عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، قَالُوا : لَمَّا خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً فَلَمَّا نَزَلَ الرَّكْبُ بُصْرَى مِنَ الشَّامِ وَبِهَا رَاهِبٌ يُقَالُ لَهُ : بَحِيرَا فِي صَوْمَعَةٍ لَهُ وَكَانَ عُلَمَاءُ النَّصَارَى يَكُونُونَ فِي تِلْكَ الصَّوْمَعَةِ يَتَوَارَثُونَهَا عَنْ كِتَابٍ يَدْرُسُونَهُ ، فَلَمَّا نَزَلُوا بَحِيرَا وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَمُرُّونَ بِهِ لَا يُكَلِّمُهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ ، وَنَزَلُوا مَنْزِلًا قَرِيبًا مِنْ صَوْمَعَتِهِ قَدْ كَانُوا يَنْزِلُونَهُ قَبْلَ ذَلِكَ كُلَّمَا مَرُّوا فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا ، ثُمَّ دَعَاهُمْ ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى دُعَائِهِمْ أَنَّهُ رَآهُمْ حِينَ طَلَعُوا وَغَمَامَةً تُظِلُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنَ الْقَوْمِ حَتَّى نَزَلُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى تِلْكَ الْغَمَامَةِ أَظَلَّتْ تِلْكَ الشَّجَرَةَ وَاخْضَلَّتْ أَغْصَانُ الشَّجَرَةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَظَلَّ تَحْتَهَا ، فَلَمَّا رَأَى بَحِيرَا ذَلِكَ نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ ، وَأَمَرَ بِذَلِكَ الطَّعَامِ فَأُتِيَ بِهِ ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ : إِنِّي قَدْ صَنَعْتُ لَكُمْ طَعَامًا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَحْضَرُوهُ كُلُّكُمْ وَلَا تُخَلِّفُوا مِنْكُمْ صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا حُرًّا وَلَا عَبْدًا ، فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ تُكْرِمُونِي بِهِ ، فَقَالَ رَجُلٌ : إِنَّ لَكَ لَشَأْنًا يَا بَحِيرَا مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِنَا هَذَا فَمَا شَأْنُكَ الْيَوْمَ ؟ قَالَ : فَإِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أُكْرِمَكُمْ وَلَكُمْ حَقٌّ ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ لَيْسَ فِي الْقَوْمِ أَصْغَرُ مِنْهُ فِي رِحَالِهِمْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ، فَلَمَّا نَظَرَ بَحِيرَا إِلَى الْقَوْمِ فَلَمْ يَرَ الصِّفَةَ الَّتِي يَعْرِفُ وَيَجِدُهَا عِنْدَهُ ، وَجَعَلَ يَنْظُرُ وَلَا يَرَى الْغَمَامَةَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْقَوْمِ وَيَرَاهَا مُتَخَلِّفَةً عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ بَحِيرَا : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَا يَتَخَلَّفَنَّ مِنْكُمْ أَحَدٌ عَنْ طَعَامِي ، قَالُوا : مَا تَخَلَّفَ أَحَدٌ إِلَّا غُلَامٌ هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا فِي رِحَالِهِمْ ، فَقَالَ : ادْعُوهُ فَلْيَحْضُرْ طَعَامِي فَمَا أَقْبَحَ أَنْ تَحْضُرُوا وَيَتَخَلَّفَ رَجُلٌ وَاحِدٌ مَعَ أَنِّي أُرَاهُ مِنْ أَنْفَسِكُمْ ، فَقَالَ الْقَوْمُ : هُوَ وَاللَّهِ أَوْسَطُنَا نَسَبًا وَهُوَ ابْنُ أَخِي هَذَا الرَّجُلِ - يَعْنُونَ أَبَا طَالِبٍ - وَهُوَ مِنْ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : وَاللَّهِ إِنْ كَانَ بِنَا لَلُؤْمٌ أَنْ يَتَخَلَّفَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ بَيْنِنَا ، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ فَاحْتَضَنَهُ وَأَقْبَلَ بِهِ حَتَّى أَجْلَسَهُ عَلَى الطَّعَامِ ، وَالْغَمَامَةُ تَسِيرُ عَلَى رَأْسِهِ ، وَجَعَلَ بَحِيرَا يَلْحَظُهُ لَحْظًا شَدِيدًا ، وَيَنْظُرُ إِلَى أَشْيَاءَ فِي جَسَدِهِ قَدْ كَانَ يَجِدُهَا عِنْدَهُ مِنْ صِفَتِهِ ، فَلَمَّا تَفَرَّقُوا عَنْ طَعَامِهِمْ قَامَ إِلَيْهِ الرَّاهِبُ ، فَقَالَ : يَا غُلَامُ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ اللَّاتِ وَالْعُزَّى إِلَّا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَسْأَلْنِي بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى ، فَوَاللَّهِ مَا أَبْغَضْتُ شَيْئًا بُغْضَهُمَا " قَالَ : فَبِاللَّهِ إِلَّا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ قَالَ : " سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ " فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ حَالِهِ حَتَّى نَوْمِهِ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ ، فَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا عِنْدَهُ ، ثُمَّ جَعَلَ يَنْظُرُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، ثُمَّ كَشَفَ عَنْ ظَهْرِهِ فَرَأَى خَاتَمَ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَى مَوْضِعِ الصِّفَةِ الَّتِي عِنْدَهُ ، قَالَ : فَقَبَّلَ مَوْضِعَ الْخَاتَمِ ، وَقَالَتْ قُرَيْشٌ : إِنَّ لِمُحَمَّدٍ عِنْدَ هَذَا الرَّاهِبِ لَقَدْرًا ، وَجَعَلَ أَبُو طَالِبٍ لِمَا يَرَى مِنَ الرَّاهِبِ يَخَافُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ ، فَقَالَ الرَّاهِبُ لِأَبِي طَالِبٍ : مَا هَذَا الْغُلَامُ مِنْكَ ؟ قَالَ أَبُو طَالِبٍ : ابْنِي ، قَالَ : مَا هُوَ بِابْنِكَ ، وَمَا يَنْبَغِي لِهَذَا الْغُلَامِ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا ، قَالَ : فَابْنُ أَخِي ، قَالَ : فَمَا فَعَلَ أَبُوهُ ؟ قَالَ : هَلَكَ وَأُمُّهُ حُبْلَى بِهِ ، قَالَ : فَمَا فَعَلَتْ أُمُّهُ ؟ قَالَ : تُوُفِّيَتْ قَرِيبًا ، قَالَ : صَدَقْتَ ، ارْجِعْ بِابْنِ أَخِيكَ إِلَى بَلَدِهِ وَاحْذَرْ عَلَيْهِ الْيَهُودَ ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ رَأَوْهُ وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا أَعْرِفُ لَيَبْغُنَّهُ عَنَتًا ، فَإِنَّهُ كَائِنٌ لِابْنِ أَخِيكَ هَذَا شَأْنٌ عَظِيمٌ نَجِدُهُ فِي كُتُبِنَا ، وَمَا رُوِّينَا عَنْ آبَائِنَا ، وَأَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أَدَّيْتُ إِلَيْكَ النَّصِيحَةَ ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ تِجَارَاتِهِمْ خَرَجَ بِهِ سَرِيعًا ، وَكَانَ رِجَالٌ مِنْ يَهُودَ قَدْ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَرَفُوا صِفَتَهُ ، فَأَرَادُوا أَنْ يَغْتَالُوهُ فَذَهَبُوا إِلَى بَحِيرَا فَذَاكَرُوهُ أَمْرَهُ ، فَنَهَاهُمْ أَشَدَّ النَّهْيِ ، وَقَالَ لَهُمْ : أَتَجِدُونَ صِفَتَهُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : فَمَا لَكُمْ إِلَيْهِ سَبِيلٌ فَصَدَّقُوهُ وَتَرَكُوهُ ، وَرَجَعَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ فَمَا خَرَجَ بِهِ سَفَرًا بَعْدَ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَيْهِ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ دِينَارٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الزُّهْرِيُّ قَالَ : وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ ، قَالُوا : لَمَّا خَرَجَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى الشَّامِ وَخَرَجَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ سَنَةً فَلَمَّا نَزَلَ الرَّكْبُ بُصْرَى مِنَ الشَّامِ وَبِهَا رَاهِبٌ يُقَالُ لَهُ : بَحِيرَا فِي صَوْمَعَةٍ لَهُ وَكَانَ عُلَمَاءُ النَّصَارَى يَكُونُونَ فِي تِلْكَ الصَّوْمَعَةِ يَتَوَارَثُونَهَا عَنْ كِتَابٍ يَدْرُسُونَهُ ، فَلَمَّا نَزَلُوا بَحِيرَا وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَمُرُّونَ بِهِ لَا يُكَلِّمُهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ ، وَنَزَلُوا مَنْزِلًا قَرِيبًا مِنْ صَوْمَعَتِهِ قَدْ كَانُوا يَنْزِلُونَهُ قَبْلَ ذَلِكَ كُلَّمَا مَرُّوا فَصَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا ، ثُمَّ دَعَاهُمْ ، وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى دُعَائِهِمْ أَنَّهُ رَآهُمْ حِينَ طَلَعُوا وَغَمَامَةً تُظِلُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ بَيْنَ الْقَوْمِ حَتَّى نَزَلُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى تِلْكَ الْغَمَامَةِ أَظَلَّتْ تِلْكَ الشَّجَرَةَ وَاخْضَلَّتْ أَغْصَانُ الشَّجَرَةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ اسْتَظَلَّ تَحْتَهَا ، فَلَمَّا رَأَى بَحِيرَا ذَلِكَ نَزَلَ مِنْ صَوْمَعَتِهِ ، وَأَمَرَ بِذَلِكَ الطَّعَامِ فَأُتِيَ بِهِ ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ ، فَقَالَ : إِنِّي قَدْ صَنَعْتُ لَكُمْ طَعَامًا يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تَحْضَرُوهُ كُلُّكُمْ وَلَا تُخَلِّفُوا مِنْكُمْ صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا حُرًّا وَلَا عَبْدًا ، فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ تُكْرِمُونِي بِهِ ، فَقَالَ رَجُلٌ : إِنَّ لَكَ لَشَأْنًا يَا بَحِيرَا مَا كُنْتَ تَصْنَعُ بِنَا هَذَا فَمَا شَأْنُكَ الْيَوْمَ ؟ قَالَ : فَإِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أُكْرِمَكُمْ وَلَكُمْ حَقٌّ ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ الْقَوْمِ لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ لَيْسَ فِي الْقَوْمِ أَصْغَرُ مِنْهُ فِي رِحَالِهِمْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ، فَلَمَّا نَظَرَ بَحِيرَا إِلَى الْقَوْمِ فَلَمْ يَرَ الصِّفَةَ الَّتِي يَعْرِفُ وَيَجِدُهَا عِنْدَهُ ، وَجَعَلَ يَنْظُرُ وَلَا يَرَى الْغَمَامَةَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْقَوْمِ وَيَرَاهَا مُتَخَلِّفَةً عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ بَحِيرَا : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لَا يَتَخَلَّفَنَّ مِنْكُمْ أَحَدٌ عَنْ طَعَامِي ، قَالُوا : مَا تَخَلَّفَ أَحَدٌ إِلَّا غُلَامٌ هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا فِي رِحَالِهِمْ ، فَقَالَ : ادْعُوهُ فَلْيَحْضُرْ طَعَامِي فَمَا أَقْبَحَ أَنْ تَحْضُرُوا وَيَتَخَلَّفَ رَجُلٌ وَاحِدٌ مَعَ أَنِّي أُرَاهُ مِنْ أَنْفَسِكُمْ ، فَقَالَ الْقَوْمُ : هُوَ وَاللَّهِ أَوْسَطُنَا نَسَبًا وَهُوَ ابْنُ أَخِي هَذَا الرَّجُلِ - يَعْنُونَ أَبَا طَالِبٍ - وَهُوَ مِنْ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : وَاللَّهِ إِنْ كَانَ بِنَا لَلُؤْمٌ أَنْ يَتَخَلَّفَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ بَيْنِنَا ، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ فَاحْتَضَنَهُ وَأَقْبَلَ بِهِ حَتَّى أَجْلَسَهُ عَلَى الطَّعَامِ ، وَالْغَمَامَةُ تَسِيرُ عَلَى رَأْسِهِ ، وَجَعَلَ بَحِيرَا يَلْحَظُهُ لَحْظًا شَدِيدًا ، وَيَنْظُرُ إِلَى أَشْيَاءَ فِي جَسَدِهِ قَدْ كَانَ يَجِدُهَا عِنْدَهُ مِنْ صِفَتِهِ ، فَلَمَّا تَفَرَّقُوا عَنْ طَعَامِهِمْ قَامَ إِلَيْهِ الرَّاهِبُ ، فَقَالَ : يَا غُلَامُ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ اللَّاتِ وَالْعُزَّى إِلَّا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَا تَسْأَلْنِي بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى ، فَوَاللَّهِ مَا أَبْغَضْتُ شَيْئًا بُغْضَهُمَا قَالَ : فَبِاللَّهِ إِلَّا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ قَالَ : سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ حَالِهِ حَتَّى نَوْمِهِ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُخْبِرُهُ ، فَيُوَافِقُ ذَلِكَ مَا عِنْدَهُ ، ثُمَّ جَعَلَ يَنْظُرُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، ثُمَّ كَشَفَ عَنْ ظَهْرِهِ فَرَأَى خَاتَمَ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَلَى مَوْضِعِ الصِّفَةِ الَّتِي عِنْدَهُ ، قَالَ : فَقَبَّلَ مَوْضِعَ الْخَاتَمِ ، وَقَالَتْ قُرَيْشٌ : إِنَّ لِمُحَمَّدٍ عِنْدَ هَذَا الرَّاهِبِ لَقَدْرًا ، وَجَعَلَ أَبُو طَالِبٍ لِمَا يَرَى مِنَ الرَّاهِبِ يَخَافُ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ ، فَقَالَ الرَّاهِبُ لِأَبِي طَالِبٍ : مَا هَذَا الْغُلَامُ مِنْكَ ؟ قَالَ أَبُو طَالِبٍ : ابْنِي ، قَالَ : مَا هُوَ بِابْنِكَ ، وَمَا يَنْبَغِي لِهَذَا الْغُلَامِ أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا ، قَالَ : فَابْنُ أَخِي ، قَالَ : فَمَا فَعَلَ أَبُوهُ ؟ قَالَ : هَلَكَ وَأُمُّهُ حُبْلَى بِهِ ، قَالَ : فَمَا فَعَلَتْ أُمُّهُ ؟ قَالَ : تُوُفِّيَتْ قَرِيبًا ، قَالَ : صَدَقْتَ ، ارْجِعْ بِابْنِ أَخِيكَ إِلَى بَلَدِهِ وَاحْذَرْ عَلَيْهِ الْيَهُودَ ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ رَأَوْهُ وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا أَعْرِفُ لَيَبْغُنَّهُ عَنَتًا ، فَإِنَّهُ كَائِنٌ لِابْنِ أَخِيكَ هَذَا شَأْنٌ عَظِيمٌ نَجِدُهُ فِي كُتُبِنَا ، وَمَا رُوِّينَا عَنْ آبَائِنَا ، وَأَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أَدَّيْتُ إِلَيْكَ النَّصِيحَةَ ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ تِجَارَاتِهِمْ خَرَجَ بِهِ سَرِيعًا ، وَكَانَ رِجَالٌ مِنْ يَهُودَ قَدْ رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَعَرَفُوا صِفَتَهُ ، فَأَرَادُوا أَنْ يَغْتَالُوهُ فَذَهَبُوا إِلَى بَحِيرَا فَذَاكَرُوهُ أَمْرَهُ ، فَنَهَاهُمْ أَشَدَّ النَّهْيِ ، وَقَالَ لَهُمْ : أَتَجِدُونَ صِفَتَهُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : فَمَا لَكُمْ إِلَيْهِ سَبِيلٌ فَصَدَّقُوهُ وَتَرَكُوهُ ، وَرَجَعَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ فَمَا خَرَجَ بِهِ سَفَرًا بَعْدَ ذَلِكَ خَوْفًا عَلَيْهِ