سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ وَكَانَ وَصَّافًا عَنْ حِلْيَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَا اشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ , فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , " فَخْمًا فَخْمًا , يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ , أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ , وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ , عَظِيمَ الْهَامَةِ , رَجِلَ الشَّعْرِ إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ فَرَقَ , وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ , إِذَا هُوَ وَفْرَةٌ , أَزْهَرَ اللَّوْنِ , وَاسِعَ الْجَبِينِ , أَزَجَّ الْحَوَاجِبِ , سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ بَيْنَهُمْ , عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ , أَقْنَى الْعِرْنِينِ , لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ , يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ كَثَّ اللِّحْيَةِ , سَهْلَ الْخَدَّيْنِ , ضَلِيعَ الْفَمِ , أَشْنَبَ مُفَلَّجَ الْأَسْنَانِ , دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ , كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ , مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ , بَادِنًا مُتَمَاسِكًا , سَوَاءَ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ , عَرِيضَ الصَّدْرِ , بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ , ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ , أَنْوَرَ الْمُتَجَرِّدِ , مَوْصُولَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ , عَارِيَ الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ , أَشْعَرَ الذِّرَاعَيْنِ , وَالْمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِيَ الصَّدْرِ , طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ , رَحْبَ الرَّاحَةِ , شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ , سَائِرَ أَوْ سَائِلَ يَعْنِي الْأَطْرَافَ سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ , يَشُكُّ خَمْصَانَ الْأَخْمَصَيْنِ , مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ , إِذَا زَالَ قَلْعًا , يَخْطُو تَكَفُّؤًا وَيَمْشِي هَوْنًا إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا , خَافِضَ الطَّرْفِ , نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ , جُلَّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ , يَسُوقُ أَصْحَابَهُ , يَبْدُرُ مَنْ لَقِيَ بِالسَّلَامِ " قَالَ : قُلْتُ : صِفْ لِي مَنْطِقَهُ ؟ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , " مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ , دَائِمَ الْفِكْرِ , لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ , طَوِيلَ السَّكْتِ , لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ , يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ , وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ , فَضُولَ , لَا فَصُولَ وَلَا تَقْصِيرَ , دَمِثَ , لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا الْمُهِينِ , يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ , وَإِنْ دَقَّتْ , لَايَذُمٌّ مِنْهَا شَيْئًا , غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَذُمُّ ذَوَاقًا وَلَا يَمْدَحُهُ , لَا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا , وَلَا مَا كَانَ لَهَا , فَإِذَا تُعُدِّيَ الْحَقُّ , لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ , حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ , وَلَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا , إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا , وَإِذَا تَعْجَّبَ قَلَبَهَا , وَإِذَا تَحَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا يَضْرِبُ بِرَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ كَفِّهِ الْيُسْرَى , وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ , وَإِذَا فَرِحَ غَضَّ , جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ وَيَفْتَرُّ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " , قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : فَكَتَمْتُهَا الْحُسَيْنَ زَمَانًا , ثُمَّ حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ , فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ , وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , عَنْ مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَشَكْلِهِ , فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا قَالَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : " كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ , فَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ : جُزْءًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجُزْءًا لِأَهْلِهِ , وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ , ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ فَيَرُدُّ ذَلِكَ بِالْخَاصَّةِ عَلَى الْعَامَّةِ وَلَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا , وَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إيثارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ , وَقَسْمِهِ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ , فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ , فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ وَيَشْغَلُهُمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ وَالْأُمَّةُ كَذَا مِنْ مَسْأَلَتِهِ عَنْهُمْ وَإِيثَارِهِ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ وَيَقُولُ : لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا , فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , لَا يَذْكُرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَلِكَ وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرِهِ يَدْخُلُونَ رُوَّادًا وَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً , يَعْنِي عَلَى الْخَيْرِ " , قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِهِ , كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ ؟ فَقَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , يَخْزِنُ لِسَانَهُ إِلَّا مِمَّا يَعْنِيهِ , وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُنَفِّرُهُمْ , وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ , وَيَحْذَرُ النَّاسَ وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ , وَلَا خُلُقَهُ وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ , وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ , وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ , وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوهِنُهُ , مُعْتَدِلُ الْأَمْرِ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ , لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمَلُّوا , لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ , لَا يَقْصُرُ عَنِ الْحَقِّ وَلَا يُجَاوِزُهُ , الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ نَصِيحَةً وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً وَأَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً " , قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ ؟ قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لَا يَقُومُ وَلَا يَجْلِسُ إِلَّا عَلَى ذِكْرٍ , وَلَا يُوَطِّنُ الْأَمَاكِنَ , وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا , وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ , وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ , يُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ بِنَصِيبٍ , لَا يَحْسَبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْهُ , مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ لِحَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ , وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ , فَصَارَ لَهُمْ أَبًا وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً , مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ وَحَيَاءٍ وَصَبْرٍ وَأَمَانَةٍ , لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ وَلَا تُؤَبَّنُ فِيهِ الْحُرُمُ , وَلَا تُثَنَّى فَلَتَاتُهُ , مُتَعَادِلِينَ يِتَفَاضَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى مُتَوَاضِعِينَ , يُوَقِّرُونَ الْكَبِيرَ وَيَرْحَمُونَ الصَّغِيرَ , وَيُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ , وَيَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ " , قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ سِيرَتِهِ فِي جُلَسَائِهِ ؟ فَقَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , دَائِمَ الْبِشْرِ , سَهْلَ الْخُلُقِ لِيِّنَ الْجَانِبِ , لَيْسَ بِفَظٍّ , وَلَا غَلِيظٍ , وَلَا سَخَّابٍ , وَلَا عَيَّابٍ , وَلَا مَدَّاحٍ يَتَغَافَلُ عَنْ مَا لَا يُشْتَهَى فَلَا يُؤْسَ مِنْهُ وَلَا يَخِيبُ فِيهِ , قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ : الْمِرَاءِ , وَالْإِكْثَارِ وَمَا لَا يَعْنِيهِ , وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلَاثٍ : كَانَ لَا يَذُمُّ أَحَدًا وَلَايُعَيِّرُهُ , وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ , لَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ , إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرَ , فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا , وَلَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ , مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ , حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِهِمْ , يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ , وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ , حَتَّى إِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ يَسْتَجْلِبُونَهُمْ وَيَقُولُ : " إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَاجَةٍ يَطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ " وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا عَنْ مُكَافِئٍ , وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُولَ , فَيَقْطَعَهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ " , وَسَأَلْتُهُ كَيْفَ كَانَ سُكُوتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : عَلَى أَرْبَعٍ : عَلَى الْحِلْمِ , وَالْحَذَرِ , وَالتَّقْدِيرِ , وَالتَّفْكِيرِ , فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَفِي تَسْوِيَةِ النَّظَرِ وَالِاسْتِمَاعِ بَيْنَ النَّاسِ , وَأَمَّا تَفَكُّرُهُ فَفِيمَا يَفْنَى وَيَبْقَى , وَجُمِعَ لَهُ الْحِلْمُ فِي الصَّبْرِ , فَكَانَ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَلَا يَسْتَفِزُّهُ أَحَدٌ , جُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعٍ : أَخْذُهُ بِالْحَسَنِ لِيُقْتَدَى بِهِ , وَتَرْكُهُ الْقَبِيحَ لِيُنْتَهَى عَنْهُ , وَاجْتِهَادُهُ الرَّأْيَ فِيمَا أَصْلَحَ أُمَّتَهُ , وَالْقِيَامُ فِيهَا , وَجَمَعَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , تَسْلِيمًا كَثِيرًا "
وَحَدَّثَنَـا أَبُو مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ قَالَ : حَدَّثَنَـا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ : حَدَّثَنَـا جَمِيعُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو جَعْفَرٍ الْعِجْلِيُّ , أَمْلَاهُ عَلَيْنَا مِنْ كِتَابِهِ قَالَ : حَدَّثَنِي : رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ , مِنْ وَلَدِ أَبِي هَالَةَ زَوْجِ أُخْتِ خَدِيجَةَ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَأَلْتُ خَالِي هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ وَكَانَ وَصَّافًا عَنْ حِلْيَةِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , وَأَنَا اشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ , فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , فَخْمًا فَخْمًا , يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ , أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ , وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ , عَظِيمَ الْهَامَةِ , رَجِلَ الشَّعْرِ إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ فَرَقَ , وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ , إِذَا هُوَ وَفْرَةٌ , أَزْهَرَ اللَّوْنِ , وَاسِعَ الْجَبِينِ , أَزَجَّ الْحَوَاجِبِ , سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ بَيْنَهُمْ , عِرْقٌ يُدِرُّهُ الْغَضَبُ , أَقْنَى الْعِرْنِينِ , لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ , يَحْسَبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ كَثَّ اللِّحْيَةِ , سَهْلَ الْخَدَّيْنِ , ضَلِيعَ الْفَمِ , أَشْنَبَ مُفَلَّجَ الْأَسْنَانِ , دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ , كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ , مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ , بَادِنًا مُتَمَاسِكًا , سَوَاءَ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ , عَرِيضَ الصَّدْرِ , بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ , ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ , أَنْوَرَ الْمُتَجَرِّدِ , مَوْصُولَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كَالْخَطِّ , عَارِيَ الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ , أَشْعَرَ الذِّرَاعَيْنِ , وَالْمَنْكِبَيْنِ وَأَعَالِيَ الصَّدْرِ , طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ , رَحْبَ الرَّاحَةِ , شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ , سَائِرَ أَوْ سَائِلَ يَعْنِي الْأَطْرَافَ سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ , يَشُكُّ خَمْصَانَ الْأَخْمَصَيْنِ , مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ , إِذَا زَالَ قَلْعًا , يَخْطُو تَكَفُّؤًا وَيَمْشِي هَوْنًا إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا , خَافِضَ الطَّرْفِ , نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ , جُلَّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ , يَسُوقُ أَصْحَابَهُ , يَبْدُرُ مَنْ لَقِيَ بِالسَّلَامِ قَالَ : قُلْتُ : صِفْ لِي مَنْطِقَهُ ؟ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ , دَائِمَ الْفِكْرِ , لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ , طَوِيلَ السَّكْتِ , لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ , يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ وَيَخْتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ , وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ , فَضُولَ , لَا فَصُولَ وَلَا تَقْصِيرَ , دَمِثَ , لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا الْمُهِينِ , يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ , وَإِنْ دَقَّتْ , لَايَذُمٌّ مِنْهَا شَيْئًا , غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَذُمُّ ذَوَاقًا وَلَا يَمْدَحُهُ , لَا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا , وَلَا مَا كَانَ لَهَا , فَإِذَا تُعُدِّيَ الْحَقُّ , لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ , حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ , وَلَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا , إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا , وَإِذَا تَعْجَّبَ قَلَبَهَا , وَإِذَا تَحَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا يَضْرِبُ بِرَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ كَفِّهِ الْيُسْرَى , وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ , وَإِذَا فَرِحَ غَضَّ , جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمُ وَيَفْتَرُّ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : فَكَتَمْتُهَا الْحُسَيْنَ زَمَانًا , ثُمَّ حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ , فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ , وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , عَنْ مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَشَكْلِهِ , فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا قَالَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فَسَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ , فَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ دُخُولَهُ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ : جُزْءًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجُزْءًا لِأَهْلِهِ , وَجُزْءًا لِنَفْسِهِ , ثُمَّ جَزَّأَ جُزْأَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ فَيَرُدُّ ذَلِكَ بِالْخَاصَّةِ عَلَى الْعَامَّةِ وَلَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا , وَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إيثارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِإِذْنِهِ , وَقَسْمِهِ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ , فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ , فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ وَيَشْغَلُهُمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ وَالْأُمَّةُ كَذَا مِنْ مَسْأَلَتِهِ عَنْهُمْ وَإِيثَارِهِ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ وَيَقُولُ : لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ وَأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا , فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ , لَا يَذْكُرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَلِكَ وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرِهِ يَدْخُلُونَ رُوَّادًا وَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَاقٍ وَيَخْرُجُونَ أَدِلَّةً , يَعْنِي عَلَى الْخَيْرِ , قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِهِ , كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ ؟ فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , يَخْزِنُ لِسَانَهُ إِلَّا مِمَّا يَعْنِيهِ , وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُنَفِّرُهُمْ , وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ , وَيَحْذَرُ النَّاسَ وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ , وَلَا خُلُقَهُ وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ , وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ , وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ , وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوهِنُهُ , مُعْتَدِلُ الْأَمْرِ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ , لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمَلُّوا , لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ , لَا يَقْصُرُ عَنِ الْحَقِّ وَلَا يُجَاوِزُهُ , الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ نَصِيحَةً وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً وَأَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً وَمُؤَازَرَةً , قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ ؟ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , لَا يَقُومُ وَلَا يَجْلِسُ إِلَّا عَلَى ذِكْرٍ , وَلَا يُوَطِّنُ الْأَمَاكِنَ , وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا , وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ , وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ , يُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ بِنَصِيبٍ , لَا يَحْسَبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْهُ , مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ لِحَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ , وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ , فَصَارَ لَهُمْ أَبًا وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً , مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ وَحَيَاءٍ وَصَبْرٍ وَأَمَانَةٍ , لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ وَلَا تُؤَبَّنُ فِيهِ الْحُرُمُ , وَلَا تُثَنَّى فَلَتَاتُهُ , مُتَعَادِلِينَ يِتَفَاضَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى مُتَوَاضِعِينَ , يُوَقِّرُونَ الْكَبِيرَ وَيَرْحَمُونَ الصَّغِيرَ , وَيُؤْثِرُونَ ذَا الْحَاجَةِ , وَيَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ , قَالَ : وَسَأَلْتُهُ عَنْ سِيرَتِهِ فِي جُلَسَائِهِ ؟ فَقَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , دَائِمَ الْبِشْرِ , سَهْلَ الْخُلُقِ لِيِّنَ الْجَانِبِ , لَيْسَ بِفَظٍّ , وَلَا غَلِيظٍ , وَلَا سَخَّابٍ , وَلَا عَيَّابٍ , وَلَا مَدَّاحٍ يَتَغَافَلُ عَنْ مَا لَا يُشْتَهَى فَلَا يُؤْسَ مِنْهُ وَلَا يَخِيبُ فِيهِ , قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ : الْمِرَاءِ , وَالْإِكْثَارِ وَمَا لَا يَعْنِيهِ , وَتَرَكَ النَّاسَ مِنْ ثَلَاثٍ : كَانَ لَا يَذُمُّ أَحَدًا وَلَايُعَيِّرُهُ , وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ , لَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ , إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرَ , فَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا , وَلَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ , مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ , حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِهِمْ , يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ , وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ , حَتَّى إِنْ كَانَ أَصْحَابُهُ يَسْتَجْلِبُونَهُمْ وَيَقُولُ : إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ حَاجَةٍ يَطْلُبُهَا فَأَرْفِدُوهُ وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا عَنْ مُكَافِئٍ , وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يَجُولَ , فَيَقْطَعَهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ , وَسَأَلْتُهُ كَيْفَ كَانَ سُكُوتُ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : عَلَى أَرْبَعٍ : عَلَى الْحِلْمِ , وَالْحَذَرِ , وَالتَّقْدِيرِ , وَالتَّفْكِيرِ , فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَفِي تَسْوِيَةِ النَّظَرِ وَالِاسْتِمَاعِ بَيْنَ النَّاسِ , وَأَمَّا تَفَكُّرُهُ فَفِيمَا يَفْنَى وَيَبْقَى , وَجُمِعَ لَهُ الْحِلْمُ فِي الصَّبْرِ , فَكَانَ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَلَا يَسْتَفِزُّهُ أَحَدٌ , جُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعٍ : أَخْذُهُ بِالْحَسَنِ لِيُقْتَدَى بِهِ , وَتَرْكُهُ الْقَبِيحَ لِيُنْتَهَى عَنْهُ , وَاجْتِهَادُهُ الرَّأْيَ فِيمَا أَصْلَحَ أُمَّتَهُ , وَالْقِيَامُ فِيهَا , وَجَمَعَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , تَسْلِيمًا كَثِيرًا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : قَدْ ذَكَرْتُ مِنْ صِفَةِ خَلْقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّىاللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَحُسْنِ صُورَتِهِ الَّتِي أَكْرَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا وَصِفَةِ أَخْلَاقِهِ الشَّرِيفَةِ الَّتِي خَصَّهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِهَا مَا فِيهِ كِفَايَةٌ لِمَنْ تَعَلَّقَ مِنْ أُمَّتِهِ بِطَرَفٍ مِنْهَا , وَنَسْأَلُ اللَّهَ مَوْلَانَا الْكَرِيمَ الْمَعُونَةَ عَلَى الِاقْتِدَاءِ بِشَرَائِعِ نَبِيِّهِ , وَلَنْ يَسْتَطِيعَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَتَخَلَّقَ بِأَخَلَاقِهِ إِلَّا مَنِ اخْتَصَّهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ مِمَّنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ وَصَحَابَتِهِ , وَإِلَّا فَمَنْ دُونَهُمْ يَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ , وَلَكِنْ مَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ وَمُرَادُهُ فِي طَلَبِ التَّعَلُّقِ بِأَخْلَاقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , رَجَوْتُ لَهُ مِنَ اللَّهِ الْكَرِيمِ أَنْ يُثِيبَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ وَمُرَادِهِ وَإِنْ ضَعُفَ عَنْهَا عَمَلُهُ , كَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ وَصَفَ الْمُؤْمِنَ بِأَخْلَاقٍ كَرِيمَةٍ شَرِيفَةٍ , فَقَالَ فِيمَا وَصَفَهُ بِهِ : إِنْ سَكَتَ تَفَكَّرَ , وَإِنْ تَكَلَّمَ ذَكَرَ , وَإِذَا نَظَرَ اعْتَبَرَ , وَإِذَا اسْتَغْنَى شَكَرَ , وَإِذَا ابْتُلِيَ صَبَرَ , نِيَّتُهُ تَبْلُغُ , وَقُوَّتُهُ تَضْعُفُ , يَنْوِي كَثِيرًا مِنَ الْعَمَلِ , يَعْمَلُ بِطَاقَتِهِ مِنْهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَلَمْ تَسْمَعُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , {{ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }} يُقَالُ : عَلَى أَدَبِ الْقُرْآنِ , فَمَنْ كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مُتَوَلِّيَهُ بِالْأَخْلَاقِ الشَّرِيفَةِ , فَلَيْسَ بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَهُ مِثْلُهُ فِي شَرَفِ الْأَخْلَاقِ