" دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى دَاوُدَ الطَّائِيِّ ، فَقَالَ : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ , بِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الدَّارِ حَتَّى التُّرَابَ , وَبَقِيتَ تَحْتَ نِصْفِ سَقْفٍ فَلَوْ سَوَّيْتَ هَذَا السَّقْفَ فَكَانَ يَكِنُّكَ مِنَ الْحَرِّ وَالْمَطَرِ وَالْبَرَدِ فَقَالَ دَاوُدُ : اللَّهُمَّ غَفْرًا , كَانُوا يَكْرَهُونَ فُضُولَ الْكَلَامِ , يَا عَبْدَ اللَّهِ اخْرُجْ عَنِّي , فَقَدْ شَغَلْتَ عَلَيَّ قَلْبِي , إِنِّي أُبَادِرُ جُفُوفَ الْقَلَمِ , وَطَيَّ الصَّحِيفَةِ , قَالَ : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ , أَنَا عَطْشَانُ , قَالَ : اخْرُجْ وَاشْرَبْ , فَجَعَلَ يَدُورُ فِي الدَّارِ وَلَا يَجِدُ مَاءً , فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ , لَيْسَ فِي الدَّارِ لَا جُبٌّ ، وَلَا جَرَّةٌ , قَالَ : اللَّهُمَّ غَفْرًا , بَلْ هُنَاكَ مَاءٌ , قَالَ : فَخَرَجَ يَلْتَمِسُ فَإِذَا دَنٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَصِيصِ الَّذِي يُحْفَلُ فِيهِ الطِّينُ , وَقِطْعَةُ خِرْقَةٍ أَسْفَلَ كُوزٍ , فَأَخَذَ تِلْكَ الْخِرْقَةَ يَغْرِفُ بِهَا , فَإِذَا مَاءٌ حَارٌّ كَأَنَّهُ يَغْلِي , لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُسِيغَهُ , فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ , مِثْلُ هَذَا الْحَرِّ النَّاسُ يَكَادُونَ يَنْسَلِخُونَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ , وَدَنٌّ مَدْفُونٌ فِي الْأَرْضِ , وَكُوزٌ مَكْسُورٌ فَلَوْ كَانَتْ جُرَيْرَةٌ وَقُلَّةٌ ؟ فَقَالَ دَاوُدُ : جُبٌّ حِيرِيٌّ , وَجَرَّةٌ مَدَارِيَّةٌ , وَقِلَالٌ مُنَقَّشَةٌ , وَجَارِيَةٌ حَسْنَاءُ , وَأَثَاثٌ , وَنَاضٍ ؟ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : - يَعْنِي بِالنَّاضِ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ - وَفُضُولٌ لَوْ أَرَدْتُ هَذَا يَشْغَلُ الْقَلْبَ مَا سَجَنْتُ نَفْسِي هَهُنَا , إِنَّمَا طَلَّقْتُ نَفْسِي عَنْ هَذِهِ الشَّهَوَاتِ , وَسَجَنْتُ نَفْسِي حَتَّى يُخْرِجَنِي مَوْلَايَ مِنْ سِجْنِ الدُّنْيَا إِلَى رَوْحِ الْآخِرَةِ , قَالَ : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ , فَفِي هَذَا الْحَرِّ أَيْنَ تَنَامُ وَلَيْسَ لَكَ سَطْحٌ ؟ قَالَ : إِنِّي أَسْتَحِي مِنْ مَوْلَايَ أَنْ يَرَانِيَ أَخْطُو خُطْوَةً أَلْتَمِسُ رَاحَةَ نَفْسِي فِي الدُّنْيَا , حَتَّى يَكُونَ مَوْلَايَ هُوَ الَّذِي يُرِيحُنِي مِنَ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا , قُلْتُ : فَأَوْصِنِي بِوَصِيَّةٍ , قَالَ : صُمِ الدُّنْيَا وَأَفْطِرْ عَلَى الْمَوْتِ , حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ أَتَاكَ رِضْوَانُ الْخَازِنُ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءِ الْجَنَّةِ فَشَرِبْتَهَا عَلَى فِرَاشِكَ , فَتَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا وَأَنْتَ رَيَّانُ لَا تَحْتَاجُ إِلَى حَوْضٍ مِنْ حِيَاضِ الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى تَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَأَنْتَ رَيَّانُ "
حَدَّثَنَا أَبِي ، ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ ، ثنا أبُو حَاتِمٍ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ الْوَاسِطِيُّ ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشِيرٍ ، ثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْجُعْفِيُّ ، قَالَ : دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى دَاوُدَ الطَّائِيِّ ، فَقَالَ : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ , بِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الدَّارِ حَتَّى التُّرَابَ , وَبَقِيتَ تَحْتَ نِصْفِ سَقْفٍ فَلَوْ سَوَّيْتَ هَذَا السَّقْفَ فَكَانَ يَكِنُّكَ مِنَ الْحَرِّ وَالْمَطَرِ وَالْبَرَدِ فَقَالَ دَاوُدُ : اللَّهُمَّ غَفْرًا , كَانُوا يَكْرَهُونَ فُضُولَ الْكَلَامِ , يَا عَبْدَ اللَّهِ اخْرُجْ عَنِّي , فَقَدْ شَغَلْتَ عَلَيَّ قَلْبِي , إِنِّي أُبَادِرُ جُفُوفَ الْقَلَمِ , وَطَيَّ الصَّحِيفَةِ , قَالَ : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ , أَنَا عَطْشَانُ , قَالَ : اخْرُجْ وَاشْرَبْ , فَجَعَلَ يَدُورُ فِي الدَّارِ وَلَا يَجِدُ مَاءً , فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ , لَيْسَ فِي الدَّارِ لَا جُبٌّ ، وَلَا جَرَّةٌ , قَالَ : اللَّهُمَّ غَفْرًا , بَلْ هُنَاكَ مَاءٌ , قَالَ : فَخَرَجَ يَلْتَمِسُ فَإِذَا دَنٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَصِيصِ الَّذِي يُحْفَلُ فِيهِ الطِّينُ , وَقِطْعَةُ خِرْقَةٍ أَسْفَلَ كُوزٍ , فَأَخَذَ تِلْكَ الْخِرْقَةَ يَغْرِفُ بِهَا , فَإِذَا مَاءٌ حَارٌّ كَأَنَّهُ يَغْلِي , لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُسِيغَهُ , فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ , مِثْلُ هَذَا الْحَرِّ النَّاسُ يَكَادُونَ يَنْسَلِخُونَ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ , وَدَنٌّ مَدْفُونٌ فِي الْأَرْضِ , وَكُوزٌ مَكْسُورٌ فَلَوْ كَانَتْ جُرَيْرَةٌ وَقُلَّةٌ ؟ فَقَالَ دَاوُدُ : جُبٌّ حِيرِيٌّ , وَجَرَّةٌ مَدَارِيَّةٌ , وَقِلَالٌ مُنَقَّشَةٌ , وَجَارِيَةٌ حَسْنَاءُ , وَأَثَاثٌ , وَنَاضٍ ؟ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : - يَعْنِي بِالنَّاضِ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ - وَفُضُولٌ لَوْ أَرَدْتُ هَذَا يَشْغَلُ الْقَلْبَ مَا سَجَنْتُ نَفْسِي هَهُنَا , إِنَّمَا طَلَّقْتُ نَفْسِي عَنْ هَذِهِ الشَّهَوَاتِ , وَسَجَنْتُ نَفْسِي حَتَّى يُخْرِجَنِي مَوْلَايَ مِنْ سِجْنِ الدُّنْيَا إِلَى رَوْحِ الْآخِرَةِ , قَالَ : يَا أَبَا سُلَيْمَانَ , فَفِي هَذَا الْحَرِّ أَيْنَ تَنَامُ وَلَيْسَ لَكَ سَطْحٌ ؟ قَالَ : إِنِّي أَسْتَحِي مِنْ مَوْلَايَ أَنْ يَرَانِيَ أَخْطُو خُطْوَةً أَلْتَمِسُ رَاحَةَ نَفْسِي فِي الدُّنْيَا , حَتَّى يَكُونَ مَوْلَايَ هُوَ الَّذِي يُرِيحُنِي مِنَ الدُّنْيَا وَأَهْلِهَا , قُلْتُ : فَأَوْصِنِي بِوَصِيَّةٍ , قَالَ : صُمِ الدُّنْيَا وَأَفْطِرْ عَلَى الْمَوْتِ , حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ أَتَاكَ رِضْوَانُ الْخَازِنُ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءِ الْجَنَّةِ فَشَرِبْتَهَا عَلَى فِرَاشِكَ , فَتَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيَا وَأَنْتَ رَيَّانُ لَا تَحْتَاجُ إِلَى حَوْضٍ مِنْ حِيَاضِ الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى تَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَأَنْتَ رَيَّانُ قَالَ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ : كَانَ دَاوُدُ الطَّائِيُّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ النَّضْرِ الْحَارِثِيُّ مِنَ الْعُمَّالِ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ , الْمَكْدُودِينَ فِي الْعِبَادَةِ , فَلَمَّا مَاتَ رَأَى رَجُلٌ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الْكُوفَةِ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ - وَكَانَ يُذْكَرُ مِنْ فَضْلِهِ - فَرَأَى مُنَادِيًا يُنَادِي : أَلَا إِنَّ دَاوُدَ الطَّائِيَّ , وَمُحَمَّدَ بْنَ النَّضْرِ الْحَارِثِيَّ طَلَبَا أَمْرًا فَأَدْرَكَاهُ