قَالَ ذُو النُّونِ : " حَجَجْتُ سَنَةً إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَضَلَلْتُ عَنِ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَكُنْ مَعِي مَاءٌ وَلَا زَادٌ وَإِنِّي لَمُشْرِفٌ عَلَى الْهَلَكَةِ وَآيِسٌ مِنَ الْحَيَاةِ فَلَاحَتْ لِي أَشْجَارٌ كَثِيرَةٌ وَإِذَا أَنَا بِمِحْرَابٍ قَدْ كَانَ عَهْدُهُ مِنْ مُتَعَاهِدِهِ قَرِيبًا فَطَرَحَتْ نَفْسِي تَحْتَ فَيْءِ شَجَرَةٍ مُتَوَقِّعًا لِنَسْيمِ بَرْدِ اللَّيْلِ فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ إِذَا أَنَا بِشَابٍّ مُتَغَيِّرِ اللَّوْنِ نَحِيلِ الْجِسْمِ يَؤُمُّ نَحْوَ الْمِحْرَابِ فَرَكَلَ بِرِجْلِهِ رَبْوَةً مِنَ الْأَرْضِ فَظَهَرَ عَيْنٌ أَبْيَضُ بِمَاءٍ عَذْبٍ فَشَرِبَ وَتَوَضَّأَ بِهِ وَقَامَ فِي مِحْرَابِهِ فَقُمْتُ إِلَى الْعَيْنِ فَشَرِبْتُ مَاءً عَذْبًا وَسَوِيقَ السُّلْتِ وَسُكَّرَ الطِّبْرَزْدِ فَشَبِعْتُ وَرَوِيتُ وَتَوَضَّأْتُ فَقُمْتُ إِلَيْهِ أُصَلِّي بِصَلَاتِهِ حَتَّى بَرَقَ عَمُودُ الصُّبْحِ فَلَمَّا رَأَى الصُّبْحَ أَقْبَلَ وَثَبَ قَائِمًا عَلَى قَدَمَيْهِ وَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ ذَهَبَ اللَّيْلُ بِمَا فِيهِ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ خِدْمَتِكَ وَطَرًا وَلَا مِنْ عَذْبِ مَاءِ مُنَاجَاتِكَ شَطْرًا إِلَهِي خَسِرَ مَنْ أَتْعَبَ لِغَيْرِكَ بَدَنَهُ وَأَلْجَأَ إِلَى سِوَاكَ هِمَّتَهُ , فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَمْضِيَ نَادَيْتُهُ بِالَّذِي مَنَحَكَ لَذِيذَ الرَّغَبِ وَأَذْهَبَ عَنْكَ مَلَالَ التَّعَبِ إِلَّا حَفَفْتَنِي بِجَنَاحِ الرَّحْمَةِ وَأَمَّنْتَنِي مِنْ جَنَاحِ الذِّلَّةِ فَإِنِّي رَجُلٌ غَرِيبٌ أُرِيدُ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامَ فَضَلَلْتُ عَنِ الطَّرِيقِ , وَلَيْسَ مَعِي مَاءٌ وَلَا زَادٌ وَلَا رَاحِلَةٌ وَإِنِّي مُشْرِفٌ عَلَى الْهَلَكَةِ آيسٌ مِنَ الْحَيَاةِ , فَقَالَ : اسْكُتْ يَا بَطَّالُ , وَهَلْ مِنْ مُوفُودٍ وَفَدَ إِلَيْهِ فَقَطَعَ بِهِ دُونَ الْبَلَاغِ إِلَيْهِ ؟ لَوْ صَحَّحْتَ لَهُ فِي الْمُعَامَلَةِ لَصَحَّحَ لَكَ فِي الدَّلَالَةِ , ثُمَّ قَالَ : اتْبَعْنِي , فَرَأَيْتُ الْأَرْضَ تُطْوَى مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِنَا حَتَّى رَأَيْتُ الْحَجَّةَ وَسَمِعْتُ ضَجَّةً , فَقَالَ : هَذِهِ بَكَّةُ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ : {
} وَمَنْ عَامَلَ اللَّهَ بِتَقْوَاهُ {
}وَكَانَ فِي الْخَلْوَةِ يَرْعَاهُ {
}{
} سَقَاهُ كَأْسًا مِنْ صَفَا حُبِّهِ {
}تَسْلُبُهُ لَذَّةَ دُنْيَاهُ {
}{
} فَأَبْعَدَ الْخَلْقَ وَأَقْصَاهُمْ {
}وَانْفَرَدَ الْعَبْدُ بِمَوْلَاهُ {
}
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْعَلَاءِ , ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى قَالَ : قَالَ ذُو النُّونِ : حَجَجْتُ سَنَةً إِلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَضَلَلْتُ عَنِ الطَّرِيقِ وَلَمْ يَكُنْ مَعِي مَاءٌ وَلَا زَادٌ وَإِنِّي لَمُشْرِفٌ عَلَى الْهَلَكَةِ وَآيِسٌ مِنَ الْحَيَاةِ فَلَاحَتْ لِي أَشْجَارٌ كَثِيرَةٌ وَإِذَا أَنَا بِمِحْرَابٍ قَدْ كَانَ عَهْدُهُ مِنْ مُتَعَاهِدِهِ قَرِيبًا فَطَرَحَتْ نَفْسِي تَحْتَ فَيْءِ شَجَرَةٍ مُتَوَقِّعًا لِنَسْيمِ بَرْدِ اللَّيْلِ فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ إِذَا أَنَا بِشَابٍّ مُتَغَيِّرِ اللَّوْنِ نَحِيلِ الْجِسْمِ يَؤُمُّ نَحْوَ الْمِحْرَابِ فَرَكَلَ بِرِجْلِهِ رَبْوَةً مِنَ الْأَرْضِ فَظَهَرَ عَيْنٌ أَبْيَضُ بِمَاءٍ عَذْبٍ فَشَرِبَ وَتَوَضَّأَ بِهِ وَقَامَ فِي مِحْرَابِهِ فَقُمْتُ إِلَى الْعَيْنِ فَشَرِبْتُ مَاءً عَذْبًا وَسَوِيقَ السُّلْتِ وَسُكَّرَ الطِّبْرَزْدِ فَشَبِعْتُ وَرَوِيتُ وَتَوَضَّأْتُ فَقُمْتُ إِلَيْهِ أُصَلِّي بِصَلَاتِهِ حَتَّى بَرَقَ عَمُودُ الصُّبْحِ فَلَمَّا رَأَى الصُّبْحَ أَقْبَلَ وَثَبَ قَائِمًا عَلَى قَدَمَيْهِ وَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ ذَهَبَ اللَّيْلُ بِمَا فِيهِ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ خِدْمَتِكَ وَطَرًا وَلَا مِنْ عَذْبِ مَاءِ مُنَاجَاتِكَ شَطْرًا إِلَهِي خَسِرَ مَنْ أَتْعَبَ لِغَيْرِكَ بَدَنَهُ وَأَلْجَأَ إِلَى سِوَاكَ هِمَّتَهُ , فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَمْضِيَ نَادَيْتُهُ بِالَّذِي مَنَحَكَ لَذِيذَ الرَّغَبِ وَأَذْهَبَ عَنْكَ مَلَالَ التَّعَبِ إِلَّا حَفَفْتَنِي بِجَنَاحِ الرَّحْمَةِ وَأَمَّنْتَنِي مِنْ جَنَاحِ الذِّلَّةِ فَإِنِّي رَجُلٌ غَرِيبٌ أُرِيدُ بَيْتَ اللَّهِ الْحَرَامَ فَضَلَلْتُ عَنِ الطَّرِيقِ , وَلَيْسَ مَعِي مَاءٌ وَلَا زَادٌ وَلَا رَاحِلَةٌ وَإِنِّي مُشْرِفٌ عَلَى الْهَلَكَةِ آيسٌ مِنَ الْحَيَاةِ , فَقَالَ : اسْكُتْ يَا بَطَّالُ , وَهَلْ مِنْ مُوفُودٍ وَفَدَ إِلَيْهِ فَقَطَعَ بِهِ دُونَ الْبَلَاغِ إِلَيْهِ ؟ لَوْ صَحَّحْتَ لَهُ فِي الْمُعَامَلَةِ لَصَحَّحَ لَكَ فِي الدَّلَالَةِ , ثُمَّ قَالَ : اتْبَعْنِي , فَرَأَيْتُ الْأَرْضَ تُطْوَى مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِنَا حَتَّى رَأَيْتُ الْحَجَّةَ وَسَمِعْتُ ضَجَّةً , فَقَالَ : هَذِهِ بَكَّةُ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ : وَمَنْ عَامَلَ اللَّهَ بِتَقْوَاهُ وَكَانَ فِي الْخَلْوَةِ يَرْعَاهُ سَقَاهُ كَأْسًا مِنْ صَفَا حُبِّهِ تَسْلُبُهُ لَذَّةَ دُنْيَاهُ فَأَبْعَدَ الْخَلْقَ وَأَقْصَاهُمْ وَانْفَرَدَ الْعَبْدُ بِمَوْلَاهُ