" اشْتَدَّ الْبَلَاءُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دِينِ اللَّهِ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ فَكَانَتْ فِتْنَةً شَدِيدَةً ، وَزِلْزَالًا شَدِيدًا ، فَمِنْهُمْ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ ، وَمِنْهُمْ مَنِ افْتُتِنَ ، فَلَمَّا فُعِلَ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِينَ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ الشِّعْبَ مَعَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي الْخُرُوجِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا عَامَّتُهُمْ حِينَ قُهِرُوا وَتَخَوَّفُوا الْفِتْنَةَ ، فَخَرَجُوا وَأَمِيرُهُمْ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ ، فَمَكَثَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ حَتَّى أُنْزِلَتْ سُورَةُ وَالنَّجْمِ ، فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ لَمَّا انْتَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذِكْرِ الْآلِهَةِ مِنْ سَجْعِهِ وَفِتْنَتِهِ فِي قَلْبِ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ ، وَتَبَاشَرُوا بِهَا ، وَسَجَدُوا ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُسْلِمُونَ سَمِعُوا إِلْقَاءَ الشَّيْطَانِ فِي أَسْمَاعِ الْمُشْرِكِينَ ، فَفَشَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ حَتَّى بَلَغَتْ أَرْضَ الْحَبَشَةِ . . وَمَرَّ بِهَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَأَصْحَابُهُ وَبَلَغَهُمْ سُجُودُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَلَى التُّرَابِ عَلَى كَفَّيْهِ وَحُدِّثُوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَمِنُوا بِمَكَّةَ ، فَأَقْبَلُوا سِرَاعًا ، وَقَدْ نَسْخَ اللَّهُ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ ، وَأَحْكَمَ اللَّهُ آيَاتِهِ ، وَحَفِظَهُ اللَّهُ مِنَ الْفِرْيَةِ وَالْبَاطِلِ ، فَانْقَلَبَ الْمُشْرِكُونَ بِضَلَالَتِهِمْ وَعَدَاوَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَكَانَ عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ إِلَّا بِجِوَارٍ ، فَأَجَارَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ ، فَلَمَّا رَأَى عُثْمَانُ الَّذِي لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنَ الْبَلَاءِ ، وَعُذِّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِالنَّارِ وَالسِّيَاطِ ، وَعُثْمَانُ مُعَافًى لَا يَعْرِضُ لَهُ ، اسْتَحَبَّ الْبَلَاءَ عَلَى الْعَافِيَةِ ، فَقَالَ : أَمَّا مَنْ كَانَ فِي عَهْدِ اللَّهِ وَذِمَّتِهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ الَّتِي اخْتَارَ لِأَوْلِيَائِهِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُبْتَلًى ، وَمَنْ دَخَلَ فِيهِ فَهُوَ خَائِفٌ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي عَهْدِ الشَّيْطَانِ وَأَوْلِيَائِهِ مِنَ النَّاسِ فَهُوَ مُعَافًى ، فَعَمَدَ إِلَى الْوَلِيدِ فَقَالَ : يَا عَمِّ ، قَدْ أَجَرْتَنِي وَأَحْسَنْتَ إِلَيَّ ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تُخْرِجَنِي إِلَى عَشِيرَتِكَ فَتَتَبَرَّأَ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ ، فَقَالَ الْوَلِيدُ : لَعَلَّ أَحَدًا آذَاكَ أَوْ شَتَمَكَ وَأَنْتَ فِي ذِمَّتِي ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ مَا اعْتَرَضَ لِي أَحَدٌ وَلَا آذَانِي فَلَمَّا أَبَى عُثْمَانُ ، أَخْرَجَهُ الْوَلِيدُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيهِ أَحْفَلُ مَا كَانُوا ، وَلَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ يُنْشِدُهُمْ فَقَالَ : إِنَّ هَذَا لَقَدْ غَلَبَنِي وَحَمَلَنِي أَنْ أَتَبَرَّأَ مِنْهُ وَمِنْ جِوَارِهِ ، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي مِنْهُ بَرِّيءٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ ، قَالَ : صَدَقَ أَنَا وَاللَّهِ أَكْرَهْتُهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَهُوَ مِنِّي بَرِيءٌ ، ثُمَّ جَلَسَا وَلَبِيدُ يُنْشِدُهُمْ فَقَالَ : {
} أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ {
}، فَقَالَ عُثْمَانُ : صَدَقْتَ ، ثُمَّ أَتَمَّ الْبَيْتَ فَقَالَ : {
} وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ {
}فَقَالَ عُثْمَانُ : كَذَبْتَ ، فَأُسْكِتَ الْقَوْمُ وَلَمْ يَدْرُوا مَا أَرَادَ بِكَلِمَتِهِ ، ثُمَّ أَعَادَهَا لَبِيدٌ ثَانِيَةً ، فَقَالَ عُثْمَانُ مِثْلَ كَلَّمْتِهِ الْأُولَى ، فَإِذَا ذَكَرَ : مَا خَلَا اللَّهُ بَاطِلٌ صَدَّقَهُ ، وَإِذَا ذَكَرَ أَنَّ كُلَّ نُعَيْمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلٌ كَذَّبَهُ ، لِأَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ لَا يَزُولُ ، فَنَزَلَ عِنْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَطَمَ عَيْنَ عُثْمَانَ فَاخْضَرَّتْ ، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ وَأَصْحَابُهُ : كُنْتَ عَنِ الَّتِي لَقِيَتْ عَيْنُكَ غَنِيًّا ، فَقَالَ عُثْمَانُ : بَلْ كُنْتُ لِلَّذِي لَقِيَتْ عَيْنِي مِنْكُمْ فَقِيرًا وَعَيْنِي إِلَى مِثْلِ مَا لَقِيَتْ صَاحِبَتُهَا فَقِيرَةٌ ، وَلِي فَيْمَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكُمْ أُسْوَةٌ ، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ : إِنْ شِئْتَ أَجَرْتُكَ ثَانِيَةً ، فَقَالَ عُثْمَانُ : لَا إِرَبَ لِي فِي جِوَارِكَ "
حَدَّثَنَا فَارُوقٌ الْخَطَّابِيُّ ، ثنا زِيَادُ بْنُ الْخَلِيلِ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ ، ثنا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : اشْتَدَّ الْبَلَاءُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى دِينِ اللَّهِ مِنْ أَبْنَائِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ فَكَانَتْ فِتْنَةً شَدِيدَةً ، وَزِلْزَالًا شَدِيدًا ، فَمِنْهُمْ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ ، وَمِنْهُمْ مَنِ افْتُتِنَ ، فَلَمَّا فُعِلَ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِينَ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ الشِّعْبَ مَعَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي الْخُرُوجِ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا عَامَّتُهُمْ حِينَ قُهِرُوا وَتَخَوَّفُوا الْفِتْنَةَ ، فَخَرَجُوا وَأَمِيرُهُمْ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ ، فَمَكَثَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ حَتَّى أُنْزِلَتْ سُورَةُ وَالنَّجْمِ ، فَأَلْقَى الشَّيْطَانُ لَمَّا انْتَهَى النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِلَى ذِكْرِ الْآلِهَةِ مِنْ سَجْعِهِ وَفِتْنَتِهِ فِي قَلْبِ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ ، وَتَبَاشَرُوا بِهَا ، وَسَجَدُوا ، وَلَمْ يَكُنِ الْمُسْلِمُونَ سَمِعُوا إِلْقَاءَ الشَّيْطَانِ فِي أَسْمَاعِ الْمُشْرِكِينَ ، فَفَشَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ حَتَّى بَلَغَتْ أَرْضَ الْحَبَشَةِ . . وَمَرَّ بِهَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَأَصْحَابُهُ وَبَلَغَهُمْ سُجُودُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَلَى التُّرَابِ عَلَى كَفَّيْهِ وَحُدِّثُوا أَنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَمِنُوا بِمَكَّةَ ، فَأَقْبَلُوا سِرَاعًا ، وَقَدْ نَسْخَ اللَّهُ مَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ ، وَأَحْكَمَ اللَّهُ آيَاتِهِ ، وَحَفِظَهُ اللَّهُ مِنَ الْفِرْيَةِ وَالْبَاطِلِ ، فَانْقَلَبَ الْمُشْرِكُونَ بِضَلَالَتِهِمْ وَعَدَاوَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ ، وَكَانَ عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ إِلَّا بِجِوَارٍ ، فَأَجَارَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ ، فَلَمَّا رَأَى عُثْمَانُ الَّذِي لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنَ الْبَلَاءِ ، وَعُذِّبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِالنَّارِ وَالسِّيَاطِ ، وَعُثْمَانُ مُعَافًى لَا يَعْرِضُ لَهُ ، اسْتَحَبَّ الْبَلَاءَ عَلَى الْعَافِيَةِ ، فَقَالَ : أَمَّا مَنْ كَانَ فِي عَهْدِ اللَّهِ وَذِمَّتِهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ الَّتِي اخْتَارَ لِأَوْلِيَائِهِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ مُبْتَلًى ، وَمَنْ دَخَلَ فِيهِ فَهُوَ خَائِفٌ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي عَهْدِ الشَّيْطَانِ وَأَوْلِيَائِهِ مِنَ النَّاسِ فَهُوَ مُعَافًى ، فَعَمَدَ إِلَى الْوَلِيدِ فَقَالَ : يَا عَمِّ ، قَدْ أَجَرْتَنِي وَأَحْسَنْتَ إِلَيَّ ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ تُخْرِجَنِي إِلَى عَشِيرَتِكَ فَتَتَبَرَّأَ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ ، فَقَالَ الْوَلِيدُ : لَعَلَّ أَحَدًا آذَاكَ أَوْ شَتَمَكَ وَأَنْتَ فِي ذِمَّتِي ؟ قَالَ : لَا وَاللَّهِ مَا اعْتَرَضَ لِي أَحَدٌ وَلَا آذَانِي فَلَمَّا أَبَى عُثْمَانُ ، أَخْرَجَهُ الْوَلِيدُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيهِ أَحْفَلُ مَا كَانُوا ، وَلَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ يُنْشِدُهُمْ فَقَالَ : إِنَّ هَذَا لَقَدْ غَلَبَنِي وَحَمَلَنِي أَنْ أَتَبَرَّأَ مِنْهُ وَمِنْ جِوَارِهِ ، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي مِنْهُ بَرِّيءٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ ، قَالَ : صَدَقَ أَنَا وَاللَّهِ أَكْرَهْتُهُ عَلَى ذَلِكَ ، وَهُوَ مِنِّي بَرِيءٌ ، ثُمَّ جَلَسَا وَلَبِيدُ يُنْشِدُهُمْ فَقَالَ : أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ ، فَقَالَ عُثْمَانُ : صَدَقْتَ ، ثُمَّ أَتَمَّ الْبَيْتَ فَقَالَ : وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ فَقَالَ عُثْمَانُ : كَذَبْتَ ، فَأُسْكِتَ الْقَوْمُ وَلَمْ يَدْرُوا مَا أَرَادَ بِكَلِمَتِهِ ، ثُمَّ أَعَادَهَا لَبِيدٌ ثَانِيَةً ، فَقَالَ عُثْمَانُ مِثْلَ كَلَّمْتِهِ الْأُولَى ، فَإِذَا ذَكَرَ : مَا خَلَا اللَّهُ بَاطِلٌ صَدَّقَهُ ، وَإِذَا ذَكَرَ أَنَّ كُلَّ نُعَيْمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلٌ كَذَّبَهُ ، لِأَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ لَا يَزُولُ ، فَنَزَلَ عِنْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَطَمَ عَيْنَ عُثْمَانَ فَاخْضَرَّتْ ، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ وَأَصْحَابُهُ : كُنْتَ عَنِ الَّتِي لَقِيَتْ عَيْنُكَ غَنِيًّا ، فَقَالَ عُثْمَانُ : بَلْ كُنْتُ لِلَّذِي لَقِيَتْ عَيْنِي مِنْكُمْ فَقِيرًا وَعَيْنِي إِلَى مِثْلِ مَا لَقِيَتْ صَاحِبَتُهَا فَقِيرَةٌ ، وَلِي فَيْمَنْ هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكُمْ أُسْوَةٌ ، فَقَالَ لَهُ الْوَلِيدُ : إِنْ شِئْتَ أَجَرْتُكَ ثَانِيَةً ، فَقَالَ عُثْمَانُ : لَا إِرَبَ لِي فِي جِوَارِكَ