَّى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ بِالنَّاسِ الظُّهْرَ , ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ , فَحَمِدَ اللَّهَ , وَأَثْنَى عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ , إِنَّمَا خَرَجْتُمْ غَضَبًا لِدِينِكُمْ , فَأَبْلُوا لِلَّهِ بَلَاءً حَسَنًا لِيوجِبْ لَكُمْ بِهِ مَغْفِرَتَهُ وَيُحِلَّ بِهِ عَلَيْكُمْ رِضْوَانَهُ . قَدْ خَبَّرَنِي مَنْ نَزَلَ مَعَ الْقَوْمِ السُّوَيْدَاءَ , وَقَدْ نَزَلَ الْقَوْمُ الْيَوْمَ ذَا خَشَبٍ وَمَعَهُمْ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ , وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مُحَيِّنُهُ بِنَقْضِهِ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , فَتَصَايَحَ النَّاسُ , وَجَعَلُوا يَنَالُونَ مِنْ مَرْوَانَ , وَيَقُولُونَ : الْوَزَغُ بْنُ الْوَزَغُ , وَجَعَلَ ابْنُ حَنْظَلَةَ يُهَدِّئَهُمْ , وَيَقُولُ : إِنَّ الشَّتْمَ لَيْسَ بِشَيْءٍ , وَلَكِنِ اصْدِقُوهُمُ اللِّقَاءَ , وَاللَّهِ مَا صَدَقَ قَوْمٌ قَطُّ إِلَّا حَازُوا النَّصْرَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ , ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ , وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ , وَقَالَ : اللَّهُمَّ , إِنَّا بِكَ وَاثِقُونَ , وَبِكَ آمَنَّا , وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا , وَإِلَيْكَ أَلْجَأْنَا ظُهُورَنَا , ثُمَّ نَزَلَ وَصَبَّحَ الْقَوْمُ الْمَدِينَةَ , فَقَاتَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى كَثَرَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ , وَدَخَلَتِ الْمَدِينَةُ مِنَ النَّوَاحِي كُلِّهَا , فَلَبِسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ يَوْمَئِذٍ دِرْعَيْنِ , وَجَعَلَ يَحُضُّ أَصْحَابَهُ عَلَى الْقِتَالِ , فَجَعَلُوا يُقَاتِلُونَ , وَقُتِلَ النَّاسُ , فَمَا تُرَى إِلَّا رَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ مُمْسِكًا بِهَا مَعَ عِصَابَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ , وَحَانَتِ الظُّهْرُ , فَقَالَ لِمَوْلًى لَهُ : احْمِ لِي ظَهْرِي حَتَّى أُصَلِّي , فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا مُتَمَكِّنًا , فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ لَهُ مَوْلَاهُ : وَاللَّهِ , يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا بَقِيَ أَحَدٌ , فَعَلَامَ نُقِيمُ وَلِوَاؤُهُ قَائِمٌ مَا حَوْلَهُ خَمْسَةٌ ؟ فَقَالَ : وَيْحَكَ إِنَّمَا خَرَجْنَا عَلَى أَنْ نَمُوتَ , ثُمَّ انْصَرَفَ مِنَ الصَّلَاةِ وَبِهِ جِرَاحَاتٌ كَثِيرَةٌ , فَتَقَلَّدَ السَّيْفَ وَنَزَعَ الدِّرْعَ , وَلَبِسَ سَاعِدَيْنِ مِنْ دِيبَاجٍ , ثُمَّ حَثَّ النَّاسَ عَلَى الْقِتَالِ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ كَالْأَنْعَامِ الشُّرَّدِ , وَأَهْلُ الشَّامِ يَقْتُلُونَهُمْ فِي كُلِّ وَجْهٍ , فَلَمَّا هُزِمَ النَّاسُ , طَرَحَ الدِّرْعَ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ سِلَاحٍ , وَجَعَلَ يُقَاتِلُهُمْ وَهُوَ حَاسِرٌ حَتَّى قَتَلُوهُ . ضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ فَقَطَعَ مَنْكِبَيْهِ حَتَّى بَدَا سَحْرُهُ وَوَقَعَ مَيِّتًا , فَجَعَلَ مُسْرِفٌ يَطُوفُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فِي الْقَتْلَى وَمَعَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ فَمَرَّ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ وَهُوَ مَادٌّ إِصْبَعَهُ السَّبَّابَةَ , فَقَالَ مَرْوَانُ : أَمَا وَاللَّهِ , لَئِنْ نَصَبْتَهَا مَيِّتًا لَطَالَ مَا نَصَبْتَهَا حَيًّا , وَلَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْظَلَةَ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ مَقَامٌ , فَانْكَشَفُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ وَكَانَ الَّذِي وَلِيَ قَتْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ رَجُلَانِ شُرَّعًا فِيهِ جَمِيعًا وَحَزَّا رَأْسَهُ , وَانْطَلَقَ بِهِ أَحَدُهُمَا إِلَى مُسْرِفٍ وَهُوَ يَقُولُ : رَأْسُ أَمِيرِ الْقَوْمِ , فَأَوْمَأَ مُسْرِفٌ بِالسُّجُودِ , وَهُوَ عَلَى دَابَّتِهِ , وَقَالَ : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ : رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ . قَالَ : مَا اسْمُكَ ؟ قَالَ : مَالِكٌ . قَالَ : فَأَنْتَ وَلَّيْتَ قَتْلَهُ وَحَزَّ رَأْسِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ . وَجَاءَ الْآخَرُ رَجُلٌ مِنَ السُّكُونِ , مِنْ أَهْلِ حِمْصَ , يُقَالُ لَهُ سَعْدُ بْنُ الْجَوْنِ , فَقَالَ : أَصْلَحَ اللَّهُ الْأَمِيرَ , نَحْنُ شَرَعْنَا فِيهِ رُمْحَيْنَا , فَأَنْفَذْنَاهُ بِهِمَا , ثُمَّ ضَرَبْنَاهُ بِسَيْفِينَا حَتَّى تَثَلَّمَا مِمَّا يَلْتَقِيَانِ . قَالَ الْفَزَارِيُّ : بَاطِلٌ . قَالَ السَّكُونِيُّ : فَأَحْلَفَهُ بِالطَّلَاقِ وَالْحُرِّيَةِ , فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَحَلَفَ السَّكُونِيُّ عَلَى مَا قَالَ , فَقَالَ مُسْرِفٌ : أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَحْكُمُ فِي أَمْرِكُمَا , فَأَبْرَدَهُمَا , فَقَدِمَا عَلَى يَزِيدَ بِقَتْلِ أَهْلِ الْحَرَّةِ , وَبِقَتْلِ ابْنِ حَنْظَلَةَ , فَأَجَازَهُمَا بِجَوَائِزَ عَظِيمَةٍ , وَجَعَلَهُمَا فِي شَرَفٍ مِنَ الدِّيوَانِ , ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْحُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ , فَقُتِلَا فِي حِصَارِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ : وَكَانَتِ الْحَرَّةُ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ