سَأَلَ سَائِلٌ الْحَارِثَ بْنَ أَسَدٍ : مَا بَالِي أَغْتَمُّ عَلَى مَا يَفُوتَنِي مِنَ الْعِلْمِ وَلَا أَعْمَلُ بِمَا اسْتَفَدْتُ مِنْهُ ؟ قَالَ : " لِأَنَّكَ لَا تَخَافُ عَظِيمَ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْكَ فِيمَا عَلِمْتَ وَضَيَّعْتَ الْعَمَلَ لِلَّهِ فِيمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْكَ وَلَمْ تَقَدَّمِ الْعَزْمَ أَنْ تَقُومَ بِمَا تَسْتَفِيدُ مِنَ الْعِلْمِ فِيمَا تَسْتَزِيدُ مِنْهُ وَكَانَ يَحِقُّ عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ بِمَا عَلِمْتَ وَلَزِمَتْكَ مِنَ اللَّهِ أَعْظَمُ الْحُجَّةِ ؛ لِأَنَّكَ إِنْ تُضَيِّعْ حَقَّ اللَّهِ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُضَيِّعَ حَقَّ اللَّهِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ ؛ لِأَنَّ الْجَاهِلَ لَا يَأْتِي بِتَعَمُّدٍ مِنْ قَلْبِهِ وَلَا جُرْأَةً وَاسْتِخْفَافًا بِاطِّلَاعِ رَبِّهِ ، وَالْعَالِمُ بِمَا يَأْتِي مُتَعَمِّدًا تَرَكَ حَقَّ رَبِّهِ بَقِلَّةِ رَهْبَةٍ مِنَ اللَّهِ مُتَهَاوِنٌ بِنَظَرِ اللَّهِ مُتَعَرِّضٌ لِسَخَطِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ وَيَتَشَوَّقُ لِحِرْمَانِ جِوَارِ اللَّهِ وَهُوَ يُبْصِرُ فَآثَرَ الْقَلِيلَ الْفَانِي عَلَى الْعَظِيمِ الْبَاقِي وَوَلَّى عَلَى النَّجَاةِ مِنَ الْعَذَابِ وَسَلَكَ الطَّرِيقَ إِلَى عَذَابِ الْجَحِيمِ وَسَمَحَتْ نَفْسُهُ بِالْجَنَّةِ وَأَسْلَمَهَا لِأَيْدِي الْعُقُوبَةِ ، قُلْتُ : إِنِّي لَا أَقْوَى عَلَى الْحِلْمِ عِنْدَ الشَّتْمِ وَالْأَذَى ، فَقَالَ : ثَقُلَ عَلَيْكَ كَظْمُ الْغَيْظِ وَخَفَّ عَلَيْكَ الِاشْتِفَاءُ ؟ قُلْتُ : مِمَّ ثَقُلَ عَلَيَّ كَظْمُ الْغَيْظِ وَخَفَّ عَلَيَّ التَّشَفِّي ؟ قَالَ : لِأَنَّكَ تَعُدُّ الْحِلْمَ ذُلًّا وَتَسْتَعْمِلُ السَّفَهَ أَنَفًا ، قُلْتُ : فَبِمَ أَقْوَى عَلَى كَظْمِ الْغَيْظِ ؟ قَالَ : بِصَبْرِ النَّفْسِ وَحَبْسِ الْجَوَارِحِ ، قُلْتُ : بِمَ أَجْتَلِبُ صَبْرَ النَّفْسِ وَكَفَّ الْجَوَارِحِ ؟ قَالَ : بِأَنْ تَعْقِلَ وَتَعْلَمَ أَنَّ الْحِلْمَ عِزٌّ وَزَيْنٌ ، وَالسَّفَهَ ذُلٌّ وَشَيْنٌ ، قُلْتُ : كَيْفَ أَعْقِلُ ذَلِكَ وَقَدْ حَلَّ بِقَلْبِي ضِدُّهُ فَغَلَبَ عَلَيْهِ أَنِّي إِنْ صَبَرْتُ عَلَى كَظْمِ الْغَيْظِ كَانَ ذَلِكَ إِذْلَالًا لِي مِمَّنْ آذَانِي وَلَزِمَ قَلْبِي الْأَنِفُ أَنْ يَكُونَ مَنْ شَتَمَنِي قَدْ قَهَرَنِي وَعَجَزْتُ عَنِ الِانْتِقَامِ مِنْهُ وَإِشْفَاءِ غَيْظِي ؟ قَالَ : إِنَّمَا لَزِمَ قَلْبِكَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّكَ لَمْ تَعْقِلْ ظَاهَرَ قُبْحِ السَّفَهِ مِنْكَ وَحُسْنَ سَتْرِ الْحِلْمِ عَلَيْكَ وَجَزِيلَ مَثُوبَةِ اللَّهِ لَكَ فِي آخِرَتِكَ ، قُلْتُ : وَبِمَ أَعْرِفُ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ ؟ قَالَ : أَمَّا قُبْحُ السَّفَهِ وَزَوَالُ حُسْنِ رَدِّ الْحِلْمِ فِيمَا تَرَى مِنْ أَحْوَالِ شَاتِمِكَ وَمُؤْذِيكَ بِالْغَيْظِ وَالْغَضَبِ مِنْ لَوْنِهِ وَفَتْحِ عَيْنَيْهِ وَحُمْرَةِ وَجْهِهِ وَانْقِلَابِ عَيْنَيْهِ وَكَرَاهِيَةِ مَنْظَرِهِ وَاسْتِخْفَافِهِ بِنَفْسِهِ وَزَوَالِ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ عَنْ بَدَنِهِ ، فَأَنْتَ تُبَيِّنُ ذَلِكَ مِنْهُ وَيَرَاهُ كُلُّ عَاقِلٍ مِنْ فَاعِلِهِ ، فَإِذَا بُلِيتَ بِذَلِكَ فَاذْكُرْ مَا أَعَدَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ مِنْ إِيجَابِ مَحَبَّتِهِ وَجَزِيلِ ثَوَابِهِ فَإِنَّ الِاشْتِفَاءَ يَنْقَضِي سَرِيعًا وَيَبْقَى سُوءُ عَاقِبَتِهِ فِي آخِرَتِكَ وَكَظْمِ غَيْظِكَ يَسْكُنُ سَرِيعًا وَيُدَّخَرُ ثَوَابُ اللَّهِ بِذَلِكَ فِي مَعَادِهِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَرْضَى بِدَنَاءَةِ نَفْسِهِ وَسُوءِ رَغْبَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تُرْضِيهِ اللَّمْحَةُ فَيَسْتَشْرِقُ لَهَا وَجْهُهُ فَرَحًا وَتُغْضِبُهُ الْكَلِمَةُ فَيَسْتَطِيرُ مِنْ أَجْلِهَا سَفَهًا حَتَّى يُظْلِمَ لَهَا وَجْهُهُ وَتَضْطَرِبَ لَهَا فَرَائِصُهُ وَإِنَّمَا هِيَ كَلِمَةٌ لَمْ تُعِدْ قَائِلَهَا إِلَى الْمَشْتُومِ بِهَا وَلَكِنَّهَا أَزْرَتْ بِقَائِلِهَا وَأَوْجَبَتِ السَّفَهَ عَلَيْهِ فِي آخِرَتِهِ وَاسْتَخَفَّ بِنَفْسِهِ وَلَمْ تَضُرَّ مَنْ أَسْمَعَهَا فِي دِينٍ وَلَا دُنْيَا فَقَائِلُهَا وَاللَّهِ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُرْحَمَ لِمَا قَدْ أَنْزَلَ بِنَفْسِهِ وَوَضَعَ مِنْ قِيمَتِهِ وَقَدْرِهِ وَعَصَى بِهَا رَبَّهُ وَعَلَى الْمَشْتُومِ بِهَا الشُّكْرُ لِلَّهِ إِذْ لَمْ يُسْلِمْهُ اللَّهُ وَلَمْ يَخْذُلْهُ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ حَالِ شَاتِمِهِ مَعَ مَا قَدْ صَارَ لَهُ مِنَ التَّبِعَةِ فِي رَقَبَتِهِ يَأْخُذُهَا مِنْهُ فِي يَوْمِ فَاقَتِهِ وَفَقْرِهِ ، وَأَوَّلُ مَا يَرِثُ الْمُرِيدُ الْعَارِفُ بِرَبِّهِ مَعْرِفَتُهُ بِدَائِهِ وَدَوَائِهِ فِي عَقْلِهِ وَرَأْيِهِ وَالسَّلَيمُ الْقَلْبِ الْمُتَيَقِّظُ عَنْ رَبِّهِ الْغَافِلُ عَنْ عُيُوبِ الْعِبَادِ الْمُتَفَقِّدُ لِعُيُوبِ نَفْسِهِ ، وَأُنْسُ الْمُرِيدِ الْوَحْشَةُ مِنَ الْعِبَادِ مَعَ دَوَامِ الذِّكْرِ لِلَّهِ بِقَلْبِهِ ، وَأَكْرَمُ أَخْلَاقِ الْمُرِيدِ إِكْرَامُهُ نَفْسَهُ عَنِ الشَّرِّ وَدَنَاءَةِ الْأَخْلَاقِ ، وَعَظِيمُ الْهِمَّةِ بِالظَّفَرِ بِمَا يُرْضِي اللَّهَ ، يَطِيرُ مَعَهُ النَّوْمُ وَيَقِلُّ مَعَهُ النِّسْيَانُ وَمِنْ صِدْقِ الْعَالِمِ فِي عِلْمِهِ اهْتِمَامُهُ بِمَعْرِفَةِ مَعَانِي الزَّوَائِدِ لَيَقُومَ لِرَبِّهِ بِحُسْنِ الرِّعَايَةِ وَطَلَبِ الصَّمْتِ مَعَ الْفِكْرَةِ ، وَالْأُنْسُ بِالْعُزْلَةِ يَبْعَثُ عَلَى طَلَبِ مَعَانِي الْحِكْمَةِ ، وَدَوَامُ التَّوَهُّمِ بِنَظَرِ الْقَلْبِ إِلَى شَدَائِدِ الْقِيَامَةِ يَزُولُ بِهِ السُّرُورُ بِالدُّنْيَا وَيوَرِّثُ الْقَلْبَ الِانْكِسَارَ ، وَالْبُكَاءَ بِهِ وَيَعْمَلُ عَلَى الِاسْتِعْدَادِ لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ وَالسُّؤَالِ الْأَعْظَمِ "
أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، فِي كِتَابِهِ , وَحَدَّثَنِي عَنْهُ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ : سَمِعْتُ الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : سَأَلَ سَائِلٌ الْحَارِثَ بْنَ أَسَدٍ : مَا بَالِي أَغْتَمُّ عَلَى مَا يَفُوتَنِي مِنَ الْعِلْمِ وَلَا أَعْمَلُ بِمَا اسْتَفَدْتُ مِنْهُ ؟ قَالَ : لِأَنَّكَ لَا تَخَافُ عَظِيمَ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْكَ فِيمَا عَلِمْتَ وَضَيَّعْتَ الْعَمَلَ لِلَّهِ فِيمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْكَ وَلَمْ تَقَدَّمِ الْعَزْمَ أَنْ تَقُومَ بِمَا تَسْتَفِيدُ مِنَ الْعِلْمِ فِيمَا تَسْتَزِيدُ مِنْهُ وَكَانَ يَحِقُّ عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ بِمَا عَلِمْتَ وَلَزِمَتْكَ مِنَ اللَّهِ أَعْظَمُ الْحُجَّةِ ؛ لِأَنَّكَ إِنْ تُضَيِّعْ حَقَّ اللَّهِ وَأَنْتَ لَا تَعْلَمُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُضَيِّعَ حَقَّ اللَّهِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ ؛ لِأَنَّ الْجَاهِلَ لَا يَأْتِي بِتَعَمُّدٍ مِنْ قَلْبِهِ وَلَا جُرْأَةً وَاسْتِخْفَافًا بِاطِّلَاعِ رَبِّهِ ، وَالْعَالِمُ بِمَا يَأْتِي مُتَعَمِّدًا تَرَكَ حَقَّ رَبِّهِ بَقِلَّةِ رَهْبَةٍ مِنَ اللَّهِ مُتَهَاوِنٌ بِنَظَرِ اللَّهِ مُتَعَرِّضٌ لِسَخَطِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ وَيَتَشَوَّقُ لِحِرْمَانِ جِوَارِ اللَّهِ وَهُوَ يُبْصِرُ فَآثَرَ الْقَلِيلَ الْفَانِي عَلَى الْعَظِيمِ الْبَاقِي وَوَلَّى عَلَى النَّجَاةِ مِنَ الْعَذَابِ وَسَلَكَ الطَّرِيقَ إِلَى عَذَابِ الْجَحِيمِ وَسَمَحَتْ نَفْسُهُ بِالْجَنَّةِ وَأَسْلَمَهَا لِأَيْدِي الْعُقُوبَةِ ، قُلْتُ : إِنِّي لَا أَقْوَى عَلَى الْحِلْمِ عِنْدَ الشَّتْمِ وَالْأَذَى ، فَقَالَ : ثَقُلَ عَلَيْكَ كَظْمُ الْغَيْظِ وَخَفَّ عَلَيْكَ الِاشْتِفَاءُ ؟ قُلْتُ : مِمَّ ثَقُلَ عَلَيَّ كَظْمُ الْغَيْظِ وَخَفَّ عَلَيَّ التَّشَفِّي ؟ قَالَ : لِأَنَّكَ تَعُدُّ الْحِلْمَ ذُلًّا وَتَسْتَعْمِلُ السَّفَهَ أَنَفًا ، قُلْتُ : فَبِمَ أَقْوَى عَلَى كَظْمِ الْغَيْظِ ؟ قَالَ : بِصَبْرِ النَّفْسِ وَحَبْسِ الْجَوَارِحِ ، قُلْتُ : بِمَ أَجْتَلِبُ صَبْرَ النَّفْسِ وَكَفَّ الْجَوَارِحِ ؟ قَالَ : بِأَنْ تَعْقِلَ وَتَعْلَمَ أَنَّ الْحِلْمَ عِزٌّ وَزَيْنٌ ، وَالسَّفَهَ ذُلٌّ وَشَيْنٌ ، قُلْتُ : كَيْفَ أَعْقِلُ ذَلِكَ وَقَدْ حَلَّ بِقَلْبِي ضِدُّهُ فَغَلَبَ عَلَيْهِ أَنِّي إِنْ صَبَرْتُ عَلَى كَظْمِ الْغَيْظِ كَانَ ذَلِكَ إِذْلَالًا لِي مِمَّنْ آذَانِي وَلَزِمَ قَلْبِي الْأَنِفُ أَنْ يَكُونَ مَنْ شَتَمَنِي قَدْ قَهَرَنِي وَعَجَزْتُ عَنِ الِانْتِقَامِ مِنْهُ وَإِشْفَاءِ غَيْظِي ؟ قَالَ : إِنَّمَا لَزِمَ قَلْبِكَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّكَ لَمْ تَعْقِلْ ظَاهَرَ قُبْحِ السَّفَهِ مِنْكَ وَحُسْنَ سَتْرِ الْحِلْمِ عَلَيْكَ وَجَزِيلَ مَثُوبَةِ اللَّهِ لَكَ فِي آخِرَتِكَ ، قُلْتُ : وَبِمَ أَعْرِفُ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ ؟ قَالَ : أَمَّا قُبْحُ السَّفَهِ وَزَوَالُ حُسْنِ رَدِّ الْحِلْمِ فِيمَا تَرَى مِنْ أَحْوَالِ شَاتِمِكَ وَمُؤْذِيكَ بِالْغَيْظِ وَالْغَضَبِ مِنْ لَوْنِهِ وَفَتْحِ عَيْنَيْهِ وَحُمْرَةِ وَجْهِهِ وَانْقِلَابِ عَيْنَيْهِ وَكَرَاهِيَةِ مَنْظَرِهِ وَاسْتِخْفَافِهِ بِنَفْسِهِ وَزَوَالِ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ عَنْ بَدَنِهِ ، فَأَنْتَ تُبَيِّنُ ذَلِكَ مِنْهُ وَيَرَاهُ كُلُّ عَاقِلٍ مِنْ فَاعِلِهِ ، فَإِذَا بُلِيتَ بِذَلِكَ فَاذْكُرْ مَا أَعَدَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ مِنْ إِيجَابِ مَحَبَّتِهِ وَجَزِيلِ ثَوَابِهِ فَإِنَّ الِاشْتِفَاءَ يَنْقَضِي سَرِيعًا وَيَبْقَى سُوءُ عَاقِبَتِهِ فِي آخِرَتِكَ وَكَظْمِ غَيْظِكَ يَسْكُنُ سَرِيعًا وَيُدَّخَرُ ثَوَابُ اللَّهِ بِذَلِكَ فِي مَعَادِهِ وَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَرْضَى بِدَنَاءَةِ نَفْسِهِ وَسُوءِ رَغْبَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ مِمَّنْ تُرْضِيهِ اللَّمْحَةُ فَيَسْتَشْرِقُ لَهَا وَجْهُهُ فَرَحًا وَتُغْضِبُهُ الْكَلِمَةُ فَيَسْتَطِيرُ مِنْ أَجْلِهَا سَفَهًا حَتَّى يُظْلِمَ لَهَا وَجْهُهُ وَتَضْطَرِبَ لَهَا فَرَائِصُهُ وَإِنَّمَا هِيَ كَلِمَةٌ لَمْ تُعِدْ قَائِلَهَا إِلَى الْمَشْتُومِ بِهَا وَلَكِنَّهَا أَزْرَتْ بِقَائِلِهَا وَأَوْجَبَتِ السَّفَهَ عَلَيْهِ فِي آخِرَتِهِ وَاسْتَخَفَّ بِنَفْسِهِ وَلَمْ تَضُرَّ مَنْ أَسْمَعَهَا فِي دِينٍ وَلَا دُنْيَا فَقَائِلُهَا وَاللَّهِ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُرْحَمَ لِمَا قَدْ أَنْزَلَ بِنَفْسِهِ وَوَضَعَ مِنْ قِيمَتِهِ وَقَدْرِهِ وَعَصَى بِهَا رَبَّهُ وَعَلَى الْمَشْتُومِ بِهَا الشُّكْرُ لِلَّهِ إِذْ لَمْ يُسْلِمْهُ اللَّهُ وَلَمْ يَخْذُلْهُ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ حَالِ شَاتِمِهِ مَعَ مَا قَدْ صَارَ لَهُ مِنَ التَّبِعَةِ فِي رَقَبَتِهِ يَأْخُذُهَا مِنْهُ فِي يَوْمِ فَاقَتِهِ وَفَقْرِهِ ، وَأَوَّلُ مَا يَرِثُ الْمُرِيدُ الْعَارِفُ بِرَبِّهِ مَعْرِفَتُهُ بِدَائِهِ وَدَوَائِهِ فِي عَقْلِهِ وَرَأْيِهِ وَالسَّلَيمُ الْقَلْبِ الْمُتَيَقِّظُ عَنْ رَبِّهِ الْغَافِلُ عَنْ عُيُوبِ الْعِبَادِ الْمُتَفَقِّدُ لِعُيُوبِ نَفْسِهِ ، وَأُنْسُ الْمُرِيدِ الْوَحْشَةُ مِنَ الْعِبَادِ مَعَ دَوَامِ الذِّكْرِ لِلَّهِ بِقَلْبِهِ ، وَأَكْرَمُ أَخْلَاقِ الْمُرِيدِ إِكْرَامُهُ نَفْسَهُ عَنِ الشَّرِّ وَدَنَاءَةِ الْأَخْلَاقِ ، وَعَظِيمُ الْهِمَّةِ بِالظَّفَرِ بِمَا يُرْضِي اللَّهَ ، يَطِيرُ مَعَهُ النَّوْمُ وَيَقِلُّ مَعَهُ النِّسْيَانُ وَمِنْ صِدْقِ الْعَالِمِ فِي عِلْمِهِ اهْتِمَامُهُ بِمَعْرِفَةِ مَعَانِي الزَّوَائِدِ لَيَقُومَ لِرَبِّهِ بِحُسْنِ الرِّعَايَةِ وَطَلَبِ الصَّمْتِ مَعَ الْفِكْرَةِ ، وَالْأُنْسُ بِالْعُزْلَةِ يَبْعَثُ عَلَى طَلَبِ مَعَانِي الْحِكْمَةِ ، وَدَوَامُ التَّوَهُّمِ بِنَظَرِ الْقَلْبِ إِلَى شَدَائِدِ الْقِيَامَةِ يَزُولُ بِهِ السُّرُورُ بِالدُّنْيَا وَيوَرِّثُ الْقَلْبَ الِانْكِسَارَ ، وَالْبُكَاءَ بِهِ وَيَعْمَلُ عَلَى الِاسْتِعْدَادِ لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ وَالسُّؤَالِ الْأَعْظَمِ