عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ : " احْتَبَسَ عَنَّا الْمَطَرُ بِالْبَصْرَةِ فَخَرَجْنَا يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ نَسْتَسْقِي فَلَمْ نَرَ أَثَرَ الْإِجَابَةِ فَخَرَجْتُ أَنَا وَعَطَاءٌ السُّلَيْمِيُّ وَثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ , وَيَحْيَى الْبَكَّاءُ , وَمُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ , وَأَبُو مُحَمَّدٍ السَّخْتِيَانِيُّ , وَحَبِيبٌ أَبُو مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ , وَحَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ , وَعُتْبَةُ الْغُلَامُ , وَصَالِحٌ الْمُرِّيُّ حَتَّى صِرْنَا إِلَى مُصَلًّى بِالْبَصْرَةِ وَخَرَجَ الصِّبْيَانُ مِنَ الْمُكَاتَبِ وَاسْتَسْقَيْنَا فَلَمْ نَرَ أَثَرَ الْإِجَابَةِ وَانْتَصَفَ النَّهَارُ وَانْصَرَفَ النَّاسُ وَبَقِيَتُ أَنَا وَثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ فِي الْمُصَلَّى فَلَمَّا أَظْلَمَ اللَّيْلُ إِذَا بِأَسْوَدَ صَبِيحِ الْوَجْهِ دَقِيقِ السَّاقَيْنِ عَظِيمِ الْبَطْنِ عَلَيْهِ مِئْزَرَانِ مِنْ صُوفٍ فَقَوَّمْتِ جَمِيعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ بِدِرْهَمَيْنِ فَجَاءَ إِلَى مَاءٍ فَتَمَسَّحَ ثُمَّ دَنَا مِنَ الْمِحْرَابِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ قِيَامُهُ وَرُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ سَوَاءً خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ : سَيِّدِي إِلَى كَمْ تَرْدُدْ عِبَادَكَ فِيمَا لَا يَنْقُصُكَ أَنَفَدَ مَا عِنْدَكَ أَمْ فَقَدْتَ خَزَائِنَ قُدْرَتِكَ ؟ سَيِّدِي أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِحُبِّكَ لِي إِلَّا سَقَيْتَنَا غَيْثَكَ السَّاعَةَ السَّاعَةَ , قَالَ : مَالِكٌ : فَمَا أَتَمَّ الْكَلَامَ حَتَّى تَغَيَّمَتِ السَّمَاءُ وَأَخَذَتْنَا كَأَفْوَاهِ الْقِرَبِ وَمَا خَرَجْنَا مِنَ الْمُصَلَّى حَتَّى خُضْنَا الْمَاءَ إِلَى رُكَبِنَا , قَالَ : فَبَقِيَتْ أَنا وَثَابِتٌ مُتَعَجِّبِينَ مِنَ الْأَسْوَدِ , ثُمَّ انْصَرَفَ فَتَبِعْنَاهُ , قَالَ : فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَسْوَدُ , أَمَا تَسْتَحِي مِمَّا قُلْتَ ؟ قَالَ : فَقَالَ : وَمَاذَا قُلْتُ ؟ قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : قَوْلُكُ بِحُبِّكَ لِي , وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهُ يُحِبُّكَ ؟ قَالَ : تَنَحَّ عَنْ هِمَمٍ لَا تَعْرِفُهَا يَا مَنِ اشْتَغَلَ عَنْهُ بِنَفْسِهِ أَيْنَ كُنْتُ أَنَا حِينَ خَصَّنِي بِالتَّوْحِيدِ وَبِمَعْرِفَتِهِ ؟ أَفَتُرَاهُ بَدَأَنِي بِذَلِكَ إِلَّا بِمَحَبَّتِهِ لِي عَلَى قَدْرِهِ وَمَحَبَّتِي لَهُ عَلَى قِدْرِي ؟ قَالَ : ثُمَّ بَادَرَ يَسْعَى , فَقُلْتُ لَهُ : رَحِمَكَ اللَّهُ ارْفُقْ بِنَا , قَالَ : أَنا مَمْلُوكٌ عَلَى فَرْضٍ مِنْ طَاعَةِ مَالِكِي الصَّغِيرِ , قَالَ : فَجَعَلْنَا نَتَّبِعُهُ مِنَ الْبُعْدِ حَتَّى دَخَلَ دَارَ نَخَّاسٍ وَقَدْ مَضَى مِنَ اللَّيْلِ نِصْفُهُ فَطَالَ عَلَيْنَا النِّصْفُ الْبَاقِي , فَلَمَّا أَصْبَحْنَا أَتَيْتُ النَّخَّاسَ فَقُلْتُ لَهُ : عِنْدَكَ غُلَامٌ تَبِيعَنِيهِ لِلْخِدْمَةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ عِنْدِي مِائَةُ غُلَامٍ كُلُّهُمْ لِذَلِكَ , قَالَ : فَجَعَلَ يُخْرِجُ إِلَيَّ وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ وَأَنَا أَقُولُ : غَيْرُ هَذَا حَتَّى عَرَضَ عَلَيَّ تِسْعِينَ غُلَامًا ثُمَّ قَالَ : مَا بَقِيَ عِنْدِي غَيْرُهَا وَلَا وَاحِدٌ قَالَ : فَلَمَّا أَرَدْنَا الْخُرُوجَ دَخَلْتُ أَنا حُجْرَةً خَرِبَةً فِي خَلْفِ دَارِهِ فَإِذَا أَنا بِالْأَسْوَدِ نَائِمٌ , فَكَانَ وَقْتُ الْقَيْلُولَةِ , فَقُلْتُ : هُوَ هُوَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ فَخَرَجْتُ إِلَى عِنْدِ النَّخَّاسِ فَقُلْتُ لَهُ : بِعْنِي ذَلِكَ الْأَسْوَدَ , فَقَالَ لِي : يَا أَبَا يَحْيَى ذَاكَ غُلَامٌ مَشْئُومٌ نِكِدٌ لَيْسَتْ لَهُ بِاللَّيْلِ هِمَّةٌ إِلَّا الْبُكَاءُ وَبِالنَّهَارِ إِلَّا الصَّلَاةُ وَالنَّوْمُ , فَقُلْتُ لَهُ : وَلِذَلِكَ أُرِيدُهُ , قَالَ : فَدَعَا بِهِ وَإِذَا هُوَ قَدْ خَرَجَ نَاعِسًا فَقَالَ لِي : خُذْهُ بِمَا شِئْتَ بَعْدَ أَنْ تُبْرِيَنِي مِنْ عُيُوبِهِ كُلِّهَا فَاشْتَرَيْتُهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا بِالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ , فَقُلْتُ : مَا اسْمُهُ ؟ قَالَ : مَيْمُونٌ , قَالَ : فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَأَتَيْتُ بِهِ إِلَى الْمَنْزِلِ فَبَيْنَا هُوَ يَمْشِي مَعِي إِذْ قَالَ لِي : يَا مَوْلَايَ الصَّغِيرَ , لِمَاذَا اشْتَرَيْتَنِي وَأَنَا لَا أَصْلُحُ لِخِدْمَةِ الْمَخْلُوقِينَ ؟ قَالَ : مَالِكٌ : فَقُلْتُ لَهُ : حَبِيبِي إِنَّمَا اشْتَرَيْنَاكَ لِنَخْدُمَكَ نَحْنُ بِأَنْفُسِنَا وَعَلَى رُءُوسِنَا , فَقَالَ : وَلِمَ ذَاكَ ؟ فَقُلْتُ : أَلَيْسَ أَنْتَ صَاحِبَنَا الْبَارِحَةَ ؟ فِي الْمُصَلَّى فَقَالَ : وَقَدِ اطِّلَعْتُمَا عَلَى ذَلِكَ ؟ فَقُلْتُ : أَنا الَّذِي اعْتَرَضْتُ عَلَيْكَ فِي الْكَلَامَ , قَالَ : فَجَعَلَ يَمْشِي حَتَّى صَارَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَدَخَلَهُ وَصَفَّ قَدَمَيْهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ : إِلَهِي وَسَيِّدِي سِرٌّ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَظْهَرْتَهُ لِلْمَخْلُوقِينَ وَفَضَحْتَنِي فِيهِ فَكَيْفَ يَطِيبُ لِي الْآنَ عَيْشٌ وَقَدْ وَقَفَ عَلَى مَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ غَيْرُكَ ؟ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا قَبَضْتَ رُوحِي السَّاعَةَ السَّاعَةَ , ثُمَّ سَجَدَ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَانْتَظَرْتُهُ سَاعَةً فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ فَحَرَّكْتُهُ فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ قَالَ : فَمَدَدْتُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَإِذَا وَجْهٌ ضَاحِكٌ وَقَدِ ارْتَفَعَ السَّوَادُ وَصَارَ وَجْهُهُ كَالْقَمَرِ وَإِذَا بِشَابٍّ قَدْ أَقْبَلَ مِنَ الْبَابِ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجَرْنَا فِي أَخِينَا , هَاكُمُ الْكَفَنَ فَكَفِّنُوهُ فِيهِ فَنَاوَلَنِي ثَوْبَيْنِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُمَا ثُمَّ خَرَجَ فَكَفَّنَّاهُ فِيهِمَا , قَالَ مَالِكٌ : فَقَبْرُهُ يُسْتَسْقَى بِهِ وَتُطْلَبُ الْحَوَائِجُ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا "
أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَزْهَرِ ضَمْرَةُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ هِلَالٍ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْهَاشِمِيُّ الْبَصْرِيُّ , قَدِمَ عَلَيْنَا ثنا أَبِي , ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ , عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ : احْتَبَسَ عَنَّا الْمَطَرُ بِالْبَصْرَةِ فَخَرَجْنَا يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ نَسْتَسْقِي فَلَمْ نَرَ أَثَرَ الْإِجَابَةِ فَخَرَجْتُ أَنَا وَعَطَاءٌ السُّلَيْمِيُّ وَثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ , وَيَحْيَى الْبَكَّاءُ , وَمُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ , وَأَبُو مُحَمَّدٍ السَّخْتِيَانِيُّ , وَحَبِيبٌ أَبُو مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ , وَحَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ , وَعُتْبَةُ الْغُلَامُ , وَصَالِحٌ الْمُرِّيُّ حَتَّى صِرْنَا إِلَى مُصَلًّى بِالْبَصْرَةِ وَخَرَجَ الصِّبْيَانُ مِنَ الْمُكَاتَبِ وَاسْتَسْقَيْنَا فَلَمْ نَرَ أَثَرَ الْإِجَابَةِ وَانْتَصَفَ النَّهَارُ وَانْصَرَفَ النَّاسُ وَبَقِيَتُ أَنَا وَثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ فِي الْمُصَلَّى فَلَمَّا أَظْلَمَ اللَّيْلُ إِذَا بِأَسْوَدَ صَبِيحِ الْوَجْهِ دَقِيقِ السَّاقَيْنِ عَظِيمِ الْبَطْنِ عَلَيْهِ مِئْزَرَانِ مِنْ صُوفٍ فَقَوَّمْتِ جَمِيعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ بِدِرْهَمَيْنِ فَجَاءَ إِلَى مَاءٍ فَتَمَسَّحَ ثُمَّ دَنَا مِنَ الْمِحْرَابِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَ قِيَامُهُ وَرُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ سَوَاءً خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ : سَيِّدِي إِلَى كَمْ تَرْدُدْ عِبَادَكَ فِيمَا لَا يَنْقُصُكَ أَنَفَدَ مَا عِنْدَكَ أَمْ فَقَدْتَ خَزَائِنَ قُدْرَتِكَ ؟ سَيِّدِي أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِحُبِّكَ لِي إِلَّا سَقَيْتَنَا غَيْثَكَ السَّاعَةَ السَّاعَةَ , قَالَ : مَالِكٌ : فَمَا أَتَمَّ الْكَلَامَ حَتَّى تَغَيَّمَتِ السَّمَاءُ وَأَخَذَتْنَا كَأَفْوَاهِ الْقِرَبِ وَمَا خَرَجْنَا مِنَ الْمُصَلَّى حَتَّى خُضْنَا الْمَاءَ إِلَى رُكَبِنَا , قَالَ : فَبَقِيَتْ أَنا وَثَابِتٌ مُتَعَجِّبِينَ مِنَ الْأَسْوَدِ , ثُمَّ انْصَرَفَ فَتَبِعْنَاهُ , قَالَ : فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَسْوَدُ , أَمَا تَسْتَحِي مِمَّا قُلْتَ ؟ قَالَ : فَقَالَ : وَمَاذَا قُلْتُ ؟ قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ : قَوْلُكُ بِحُبِّكَ لِي , وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهُ يُحِبُّكَ ؟ قَالَ : تَنَحَّ عَنْ هِمَمٍ لَا تَعْرِفُهَا يَا مَنِ اشْتَغَلَ عَنْهُ بِنَفْسِهِ أَيْنَ كُنْتُ أَنَا حِينَ خَصَّنِي بِالتَّوْحِيدِ وَبِمَعْرِفَتِهِ ؟ أَفَتُرَاهُ بَدَأَنِي بِذَلِكَ إِلَّا بِمَحَبَّتِهِ لِي عَلَى قَدْرِهِ وَمَحَبَّتِي لَهُ عَلَى قِدْرِي ؟ قَالَ : ثُمَّ بَادَرَ يَسْعَى , فَقُلْتُ لَهُ : رَحِمَكَ اللَّهُ ارْفُقْ بِنَا , قَالَ : أَنا مَمْلُوكٌ عَلَى فَرْضٍ مِنْ طَاعَةِ مَالِكِي الصَّغِيرِ , قَالَ : فَجَعَلْنَا نَتَّبِعُهُ مِنَ الْبُعْدِ حَتَّى دَخَلَ دَارَ نَخَّاسٍ وَقَدْ مَضَى مِنَ اللَّيْلِ نِصْفُهُ فَطَالَ عَلَيْنَا النِّصْفُ الْبَاقِي , فَلَمَّا أَصْبَحْنَا أَتَيْتُ النَّخَّاسَ فَقُلْتُ لَهُ : عِنْدَكَ غُلَامٌ تَبِيعَنِيهِ لِلْخِدْمَةِ ؟ قَالَ : نَعَمْ عِنْدِي مِائَةُ غُلَامٍ كُلُّهُمْ لِذَلِكَ , قَالَ : فَجَعَلَ يُخْرِجُ إِلَيَّ وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ وَأَنَا أَقُولُ : غَيْرُ هَذَا حَتَّى عَرَضَ عَلَيَّ تِسْعِينَ غُلَامًا ثُمَّ قَالَ : مَا بَقِيَ عِنْدِي غَيْرُهَا وَلَا وَاحِدٌ قَالَ : فَلَمَّا أَرَدْنَا الْخُرُوجَ دَخَلْتُ أَنا حُجْرَةً خَرِبَةً فِي خَلْفِ دَارِهِ فَإِذَا أَنا بِالْأَسْوَدِ نَائِمٌ , فَكَانَ وَقْتُ الْقَيْلُولَةِ , فَقُلْتُ : هُوَ هُوَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ فَخَرَجْتُ إِلَى عِنْدِ النَّخَّاسِ فَقُلْتُ لَهُ : بِعْنِي ذَلِكَ الْأَسْوَدَ , فَقَالَ لِي : يَا أَبَا يَحْيَى ذَاكَ غُلَامٌ مَشْئُومٌ نِكِدٌ لَيْسَتْ لَهُ بِاللَّيْلِ هِمَّةٌ إِلَّا الْبُكَاءُ وَبِالنَّهَارِ إِلَّا الصَّلَاةُ وَالنَّوْمُ , فَقُلْتُ لَهُ : وَلِذَلِكَ أُرِيدُهُ , قَالَ : فَدَعَا بِهِ وَإِذَا هُوَ قَدْ خَرَجَ نَاعِسًا فَقَالَ لِي : خُذْهُ بِمَا شِئْتَ بَعْدَ أَنْ تُبْرِيَنِي مِنْ عُيُوبِهِ كُلِّهَا فَاشْتَرَيْتُهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا بِالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ , فَقُلْتُ : مَا اسْمُهُ ؟ قَالَ : مَيْمُونٌ , قَالَ : فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَأَتَيْتُ بِهِ إِلَى الْمَنْزِلِ فَبَيْنَا هُوَ يَمْشِي مَعِي إِذْ قَالَ لِي : يَا مَوْلَايَ الصَّغِيرَ , لِمَاذَا اشْتَرَيْتَنِي وَأَنَا لَا أَصْلُحُ لِخِدْمَةِ الْمَخْلُوقِينَ ؟ قَالَ : مَالِكٌ : فَقُلْتُ لَهُ : حَبِيبِي إِنَّمَا اشْتَرَيْنَاكَ لِنَخْدُمَكَ نَحْنُ بِأَنْفُسِنَا وَعَلَى رُءُوسِنَا , فَقَالَ : وَلِمَ ذَاكَ ؟ فَقُلْتُ : أَلَيْسَ أَنْتَ صَاحِبَنَا الْبَارِحَةَ ؟ فِي الْمُصَلَّى فَقَالَ : وَقَدِ اطِّلَعْتُمَا عَلَى ذَلِكَ ؟ فَقُلْتُ : أَنا الَّذِي اعْتَرَضْتُ عَلَيْكَ فِي الْكَلَامَ , قَالَ : فَجَعَلَ يَمْشِي حَتَّى صَارَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَدَخَلَهُ وَصَفَّ قَدَمَيْهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ : إِلَهِي وَسَيِّدِي سِرٌّ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَظْهَرْتَهُ لِلْمَخْلُوقِينَ وَفَضَحْتَنِي فِيهِ فَكَيْفَ يَطِيبُ لِي الْآنَ عَيْشٌ وَقَدْ وَقَفَ عَلَى مَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ غَيْرُكَ ؟ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا قَبَضْتَ رُوحِي السَّاعَةَ السَّاعَةَ , ثُمَّ سَجَدَ فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَانْتَظَرْتُهُ سَاعَةً فَلَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ فَحَرَّكْتُهُ فَإِذَا هُوَ مَيِّتٌ قَالَ : فَمَدَدْتُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَإِذَا وَجْهٌ ضَاحِكٌ وَقَدِ ارْتَفَعَ السَّوَادُ وَصَارَ وَجْهُهُ كَالْقَمَرِ وَإِذَا بِشَابٍّ قَدْ أَقْبَلَ مِنَ الْبَابِ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجَرْنَا فِي أَخِينَا , هَاكُمُ الْكَفَنَ فَكَفِّنُوهُ فِيهِ فَنَاوَلَنِي ثَوْبَيْنِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُمَا ثُمَّ خَرَجَ فَكَفَّنَّاهُ فِيهِمَا , قَالَ مَالِكٌ : فَقَبْرُهُ يُسْتَسْقَى بِهِ وَتُطْلَبُ الْحَوَائِجُ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا