ثنا الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ , قَالَ : " حَجَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَأَتَانِي فَخَرَجْتُ مُسْرِعًا فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ أَتَيْتُكَ , فَقَالَ : وَيْحَكَ قَدْ حَاكَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ فَانْظُرْ لِي رَجُلًا أَسْأَلُهُ فَقُلْتُ : هَاهُنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , فَقَالَ : امْضِ بِنَا إِلَيْهِ فَأَتَيْنَاهُ فَقَرَعْنَا الْبَابَ فَقَالَ : مَنْ ذَا ؟ قُلْتُ : أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَخَرَجَ مُسْرِعًا , فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ أَتَيْتُكَ , فَقَالَ : خُذْ لِمَا جِئْنَاكَ لَهُ رَحِمَكَ اللَّهُ فَحَدَّثَهُ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : عَلَيْكَ دَيْنٌ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ , قَالَ : أَبَا عَبَّاسٍ اقْضِ دَيْنَهُ فَلَمَّا خَرَجْنَا قَالَ : مَا أَغْنَى عَنِّي صَاحِبُكَ شَيْئًا انْظُرْ لِي رَجُلًا أَسْأَلُهُ قُلْتُ : هَاهُنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ قَالَ : امْضِ بِنَا إِلَيْهِ فَأَتَيْنَاهُ فَقَرَعْنَا الْبَابَ فَخَرَجَ مُسْرِعًا , فَقَالَ : مَنْ هَذَا قُلْتُ : أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ أَتَيْتُكَ , فَقَالَ : خُذْ لِمَا جِئْنَاكَ لَهُ فَحَادَثَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ لَهُ : عَلَيْكَ دَيْنٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : أَبَا عَبَّاسٍ اقْضِ دَيْنَهُ . فَلَمَّا خَرَجْنَا قَالَ : مَا أَغْنَى عَنِّي صَاحِبُكَ شَيْئًا , انْظُرْ لِي رَجُلًا أَسْأَلُهُ قُلْتُ : هَاهُنَا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ : امْضِ بِنَا إِلَيْهِ , فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يصَلَّي يَتْلُو آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ يُرَدِّدُهَا , فَقَالَ : أَقْرَعِ الْبَابَ فَقَرَعْتُ الْبَابَ فَقَالَ : مَنْ هَذَا قُلْتُ : أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , فَقَالَ : مَا لِي وَلِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ , فَقُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ أَمَا عَلَيْكَ طَاعَةٌ أَلَيْسَ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ بَذْلُ نَفْسِهِ " فَنَزَلَ فَفَتَحَ الْبَابَ ثُمَّ ارْتَقَى إِلَى الْغُرْفَةِ فَأَطْفَأَ السَّرَّاجَ ثُمَّ الْتَجَأَ إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا الْبَيْتِ فَدَخَلْنَا فَجَعَلْنَا نَجُولُ بِأَيْدِينَا فَسَبَقَتْ كَفُّ هَارُونَ قَبْلِي إِلَيْهِ , فَقَالَ : يَا لَهَا مِنْ كَفٍّ مَا أَلْيَنَهَا إِنْ نَجَتْ غَدًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : لَيُكَلِّمَنَّهُ اللَّيْلَةَ بِكَلَامٍ مِنْ تُقَى قَلْبٍ تَقِيٍّ فَقَالَ لَهُ : خُذْ لِمَا جِئْنَاكَ لَهُ رَحِمَكَ اللَّهُ فَقَالَ : " إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ دَعَا سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ , وَرَجَاءَ بْنَ حَيْوَةَ , فَقَالَ لَهُمْ : إِنِّي قَدِ ابْتُلِيتُ بِهَذَا الْبَلَاءِ فَأَشِيرُوا عَلَيَّ فَعَدَّ الْخِلَافَةَ بَلَاءً وَعَدَدْتَهَا أَنْتَ وَأَصْحَابَكَ نِعْمَةً , فَقَالَ لَهُ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ مِنَ عَذَابِ اللَّهِ فَصُمِ الدُّنْيَا وَلْيَكُنْ إِفْطَارُكَ مِنْهَا الْمَوْتَ , وَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ : إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فَلْيَكُنْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَكَ أَبًا وَأَوْسَطُهُمْ عِنْدَكَ أَخًا وَأَصْغَرُهُمْ عِنْدَكَ وَلَدًا فَوَقِّرْ أَبَاكَ وَأَكْرِمْ أَخَاكَ وَتَحَنَّنْ عَلَى وَلَدِكَ , وَقَالَ لَهُ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ : إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ غَدًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فَأَحِبَّ لِلْمُسْلِمِينَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَاكْرَهْ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ , ثُمَّ مُتْ إِذَا شِئْتَ , وَإِنِّي أَقُولُ لَكَ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ أَشَدَّ الْخَوْفِ يَوْمًا تَزَلُ فِيهِ الْأَقْدَامُ فَهَلْ مَعَكَ رَحِمَكَ اللَّهُ مِثْلُ هَذَا أَوْ مِنْ يُشِيرُ عَلَيْكَ بِمِثْلِ هَذَا فَبَكَى هَارُونُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ , فَقُلْتُ لَهُ : ارْفُقْ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ : يَا ابْنَ الرَّبِيعِ تَقْتُلُهُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ , وَأَرْفُقُ بِهِ أَنَا ثُمَّ أَفَاقَ , فَقَالَ لَهُ : زِدْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَلَغَنِي أَنَّ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ شُكِيَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ : يَا أَخِي أُذَكِّرَكَ طُولَ سَهِرِ أَهْلِ النَّارِ مَعَ خُلُودِ الْأَبَدِ وَإِيَّاكَ أَنْ يَنْصَرِفَ بِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَكُونُ أَخِرَ الْعَهْدِ وَانْقِطَاعَ الرَّجَاءِ , قَالَ : فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ طَوَى الْبِلَادَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ لَهُ : مَا أَقْدَمَكَ قَالَ : خَلَعْتَ قَلْبِي بِكِتَابِكَ لَا أَعُودُ إِلَى وِلَايَةٍ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ , قَالَ : فَبَكَى هَارُونُ بُكَاءً شَدِيدًا , ثُمَّ قَالَ لَهُ : زِدْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الْعَبَّاسَ عَمَّ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِّرْنِي عَلَى إِمَارَةٍ , قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْإِمَارَةَ حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَكُونَ أَمِيرًا فَافْعَلْ " فَبَكَى هَارُونُ بُكَاءً شَدِيدًا , فَقَالَ لَهُ : زِدْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ قَالَ : يَا حَسَنَ الْوَجْهِ أَنْتَ الَّذِي يَسْأَلُكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ هَذَا الْخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقِيَ هَذَا الْوَجْهَ مِنَ النَّارِ فَإِيَّاكَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِي وَفِي قَلْبِكَ غِشٌ لِأَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ أَصْبَحَ لَهُمْ غَاشًّا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ " فَبَكَى هَارُونُ , وَقَالَ لَهُ : عَلَيْكَ دَيْنٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ دَيْنٌ لِرَبِّي لَمْ يُحَاسِبْنِي عَلَيْهِ فَالْوَيْلُ لِي إِنْ سَأَلَنِيَ , وَالْوَيْلُ لِي إِنْ نَاقَشَنِي , وَالْوَيْلُ لِي إِنْ لَمْ أُلْهَمْ حُجَّتِي . قَالَ : إِنَّمَا أَعِنِّي مِنْ دَيْنِ الْعِبَادِ قَالَ : إِنَّ رَبِّي لَمْ يَأْمُرْنِي بِهَذَا إِنَّمَا أَمَرَنِي أَنْ أُصَدِّقَ وَعْدَهُ وَأُطِيعَ أَمَرَهُ فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ {{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }} . فَقَالَ لَهُ : هَذِهِ أَلْفُ دِينَارٍ خُذْهَا فَأَنْفِقْهَا عَلَى عِيَالِكَ , وَتَقَوَّ بِهَا عَلَى عِبَادَتِكَ , فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ أَنَا أَدُلُّكُ عَلَى طَرِيقِ النَّجَاةِ وَأَنْتَ تُكَافِئُنِي بِمِثْلِ هَذَا سَلَّمَكَ اللَّهُ وَوَفَّقَكَ . ثُمَّ صَمَتَ فَلَمْ يُكَلَّمْنَا , فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ فَلَمَّا صِرْنَا عَلَى الْبَابِ , قَالَ هَارُونُ : إِذَا دَلَلْتَنِي عَلَى رَجُلٍ فَدُلَّنِي عَلَى مِثْلِ هَذَا , هَذَا سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ , فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ فَقَالَتْ : يَا هَذَا قَدْ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ضِيقِ الْحَالِ فَلَوْ قَبِلْتَ هَذَا الْمَالَ فَتَفَرَّجْنَا بِهِ , فَقَالَ لَهَا : مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانَ لَهُمْ بعيرٌ يَأْكُلُونَ مِنْ كَسْبِهِ فَلَمَّا كَبُرَ نَحَرُوهُ , فَأَكَلُوا لَحْمَهُ . فَلَمَّا سَمِعَ هَارُونُ هَذَا الْكَلَامَ , قَالَ : نَدْخُلُ فَعَسَى أَنْ يَقْبَلَ الْمَالَ فَلَمَّا عَلِمَ الْفُضَيْلُ خَرَجَ فَجَلَسَ فِي السَّطْحِ عَلَى بَابِ الْغُرْفَةِ , فَجَاءَ هَارُونُ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ , فَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ فَلَا يُجِيبُهُ فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ خَرَجَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ : يَا هَذَا قَدْ آذَيْتَ الشَّيْخَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ فَانْصَرِفْ رَحِمَكَ اللَّهُ فَانْصَرَفْنَا "
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ , ثنا مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْغَلَابِيُّ , ثنا أَبُو عُمَرَ الْحَرَمِيُّ النَّحْوِيُّ ، ثنا الْفَضْلُ بْنُ الرَّبِيعِ , قَالَ : حَجَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَأَتَانِي فَخَرَجْتُ مُسْرِعًا فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ أَتَيْتُكَ , فَقَالَ : وَيْحَكَ قَدْ حَاكَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ فَانْظُرْ لِي رَجُلًا أَسْأَلُهُ فَقُلْتُ : هَاهُنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ , فَقَالَ : امْضِ بِنَا إِلَيْهِ فَأَتَيْنَاهُ فَقَرَعْنَا الْبَابَ فَقَالَ : مَنْ ذَا ؟ قُلْتُ : أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَخَرَجَ مُسْرِعًا , فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ أَتَيْتُكَ , فَقَالَ : خُذْ لِمَا جِئْنَاكَ لَهُ رَحِمَكَ اللَّهُ فَحَدَّثَهُ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : عَلَيْكَ دَيْنٌ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ , قَالَ : أَبَا عَبَّاسٍ اقْضِ دَيْنَهُ فَلَمَّا خَرَجْنَا قَالَ : مَا أَغْنَى عَنِّي صَاحِبُكَ شَيْئًا انْظُرْ لِي رَجُلًا أَسْأَلُهُ قُلْتُ : هَاهُنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ قَالَ : امْضِ بِنَا إِلَيْهِ فَأَتَيْنَاهُ فَقَرَعْنَا الْبَابَ فَخَرَجَ مُسْرِعًا , فَقَالَ : مَنْ هَذَا قُلْتُ : أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ أَتَيْتُكَ , فَقَالَ : خُذْ لِمَا جِئْنَاكَ لَهُ فَحَادَثَهُ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ لَهُ : عَلَيْكَ دَيْنٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ , قَالَ : أَبَا عَبَّاسٍ اقْضِ دَيْنَهُ . فَلَمَّا خَرَجْنَا قَالَ : مَا أَغْنَى عَنِّي صَاحِبُكَ شَيْئًا , انْظُرْ لِي رَجُلًا أَسْأَلُهُ قُلْتُ : هَاهُنَا الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ : امْضِ بِنَا إِلَيْهِ , فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يصَلَّي يَتْلُو آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ يُرَدِّدُهَا , فَقَالَ : أَقْرَعِ الْبَابَ فَقَرَعْتُ الْبَابَ فَقَالَ : مَنْ هَذَا قُلْتُ : أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ , فَقَالَ : مَا لِي وَلِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ , فَقُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ أَمَا عَلَيْكَ طَاعَةٌ أَلَيْسَ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ بَذْلُ نَفْسِهِ فَنَزَلَ فَفَتَحَ الْبَابَ ثُمَّ ارْتَقَى إِلَى الْغُرْفَةِ فَأَطْفَأَ السَّرَّاجَ ثُمَّ الْتَجَأَ إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَا الْبَيْتِ فَدَخَلْنَا فَجَعَلْنَا نَجُولُ بِأَيْدِينَا فَسَبَقَتْ كَفُّ هَارُونَ قَبْلِي إِلَيْهِ , فَقَالَ : يَا لَهَا مِنْ كَفٍّ مَا أَلْيَنَهَا إِنْ نَجَتْ غَدًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : لَيُكَلِّمَنَّهُ اللَّيْلَةَ بِكَلَامٍ مِنْ تُقَى قَلْبٍ تَقِيٍّ فَقَالَ لَهُ : خُذْ لِمَا جِئْنَاكَ لَهُ رَحِمَكَ اللَّهُ فَقَالَ : إِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ دَعَا سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ , وَرَجَاءَ بْنَ حَيْوَةَ , فَقَالَ لَهُمْ : إِنِّي قَدِ ابْتُلِيتُ بِهَذَا الْبَلَاءِ فَأَشِيرُوا عَلَيَّ فَعَدَّ الْخِلَافَةَ بَلَاءً وَعَدَدْتَهَا أَنْتَ وَأَصْحَابَكَ نِعْمَةً , فَقَالَ لَهُ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ مِنَ عَذَابِ اللَّهِ فَصُمِ الدُّنْيَا وَلْيَكُنْ إِفْطَارُكَ مِنْهَا الْمَوْتَ , وَقَالَ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ : إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فَلْيَكُنْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَكَ أَبًا وَأَوْسَطُهُمْ عِنْدَكَ أَخًا وَأَصْغَرُهُمْ عِنْدَكَ وَلَدًا فَوَقِّرْ أَبَاكَ وَأَكْرِمْ أَخَاكَ وَتَحَنَّنْ عَلَى وَلَدِكَ , وَقَالَ لَهُ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ : إِنْ أَرَدْتَ النَّجَاةَ غَدًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ فَأَحِبَّ لِلْمُسْلِمِينَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ وَاكْرَهْ لَهُمْ مَا تَكْرَهُ لِنَفْسِكَ , ثُمَّ مُتْ إِذَا شِئْتَ , وَإِنِّي أَقُولُ لَكَ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ أَشَدَّ الْخَوْفِ يَوْمًا تَزَلُ فِيهِ الْأَقْدَامُ فَهَلْ مَعَكَ رَحِمَكَ اللَّهُ مِثْلُ هَذَا أَوْ مِنْ يُشِيرُ عَلَيْكَ بِمِثْلِ هَذَا فَبَكَى هَارُونُ بُكَاءً شَدِيدًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ , فَقُلْتُ لَهُ : ارْفُقْ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ : يَا ابْنَ الرَّبِيعِ تَقْتُلُهُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ , وَأَرْفُقُ بِهِ أَنَا ثُمَّ أَفَاقَ , فَقَالَ لَهُ : زِدْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بَلَغَنِي أَنَّ عَامِلًا لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ شُكِيَ فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ : يَا أَخِي أُذَكِّرَكَ طُولَ سَهِرِ أَهْلِ النَّارِ مَعَ خُلُودِ الْأَبَدِ وَإِيَّاكَ أَنْ يَنْصَرِفَ بِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَكُونُ أَخِرَ الْعَهْدِ وَانْقِطَاعَ الرَّجَاءِ , قَالَ : فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ طَوَى الْبِلَادَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَالَ لَهُ : مَا أَقْدَمَكَ قَالَ : خَلَعْتَ قَلْبِي بِكِتَابِكَ لَا أَعُودُ إِلَى وِلَايَةٍ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ , قَالَ : فَبَكَى هَارُونُ بُكَاءً شَدِيدًا , ثُمَّ قَالَ لَهُ : زِدْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الْعَبَّاسَ عَمَّ الْمُصْطَفَى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِّرْنِي عَلَى إِمَارَةٍ , قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنَّ الْإِمَارَةَ حَسْرَةٌ وَنَدَامَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تَكُونَ أَمِيرًا فَافْعَلْ فَبَكَى هَارُونُ بُكَاءً شَدِيدًا , فَقَالَ لَهُ : زِدْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ قَالَ : يَا حَسَنَ الْوَجْهِ أَنْتَ الَّذِي يَسْأَلُكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ هَذَا الْخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقِيَ هَذَا الْوَجْهَ مِنَ النَّارِ فَإِيَّاكَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِي وَفِي قَلْبِكَ غِشٌ لِأَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : مَنْ أَصْبَحَ لَهُمْ غَاشًّا لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ فَبَكَى هَارُونُ , وَقَالَ لَهُ : عَلَيْكَ دَيْنٌ ؟ قَالَ : نَعَمْ دَيْنٌ لِرَبِّي لَمْ يُحَاسِبْنِي عَلَيْهِ فَالْوَيْلُ لِي إِنْ سَأَلَنِيَ , وَالْوَيْلُ لِي إِنْ نَاقَشَنِي , وَالْوَيْلُ لِي إِنْ لَمْ أُلْهَمْ حُجَّتِي . قَالَ : إِنَّمَا أَعِنِّي مِنْ دَيْنِ الْعِبَادِ قَالَ : إِنَّ رَبِّي لَمْ يَأْمُرْنِي بِهَذَا إِنَّمَا أَمَرَنِي أَنْ أُصَدِّقَ وَعْدَهُ وَأُطِيعَ أَمَرَهُ فَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ {{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }} . فَقَالَ لَهُ : هَذِهِ أَلْفُ دِينَارٍ خُذْهَا فَأَنْفِقْهَا عَلَى عِيَالِكَ , وَتَقَوَّ بِهَا عَلَى عِبَادَتِكَ , فَقَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ أَنَا أَدُلُّكُ عَلَى طَرِيقِ النَّجَاةِ وَأَنْتَ تُكَافِئُنِي بِمِثْلِ هَذَا سَلَّمَكَ اللَّهُ وَوَفَّقَكَ . ثُمَّ صَمَتَ فَلَمْ يُكَلَّمْنَا , فَخَرَجْنَا مِنْ عِنْدِهِ فَلَمَّا صِرْنَا عَلَى الْبَابِ , قَالَ هَارُونُ : إِذَا دَلَلْتَنِي عَلَى رَجُلٍ فَدُلَّنِي عَلَى مِثْلِ هَذَا , هَذَا سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ , فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَائِهِ فَقَالَتْ : يَا هَذَا قَدْ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ ضِيقِ الْحَالِ فَلَوْ قَبِلْتَ هَذَا الْمَالَ فَتَفَرَّجْنَا بِهِ , فَقَالَ لَهَا : مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ قَوْمٍ كَانَ لَهُمْ بعيرٌ يَأْكُلُونَ مِنْ كَسْبِهِ فَلَمَّا كَبُرَ نَحَرُوهُ , فَأَكَلُوا لَحْمَهُ . فَلَمَّا سَمِعَ هَارُونُ هَذَا الْكَلَامَ , قَالَ : نَدْخُلُ فَعَسَى أَنْ يَقْبَلَ الْمَالَ فَلَمَّا عَلِمَ الْفُضَيْلُ خَرَجَ فَجَلَسَ فِي السَّطْحِ عَلَى بَابِ الْغُرْفَةِ , فَجَاءَ هَارُونُ فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ , فَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ فَلَا يُجِيبُهُ فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ خَرَجَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ : يَا هَذَا قَدْ آذَيْتَ الشَّيْخَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ فَانْصَرِفْ رَحِمَكَ اللَّهُ فَانْصَرَفْنَا