• 1439
  • كَتَبَ إِلَيَّ الْفَضْلُ بْنُ عِيسَى : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الدَّارَ الَّتِي أَصْبَحْنَا فِيهَا دَارٌ بِالْبَلَاءِ مَحْفُوفَةٌ وَبِالْفَنَاءِ مَوْصُوفَةٌ ، كُلُّ مَا فِيهَا إِلَى زَوَالٍ وَنَفَادٍ بَيْنَا أَهْلُهَا مِنْهَا فِي رَخَاءٍ وَسُرُورٍ إِذْ صَيَّرَتْهُمْ فِي وَعْثَاءٍ وَوُعُورٍ ، أَحْوَالُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَطَبَقَاتُهَا مُنْصَرِفَةٌ ، يُضْرَبُونَ بِبَلَائِهَا ، وَيُمْتَحَنُونَ بِرَخَائِهَا ، الْعَيْشُ فِيهَا مَذْمُومٌ ، وَالسُّرُورُ فِيهَا لَا يَدُومُ ، وَكَيْفَ يَدُومُ عَيْشٌ تُغَيِّرُهُ الْآفَاتُ ، وَتَنُوبُهُ الْفَجِيعَاتُ ، وَتُفْجِعُ فِيهَا الرَّزَايَا ، وَتَسُوقُ أَهْلَهَا الْمَنَايَا ، إِنَّمَا هُمْ بِهَا أَعْرَاضٌ مُسْتَهْدَفَةٌ ، وَالْحُتُوفُ لَهُمْ مُسْتَشْرِفَةٌ تَرْمِيهِمْ بِسِهَامِهَا وَتَغْشَاهُمْ بِحِمَامِهَا ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْورُودِ بِمَشَارِعِهِ وَالْمُعَايَنَةِ لِفَظَائِعِهِ ، أَمْرٌ سَبَقَ مِنَ اللَّهِ فِي قَضَائِهِ وَعَزَمَ عَلَيْهِ فِي إِمْضَائِهِ ، فَلَيْسَ مِنْهُ مَذْهَبٌ وَلَا عَنْهُ مَهْرَبٌ ، أَلَا فَأَخْبِثْ بِدَارٍ يَقْلِصُ ظِلُّهَا وَيَفْنَى أَهْلُهَا ، إِنَّمَا هُمْ بِهَا سَفْرٌ نَازِلُونَ وَأَهْلُ ظَعْنٍ شَاخِصُونَ ، كَأَنْ قَدِ انْقَلَبَتِ الْحَالُ وَتَنَادَوْا بِالِارْتِحَالِ فَأَصْبَحَتْ مِنْهُمْ قِفَارًا ، قَدِ انْهَارَتْ دَعَائِمُهَا وَتَنَكَّرَتْ مَعَالِمُهَا وَاسْتَبْدَلُوا بِهَا الْقُبُورَ الْمُوحِشَةَ الَّتِي اسْتُبْطِنَتْ بِالْخَرَابِ وَأُسِّسَتْ بِالتُّرَابِ ، فَمَحَلُّهَا مُقْتَرِبٌ وَسَاكِنُهَا مُغْتَرِبٌ بَيْنَ أَهْلٍ مُوحِشِينَ وَذَوِي مَحِلَّةٍ مُتَشَاسِعِينَ ، لَا يَسْتَأْنِسُونَ بِالْعُمْرَانِ ، وَلَا يَتَوَاصَلُونَ تَوَاصُلَ الْإِخْوَانِ ، وَلَا يَتَزَاوَرُونَ تَزَّاوَرَ الْجِيرَانِ ، قَدِ اقْتَرَبُوا فِي الْمَنَازِلِ وَتَشَاغَلُوا عَنِ التواصلِ ، فَلَمْ أَرَ مَثَلَهُمْ جِيرَانُ مَحِلَّةٍ لَا يَتَزَاوَرُونَ عَلَى مَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْجِوَارِ وَتَقَارُبِ الدِّيَارِ ، وَأَنِّي ذَلِكَ مِنْهُمْ وَقَدْ طَحَنَهُمْ بِكَلْكَلِهِ الْبِلَى ، وَأَكَلَتْهُمُ الْجَنَادِلُ وَالثَّرَى ، وَصَارُوا بَعْدَ الْحَيَاةِ رُفَاتًا ، قَدْ فُجِعَ بِهِمُ الْأَحْبَابُ وَارْتُهِنُوا فَلَيْسَ لَهُمْ إِيَابٌ ، وَكَانَ قَدْ صِرْنَا إِلَى مَا صَارُوا فَنُرْتَهُنُ فِي ذَلِكَ الْمَضْجَعِ ، وَيَضُمُّنَا ذَلِكَ الْمُسْتَوْدَعُ ، يُؤْخَذُ بِالْقَهْرِ وَالِاعْتِسَارِ وَلَيْسَ يَنْفَعُ مِنْهُ شَفَقُ الْحِذَارِ ، وَالسَّلَامُ . قَالَ : قُلْتُ لَهُ : فَأَيُّ شَيْءٍ كَتَبْتَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : لَمْ أَقْدِرْ لَهُ عَلَى الْجَوَّابِ

    حَدَّثَنَا أَبِي ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ ، ثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي الْحَارِثِ الْهَمْدَانِيُّ ، ثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّمَيْرِيُّ النَّحْوِيُّ ، ثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْمُغِيرَةِ الْقُرَشِيُّ ، قَالَ : كَتَبَ إِلَيَّ الْفَضْلُ بْنُ عِيسَى : أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الدَّارَ الَّتِي أَصْبَحْنَا فِيهَا دَارٌ بِالْبَلَاءِ مَحْفُوفَةٌ وَبِالْفَنَاءِ مَوْصُوفَةٌ ، كُلُّ مَا فِيهَا إِلَى زَوَالٍ وَنَفَادٍ بَيْنَا أَهْلُهَا مِنْهَا فِي رَخَاءٍ وَسُرُورٍ إِذْ صَيَّرَتْهُمْ فِي وَعْثَاءٍ وَوُعُورٍ ، أَحْوَالُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَطَبَقَاتُهَا مُنْصَرِفَةٌ ، يُضْرَبُونَ بِبَلَائِهَا ، وَيُمْتَحَنُونَ بِرَخَائِهَا ، الْعَيْشُ فِيهَا مَذْمُومٌ ، وَالسُّرُورُ فِيهَا لَا يَدُومُ ، وَكَيْفَ يَدُومُ عَيْشٌ تُغَيِّرُهُ الْآفَاتُ ، وَتَنُوبُهُ الْفَجِيعَاتُ ، وَتُفْجِعُ فِيهَا الرَّزَايَا ، وَتَسُوقُ أَهْلَهَا الْمَنَايَا ، إِنَّمَا هُمْ بِهَا أَعْرَاضٌ مُسْتَهْدَفَةٌ ، وَالْحُتُوفُ لَهُمْ مُسْتَشْرِفَةٌ تَرْمِيهِمْ بِسِهَامِهَا وَتَغْشَاهُمْ بِحِمَامِهَا ، وَلَا بُدَّ مِنَ الْورُودِ بِمَشَارِعِهِ وَالْمُعَايَنَةِ لِفَظَائِعِهِ ، أَمْرٌ سَبَقَ مِنَ اللَّهِ فِي قَضَائِهِ وَعَزَمَ عَلَيْهِ فِي إِمْضَائِهِ ، فَلَيْسَ مِنْهُ مَذْهَبٌ وَلَا عَنْهُ مَهْرَبٌ ، أَلَا فَأَخْبِثْ بِدَارٍ يَقْلِصُ ظِلُّهَا وَيَفْنَى أَهْلُهَا ، إِنَّمَا هُمْ بِهَا سَفْرٌ نَازِلُونَ وَأَهْلُ ظَعْنٍ شَاخِصُونَ ، كَأَنْ قَدِ انْقَلَبَتِ الْحَالُ وَتَنَادَوْا بِالِارْتِحَالِ فَأَصْبَحَتْ مِنْهُمْ قِفَارًا ، قَدِ انْهَارَتْ دَعَائِمُهَا وَتَنَكَّرَتْ مَعَالِمُهَا وَاسْتَبْدَلُوا بِهَا الْقُبُورَ الْمُوحِشَةَ الَّتِي اسْتُبْطِنَتْ بِالْخَرَابِ وَأُسِّسَتْ بِالتُّرَابِ ، فَمَحَلُّهَا مُقْتَرِبٌ وَسَاكِنُهَا مُغْتَرِبٌ بَيْنَ أَهْلٍ مُوحِشِينَ وَذَوِي مَحِلَّةٍ مُتَشَاسِعِينَ ، لَا يَسْتَأْنِسُونَ بِالْعُمْرَانِ ، وَلَا يَتَوَاصَلُونَ تَوَاصُلَ الْإِخْوَانِ ، وَلَا يَتَزَاوَرُونَ تَزَّاوَرَ الْجِيرَانِ ، قَدِ اقْتَرَبُوا فِي الْمَنَازِلِ وَتَشَاغَلُوا عَنِ التواصلِ ، فَلَمْ أَرَ مَثَلَهُمْ جِيرَانُ مَحِلَّةٍ لَا يَتَزَاوَرُونَ عَلَى مَا بَيْنَهُمْ مِنَ الْجِوَارِ وَتَقَارُبِ الدِّيَارِ ، وَأَنِّي ذَلِكَ مِنْهُمْ وَقَدْ طَحَنَهُمْ بِكَلْكَلِهِ الْبِلَى ، وَأَكَلَتْهُمُ الْجَنَادِلُ وَالثَّرَى ، وَصَارُوا بَعْدَ الْحَيَاةِ رُفَاتًا ، قَدْ فُجِعَ بِهِمُ الْأَحْبَابُ وَارْتُهِنُوا فَلَيْسَ لَهُمْ إِيَابٌ ، وَكَانَ قَدْ صِرْنَا إِلَى مَا صَارُوا فَنُرْتَهُنُ فِي ذَلِكَ الْمَضْجَعِ ، وَيَضُمُّنَا ذَلِكَ الْمُسْتَوْدَعُ ، يُؤْخَذُ بِالْقَهْرِ وَالِاعْتِسَارِ وَلَيْسَ يَنْفَعُ مِنْهُ شَفَقُ الْحِذَارِ ، وَالسَّلَامُ . قَالَ : قُلْتُ لَهُ : فَأَيُّ شَيْءٍ كَتَبْتَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : لَمْ أَقْدِرْ لَهُ عَلَى الْجَوَّابِ

    وعثاء: الوعثاء : الشدة والمشقة
    يقلص: يقلص : يجتمع وينزوي
    ظعن: الظعن : السفر الارتحال
    والثرى: الثرى : التراب النَّدِيٌّ، وقيل : هو التراب الذي إِذا بُلَّ يصير طينا
    رفاتا: الرُّفات : كل ما دُقّ وكُسر
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات