قَالَ أَبُو عَامِرٍ : " كُنْتُ جَالِسًا فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَنَا بِغُلَامٍ أَسْوَدَ قَدْ جَاءَنِي بِرُقْعَةٍ فَنَظَرْتُ فِيهَا فَإِذَا فِيهَا مَكْتُوبٌ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : مَتَّعَكَ اللَّهُ بِمُسَامَرَةِ الْفِكْرَةِ وَنَعَّمَكَ بِمُؤَانَسَةِ الْعَبْرَةِ وَأَفْرَدَكَ بِحُبِّ الْخَلْوَةِ أَنَا رَجُلٌ مِنْ إِخْوَانِكَ بَلَغَنِي قُدُومُكَ الْمَدِينَةَ فَسُرِرْتُ بِذَلِكَ فَأَحْبَبْتُ زِيَارَتَكَ فَحُجِبْتُ عَنْ ذَلِكَ فَالْتَمَسْتُ مَخْرَجَ الْعُذْرِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَوَجَدْتُ اللَّهَ قَدْ مَنَحَنِي ثَلَاثَ خِصَالٍ : أَذْهَبَ عَنِّي حَرَجَ أَهْلِهَا وَبِي مِنَ الشَّوْقِ إِلَى مُجَالَسَتِكَ وَالِاسْتِمَاعِ لِمُحَادَثَتِكَ مَا لَوْ كَانَ فَوْقِي لَأَظَلَّنِي وَلَوْ كَانَ تَحْتِي لَأَقَلَّنِي فَأَسْأَلُكَ إِلَّا أَلْحَقْتَنِي جَنَاحَ الْمُتَفَضِّلِ عَلَيَّ بِزِيَارَتِكَ ، وَالسَّلَامُ ، قَالَ أَبُو عَامِرٍ : فَقُمْتُ مَعَ الْغُلَامِ حَتَّى أَتَى بِي مَنْزِلًا رَحْبًا خَرِبًا فَقَالَ لِي : قِفْ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ لَكَ ، فَوَقَفْتُ حَتَّى خَرَجَ فَقَالَ لِي : لُجْ ، فَدَخَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِبَيْتٍ لَهُ بَابٌ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ فَإِذَا أَنَا بِكَهْلٍ مُسْتَقْبِلٍ الْقِبْلَةَ تَخَالُهُ مِنَ الْوَرَعِ مَكْرُوبًا وَمِنَ الْخَشْيَةِ مَحْزُونًا قَدْ ظَهَرَتْ فِي وَجْهِهِ أَحْزَانُهُ وَقَدْ قَرِحَتْ مِنَ الْبُكَاءِ عَيْنَاهُ وَمَرِضَتْ أَجْفَانُهُ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ ثُمَّ تَخَلْخَلَ فَلَمْ يُطِقِ الْقِيَامَ فَإِذَا هُوَ أَعْرَجُ أَعْمَى مِسْقَامٌ فَقَالَ لِي : مَتَّعَ اللَّهُ بِالْأَحْزَانِ لُبَّكَ وَغَسَلَ مِنْ رَانِ الذُّنُوبِ قَلْبَكَ لَمْ تَزَلْ نَفْسِي إِلَيْكَ مُشْتَاقَةً وَقَلْبِي إِلَيْكَ تَوَّاقًا ، وَبِي جُرْحٌ قَدْ أَعْيَا النَّاسَ دَوَاؤُهُ وَالْمُتَطَبِّبِينَ شِفَاؤُهُ فَلَاقِ لَهُ أَجْوَدَ التِّرْيَاقِ وَإِنْ كَانَ مُرَّ الْمَذَاقِ فَإِنِّي مِمَّنْ أَصْبِرُ عَلَى مَضَضِ الدَّوَاءِ مَخَافَةَ مَا يُتَوَقَّعُ مِنْ عَظِيمِ الْبَلَاءِ ، قَالَ : فَسَمِعْتُ كَلَامًا حَسَنًا وَرَأَيْتُ مَنْظَرًا أَفْظَعَنِي فَأَطْرَقْتُ طَوِيلًا ثُمَّ تَأَتَّى مِنْ كَلَامِي مَا تَأَتَّى فَقُلْتُ : يَا شَيْخُ ، ارْمِ بِبَصَرِ قَلْبِكَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاءِ فَتَمَثَّلْ بِحَقَيقَةِ إِيمَانِكَ جَنَّةَ الْمَأْوَى فَسَتَرَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِيهِ لِلْأَوْلِيَاءِ ثُمَّ أَشْرِفْ بِقَلْبِكَ نَارًا تَتَلَظَّى فَسَتَرَى مَا أَعَدَّ فِيهَا لِلْأَشْقِيَاءِ شَتَّانَ مَا بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ وَالدَّارَيْنِ شَتَّانَ ، أَلَيْسَ الْفَرِيقَانِ فِي الْمَوْتِ سَوَاءً ؟ قَالَ : فَأَنَّ أَنَّةً وَزَفَرَ زَفْرَةً وَالْتَوَى ثُمَّ قَالَ : قَدْ وَقَعَ دَوَاؤُكَ عَلَى دَائِي وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ عِنْدَكَ شِفَائِي ، زِدْنِي يَرْحَمُكُ اللَّهُ ، فَقُلْتُ : إِنَّهُ عَالِمٌ بِخَفَيَاتِكَ مُطَّلِعٌ عَلَى سَرَائِرِكَ ، قَالَ : فَصَرَخَ صَرْخَةً خَرَّ مَيِّتًا ، فَإِذَا أَنا بِجَارِيَةٍ قَدْ رَفَعَتِ الْعَبَاءَةَ عَلَيْهَا جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ قَدْ أَقْرَعَ السُّجُودُ حَاجِبَيْهَا وَأَنْفَهَا فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيَّ قَالَتْ : أَحْسَنْتَ يَا هَادِيَ قُلُوبِ الْعَارِفِينَ وَمُثِيرَ أَحْزَانِ الْمَحْزُونِينَ لَا أَنْسَى لَكَ هَذَا الْمَوْقِفَ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ ، هَذَا أَبِي مُبْتَلًى مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً : صَلَّى حَتَّى انْحَنَى وَصَامَ حَتَّى أُقْعِدَ وَبَكَى حَتَّى عَمِيَ وَكَانَ يَتَمَّنَاكَ عَلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَقُولُ : سَمِعْتُ كَلَامَ أَبِي عَامِرٍ مَرَّةً فَأَحْيَا اللَّهُ مَوَاتَ قَلْبِي فَإِنْ سَمِعْتُهُ ثَانِيًا قَتَلَنِي ، قَالَ أَبُو عَامِرٍ : فَرَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ بَعْدَ لَيَالٍ كَأَنَّهُ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ فَقُلْتُ لَهُ : مَا صَنَعَ اللَّهُ بِكَ ؟ قَالَ : غَفَرَ لِي ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ : {
} أَنْتَ شَرِيكِي فِي الَّذِي نِلْتُهُ {
}مُسْتَأْهِلًا ذَاكَ أَبَا عَامِرِ {
}{
} وَكُلُّ مَنْ أَيْقَظَ ذَا غَفَلَةٍ {
}فَنِصْفُ مَا يُعْطَاهُ لِلْآمِرِ {
}{
} مَنْ رَدَّ عَبْدًا آبِقًا مَرَّةً {
}كَانَ كَالْمُجْتَهِدِ الصَّابِرِ {
}
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ ، ثنا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُفَسِّرُ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشِّمْشَاطِيُّ قَالَ : قَالَ أَبُو عَامِرٍ : كُنْتُ جَالِسًا فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَإِذَا أَنَا بِغُلَامٍ أَسْوَدَ قَدْ جَاءَنِي بِرُقْعَةٍ فَنَظَرْتُ فِيهَا فَإِذَا فِيهَا مَكْتُوبٌ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : مَتَّعَكَ اللَّهُ بِمُسَامَرَةِ الْفِكْرَةِ وَنَعَّمَكَ بِمُؤَانَسَةِ الْعَبْرَةِ وَأَفْرَدَكَ بِحُبِّ الْخَلْوَةِ أَنَا رَجُلٌ مِنْ إِخْوَانِكَ بَلَغَنِي قُدُومُكَ الْمَدِينَةَ فَسُرِرْتُ بِذَلِكَ فَأَحْبَبْتُ زِيَارَتَكَ فَحُجِبْتُ عَنْ ذَلِكَ فَالْتَمَسْتُ مَخْرَجَ الْعُذْرِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَوَجَدْتُ اللَّهَ قَدْ مَنَحَنِي ثَلَاثَ خِصَالٍ : أَذْهَبَ عَنِّي حَرَجَ أَهْلِهَا وَبِي مِنَ الشَّوْقِ إِلَى مُجَالَسَتِكَ وَالِاسْتِمَاعِ لِمُحَادَثَتِكَ مَا لَوْ كَانَ فَوْقِي لَأَظَلَّنِي وَلَوْ كَانَ تَحْتِي لَأَقَلَّنِي فَأَسْأَلُكَ إِلَّا أَلْحَقْتَنِي جَنَاحَ الْمُتَفَضِّلِ عَلَيَّ بِزِيَارَتِكَ ، وَالسَّلَامُ ، قَالَ أَبُو عَامِرٍ : فَقُمْتُ مَعَ الْغُلَامِ حَتَّى أَتَى بِي مَنْزِلًا رَحْبًا خَرِبًا فَقَالَ لِي : قِفْ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ لَكَ ، فَوَقَفْتُ حَتَّى خَرَجَ فَقَالَ لِي : لُجْ ، فَدَخَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِبَيْتٍ لَهُ بَابٌ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ فَإِذَا أَنَا بِكَهْلٍ مُسْتَقْبِلٍ الْقِبْلَةَ تَخَالُهُ مِنَ الْوَرَعِ مَكْرُوبًا وَمِنَ الْخَشْيَةِ مَحْزُونًا قَدْ ظَهَرَتْ فِي وَجْهِهِ أَحْزَانُهُ وَقَدْ قَرِحَتْ مِنَ الْبُكَاءِ عَيْنَاهُ وَمَرِضَتْ أَجْفَانُهُ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ ثُمَّ تَخَلْخَلَ فَلَمْ يُطِقِ الْقِيَامَ فَإِذَا هُوَ أَعْرَجُ أَعْمَى مِسْقَامٌ فَقَالَ لِي : مَتَّعَ اللَّهُ بِالْأَحْزَانِ لُبَّكَ وَغَسَلَ مِنْ رَانِ الذُّنُوبِ قَلْبَكَ لَمْ تَزَلْ نَفْسِي إِلَيْكَ مُشْتَاقَةً وَقَلْبِي إِلَيْكَ تَوَّاقًا ، وَبِي جُرْحٌ قَدْ أَعْيَا النَّاسَ دَوَاؤُهُ وَالْمُتَطَبِّبِينَ شِفَاؤُهُ فَلَاقِ لَهُ أَجْوَدَ التِّرْيَاقِ وَإِنْ كَانَ مُرَّ الْمَذَاقِ فَإِنِّي مِمَّنْ أَصْبِرُ عَلَى مَضَضِ الدَّوَاءِ مَخَافَةَ مَا يُتَوَقَّعُ مِنْ عَظِيمِ الْبَلَاءِ ، قَالَ : فَسَمِعْتُ كَلَامًا حَسَنًا وَرَأَيْتُ مَنْظَرًا أَفْظَعَنِي فَأَطْرَقْتُ طَوِيلًا ثُمَّ تَأَتَّى مِنْ كَلَامِي مَا تَأَتَّى فَقُلْتُ : يَا شَيْخُ ، ارْمِ بِبَصَرِ قَلْبِكَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاءِ فَتَمَثَّلْ بِحَقَيقَةِ إِيمَانِكَ جَنَّةَ الْمَأْوَى فَسَتَرَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِيهِ لِلْأَوْلِيَاءِ ثُمَّ أَشْرِفْ بِقَلْبِكَ نَارًا تَتَلَظَّى فَسَتَرَى مَا أَعَدَّ فِيهَا لِلْأَشْقِيَاءِ شَتَّانَ مَا بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ وَالدَّارَيْنِ شَتَّانَ ، أَلَيْسَ الْفَرِيقَانِ فِي الْمَوْتِ سَوَاءً ؟ قَالَ : فَأَنَّ أَنَّةً وَزَفَرَ زَفْرَةً وَالْتَوَى ثُمَّ قَالَ : قَدْ وَقَعَ دَوَاؤُكَ عَلَى دَائِي وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ عِنْدَكَ شِفَائِي ، زِدْنِي يَرْحَمُكُ اللَّهُ ، فَقُلْتُ : إِنَّهُ عَالِمٌ بِخَفَيَاتِكَ مُطَّلِعٌ عَلَى سَرَائِرِكَ ، قَالَ : فَصَرَخَ صَرْخَةً خَرَّ مَيِّتًا ، فَإِذَا أَنا بِجَارِيَةٍ قَدْ رَفَعَتِ الْعَبَاءَةَ عَلَيْهَا جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ قَدْ أَقْرَعَ السُّجُودُ حَاجِبَيْهَا وَأَنْفَهَا فَلَمَّا نَظَرَتْ إِلَيَّ قَالَتْ : أَحْسَنْتَ يَا هَادِيَ قُلُوبِ الْعَارِفِينَ وَمُثِيرَ أَحْزَانِ الْمَحْزُونِينَ لَا أَنْسَى لَكَ هَذَا الْمَوْقِفَ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ ، هَذَا أَبِي مُبْتَلًى مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً : صَلَّى حَتَّى انْحَنَى وَصَامَ حَتَّى أُقْعِدَ وَبَكَى حَتَّى عَمِيَ وَكَانَ يَتَمَّنَاكَ عَلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَقُولُ : سَمِعْتُ كَلَامَ أَبِي عَامِرٍ مَرَّةً فَأَحْيَا اللَّهُ مَوَاتَ قَلْبِي فَإِنْ سَمِعْتُهُ ثَانِيًا قَتَلَنِي ، قَالَ أَبُو عَامِرٍ : فَرَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ بَعْدَ لَيَالٍ كَأَنَّهُ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ فَقُلْتُ لَهُ : مَا صَنَعَ اللَّهُ بِكَ ؟ قَالَ : غَفَرَ لِي ، وَأَنْشَأَ يَقُولُ : أَنْتَ شَرِيكِي فِي الَّذِي نِلْتُهُ مُسْتَأْهِلًا ذَاكَ أَبَا عَامِرِ وَكُلُّ مَنْ أَيْقَظَ ذَا غَفَلَةٍ فَنِصْفُ مَا يُعْطَاهُ لِلْآمِرِ مَنْ رَدَّ عَبْدًا آبِقًا مَرَّةً كَانَ كَالْمُجْتَهِدِ الصَّابِرِ