عَنْ نَافِعٍ , قَالَ : ضُرِبَ مَرْوَانُ يَوْمَ الدَّارِ ضَرْبَةً جَدَّتْ أُذُنَيْهِ , فَجَاءَ رَجُلٌ , وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَجْهَزَ عَلَيْهِ . قَالَ : فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ : سُبْحَانَ اللَّهِ , تُمَثِّلُ بِجَسِدِ مَيِّتٍ , فَتَرَكَهُ .
أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ , قَالَ : حَدَّثَنِي جُوَيْرِيَةُ ابْنُ أَسْمَاءٍ , عَنْ نَافِعٍ , قَالَ : ضُرِبَ مَرْوَانُ يَوْمَ الدَّارِ ضَرْبَةً جَدَّتْ أُذُنَيْهِ , فَجَاءَ رَجُلٌ , وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَجْهَزَ عَلَيْهِ . قَالَ : فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ : سُبْحَانَ اللَّهِ , تُمَثِّلُ بِجَسِدِ مَيِّتٍ , فَتَرَكَهُ . قَالُوا : فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَسَارَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَعَائِشَةُ إِلَى الْبَصْرَةِ يَطْلُبُونَ بِدَمِ عُثْمَانَ خَرَجَ مَعَهُمْ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ , فَقَاتَلَ يَوْمَئِذٍ أَيْضًا قِتَالًا شَدِيدًا , فَلَمَّا رَأَى انْكِشَافَ النَّاسِ نَظَرَ إِلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَاقِفًا , فَقَالَ : وَاللَّهِ , إِنْ دَمُ عُثْمَانَ إِلَّا عِنْدَ هَذَا ؛ هُوَ كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَيْهِ , وَمَا أَطْلُبُ أَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ , فَفَوَّقَ لَهُ بِسَهْمٍ , فَرَمَاهُ بِهِ فَقَتَلَهُ , وَقَاتَلَ مَرْوَانُ أَيْضًا حَتَّى ارْتُثَّ , فَحُمِلَ إِلَى بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ عَنَزَةَ , فَدَاوَوْهُ , وَقَامُوا عَلَيْهِ , فَمَا زَالَ آلُ مَرْوَانَ يَشْكُرُونَ ذَلِكَ لَهُمْ , وَانْهَزَمَ أَصْحَابُ الْجَمَلِ , وَتَوَارَى مَرْوَانُ حَتَّى أُخِذَ لَهُ الْأَمَانُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ , فَأَمَّنَهُ , فَقَالَ مَرْوَانُ : مَا تُقِرَّنِي نَفْسِي حَتَّى آتِيَهُ , فَأُبَايِعَهُ , فَأَتَاهُ , فَبَايَعَهُ , ثُمَّ انْصَرَفَ مَرْوَانُ إِلَى الْمَدِينَةِ , فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى وَلِيَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْخِلَافَةَ , فَوَلَّى مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ الْمَدِينَةَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ , ثُمَّ عَزَلَهُ , وَوَلَّى سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ , ثُمَّ عَزَلَهُ , وَأَعَادَ مَرْوَانَ , ثُمَّ عَزَلَهُ , وَأَعَادَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ , فَعَزَلَهُ وَوَلَّى الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ , فَلَمْ يَزَلْ عَلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى مَاتَ مُعَاوِيَةُ وَمَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ مَعْزُولٌ عَنِ الْمَدِينَةِ , ثُمَّ وَلَّى يَزِيدُ بَعْدَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ الْمَدِينَةَ عُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ , فَلَمَّا وَثَبَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَيَّامَ الْحَرَّةِ أَخْرِجُوا عُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدٍ , وَبَنِي أُمَيَّةَ مِنَ الْمَدِينَةِ , فَأَجْلَوْهُمْ عَنْهَا إِلَى الشَّامِ , وَفِيهِمْ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ , وَأَخَذُوا عَلَيْهِمُ الْأَيْمَانَ أَلَّا يَرْجِعُوا إِلَيْهِمْ , وَإِنْ قَدَرُوا أَنْ يَرُدُّوا هَذَا الْجَيْشَ الَّذِي قَدْ وُجِّهَ إِلَيْهِمْ مَعَ مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ الْمُرِّيِّ أَنْ يَفْعَلُوا , فَلَمَّا اسْتَقْبَلُوا مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ سَلَّمُوا عَلَيْهِ , وَجَعَلَ يُسَائِلُهُمْ عَنِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِهَا , فَجَعَلَ مَرْوَانُ يُخْبِرُهُ وَيُحَرِّضُهُ عَلَيْهِمْ , فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ : مَا تَرَوْنَ ؟ تَمْضُونَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ تَرْجِعُونَ مَعِي ؟ فَقَالُوا : بَلْ نَمْضِيَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ , وَقَالَ مَرْوَانُ مِنْ بَيْنَهُمْ : أَمَّا أَنَا فَأَرْجِعُ مَعَكَ , فَرَجَعَ مَعَهُ مُؤَازِرًا لَهُ , مُعِينًا لَهُ عَلَى أَمَرِهِ حَتَّى ظُفِرَ بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ , وَقُتِلُوا , وَانْتُهِبَتِ الْمَدِينَةُ ثَلَاثًا , وَكَتَبَ مُسْلِمُ بْنُ عُقْبَةَ بِذَلِكَ إِلَى يَزِيدَ , وَكَتَبَ يَشْكُرُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ , وَيُذْكَرُ مَعُونَتَهُ إِيَّاهُ , وَمُنَاصَحَتَهُ , وَقِيَامَهُ مَعَهُ , وَقَدِمَ مَرْوَانُ عَلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الشَّامَ , فَشَكَرَ ذَلِكَ لَهُ يَزِيدُ , وَقَرَّبَهُ , وَأَدْنَاهُ , فَلَمْ يَزَلْ مَرْوَانُ بِالشَّامِ حَتَّى مَاتَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ , وَقَدْ كَانَ عَقَدَ لِابْنِهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَزِيدَ بِالْعَهْدِ بَعْدَهُ , فَبَايَعَ لَهُ النَّاسُ , وَأَتَتْهُ بَيْعَةُ الْآفَاقِ إِلَّا مَا كَانَ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَهْلِ مَكَّةَ فَوَلِيَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ , وَيُقَالُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً , وَلَمْ يَزَلْ فِي الْبَيْتِ لَمْ يَخْرُجْ إِلَى النَّاسِ كَانَ مَرِيضًا , فَكَانَ يَأْمُرُ الضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِدِمَشْقَ , فَلَمَّا ثَقُلَ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَزِيدَ قِيلَ لَهُ : لَوْ عَهِدْتَ إِلَى رَجُلٍ عَهْدًا , وَاسْتَخْلَفْتَ خَلِيفَةً , فَقَالَ : وَاللَّهِ , مَا نَفَعَتْنِي حَيًّا فَأَتَقَلَّدُهَا مَيِّتًا , وَإِنْ كَانَ خَيْرًا فَقَدِ اسْتَكْثَرَ مِنْهُ آلُ أَبِي سُفْيَانَ , لَا تَذْهَبُ بَنُو أُمَيَّةَ بِحَلَاوَتِهَا , وَأَتَقَلَّدُ مَرَارَتَهَا , وَاللَّهِ لَا يَسْأَلُنِي اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ أَبَدًا وَلَكِنْ إِذَا مُتُّ فَلْيُصَلِّ عَلَيَّ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ , وَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ حَتَّى يَخْتَارُ النَّاسُ لِأَنْفُسِهِمْ , وَيَقُومُ بِالْخِلَافَةِ قَائِمٌ , فَلَمَّا مَاتَ صَلَّى عَلَيْهِ الْوَلِيدُ , وَقَامَ بِأَمْرِ النَّاسِ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ , فَلَمَّا دُفِنَ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَزِيدَ قَامَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ عَلَى قَبْرِهِ , فَقَالَ : أَتَدْرُونَ مَنْ دَفَنْتُمْ ؟ قَالُوا : مُعَاوِيَةُ بْنُ يَزِيدَ , فَقَالَ : هَذَا أَبُو لَيْلَى , فَقَالَ : أَزْنَمُ الْفَزَارِيُّ : إِنِّي أَرَى فِتَنًا تَغْلِي مَرَاجِلُهَا فَالْمُلْكُ بَعْدَ أَبِي لَيْلَى لِمَنْ غَلَبَا وَاخْتَلَفَ النَّاسُ بِالشَّامِ , فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَ أُمَرَاءَ الْأَجْنَادِ , وَدَعَا إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ بِحِمْصَ , وَزُفَرُ بْنُ الْحَارِثِ بِقِنَّسْرِينَ , ثُمَّ دَعَا الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ بِدِمَشْقَ النَّاسَ سِرًّا , ثُمَّ دَعَا النَّاسُ إِلَى بَيْعَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَلَانِيَةً , فَأَجَابَهُ النَّاسُ إِلَى ذَلِكَ , وَبَايَعُوهُ لَهُ , وَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ الزُّبَيْرِ , فَكَتَبَ إِلَى الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ بِعَهْدِهِ عَلَى الشَّامِ , فَكَتَبَ الضَّحَّاكُ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ مِمَّنْ دَعَا إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ , فَأَتَوْهُ , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مَرْوَانُ خَرَجَ يُرِيدُ ابْنَ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ لِيُبَايِعَ لَهُ , وَيَأْخُذَ مِنْهُ أَمَانًا لِبَنِي أُمَيَّةَ , وَخَرَجَ مَعَهُ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ , فَلَمَّا كَانُوا بِأَذْرِعَاتٍ وَهِيَ مَدِينَةُ الْبَثَنِيَّةِ لَقِيَهُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ مُقْبِلًا مِنَ الْعِرَاقِ , فَقَالَ لِمَرْوَانَ : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ فَأَخْبَرَهُ , فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ , أَرَضِيتَ لِنَفْسِكَ بِهَذَا ؟ تُبَايِعُ لِأَبِي خُبَيْبٍ وَأَنْتَ سَيِّدُ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَاللَّهِ , لَأَنْتَ أَوْلَى بِهَا مِنْهُ , فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ : فَمَا الرَّأْيُ ؟ قَالَ : أَنْ تَرْجِعَ , وَتَدْعُو إِلَى نَفْسِكَ , وَأَنَا أَكْفِيكَ قُرَيْشًا وَمَوَالِيَهَا , وَلَا يُخَالِفُكَ مِنْهُمْ أَحَدٌ , فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ : صَدَقَ عُبَيْدُ اللَّهِ ؛ إِنَّكَ لَجَذْمُ قُرَيْشٍ وَشَيْخُهَا وَسَيِّدُهَا , وَمَا يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَّا إِلَى هَذَا الْغُلَامِ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ , فَتَزَوَّجْ أُمَّهُ , فَيَكُونَ فِي حِجْرِكَ , وَادْعُ إِلَى نَفْسِكَ ؛ فَأَنَا أَكْفِيكَ الْيَمَانِيَةَ , فَإِنَّهُمْ لَا يُخَالِفُونَنِي ، وَكَانَ مُطَاعًا عِنْدَهُمْ ، عَلَى أَنْ تُبَايِعَ لِي مِنْ بَعْدِكَ . قَالَ : نَعَمْ , فَرَجَعَ مَرْوَانُ وَعَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ وَمَنْ مَعَهُمَا , وَقَدِمَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ دِمَشْقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ , فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ , فَصَلَّى , ثُمَّ خَرَجَ , فَنَزَلَ بَابَ الْفَرَادِيسِ , فَكَانَ يَرْكَبُ إِلَى الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ كُلَّ يَوْمٍ ؛ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ , ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى مَنْزِلِهِ , فَقَالَ لَهُ يَوْمًا : يَا أَبَا أُنَيْسٍ , الْعَجَبُ لَكَ وَأَنْتَ شَيْخُ قُرَيْشٍ تَدْعُو لِابْنِ الزُّبَيْرِ وَتَدَعْ نَفْسَكَ وَأَنْتَ أَرْضَى عِنْدَ النَّاسِ مِنْهُ , فَادْعُ إِلَى نَفْسِكَ , فَدَعَا إِلَى نَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ , فَقَالَ لَهُ النَّاسُ : أَخَذْتَ بَيْعَتَنَا وَعُهُودَنَا لِرَجُلٍ , ثُمَّ تَدْعُو إِلَى خَلْعِهِ عَنْ غَيْرِ حَدَثٍ أَحْدَثَهُ , فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَادَ إِلَى الدُّعَاءِ لِابْنِ الزُّبَيْرِ , فَأَفْسَدَهُ ذَلِكَ عِنْدَ النَّاسِ وَغَيَّرَ قُلُوبَهُمْ عَلَيْهِ , فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ وَمَكَرَ بِهِ : مَنْ أَرَادَ مَا تُرِيدُ لَمْ يَنْزِلِ الْمَدَائِنَ وَالْحُصُونَ , يُبَرَّزُ وَيُجْمَعُ إِلَيْهِ الْخَيْلُ , فَاخْرُجْ عَنْ دِمَشْقَ , وَاضْمُمْ إِلَيْكَ الْأَجْنَادَ , فَخَرَجَ الضَّحَّاكُ , فَنَزَلَ الْمَرْجَ , وَبَقِيَ عُبَيْدُ اللَّهِ بِدِمَشْقَ , وَمَرْوَانُ , وَبَنُو أُمَيَّةَ بِتَدْمُرَ , وَخَالِدٌ , وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنَا يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِالْجَابِيَةِ عِنْدَ خَالِهِمَا حَسَّانَ بْنِ مَالِكِ بْنِ بَحْدَلٍ , فَكَتَبَ عُبَيْدُ اللَّهِ إِلَى مَرْوَانَ أَنِ ادْعُ النَّاسَ إِلَى بَيْعَتِكَ , وَاكْتُبْ إِلَى حَسَّانَ بْنِ مَالِكٍ فَلْيَأْتِكَ ؛ فِإِنَّهُ لَنْ يَرُدَّكَ عَنْ بَيْعَتِكَ , ثُمَّ سِرْ إِلَى الضَّحَّاكِ , فَقَدْ أَصْحَرَ لَكَ , فَدَعَا مَرْوَانُ بَنِي أُمَيَّةَ وَمَوَالِيَهُمْ , فَبَايَعُوهُ , وَتَزَوَّجَ أُمَّ خَالِدٍ بِنْتَ أَبِي هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ , وَكَتَبَ إِلَى حَسَّانَ بْنِ مَالِكِ بْنِ بَحْدَلٍ يَدْعُوهُ أَنْ يُبَايِعَ لَهُ وَيَقْدَمَ عَلَيْهِ , فَأَبَى , فَأُسْقِطَ فِي يَدَيْ مَرْوَانَ , فَأَرْسَلَ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ , فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللَّهِ أَنِ اخْرُجْ إِلَيْهِ فِيمَنْ مَعَكَ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ , فَخَرَجَ إِلَيْهِ مَرْوَانُ وَبَنُو أُمَيَّةَ جَمِيعًا مَعَهُ وَهُوَ بِالْجَابِيَةِ وَالنَّاسُ بِهَا مُخْتَلِفُونَ , فَدَعَاهُ إِلَى الْبَيْعَةِ , فَقَالَ حَسَّانُ : وَاللَّهِ , لَئِنْ بَايَعْتُمْ مَرْوَانَ لَيَحْسِدَنَّكُمْ عَلَاقَةُ سَوْطٍ , وَشِرَاكُ نَعْلٍ , وَظِلُّ شَجَرَةٍ ؛ إِنَّ مَرْوَانَ وَآلَ مَرْوَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ قَيْسٍ يُرِيدُ أَنَّ مَرْوَانَ أَبُو عَشَرَةٍ وَأَخُو عَشَرَةٍ , فَإِنْ بَايَعْتُمْ لَهُ كُنْتُمْ عَبِيدًا لَهُمْ ؛ فَأَطِيعُونِي , وَبَايِعُوا خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ , فَقَالَ رَوْحُ بْنُ زِنْبَاعٍ : بَايَعُوا الْكَبِيرَ , وَاسْتَشِبُّوا الصَّغِيرَ , فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ مَالِكٍ لِخَالِدٍ : يَا ابْنَ أُخْتِي , هَوَايَ فِيكَ وَقَدْ أَبَاكَ النَّاسُ لِلْحَدَاثَةِ , وَمَرْوَانُ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْكَ , وَمِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ . قَالَ : بَلْ عَجَزْتَ . قَالَ : كَلَّا , فَبَايَعَ حَسَّانُ وَأَهْلُ الْأَرْدُنِّ لِمَرْوَانَ عَلَى أَنْ لَا يُبَايِعَ مَرْوَانُ لِأَحَدٍ إِلَّا لِخَالِدِ بْنِ يَزِيدَ , وَلِخَالدٍ إِمْرَةُ حِمْصَ , وَلِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ إِمْرَةُ دِمَشْقَ , فَكَانَتْ بَيْعَةُ مَرْوَانَ بِالْجَابِيَةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلنِّصْفِ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ , وَبَايَعَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ لِمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ أَهْلَ دِمَشْقَ , وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى مَرْوَانَ , فَقَالَ مَرْوَانُ : إِنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُتَمَّمَ لِي خِلَافَةً لَا يَمْنَعَنِيهَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ , فَقَالَ حَسَّانُ بْنُ مَالِكٍ : صَدَقْتَ , وَسَارَ مَرْوَانُ مِنَ الْجَابِيَةِ فِي سِتَّةِ آلَافٍ حَتَّى نَزَلَ مَرْجَ رَاهِطٍ , ثُمَّ لَحِقَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأَجْنَادِ سَبْعَةُ آلَافٍ , فَكَانَ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفًا أَكْثَرُهُمْ رَجَّالَةٌ , وَلَمْ يَكُنْ فِي عَسْكَرِ مَرْوَانَ غَيْرُ ثَمَانِينَ عَتِيقًا , أَرْبَعُونَ مِنْهُمْ لَعَبَّادِ بْنِ زِيَادٍ , وَأَرْبَعُونَ لِسَائِرِ النَّاسِ , وَكَانَ عَلَى مَيْمَنَةِ مَرْوَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ , وَعَلَى مَيْسَرَتِهِ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ , وَكَتَبَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ , فَتَوَافَوا عِنْدَهُ بِالْمَرْجِ , فَكَانَ فِي ثَلَاثِينَ أَلْفًا , وَأَقَامُوا عِشْرِينَ يَوْمًا يَلْتَقُونَ فِي كُلِّ يَوْمٍ , فَيَقْتَتِلُونَ حَتَّى قُتِلَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ , وَقُتِلَ مَعَهُ مِنْ قَيْسٍ بَشَرٌ كَثِيرٌ , فَلَمَّا قُتِلَ الضَّحَّاكُ بْنُ قَيْسٍ وَانْهَزَمَ النَّاسُ رَجَعَ مَرْوَانُ وَمَنْ مَعَهُ إِلَى دِمَشْقَ , وَبَعَثَ عُمَّالَهُ عَلَى الْأَجْنَادِ , وَبَايَعَ لَهُ أَهْلُ الشَّامِ جَمِيعًا , وَكَانَ مَرْوَانُ قَدْ أَطْمَعَ خَالِدَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ , ثُمَّ بَدَا لَهُ فَعَقَدَ لِابْنَيْهِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ ابْنَيْ مَرْوَانَ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَهُ , فَأَرَادَ أَنْ يَضَعَ مِنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ وَيُقَصِّرَ بِهِ وَيُزَهِّدَ النَّاسَ فِيهِ , وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِ أَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِهِ , فَدَخَلَ عَلَيْهِ يَوْمًا , فَذَهَبَ لِيَجْلِسَ مَجْلِسَهُ الَّذِي كَانَ يُجْلِسُهُ , فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ : وزبرة ، تَنَحَّ يَا ابْنَ رَطْبَةَ الْأَسْتَ , وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ لَكَ عَقْلًا , فَانْصَرَفَ خَالِدٌ وَقْتَئِذٍ مُغْضَبًا حَتَّى دَخَلَ عَلَى أُمِّهِ , فَقَالَ : فَضَحْتِنِي , وَقَصَّرْتِ بِي , وَنَكَسْتِ بِرَأْسِي , وَوضَعْتِ أَمْرِي . قَالَتْ : وَمَا ذَاكَ . قَالَ : تَزَوَّجْتِ هَذَا الرَّجُلَ فَصَنَعَ بِي كَذَا وَكَذَا , ثُمَّ أَخْبَرَهَا بِمَا قَالَ , فَقَالَتْ لَهُ : لَا يَسْمَعُ هَذَا مِنْكَ أَحَدٌ , وَلَا يَعْلَمُ مَرْوَانُ أَنَّكَ أَعْلَمْتَنِي بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَادْخُلْ عَلَيَّ كَمَا كُنْتَ تَدْخُلُ وَاطْوِ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى تَرَى عَاقِبَتَهُ ؛ فَإِنِّي سَأَكْفِيكَهُ , وَأَنْتَصِرُ لَكَ مِنْهُ فَسَكَتَ خَالِدٌ , وَخَرَجَ إِلَى مَنْزِلِهِ , وَأَقْبَلَ مَرْوَانُ , فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ أَبِي هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَهِيَ امْرَأَتُهُ , فَقَالَ لَهَا : مَا قَالَ لَكَ خَالِدٌ مَا قُلْتُ لَهُ الْيَوْمَ , وَمَا حَدَّثَكَ بِهِ عَنِّي ؟ فَقَالَتْ : مَا حَدَّثَنِي بِشَيْءٍ , وَلَا قَالَ لِي , فَقَالَ : أَلَمْ يَشْكُنِي إِلَيْكِ , وَيَذْكُرْ تَقْصِيرِي بِهِ , وَمَا كَلَّمْتُهُ بِهِ , فَقَالَتْ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , أَنْتَ أَجَلُّ فِي عَيْنِ خَالِدٍ , وَهُوَ أَشَدُّ لَكَ تَعْظِيمًا مِنْ أَنْ يَحْكِيَ عَنْكَ شَيْئًا أَوْ يَجِدَ مِنْ شَيْءٍ تَقُولُهُ , وَإِنَّمَا أَنْتَ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ لَهُ , فَانْكَسَرَ مَرْوَانُ , وَظَنَّ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى مَا حَكَتْ لَهُ , وَأَنَّهَا قَدْ صَدَقَتْ , وَمَكَثَ حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَانَتِ الْقَائِلَةُ , فَنَامَ عِنْدَهَا , فَوَثَبَتْ هِيَ وَجَوَارِيهَا , فَغَلَّقْنَ الْأَبْوَابَ عَلَى مَرْوَانَ , ثُمَّ عَمَدَتْ إِلَى وِسَادَةٍ , فَوَضَعَتْهَا عَلَى وَجْهِهِ , فَلَمْ تَزَلْ هِيَ وَجَوَارِيهَا يُغَمِّمْنَهُ حَتَّى مَاتَ , ثُمَّ قَامَتْ , فَشَقَّتْ عَلَيْهِ جَيْبَهَا , وَأَمَرَتْ جَوَارِيَهَا وَخَدَمَهَا , فَشَقَقْنَ , وَصِحْنَ عَلَيْهِ , وَقُلْنَ : مَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَجْأَةً , وَذَلِكَ فِي هِلَالِ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ , وَكَانَ مَرْوَانُ يَوْمَئِذِ ابْنَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً , وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ عَلَى الشَّامِ وَمِصْرَ , لَمْ يَعْدُ ذَلِكَ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ , وَيُقَالُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ , وَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَهُ يَوْمًا وَنَظَرَ إِلَيْهِ : لَيَحْمِلَنَّ رَايَةَ ضَلَالَةٍ بَعْدَمَا يَشِيبُ صُدْغَاهُ , وَلَهُ إِمْرَةٌ كَلَحْسَةِ الْكَلْبِ أَنْفَهُ . وَبَايَعَ أَهْلُ الشَّامِ بَعْدَهُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ , فَكَانَتِ الشَّامُ وَمِصْرُ فِي يَدِ عَبْدِ الْمَلِكِ كَمَا كَانَتَا فِي يَدِ أَبِيهِ , وَكَانَ الْعِرَاقُ وَالْحِجَازُ فِي يَدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ , وَكَانَتِ الْفِتْنَةُ بَيْنَهُمَا سَبْعَ سِنِينَ , ثُمَّ قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ سَنَةً , وَاسْتَقَامَ الْأَمْرُ لِعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بَعْدَهُ , وَكَانَ مَرْوَانُ قَدْ رَوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ فِيهَا . وَرَوَى أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ , وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ , وَبُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ , وَرَوَى مَرْوَانُ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ , وَكَانَ مَرْوَانُ فِي وِلَايَتِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ يَجْمَعُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ يَسْتَشِيرُهُمْ وَيَعْمَلُ بِمَا يُجْمِعُونَ لَهُ عَلَيْهِ , وَجَمَعَ الصِّيعَانَ , فَعَايَرَ بَيْنَهَا حَتَّى أَخَذَ أَعْدَلَهَا , فَأَمَرَ أَنْ يُكَالَ بِهِ فَقِيلَ : صَاعُ مَرْوَانَ , وَلَيْسَتْ بِصَاعِ مَرْوَانَ , إِنَّمَا هِيَ صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَلَكِنْ مَرْوَانَ عَايَرَ بَيْنَهَا حَتَّى قَامَ الْكَيْلُ عَلَى أَعْدَلِهَا