• 2428
  • قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : " لِمَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا ؟ قَالَ : " لِأَمْرٍ بَيِّنٍ مَشْهُورٍ بِدَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ تُسَمَّى قُرَيْشًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ تُبَّعٍ حِينَ يَقُولُ : {
    }
    وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تَسْكُنُ الْبَحْرَ {
    }
    بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا {
    }
    {
    }
    تَأْكُلُ الْغَثَّ وَالسَّمِينَ {
    }
    وَلَا تَتْرُكُ فِيهِ لِذِي جَنَاحَيْنِ رِيشَا {
    }
    {
    }
    هَكَذَا فِي الْبِلَادِ حَتَّى قُرَيْشٍ {
    }
    يَأْكُلُونَ الْبِلَادَ أَكْلًا كَشِيشَا {
    }
    {
    }
    وَلَهُمْ آخِرَ الزَّمَانِ نَبِيٌّ {
    }
    يُكْثِرُ الْقَتْلَ فِيهِمْ وَالْخُمُوشَا {
    }
    "

    حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ الْوَلِيدُ بْنُ أَبَانَ الرَّازِيُّ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ قَالَ : قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ : لِمَ سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا ؟ قَالَ : لِأَمْرٍ بَيِّنٍ مَشْهُورٍ بِدَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ تُسَمَّى قُرَيْشًا ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ تُبَّعٍ حِينَ يَقُولُ : وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تَسْكُنُ الْبَحْرَ بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشَا تَأْكُلُ الْغَثَّ وَالسَّمِينَ وَلَا تَتْرُكُ فِيهِ لِذِي جَنَاحَيْنِ رِيشَا هَكَذَا فِي الْبِلَادِ حَتَّى قُرَيْشٍ يَأْكُلُونَ الْبِلَادَ أَكْلًا كَشِيشَا وَلَهُمْ آخِرَ الزَّمَانِ نَبِيٌّ يُكْثِرُ الْقَتْلَ فِيهِمْ وَالْخُمُوشَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، قَالَ : فَحَازَ قُصَيٌّ شَرَفَ مَكَّةَ ، وَأَنْشَأَ دَارَ النَّدْوَةِ ، وَفِيهَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَقْضِي أُمُورَهَا ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُهَا مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ غَيْرِ وَلَدِ قُصَيٍّ إِلَّا ابْنُ أَرْبَعِينَ سَنَةً لِلْمَشُورَةِ ، وَكَانَ يَدْخُلُهَا وَلَدُ قُصَيٍّ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ وَحُلَفَاؤُهُمْ ، فَلَمَّا كَبِرَ قُصَيٌّ وَرَقَّ كَانَ عَبْدُ الدَّارِ بِكْرَهُ وَأَكْبَرَ وَلَدِهِ ، وَكَانَ عَبْدُ مَنَافٍ قَدْ شَرُفَ فِي زَمَانِ أَبِيهِ ، وَذَهَبَ شَرَفُهُ كُلَّ مَذْهَبٍ ، وَعَبْدُ الدَّارِ وَعَبْدُ الْعُزَّى وَعَبْدُ بَنِي قُصَيٍّ بِهَا لَمْ يَبْلُغُوا وَلَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ مَا بَلَغَ عَبْدُ مَنَافٍ مِنَ الذِّكْرِ وَالشَّرَفِ وَالْعِزِّ ، وَكَانَ قُصَيٌّ وَحُبَّى ابْنَةُ حَلِيلٍ يُحِبَّانِ عَبْدَ الدَّارِ وَيَرِقَّانِ عَلَيْهِ ؛ لِمَا يَرَيَانِ عَلَيْهِ مِنْ شَرَفِ عَبْدِ مَنَافٍ وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ ، فَقَالَتْ لَهُ حُبَّى : لَا وَاللَّهِ لَا أَرْضَى حَتَّى تَخُصَّ عَبْدَ الدَّارِ بِشَيْءٍ تُلْحِقُهُ بِأَخِيهِ . فَقَالَ قُصَيٌّ : وَاللَّهِ لَأُلْحِقَنَّهُ بِهِ ، وَلَأَحْبُوَنَّهُ بِذِرْوَةِ الشَّرَفِ ، حَتَّى لَا يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَلَا غَيْرِهَا الْكَعْبَةَ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، وَلَا يَقْضُونَ أَمْرًا وَلَا يَعْقِدُونَ لِوَاءً إِلَّا عِنْدَهُ . وَكَانَ يَنْظُرُ فِي الْعَوَاقِبِ ، فَأَجْمَعَ قُصَيٌّ عَلَى أَنْ يَقْصِمَ أُمُورَ مَكَّةَ السِّتَّةَ الَّتِي فِيهَا الذِّكْرُ وَالشَّرَفُ وَالْعِزُّ بَيْنَ ابْنَيْهِ ، فَأَعْطَى عَبْدَ الدَّارِ السِّدَانَةَ - وَهِيَ الْحِجَابَةُ - وَدَارَ النَّدْوَةِ وَاللِّوَاءَ ، وَأَعْطَى عَبْدَ مَنَافٍ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ وَالْقِيَادَةَ ، فَأَمَّا السِّقَايَةُ فَحِيَاضٌ مِنْ أَدَمٍ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ قُصَيٍّ تُوضَعُ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ ، وَيُسْقَى فِيهَا الْمَاءُ الْعَذْبُ مِنَ الْآبَارِ عَلَى الْإِبِلِ ، وَيُسْقَاهُ الْحَاجُّ ، وَأَمَّا الرِّفَادَةُ فَخَرْجٌ كَانَتْ قُرَيْشٌ تُخْرِجُهُ مِنْ أَمْوَالِهَا فِي كُلِّ مَوْسِمٍ ، فَتَدْفَعُهُ إِلَى قُصَيٍّ يَصْنَعُ بِهِ طَعَامًا لِلْحَاجِّ ، يَأْكُلُهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سَعَةٌ وَلَا زَادٌ ، فَلَمَّا هَلَكَ قُصَيٌّ أُقِيمَ أَمْرُهُ فِي قَوْمِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ ، وَوَلِيَ عَبْدُ الدَّارِ حِجَابَةَ الْبَيْتِ ، وَوِلَايَةَ دَارِ النَّدْوَةِ ، وَاللِّوَاءَ ، فَلَمْ يَزَلْ يَلِيهِ حَتَّى هَلَكَ ، وَجَعَلَ عَبْدُ الدَّارِ الْحِجَابَةَ بَعْدَهُ إِلَى ابْنِهِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ، وَجَعَلَ دَارَ النَّدْوَةِ إِلَى ابْنِهِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ، فَلَمْ تَزَلْ بَنُو عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ يَلُونَ النَّدْوَةَ دُونَ وَلَدِ عَبْدِ الدَّارِ ، فَكَانَتْ قُرَيْشٌ إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تُشَاوِرَ فِي أَمْرٍ ، فَتَحَهَا لَهُمْ عَامِرُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ، أَوْ بَعْضُ وَلَدِهِ ، أَوْ وَلَدُ أَخِيهِ ، وَكَانَتِ الْجَارِيَةُ إِذَا حَاضَتْ أُدْخِلَتْ دَارَ النَّدْوَةِ ، ثُمَّ شَقَّ عَلَيْهَا بَعْضُ وَلَدِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ دِرْعَهَا ثُمَّ دَرَعَهَا إِيَّاهُ ، وَانْقَلَبَ بِهَا أَهْلُهَا فَحَجَبُوهَا ، فَكَانَ عَامِرُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ يُسَمَّى مُحِيضًا ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ دَارَ النَّدْوَةِ ؛ لِاجْتِمَاعِ النُّدَاةِ فِيهَا يَنْدُونَهَا يَجْلِسُونَ فِيهَا لِإِبْرَامِ أَمْرِهِمْ وَتَشَاوُرِهِمْ ، وَلَمْ تَزَلْ بَنُو عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ يَلُونَ الْحِجَابَةَ دُونَ وَلَدِ عَبْدِ الدَّارِ ، ثُمَّ وَلِيَهَا عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ، ثُمَّ وَلِيَهَا أَبُو طَلْحَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ ، ثُمَّ وَلِيَهَا وَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ حَتَّى كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ ، فَقَبَضَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ أَيْدِيهِمْ ، وَفَتَحَ الْكَعْبَةَ وَدَخَلَهَا ، ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ الْكَعْبَةِ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمِفْتَاحِ ، فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَعْطِنَا الْحِجَابَةَ مَعَ السِّقَايَةِ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيِّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : {{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا }} ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فَمَا سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَبْلَ تِلْكَ السَّاعَةِ ، فَتَلَاهَا ثُمَّ دَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْمِفْتَاحَ ، وَقَالَ : غَيِّبُوهُ ثُمَّ قَالَ : خُذُوهَا يَا بَنِي أَبِي طَلْحَةَ بِأَمَانَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ ، وَاعْمَلُوا فِيهَا بِالْمَعْرُوفِ خَالِدَةً تَالِدَةً ، لَا يَنْزِعُهَا مِنْ أَيْدِيكُمْ إِلَّا ظَالِمٌ . فَخَرَجَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ إِلَى هِجْرَتِهِ مَعَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَأَقَامَ ابْنُ عَمِّهِ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، فَلَمْ يَزَلْ يَحْجُبُ هُوَ وَوَلَدُهُ وَوَلَدُ أَخِيهِ وَهْبِ بْنِ عُثْمَانَ ، حَتَّى قَدِمَ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، وَوَلَدُ مُسَافِعِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ مِنَ الْمَدِينَةِ ، وَكَانُوا بِهَا دَهْرًا طَوِيلًا ، فَلَمَّا قَدِمُوا حَجَبُوا مَعَ بَنِي عَمِّهِمْ ، فَوَلَدُ أَبِي طَلْحَةَ جَمِيعًا يَحْجُبُونَ . وَأَمَّا اللِّوَاءُ فَكَانَ فِي أَيْدِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ كُلِّهِمْ ، يَلِيهِ مِنْهُمْ ذَوُو السِّنِّ وَالشَّرَفِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، حَتَّى كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ ، فَقُتِلَ عَلَيْهِ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ . وَأَمَّا السِّقَايَةُ وَالرِّفَادَةُ وَالْقِيَادَةُ فَلَمْ تَزَلْ لِعَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ ، يَقُومُ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ ، فَوَلِيَ بَعْدَهُ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ ، وَوَلِيَ عَبْدُ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقِيَادَةَ ، وَكَانَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ يُطْعِمُ النَّاسَ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ بِمَا يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ مِنْ تَرَافُدِ قُرَيْشٍ ، كَانَ يَشْتَرِي بِمَا يَجْتَمِعُ عِنْدَهُ دَقِيقًا ، وَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ ذَبِيحَةٍ مِنْ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ فَخِذَهَا ، فَيَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ ، ثُمَّ يُحْزِرُ بِهِ الدَّقِيقَ وَيُطْعِمُهُ الْحَاجَّ ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ حَتَّى أَصَابَ النَّاسَ فِي سَنَةٍ جَدْبٌ شَدِيدٌ ، فَخَرَجَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ إِلَى الشَّامِ ، فَاشْتَرَى بِمَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِنْ مَالِهِ دَقِيقًا وَكَعْكًا ، فَقَدِمَ بِهِ مَكَّةَ فِي الْمَوْسِمِ ، فَهَشَمَ ذَلِكَ الْكَعْكَ وَنَحَرَ الْجَزُورَ وَطَبَخَهُ ، وَجَعَلَهُ ثَرِيدًا ، وَأَطْعَمَ النَّاسَ ، وَكَانُوا فِي مَجَاعَةٍ شَدِيدَةٍ حَتَّى أَشْبَعَهُمْ ، فَسُمِّيَ بِذَلِكَ هَاشِمًا ، وَكَانَ اسْمُهُ عَمْرًا ، فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ ابْنُ الزِّبَعْرَى السَّهْمِيُّ : كَانَتْ قُرَيْشٌ بَيْضَةً فَتَفَلَّقَتْ فَالْمُحُّ خَالِصُهَا لِعَبْدِ مَنَافِ الرَّايِشِينَ وَلَيْسَ يُوجَدُ رَايِشٌ وَالْقَايِلِينَ هَلُمَّ لِلْأَضْيَافِ وَالْخَالِطِينَ غَنِيَّهُمْ بِفَقِيرِهِمْ حَتَّى يَعُودَ فَقِيرُهُمْ كَالْكَافِ وَالضَّارِبِينَ الْكَيْسَ تَبْرُقُ بَيْضُهُ وَالْمَانِعِينَ الْبَيْضَ بِالْأَسْيَافِ عَمْرُو الْعُلَا هَشَمَ الثَّرِيدَ لِمَعْشَرٍ كَانُوا بِمَكَّةَ مُسْنِتِينَ عِجَافِ يَعْنِي بِعَمْرِو الْعُلَا هَاشِمًا ، فَلَمْ يَزَلْ هَاشِمٌ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تُوُفِّيَ ، وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ قَامَ بِذَلِكَ أَبُو طَالِبٍ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ ، حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ أَرْسَلَ بِمَالٍ يُعْمَلُ بِهِ الطَّعَامُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ سَنَةَ تِسْعٍ ، ثُمَّ عُمِلَ فِي حَجِّ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، ثُمَّ أَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فِي خِلَافَتِهِ ، ثُمَّ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي خِلَافَتِهِ ، ثُمَّ الْخُلَفَاءُ هَلُمَّ جَرًّا حَتَّى الْآنَ ، وَهُوَ طََعَامُ الْمَوْسِمِ . الَّذِي تُطْعِمُهُ الْخُلَفَاءُ الْيَوْمَ فِي أَيَّامِ الْحَجِّ بِمَكَّةَ وَبِمِنًى حَتَّى تَنْقَضِي أَيَّامُ الْمَوْسِمِ وَأَمَّا السِّقَايَةُ فَلَمْ تَزَلْ بِيَدِ عَبْدِ مَنَافٍ ، فَكَانَ يَسْقِي الْمَاءَ مِنْ بِئْرِ كَرْآدَمَ مِنْ أَدَمٍ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ ، فَيَرِدُهُ الْحَاجُّ حَتَّى يَتَفَرَّقُوا ، فَكَانَ يُسْتَعْذَبُ ذَلِكَ الْمَاءُ ، وَقَدْ كَانَ قُصَيٌّ حَفَرَ بِمَكَّةَ آبَارًا ، وَكَانَ الْمَاءُ بِمَكَّةَ عَزِيزًا ، إِنَّمَا يَشْرَبُ النَّاسُ مِنْ آبَارٍ خَارِجَةٍ مِنَ الْحَرَمِ ، فَأَوَّلُ مَنْ حَفَرَ قُصَيٌّ بِمَكَّةَ ، حَفَرَ بِئْرًا يُقَالُ لَهَا الْعَجُولُ ، كَانَ مَوْضِعُهَا فِي دَارِ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ بِالْحَزْوَرَةِ ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ إِذَا قَدِمَتْ مَكَّةَ يَرِدُونَهَا ، فَيُسْقَوْنَ مِنْهَا وَيَتَرَاجَزُونَ عَلَيْهَا . قَالَ قَائِلٌ فِيهَا : أَرْوَى مِنَ الْعَجُولِ ثُمَّتَ أَنْطَلِقْ إِنَّ قُصَيًّا قَدْ وَفَّى وَقَدْ صَدَقْ بِالشِّبْعِ لِلْحَيِّ وَرِيِّ الْمُغْتَبِقْ وَحَفَرَ قُصَيٌّ أَيْضًا بِئْرًا عِنْدَ الرَّدْمِ الْأَعْلَى عِنْدَ دَارِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ الَّتِي كَانَتْ لِآلِ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ ثُمَّ دَثَرَتْ ، فَنَثَلَهَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَأَحْيَاهَا ، ثُمَّ حَفَرَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ بَذَّرَ ، وَقَالَ حِينَ حَفَرَهَا : لَأَجْعَلَنَّهَا لِلنَّاسِ بَلَاغًا . وَهِيَ الْبِيرُ الَّتِي فِي حَقِّ الْمُقَوِّمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي ظَهْرِ دَارِ الطَّلُوبِ مَوْلَاةِ زُبَيْدَةَ بِالْبَطْحَاءِ فِي أَصْلِ الْمُسْتَنْذَرِ ، وَهِيَ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا بَعْضُ وَلَدِ هَاشِمٍ : نَحْنُ حَفَرْنَا بَذَّرْ بِجَانِبِ الْمُسْتَنْذَرْ نَسْقِي الْحَجِيجَ الْأَكْبَرْ وَحَفَرَ هَاشِمٌ أَيْضًا سَجْلَةً ، وَهِيَ الْبِيرُ الَّتِي يُقَالُ لَهَا بِئْرُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، دَخَلَتْ فِي دَارِ الْقَوَارِيرِ ، فَكَانَتْ سَجْلَةً لِهَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، فَلَمْ تَزَلْ لِوَلَدِهِ حَتَّى وَهَبَهَا أَسَدُ بْنُ هَاشِمٍ لِلْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ حِينَ حَفَرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ زَمْزَمَ وَاسْتَغْنَوْا عَنْهَا . وَيُقَالُ : وَهَبَهَا لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حِينَ حَفَرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ زَمْزَمَ وَاسْتَغْنَى عَنْهَا ، وَسَأَلَهُ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ أَنْ يَضَعَ حَوْضًا مِنْ أَدَمٍ إِلَى جَانِبِ زَمْزَمَ يَسْقِي فِيهِ مِنْ مَاءِ بِئْرِهِ ، فَأَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ ، وَكَانَ يَفْعَلُ ، فَلَمْ يَزَلْ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ يَسْقِي الْحَاجَّ حَتَّى تُوُفِّيَ ، فَقَامَ بِأَمْرِ السِّقَايَةِ بَعْدَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى حَفَرَ زَمْزَمَ ، فَعَفَتْ عَلَى آبَارِ مَكَّةَ كُلِّهَا ، وَكَانَ مِنْهَا مَشْرَبُ الْحَاجِّ . قَالَ : وَكَانَتْ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِبِلٌ كَثِيرَةٌ ، فَإِذَا كَانَ الْمَوْسِمُ جَمَعَهَا ، ثُمَّ يَسْقِي لَبَنَهَا بِالْعَسَلِ فِي حَوْضٍ مِنْ أَدَمٍ عِنْدَ زَمْزَمَ ، وَيَشْتَرِي الزَّبِيبَ فَيَنْبِذُهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ وَيَسْقِيهِ الْحَاجَّ ؛ لِأَنْ يَكْسِرَ غِلَظَ مَاءِ زَمْزَمَ ، وَكَانَتْ إِذْ ذَاكَ غَلِيظَةً جِدًّا ، وَكَانَ النَّاسُ إِذْ ذَاكَ لَهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ أَسْقِيَةٌ يَسْقُونَ فِيهَا الْمَاءَ مِنْ هَذِهِ الْبِيَارَ ، ثُمَّ يَنْبِذُونَ فِيهَا الْقَبَضَاتِ مِنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ ؛ لِأَنْ يَكْسِرَ عَنْهُمْ غِلَظَ مَاءِ آبَارِ مَكَّةَ ، وَكَانَ الْمَاءُ الْعَذْبُ بِمَكَّةَ عَزِيزًا ، لَا يُوجَدُ إِلَّا لِإِنْسَانٍ يُسْتَعْذَبُ لَهُ مِنْ بِئْرِ مَيْمُونٍ وَخَارِجَ مَكَّةَ ، فَلَبِثَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَسْقِي النَّاسَ حَتَّى تُوُفِّيَ ، فَقَامَ بِأَمْرِ السِّقَايَةِ بَعْدَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَلَمْ تَزَلْ فِي يَدِهِ ، وَكَانَ لِلْعَبَّاسِ كَرْمٌ بِالطَّائِفِ ، وَكَانَ يَحْمِلُ زَبِيبَهُ إِلَيْهَا ، وَكَانَ يُدَايِنُ أَهْلَ الطَّائِفِ ، وَيَقْتَضِي مِنْهُمُ الزَّبِيبَ ، فَيَنْبِذُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيَسْقِيهِ الْحَاجَّ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ حَتَّى يَنْقَضِيَ ، فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ ، حَتَّى دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ ، فَقَبَضَ السِّقَايَةَ مِنَ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَالْحِجَابَةَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ ، فَقَامَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَبَسَطَ يَدَهُ ، وَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ، اجْمَعْ لَنَا الْحِجَابَةَ وَالسِّقَايَةَ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أُعْطِيكُمْ مَا تُرْزَءُونَ فِيهِ ، وَلَا تُرْزَءُونَ مِنْهُ ؟ فَقَامَ بَيْنَ عِضَادَتَيْ بَابِ الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ : أَلَا إِنَّ كُلَّ دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ مَأْثَرَةٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهِيَ تَحْتَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ ، إِلَّا سِقَايَةَ الْحَاجِّ ، وَسِدَانَةَ الْكَعْبَةِ ، فَإِنِّي قَدْ أَمْضَيْتُهُمَا لِأَهْلِهِمَا عَلَى مَا كَانَتَا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ . فَقَبَضَهَا الْعَبَّاسُ ، فَكَانَتْ فِي يَدِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ ، فَوَلِيَهَا بَعْدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ، فَكَانَ يَفْعَلُ فِيهَا كَفِعْلِهِ دُونَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ قَدْ كَلَّمَ فِيهَا ابْنَ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ : مَا لَكَ وَلَهَا ؟ نَحْنُ أَوْلَى بِهَا مِنْكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ، قَدْ كَانَ أَبُوكَ تَكَلَّمَ فِيهَا ، فَأَقَمْتُ الْبَيِّنَةَ ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ بْنِ عَوْفٍ ، وَمَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ ، أَنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ يَلِيهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بَعْدَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَجَدُّكَ أَبُو طَالِبٍ فِي إِبِلِهِ فِي بَادِيَتِهِ بِعُرَنَةَ ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَعْطَاهَا الْعَبَّاسَ يَوْمَ الْفَتْحِ دُونَ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَعَرَفَ ذَلِكَ مَنْ حَضَرَ ، فَكَانَتْ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ أَبِيهِ ، لَا يُنَازِعُهُ فِيهَا مُنَازِعٌ ، وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيهَا مُتَكَلِّمٌ ، حَتَّى تُوُفِّيَ ، فَكَانَتْ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، يَفْعَلُ فِيهَا كَفِعْلِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ ، يَأْتِيَهُ الزَّبِيبُ مِنْ مَالِهِ بِالطَّائِفِ وَيَنْبِذُهُ ، حَتَّى تُوُفِّيَ ، وَكَانَتْ بِيَدِ وَلَدِهِ حَتَّى الْآنَ . وَأَمَّا الْقِيَادَةُ فَوَلِيَهَا مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عَبْدُ شَمْسِ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ ، ثُمَّ وَلِيَهَا مِنْ بَعْدِهِ أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ ، ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ حَرْبُ بْنُ أُمَيَّةَ ، فَقَادَ بِالنَّاسِ يَوْمَ عُكَاظٍ فِي حَرْبِ قُرَيْشٍ وَقَيْسِ عَيْلَانَ ، وَفِي الْفِجَارَيْنِ الْفِجَارِ الْأَوَّلِ وَالْفِجَارِ الثَّانِي ، وَقَادَ النَّاسَ قَبْلَ ذَلِكَ بِذَاتِ نَكِيفٍ فِي حَرْبِ قُرَيْشٍ وَبَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ وَالْأَحَابِيشُ يَوْمَئِذٍ مَعَ بَنِي بَكْرٍ ، تَحَالَفُوا عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ الْحَبَشِيُّ عَلَى قُرَيْشٍ ؛ فَسُمُّوا الْأَحَابِيشَ بِذَلِكَ ، ثُمَّ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ يَقُودُ قُرَيْشًا بَعْدَ أَبِيهِ حَتَّى كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ، فَقَادَ النَّاسَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فِي الْعِيرِ يَقُودُ النَّاسَ ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَادَ النَّاسَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، وَقَادَ النَّاسَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ ، وَكَانَتْ آخِرَ وَقْعَةٍ لِقُرَيْشٍ وَحَرْبٍ ، حَتَّى جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَفَتْحِ مَكَّةَ

    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات
    لا توجد بيانات