سَمِعْتُ عَلِيًّا عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، لَا تُحَدِّثُونَ النَّاسَ إِلَّا بِمَا يَعْلَمُونَ "
قَالَ : وَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ، ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ ، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ : سَمِعْتُ عَلِيًّا عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، لَا تُحَدِّثُونَ النَّاسَ إِلَّا بِمَا يَعْلَمُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا أَنْتَ مُحَدِّثٌ قَوْمًا حَدِيثًا لَمْ تَبْلُغْهُ عُقُولُهُمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ فِتْنَةً وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ قَالَ : لَقَدْ حَدَّثَتُكُمْ بِأَحَادِيثَ ، لَوْ حَدَّثْتُ بِهَا زَمَنَ عُمَرَ لَضَرَبَنِي عُمَرُ بِالدِّرَّةِ قَالَ أَبُو عُمَرَ : احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا مَعْرِفَةَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَغَيْرِهِمُ الطَّاعِنِينَ فِي السُّنَنِ بِحَدِيثِ عُمَرَ هَذَا : أَقِلُّوا الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَبِمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا وَجَعَلُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً إِلَى الزُّهْدِ فِي سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الَّتِي لَا تُوَصِّلُ إِلَى مُرَادِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بِهَا وَالطَّعْنِ عَلَى أَهْلِهَا وَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ ، قَدْ ذَكَرَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْهَا أَنَّ وَجْهَ قَوْلِ عُمَرَ هَذَا إِنَّمَا كَانَ لِقَوْمٍ لَمْ يَكُونُوا أَحْصَوَا الْقُرْآنَ فَخَشِيَ عَلَيْهِمُ الِاشْتِغَالَ بِغَيْرِهِ عَنْهُ إِذْ هُوَ الْأَصْلُ لِكُلِّ عِلْمٍ ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ فِي ذَلِكَ ، وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ عَنْ حَجَّاجٍ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ : مَلَّ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَلَّةً فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا ، فَأَنْزَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {{ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ }} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ : ثُمَّ مَلُّوا مَلَّةً أُخْرَى ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا شَيْئًا فَوْقَ الْحَدِيثِ وَدُونَ الْقُرْآنِ يَعْنُونَ الْقَصَصَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {{ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ }} إِلَى قَوْلِهِ {{ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ }} الْآيَةَ ، قَالَ : فَإِنْ أَرَادُوا الْحَدِيثَ دَلَّهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْحَدِيثِ وَإِنْ أَرَادُوا الْقَصَصَ دَلَّهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْقَصَصِ ، وَقَالَ غَيْرُهُ : إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا نَهَى مِنَ الْحَدِيثِ عَمَّا لَا يُفِيدُ حُكْمًا وَلَا يَكُونُ سُنَّةً ، وَطَعَنَ غَيْرُهُمْ فِي حَدِيثِ قَرَظَةَ هَذَا وَرَدُّوهُ ؛ لِأَنَّ الْآثَارَ الثَّابِتَةَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خِلَافُهُ ، مِنْهَا مَا رَوَى مَالِكٌ وَمَعْمَرٌ وَغَيْرُهُمَا عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَدِيثِ السَّقِيفَةِ أَنَّهُ خَطَبَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ مَقَالَةً قَدْ قُدِّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا ، مَنْ وَعَاهَا وَعَقَلَهَا وَحَفِظَهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ تَنْتَهِي بِهِ رَاحِلَتُهُ ، وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَعِيَهَا فَإِنِّي لَا أُحِلُّ لَهُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيَّ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ مَعَهُ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ مَعَهُ آيَةُ الرَّجْمِ ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَهْيَهُ عَنِ الْإِكْثَارِ وَأْمْرَهُ بِإِقْلَالِ الرِّوَايَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ خَوْفَ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَخَوْفًا أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِكْثَارِ أَنْ يُحَدِّثُوا بِمَا لَمْ يُتْقِنُوا حِفْظَهُ وَلَمْ يَعُوهُ ؛ لِأَنَّ ضَبْطَ مَنْ قَلَّتْ رِوَايَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ ضَبْطِ الْمُسْتَكْثِرِ وَهُوَ أَبْعَدُ مِنَ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ الَّذِي لَا يُؤْمَنُ مَعَ الْإِكْثَارِ ؛ فَلِهَذَا أَمَرَهُمْ عُمَرُ بِالْإِقْلَالِ مِنَ الرِّوَايَةِ وَلَوْ كَرِهَ الرِّوَايَةَ وَذَمَّهَا لَنَهَى عَنِ الْإِقْلَالِ مِنْهَا وَالْإِكْثَارِ ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ : فَمَنْ حَفِظَهَا وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا فَكَيْفَ يَأْمُرُهُمْ بِالْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَيَنْهَاهُمْ عَنْهُ ؟ هَذَا لَا يَسْتَقِيمُ بَلْ كَيْفَ يَنْهَاهُمْ عَنِ الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَيَأْمُرُهُمْ بِالْإِقْلَالِ مِنْهُ وَهُوَ يَنْدُبُهُمْ إِلَى الْحَدِيثِ عَنْ نَفْسِهِ ؟ بِقَوْلِهِ : مَنْ حَفِظَ مَقَالَتِي وَوَعَاهَا فَلْيُحَدِّثْ بِهَا حَيْثُ تَنْتَهِي بِهِ رَاحِلَتُهُ ثُمَّ قَالَ : وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَعِيَهَا فَلَا يَكْذِبْ عَلَيَّ وَهَذَا يُوَضِّحُ لَكَ مَا ذَكَرْنَا ، وَالْآثَارُ الصِّحَاحُ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِ حَدِيثِ قَرَظَةَ هَذَا ، وَإِنَّمَا يَدُورُ عَلَى بَيَانٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَلَيْسَ مِثْلُهُ حُجَّةً فِي هَذَا الْبَابِ ؛ لِأَنَّهُ يُعَارِضُ السُّنَنَ وَالْكِتَابَ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولُ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }} وَقَالَ : {{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }} وَقَالَ فِي النَّبِيِّ : {{ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }} وَقَالَ {{ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ }} ، وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ وَلَا سَبِيلَ إِلَى اتِّبَاعِهِ وَالتَّأَسِّي بِهِ وَالْوُقُوفِ عِنْدَ أَمْرِهِ إِلَّا بِالْخَبَرِ عَنْهُ ، فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ أَحَدٌ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يَأْمُرُ بِخِلَافِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِيَ فَوَعَاهَا ثُمَّ أَدَّاهَا إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ، الْحَدِيثَ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ طُرُقٍ فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ ، وَفِيهِ الْحَضُّ الْوَكِيدُ عَلَى التَّبْلِيغِ عَنْهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَقَالَ : خُذُوا عَنِّي فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ ، وَ بَلِّغُوا عَنِّي وَالْكَلَامُ فِي هَذَا أَوْضَحُ مِنَ النَّهَارِ لِأُولِي النُّهَى والِاعْتِبَارِ وَلَا يَخْلُو الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا ، فَإِنْ كَانَ خَيْرًا وَلَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ خَيْرٌ فَالْإِكْثَارُ مِنَ الْخَيْرِ أَفْضَلُ ، وَإِنْ كَانَ شَرًّا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتَوَهَّمَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُوصِيهِمْ بِالْإِقْلَالِ مِنَ الشَّرِّ ، وَهَذَا يَدُلُّكَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ خَوْفَ مُوَاقَعَةِ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَخَوْفَ الِاشْتِغَالِ عَنْ تَدَبُّرِ السُّنَنِ وَالْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّ الْمُكْثِرَ لَا تَكَادُ تَرَاهُ إِلَّا غَيْرَ مُتَدَبِّرٍ وَلَا مُتَفَقِّهٍ