عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ ، وَدَلِيلُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ اللَّيْثِيُّ فَمَرُّوا بِخَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ ، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَلْدَةً بَرْزَةً تَحْتَبِي وَتَقْعُدُ بِفِنَاءِ الْخَيْمَةِ ، ثُمَّ تَسْقِي وَتُطْعِمُ ، فَسَأَلُوهَا تَمْرًا أَوْ لَحْمًا يَشْتَرُونَ فَلَمْ يُصِيبُوا عِنْدَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، وَإِذَا الْقَوْمُ مُرْمِلُونَ مُسْنِتُونَ ، فَقَالَتْ : وَاللَّهِ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا شَيْءٌ مَا أَعْوَزَكُمُ الْقِرَى ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَاةٍ فِي كَسْرِ الْخَيْمَةِ ، فَقَالَ : " مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ ؟ " قَالَتْ : هَذِهِ شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ ، فَقَالَ : " هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ ؟ " قَالَتْ : هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ : " أَتَأْذَنِينَ لِي أَنْ أَحْلِبَهَا ؟ " قَالَتْ : نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْبًا ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّاةِ فَمَسَحَ ضَرْعَهَا وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ ، وَقَالَ : " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهَا فِي شَاتِهَا " قَالَ : فَتَفَاجَتْ وَدَرَّتْ وَاجْتَرَّتْ فَدَعَا بِإِنَاءٍ لَهَا يَرْبِضُ الرَّهْطَ فَحَلَبَ فِيهِ ثَجًّا حَتَّى عُلْبَةِ الثُّمَالِ فَسَقَاهَا فَشَرِبَتْ حَتَّى رَوَيَتْ ، وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوَوْا وَشَرِبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَهُمْ ، وَقَالَ : " سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ " فَشَرِبُوا جَمِيعًا عَلَلًا بَعْدَ نَهَلٍ حَتَّى أَرَاضُوا ثُمَّ حَلَبَ فِيهِ ثَانِيًا عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ فَغَادَرَهُ عِنْدَهَا ، ثُمَّ ارْتَحُلُوا عَنْهَا ، فَقَلَّمَا لَبَثَتْ أَنْ جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ يَسُوقُ أَعْنُزًا حِيَالًا عِجَافٌا هَزْلَى مَا تُسَاوَقُ مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ ، لَا نِقْيَ بِهِنَّ ، فَلَمَّا رَأَى اللَّبَنَ عَجِبَ ، وَقَالَ : مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا وَالشَّاةُ عَازِبَةٌ وَلَا حَلُوبَةَ فِي الْبَيْتِ ؟ قَالَتْ : لَا وَاللَّهِ إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ كَانَ مِنْ حَدِيثِهِ : كَيْتَ وَكَيْتَ قَالَ : وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ صَاحِبَ قُرَيْشٍ الَّذِي يُطْلَبُ ، صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ ، قَالَتْ : رَأَيْتُ رَجُلًا ظَاهِرَ الْوَضَاءَةِ ، مُتَبَلِّجَ الْوَجْهِ ، حَسَنَ الْخُلُقِ ، لَمْ تَعِبْهُ ثَجْلَةٌ ، وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ ، وَسِيمٌ قَسِيمٌ ، فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ ، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطْفٌ وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ أَحْوَرُ أَكْحَلُ أَزَجُّ أَقْرَنُ ، شَدِيدُ سَوَّادِ الشَّعْرِ ، فِي عُنُقِهِ سَطَعٌ ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَافَةٌ ، إِذَا صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ ، وَإِذَا تَكَلَّمَ سَمَا وَعَلَاهُ الْبَهَاءُ ، وَكَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَتَحَدَّرْنَ حُلْوُ الْمِنْطَقِ ، فَصْلٌ لَا نَزْرَ وَلَا هَذْرَ أَجْهَرُ النَّاسِ وَأَجْمَلُهُ مِنْ بَعِيدٍ وَأَحْلَاهُ وَأَحْسَنَهُ مِنْ قَرِيبٍ رَبْعَةٌ ، لَا تَشْنَؤُهُ مِنْ طُولٍ ، وَلَا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ ، فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلَاثَةِ مَنْظَرًا ، وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا ، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ ، إِذَا قَالَ اسْتَمَعُوا لِقَوْلِهِ ، وَإِذَا أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ ، لَا عَابِثَ وَلَا مُفَنِّدَ قَالَ : هَذَا وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي ذُكِرَ لَنَا مِنْ أَمْرِهِ مَا ذُكِرَ ، وَلَوْ كُنْتُ وَافَقْتُهُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ لَالْتَمَسْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ ، وَلَأَفْعَلَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا وَأَصْبَحَ صَوْتٌ بِمَكَّةَ عَالِيًا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ يَسْمَعُونَهُ وَلَا يَرَوْنَ مَنْ يَقُولُ ، وَهُوَ يَقُولُ : {
} جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ {
}رَفِيقَيْنِ حَلَّا خَيْمَتَيْ أَمِّ مَعْبَدِ {
}{
} هُمَا نَزَلَا بِالْبِرِّ وَارْتَحَلَا بِهِ {
}فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ {
}{
} فَيَالَ قُصَيٍّ مَا زَوَى اللَّهُ عَنْكُمْ {
}بِهِ مِنْ فِعَالٍ لَا يُجَارَى وَسُؤْدَدِ {
}{
} سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا {
}فَإِنَّكُمُ إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ {
}{
} دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ {
}لَهُ بِصَرِيحٍ ضَرَّةُ الشَّاةِ مُزْبِدِ {
}{
} فَغَادَرَهُ رَهْنًا لَدَيْهَا لِحَالِبٍ {
}تُدِرُّ بِهَا فِي مَصْدَرٍ ثُمَّ مَوْرِدِ {
}وَأَصْبَحَ الْقَوْمُ قَدْ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ وَأَخَذُوا عَلَى خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ حَتَّى لَحِقُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ : {
} لَقَدْ خَابَ قَوْمٌ غَابَ عَنْهُمْ نَبِيُّهُمْ {
}وَقُدِّسَ مَنْ يَسْرِي إِلَيْهِمْ وَيَغْتَدِي {
}{
} تَرَحَّلَ عَنْ قَوْمٍ فَزَالَتْ عُقُولُهُمْ {
}وَحَلَّ عَلَى قَوْمٍ بِنُورٍ مُجَدَّدِ {
}{
} وَهَلْ يَسْتَوِي ضُلَّالُ قَوْمٍ تَسَلَّعُوا {
}عَمًى وَهُدَاةٌ يَهْتَدُونَ بِمُهْتَدِ {
}{
} نَبِيٌّ يَرَى مَا لَا يَرَى النَّاسُ حَوْلَهُ {
}وَيَتْلُو كِتَابَ اللَّهِ فِي كُلِّ مَشْهَدِ {
}{
} فَإِنْ قَالَ فِي يَوْمٍ مَقَالَةَ غَائِبِ {
}فَتَصْدِيقُهَا فِي ضَحْوَةِ الْيَوْمِ أَوْ غَدِ {
}{
} لِتَهْنَ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةُ جَدِّهِ {
}بِصُحْبَتِهِ مَنْ يُسْعِدُ اللَّهُ يَسْعَدِ {
}{
} وَيَهْنَ بَنِي كَعْبٍ مَكَانَ فَتَاتِهِمْ {
}وَمَقْعَدِهَا لِلْمُسْلِمِينَ بِمَرْصَدِ {
}قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ : فَبَلَغَنَا أَنَّ أُمَّ مَعْبَدٍ هَاجَرَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَسْلَمَتْ ، وَكَانَ خُرُوجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْغَارِ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، فَقَالَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ بِقُدَيْدٍ ، فَلَمَّا رَاحُوا مِنْهَا عَرَضَ لَهُمْ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسَخَتْ قَوَائِمُ فَرَسِهِ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُطْلِقَ فَرَسِي وَأَرْجِعُ عَنْكَ ، وَأَرُدُّ مَنْ وَرَائِي ، فَفَعَلَ فَأُطْلِقَ وَرَجَعَ ، فَوَجَدَ النَّاسَ يَلْتَمِسُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ارْجِعُوا فَقَدِ اسْتَبْرَأْتُ لَكُمْ مَا هَهُنَا ، وَقَدْ عَرَفْتُمْ بَصَرِي بِالْأَثَرِ فَرَجَعُوا عَنْهُ
أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ قَالَ : حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْبَزَّازُ وَغَيْرُهُ ، قَالُوا : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْوَاسِطِيُّ ، وَيُكَنَّى أَبَا أَحْمَدَ السُّكَّرِيَّ ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ وَهْبٍ الْمَذْحِجِيُّ ، عَنِ الْحُرِّ بْنِ الصَّيَّاحِ ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمَّا هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ ، وَدَلِيلُهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُرَيْقِطٍ اللَّيْثِيُّ فَمَرُّوا بِخَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ ، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَلْدَةً بَرْزَةً تَحْتَبِي وَتَقْعُدُ بِفِنَاءِ الْخَيْمَةِ ، ثُمَّ تَسْقِي وَتُطْعِمُ ، فَسَأَلُوهَا تَمْرًا أَوْ لَحْمًا يَشْتَرُونَ فَلَمْ يُصِيبُوا عِنْدَهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ، وَإِذَا الْقَوْمُ مُرْمِلُونَ مُسْنِتُونَ ، فَقَالَتْ : وَاللَّهِ لَوْ كَانَ عِنْدَنَا شَيْءٌ مَا أَعْوَزَكُمُ الْقِرَى ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى شَاةٍ فِي كَسْرِ الْخَيْمَةِ ، فَقَالَ : مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ ؟ قَالَتْ : هَذِهِ شَاةٌ خَلَّفَهَا الْجَهْدُ عَنِ الْغَنَمِ ، فَقَالَ : هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ ؟ قَالَتْ : هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ : أَتَأْذَنِينَ لِي أَنْ أَحْلِبَهَا ؟ قَالَتْ : نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْبًا ، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِالشَّاةِ فَمَسَحَ ضَرْعَهَا وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ ، وَقَالَ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهَا فِي شَاتِهَا قَالَ : فَتَفَاجَتْ وَدَرَّتْ وَاجْتَرَّتْ فَدَعَا بِإِنَاءٍ لَهَا يَرْبِضُ الرَّهْطَ فَحَلَبَ فِيهِ ثَجًّا حَتَّى عُلْبَةِ الثُّمَالِ فَسَقَاهَا فَشَرِبَتْ حَتَّى رَوَيَتْ ، وَسَقَى أَصْحَابَهُ حَتَّى رَوَوْا وَشَرِبَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ آخِرَهُمْ ، وَقَالَ : سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ فَشَرِبُوا جَمِيعًا عَلَلًا بَعْدَ نَهَلٍ حَتَّى أَرَاضُوا ثُمَّ حَلَبَ فِيهِ ثَانِيًا عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ فَغَادَرَهُ عِنْدَهَا ، ثُمَّ ارْتَحُلُوا عَنْهَا ، فَقَلَّمَا لَبَثَتْ أَنْ جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ يَسُوقُ أَعْنُزًا حِيَالًا عِجَافٌا هَزْلَى مَا تُسَاوَقُ مُخُّهُنَّ قَلِيلٌ ، لَا نِقْيَ بِهِنَّ ، فَلَمَّا رَأَى اللَّبَنَ عَجِبَ ، وَقَالَ : مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا وَالشَّاةُ عَازِبَةٌ وَلَا حَلُوبَةَ فِي الْبَيْتِ ؟ قَالَتْ : لَا وَاللَّهِ إِلَّا أَنَّهُ مَرَّ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ كَانَ مِنْ حَدِيثِهِ : كَيْتَ وَكَيْتَ قَالَ : وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاهُ صَاحِبَ قُرَيْشٍ الَّذِي يُطْلَبُ ، صِفِيهِ لِي يَا أُمَّ مَعْبَدٍ ، قَالَتْ : رَأَيْتُ رَجُلًا ظَاهِرَ الْوَضَاءَةِ ، مُتَبَلِّجَ الْوَجْهِ ، حَسَنَ الْخُلُقِ ، لَمْ تَعِبْهُ ثَجْلَةٌ ، وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ ، وَسِيمٌ قَسِيمٌ ، فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ ، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطْفٌ وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ أَحْوَرُ أَكْحَلُ أَزَجُّ أَقْرَنُ ، شَدِيدُ سَوَّادِ الشَّعْرِ ، فِي عُنُقِهِ سَطَعٌ ، وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَافَةٌ ، إِذَا صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ ، وَإِذَا تَكَلَّمَ سَمَا وَعَلَاهُ الْبَهَاءُ ، وَكَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَتَحَدَّرْنَ حُلْوُ الْمِنْطَقِ ، فَصْلٌ لَا نَزْرَ وَلَا هَذْرَ أَجْهَرُ النَّاسِ وَأَجْمَلُهُ مِنْ بَعِيدٍ وَأَحْلَاهُ وَأَحْسَنَهُ مِنْ قَرِيبٍ رَبْعَةٌ ، لَا تَشْنَؤُهُ مِنْ طُولٍ ، وَلَا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ ، فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلَاثَةِ مَنْظَرًا ، وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا ، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ ، إِذَا قَالَ اسْتَمَعُوا لِقَوْلِهِ ، وَإِذَا أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ ، لَا عَابِثَ وَلَا مُفَنِّدَ قَالَ : هَذَا وَاللَّهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي ذُكِرَ لَنَا مِنْ أَمْرِهِ مَا ذُكِرَ ، وَلَوْ كُنْتُ وَافَقْتُهُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ لَالْتَمَسْتُ أَنْ أَصْحَبَهُ ، وَلَأَفْعَلَنَّ إِنْ وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا وَأَصْبَحَ صَوْتٌ بِمَكَّةَ عَالِيًا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ يَسْمَعُونَهُ وَلَا يَرَوْنَ مَنْ يَقُولُ ، وَهُوَ يَقُولُ : جَزَى اللَّهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ رَفِيقَيْنِ حَلَّا خَيْمَتَيْ أَمِّ مَعْبَدِ هُمَا نَزَلَا بِالْبِرِّ وَارْتَحَلَا بِهِ فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ فَيَالَ قُصَيٍّ مَا زَوَى اللَّهُ عَنْكُمْ بِهِ مِنْ فِعَالٍ لَا يُجَارَى وَسُؤْدَدِ سَلُوا أُخْتَكُمْ عَنْ شَاتِهَا وَإِنَائِهَا فَإِنَّكُمُ إِنْ تَسْأَلُوا الشَّاةَ تَشْهَدِ دَعَاهَا بِشَاةٍ حَائِلٍ فَتَحَلَّبَتْ لَهُ بِصَرِيحٍ ضَرَّةُ الشَّاةِ مُزْبِدِ فَغَادَرَهُ رَهْنًا لَدَيْهَا لِحَالِبٍ تُدِرُّ بِهَا فِي مَصْدَرٍ ثُمَّ مَوْرِدِ وَأَصْبَحَ الْقَوْمُ قَدْ فَقَدُوا نَبِيَّهُمْ وَأَخَذُوا عَلَى خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدٍ حَتَّى لَحِقُوا النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ فَأَجَابَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ : لَقَدْ خَابَ قَوْمٌ غَابَ عَنْهُمْ نَبِيُّهُمْ وَقُدِّسَ مَنْ يَسْرِي إِلَيْهِمْ وَيَغْتَدِي تَرَحَّلَ عَنْ قَوْمٍ فَزَالَتْ عُقُولُهُمْ وَحَلَّ عَلَى قَوْمٍ بِنُورٍ مُجَدَّدِ وَهَلْ يَسْتَوِي ضُلَّالُ قَوْمٍ تَسَلَّعُوا عَمًى وَهُدَاةٌ يَهْتَدُونَ بِمُهْتَدِ نَبِيٌّ يَرَى مَا لَا يَرَى النَّاسُ حَوْلَهُ وَيَتْلُو كِتَابَ اللَّهِ فِي كُلِّ مَشْهَدِ فَإِنْ قَالَ فِي يَوْمٍ مَقَالَةَ غَائِبِ فَتَصْدِيقُهَا فِي ضَحْوَةِ الْيَوْمِ أَوْ غَدِ لِتَهْنَ أَبَا بَكْرٍ سَعَادَةُ جَدِّهِ بِصُحْبَتِهِ مَنْ يُسْعِدُ اللَّهُ يَسْعَدِ وَيَهْنَ بَنِي كَعْبٍ مَكَانَ فَتَاتِهِمْ وَمَقْعَدِهَا لِلْمُسْلِمِينَ بِمَرْصَدِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ : فَبَلَغَنَا أَنَّ أُمَّ مَعْبَدٍ هَاجَرَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَسْلَمَتْ ، وَكَانَ خُرُوجُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ الْغَارِ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ لِأَرْبَعِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، فَقَالَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ بِقُدَيْدٍ ، فَلَمَّا رَاحُوا مِنْهَا عَرَضَ لَهُمْ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَرَسَخَتْ قَوَائِمُ فَرَسِهِ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُطْلِقَ فَرَسِي وَأَرْجِعُ عَنْكَ ، وَأَرُدُّ مَنْ وَرَائِي ، فَفَعَلَ فَأُطْلِقَ وَرَجَعَ ، فَوَجَدَ النَّاسَ يَلْتَمِسُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : ارْجِعُوا فَقَدِ اسْتَبْرَأْتُ لَكُمْ مَا هَهُنَا ، وَقَدْ عَرَفْتُمْ بَصَرِي بِالْأَثَرِ فَرَجَعُوا عَنْهُ