سَمِعْتُ السَّرِيَّ بْنَ الْمُغَلِّسِ ، يَقُولُ : " لَوْ أَحْسَسْتُ بِإِنْسَانٍ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ فَقُلْتُ بِلِحْيَتِي كَذَا وَأَمَرَّ يَدَهُ عَلَى لِحْيَتِهِ ، كَأَنَّهُ يُرِيدُ تَسْوِيَتَهَا مِنْ أَجْلِ دُخُولِ الدَّاخِلِ لَخِفْتُ أَنْ يُعَذِّبَنِيَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ بِالنَّارِ ، قَالَ : وَسَمِعْتُ السَّرِيَّ ، يَقُولُ : إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى أَنْفِي كُلَّ يَوْمٍ مِرَارًا مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ وَجْهِي قَدِ اسْوَدَّ ، قَالَ : وَسَمِعْتُ السَّرِيَّ ، يَقُولُ : مَا أُحِبُّ أَنْ أَمُوتَ حَيْثُ أَعْرِفُ فَقِيلَ لَهُ : وَلِمَ ذَلِكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ ؟ قَالَ : أَخَافُ أَنْ لَا يَقْبَلَنِي قَبْرِي فَأَفْتَضِحَ ، قَالَ : وَسَمِعْتُ السَّرِيَّ ، يَقُولُ : إِنَّ نَفْسِي تُنَازِعُنِي أَنِ اغْمِسَ جَزْرَةً فِي دِبْسٍ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً فَمَا يُمْكِنُنِي ، قَالَ : وَسَمِعْتُ السَّرِيَّ ، يَقُولُ : إِنِّي أُحِبُّ أَنْ آكُلَ أُكْلَةً لَيْسَ لِلَّهِ عَلَيَّ فِيهَا تَبِعَةٌ وَلَا لِمَخْلُوقٍ فِيهَا مِنَّةٌ ، فَمَا أَجِدُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا ، قَالَ : وَسَمِعْتُ السَّرِيَّ ، يَقُولُ : خَرَجْنَا يَوْمًا مِنْ مَكَّةَ نُرِيدُ بَعْضَ الْمَوَاضِعِ فَلَمَّا أَصْحَرْنَا رَأَيْتُ فِيَ مَجْرَى السَّيْلِ طَاقَةَ بَقْلٍ فَمَدَدْتُ يَدِي فَأَخَذْتُهَا وَقُلْتُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ وَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ حَلَالًا لَيْسَ لِمَخْلُوقٍ فِيهَا مِنَّةٌ فَقَالَ لِي بَعْضُ مَنْ رَآنِي وَقَدْ أَخَذْتُهَا : يَا أَبَا الْحَسَنِ ، فَالْتَفَتَ فَإِذَا مِثْلُ تِلْكَ الطَّاقَةِ فَقَالَ لِي : خُذْ هَذَا مِنْ نَائِبِكَ ، فَقُلْتُ لَهُ : الطَّاقَةُ الْأُولَى لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا مِنَّةٌ وَهَذَا بَدَلًا لَعَلَّكَ تُرِيدُ لَكَ عَلَيَّ فِيهِ مِنَّةً ، إِنَّمَا أُرِيدُ مَا لَيْسَ لِمَخْلُوقٍ فِيهِ مِنَّةٌ ، وَلَا لِلَّهِ فِيهِ تَبِعَةٌ قَالَ : وَسَمِعْتُ السَّرِيَّ ، يَقُولُ : كَانَ أَهْلُ الْوَرَعِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ أَرْبَعَةً : حُذَيْفَةُ الْمَرْعَشِيُّ ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ ، وَيُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ ، وَسُلَيْمَانُ الْخَوَّاصُ فَنَظَرُوا فِي الْوَرَعِ فَلَمَّا ضَاقَتْ عَلَيْهِمِ الْأُمُورُ فَزِعُوا إِلَى التَّقَلُّلِ ، قَالَ : وَسَمِعْتُ السَّرِيَّ ، يَقُولُ : كُنْتُ بِطَرَسُوسَ وَكَانَ مَعِي فِي الدَّارِ فَتَيَانُ مُتَعَبِّدُونَ وَكَانَ فِي الدَّارِ تَنُّورٌ يَخْبِزُونَ فِيهِ فَانْكَسَرَ التَّنُّورُ فَعَمِلْتُ لَهُمْ بَدَلَهُ مِنْ مَالِي فَتَوَرَّعُوا أَنْ يَخْتَبِزُوا فِيهِ ، قَالَ : وَسَمِعْتُ السَّرِيَّ وَذَكَرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ الْغَسُولِيَّ ، كَانَ يَلْزَمُ الثَّغْرَ وَيَغْزُو وَكَانَ إِذَا غَزَا وَدَخَلُوا بِلَادَ الرُّومِ أَكَلَ أَصْحَابُهُ مِنْ طَعَامِ الرُّومِ وَفَوَاكِهِهِمْ فَيَقُولُ أَبُو يُوسُفَ : لَا آكُلُ فَيقَالُ لَهُ : تَشُكُّ أَنَّهُ حَلَالٌ فَيَقُولُ : لَا أَشُكُّ هُوَ حَلَالٌ ، فَيقَالُ لَهُ : فَكُلْ مِنَ الْحَلَالِ ، فَيَقُولُ : إِنَّمَا الزُّهْدُ فِي الْحَلَالِ ، قَالَ : وَسَمِعْتُ السَّرِيَّ ، يَذُمُّ مَنْ يَأْكُلُ بِدِينِهِ وَيَقُولُ : مِنَ النَّذَالَةِ أَنْ يَأْكُلَ الْعَبْدُ بِدِينِهِ "
أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نُصَيْرٍ ، فِي كِتَابِهِ وَحَدَّثَنِي عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ السَّرِيَّ بْنَ الْمُغَلِّسِ ، يَقُولُ : لَوْ أَحْسَسْتُ بِإِنْسَانٍ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيَّ فَقُلْتُ بِلِحْيَتِي كَذَا وَأَمَرَّ يَدَهُ عَلَى لِحْيَتِهِ ، كَأَنَّهُ يُرِيدُ تَسْوِيَتَهَا مِنْ أَجْلِ دُخُولِ الدَّاخِلِ لَخِفْتُ أَنْ يُعَذِّبَنِيَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ بِالنَّارِ ، قَالَ : وَسَمِعْتُ السَّرِيَّ ، يَقُولُ : إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى أَنْفِي كُلَّ يَوْمٍ مِرَارًا مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ وَجْهِي قَدِ اسْوَدَّ ، قَالَ : وَسَمِعْتُ السَّرِيَّ ، يَقُولُ : مَا أُحِبُّ أَنْ أَمُوتَ حَيْثُ أَعْرِفُ فَقِيلَ لَهُ : وَلِمَ ذَلِكَ يَا أَبَا الْحَسَنِ ؟ قَالَ : أَخَافُ أَنْ لَا يَقْبَلَنِي قَبْرِي فَأَفْتَضِحَ ، قَالَ : وَسَمِعْتُ السَّرِيَّ ، يَقُولُ : إِنَّ نَفْسِي تُنَازِعُنِي أَنِ اغْمِسَ جَزْرَةً فِي دِبْسٍ مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً فَمَا يُمْكِنُنِي ، قَالَ : وَسَمِعْتُ السَّرِيَّ ، يَقُولُ : إِنِّي أُحِبُّ أَنْ آكُلَ أُكْلَةً لَيْسَ لِلَّهِ عَلَيَّ فِيهَا تَبِعَةٌ وَلَا لِمَخْلُوقٍ فِيهَا مِنَّةٌ ، فَمَا أَجِدُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا ، قَالَ : وَسَمِعْتُ السَّرِيَّ ، يَقُولُ : خَرَجْنَا يَوْمًا مِنْ مَكَّةَ نُرِيدُ بَعْضَ الْمَوَاضِعِ فَلَمَّا أَصْحَرْنَا رَأَيْتُ فِيَ مَجْرَى السَّيْلِ طَاقَةَ بَقْلٍ فَمَدَدْتُ يَدِي فَأَخَذْتُهَا وَقُلْتُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ وَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ حَلَالًا لَيْسَ لِمَخْلُوقٍ فِيهَا مِنَّةٌ فَقَالَ لِي بَعْضُ مَنْ رَآنِي وَقَدْ أَخَذْتُهَا : يَا أَبَا الْحَسَنِ ، فَالْتَفَتَ فَإِذَا مِثْلُ تِلْكَ الطَّاقَةِ فَقَالَ لِي : خُذْ هَذَا مِنْ نَائِبِكَ ، فَقُلْتُ لَهُ : الطَّاقَةُ الْأُولَى لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا مِنَّةٌ وَهَذَا بَدَلًا لَعَلَّكَ تُرِيدُ لَكَ عَلَيَّ فِيهِ مِنَّةً ، إِنَّمَا أُرِيدُ مَا لَيْسَ لِمَخْلُوقٍ فِيهِ مِنَّةٌ ، وَلَا لِلَّهِ فِيهِ تَبِعَةٌ قَالَ : وَسَمِعْتُ السَّرِيَّ ، يَقُولُ : كَانَ أَهْلُ الْوَرَعِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ أَرْبَعَةً : حُذَيْفَةُ الْمَرْعَشِيُّ ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ ، وَيُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ ، وَسُلَيْمَانُ الْخَوَّاصُ فَنَظَرُوا فِي الْوَرَعِ فَلَمَّا ضَاقَتْ عَلَيْهِمِ الْأُمُورُ فَزِعُوا إِلَى التَّقَلُّلِ ، قَالَ : وَسَمِعْتُ السَّرِيَّ ، يَقُولُ : كُنْتُ بِطَرَسُوسَ وَكَانَ مَعِي فِي الدَّارِ فَتَيَانُ مُتَعَبِّدُونَ وَكَانَ فِي الدَّارِ تَنُّورٌ يَخْبِزُونَ فِيهِ فَانْكَسَرَ التَّنُّورُ فَعَمِلْتُ لَهُمْ بَدَلَهُ مِنْ مَالِي فَتَوَرَّعُوا أَنْ يَخْتَبِزُوا فِيهِ ، قَالَ : وَسَمِعْتُ السَّرِيَّ وَذَكَرَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ الْغَسُولِيَّ ، كَانَ يَلْزَمُ الثَّغْرَ وَيَغْزُو وَكَانَ إِذَا غَزَا وَدَخَلُوا بِلَادَ الرُّومِ أَكَلَ أَصْحَابُهُ مِنْ طَعَامِ الرُّومِ وَفَوَاكِهِهِمْ فَيَقُولُ أَبُو يُوسُفَ : لَا آكُلُ فَيقَالُ لَهُ : تَشُكُّ أَنَّهُ حَلَالٌ فَيَقُولُ : لَا أَشُكُّ هُوَ حَلَالٌ ، فَيقَالُ لَهُ : فَكُلْ مِنَ الْحَلَالِ ، فَيَقُولُ : إِنَّمَا الزُّهْدُ فِي الْحَلَالِ ، قَالَ : وَسَمِعْتُ السَّرِيَّ ، يَذُمُّ مَنْ يَأْكُلُ بِدِينِهِ وَيَقُولُ : مِنَ النَّذَالَةِ أَنْ يَأْكُلَ الْعَبْدُ بِدِينِهِ