سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ قَتْلِ الْأَسِيرِ ، فَقَالَ : " مُنَّ عَلَيْهِ أَوْ فَادِهِ " قَالَ : وَسَأَلْتُ الْحَسَنَ ، فَقَالَ : " تَصْنَعُ بِهِ مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِأُسَارَى بَدْرٍ يُمَنُّ عَلَيْهِ أَوْ يُفَادَى "
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ : أَخْبَرَنَا أَشْعَثُ قَالَ : سَأَلْتُ عَطَاءً عَنْ قَتْلِ الْأَسِيرِ ، فَقَالَ : مُنَّ عَلَيْهِ أَوْ فَادِهِ قَالَ : وَسَأَلْتُ الْحَسَنَ ، فَقَالَ : تَصْنَعُ بِهِ مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِأُسَارَى بَدْرٍ يُمَنُّ عَلَيْهِ أَوْ يُفَادَى قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : فَأَرَى الْعُلَمَاءَ قَدِ اخْتَلَفَتْ فِي تَأْوِيلِ آيَاتِ الْأُسَارَى ، فَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ آيَةَ الْفِدَاءِ هِيَ الْمُحْكَمَةُ النَّاسِخَةُ بِقَتْلِهِمْ وَإِلَى مَذْهَبِهِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَفِي قَوْلِ السُّدِّيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ آيَةَ الْقَتْلِ هِيَ الْمُحْكَمَةُ النَّاسِخَةُ لِلْفِدَاءِ وَالْمَنِّ ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَالْقَوْلُ عِنْدَنَا أَنَّ الْآيَاتِ جَمِيعًا مُحْكَمَاتٌ لَا مَنْسُوخَ فِيهِنَّ يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ أَحْكَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ الْمَاضِيَةِ فِيهِمْ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَامِلًا بِالْآيَاتِ كُلِّهَا مِنَ الْقَتْلِ وَالْفِدَاءِ وَالْمَنِّ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَا نَعْلَمُ نُسِخَ مِنْهَا شَيْءٌ ، فَكَانَ أَوَّلُ أَحْكَامِهِ فِيهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَعَمِلَ بِهَا كُلِّهَا يَوْمَئِذٍ ، بَدَأَ بِالْقَتْلِ فَقَتَلَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ فِي قُفُولِهِ ، ثُمَّ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، فَحَكَمَ فِي سَائِرِهِمْ بِالْفِدَاءِ وَالْمَنِّ ، ثُمَّ كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ إِذْ سَارَتْ إِلَيْهِ الْأَحْزَابُ فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى صَرَفَهَمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ ، وَخَرَجَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ لَمُمَالَأَتِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانَتْ لِلْأَحْزَابِ فَحَاصَرَهُمْ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فَحَكَمَ فِيهِمْ ، فَقَتَلَ الْمُقَاتِلَةَ وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ ، فَصَوَّبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ رَأْيَهُ وَأَمْضَى فِيهِمْ حُكْمَهُ وَمَنَّ عَلَى الزُّبَيْرِ بْنِ بَاطَا مِنْ بَيْنِهِمْ لِتَكْلِيمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ إِيَّاهُ فِيهِ حَتَّى كَانَ الزُّبَيْرُ هُوَ الْمُخْتَارَ لِنَفْسِهِ الْقَتْلَ ، ثُمَّ كَانَتْ غَزَاةُ الْمُرَيْسِيعِ ، وَهِيَ الَّتِي سَبَى فِيهَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ رَهْطَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ مِنْ خُزَاعَةَ ، فَاسْتَحْيَاهُمْ جَمِيعًا وَأَعْتَقَهُمْ فَلَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا مِنْهُمْ عَلِمْنَاهُ ، ثُمَّ كَانَتْ خَيْبَرُ ، فَافْتَتَحَ حُصُونَ الشق ونطاة عَنْوَةً بِلَا عَهْدٍ ، فَمَنَّ عَلَيْهِمْ وَلَا نَعْلَمُهُ قَتَلَ أَحَدًا مِنْهُمْ صَبْرًا بَعْدَ فَتْحِهَا ، ثُمَّ سَارَ إِلَى بَقِيَّةِ حُصُونِ خَيْبَرَ الْكَثِيبَةِ وَالْوَطِيحَةِ وَسَلَالِمَ ، فَأَخَذَهَا أَوْ أَخَذَ بَعْضَهَا صُلْحًا عَلَى أَنْ لَا يَكْتُمَهُ آلُ أَبِي الْحُقَيْقِ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، فَنَكَثُوا الْعَهْدَ وَكَتَمُوهُ ، فَاسْتَحَلَّ بِذَلِكَ دِمَاءَهُمْ وَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ وَلَمْ يَمُنَّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ ، ثُمَّ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ بَعْدَ هَذَا كُلِّهِ ، فَأَمَرَ بِقَتْلِ هِلَالِ بْنِ خَطَلٍ ، وَمَقِيسِ بْنِ صُبَابَةَ ، وَنَفَرٍ سَمَّاهُمْ ، وَأَطْلَقَ الْبَاقِينَ فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُمْ ، ثُمَّ كَانَتْ حُنَيْنٌ فَسَبَى فِيهَا هَوَازِنَ وَمَكَثَ سَبْيُهُمْ فِي يَدَيْهِ أَيَّامًا حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُهُمْ فَوَهَبَهُمْ لَهُمْ مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمُ امْتِنَانًا مِنْهُ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ كَانَتْ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ فِيمَا بَيْنَ هَذِهِ الْأَيَّامِ مَضَتْ فِيهَا أَحْكَامُهُ الثَّلَاثَةُ مِنَ الْقَتْلِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ ، مِنْ ذَلِكَ قَتْلُهُ أَبَا عَزَّةَ الْجُمَحِيَّ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدْ كَانَ مَنَّ عَلَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَفِيهَا إِطْلَاقُهُ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ ، وَمِنْهَا مُفَادَاتُهُ بِالْمَرْأَةِ الْفَزَارِيَّةِ الَّتِي سَبَاهَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ بِرَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَانَا أَسِيرَيْنِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْفَتْحِ ، فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ يَطُولُ بِهَا الْكِتَابُ لَمْ يَزَلْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قَبْلُ عَامِلًا بِهَا عَلَى مَا أَرَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي أَبَاحَهَا لَهُ فِي الْأُسَارَى وَجَعَلَ الْخِيَارَ وَالنَّظَرَ فِيهَا إِلَيْهِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى ذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَامَ بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَسَارَ فِي أَهْلِ الرِّدَّةِ بِسِيرَتِهِ مِنَ الْقَتْلِ وَالْمَنِّ ، فَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ عَلَى الرِّدَّةِ حَتَّى عَادَ أَهْلُهَا مُسْلِمِينَ بِالطَّوْعِ وَالْكُرْهِ إِلَّا مَنْ أَبَادَهُ الْقَتْلُ ، فَكَانَ مِمَّنِ اسْتَحْيَاهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ ، وَقُرَّةُ بْنُ هُبَيْرَةَ الْقُشَيْرِيُّ ، وَكَانَ قَدِمَ بِهِمَا عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مُوَثَّقَيْنِ ، فَمَنَّ عَلَيْهِمَا وَأَطْلَقَهُمَا ، وَكَذَلِكَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ بَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ مُوثَقًا ، وَقَدْ نَزَلَ عَلَى حُكْمِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ وَمَنَّ عَلَيْهِ وَأَنْكَحَهُ وَكَانَ مِمَّنْ قَتَلَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الرِّدَّةِ الْفُجَاءَةُ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ ؛ وَذَلِكِ لِسُوءِ آثَارِهِمْ كَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ ، وَبِمِثْلِ ذَلِكَ كَتَبَ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يَأْمُرُهُ بِاصْطِلَامِ بَنِي حَنِيفَةَ إِنْ ظَفِرَ بِهِمْ ، وَكَتَبَ إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ وَالْمُهَاجِرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ بِالْمَنِّ عَلَى كِنْدَةَ الَّذِينَ حُوصِرُوا بِحِصْنِ النَّجِيرِ ، ثُمَّ لَمْ تَزَلِ الْخُلَفَاءُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَعَلَيْهِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْأُسَارَى أَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ مِنْ أَحْكَامِهِمْ شَيْءٌ وَلَكِنْ لِلْإِمَامٍ ، يُخَيَّرَ فِي الذُّكُورِ وَالْمُدْرِكِينَ بَيْنَ أَرْبَعِ خِلَالٍ وَهِيَ : الْقَتْلُ وَالِاسْتِرْقَاقُ ، وَالْفِدَاءُ وَالْمَنُّ ، إِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِذَلِكَ مَيْلٌ بِهَوًى فِي الْعَفْوِ وَلَا طَلَبُ الذَّحْلِ فِي الْعُقُوبَةِ وَلَكِنْ عَلَى النَّظَرِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ