قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يُقَالُ لَهَا : طُوبَى لَوْ يُسَخَّرُ لِلرَّاكِبِ الْجَوَادُ أَنْ يَسِيرَ فِي ظِلِّهَا لَسَارَ مِائَةَ عَامٍ قَبْلَ أَنْ يَقْطَعَهَا , وَرَقُهَا وَسَاقُهَا : بُرَودٌ خُضْرٌ , وَزَهْرَتُهَا وَرِيَاضُ صُفْرٌ , وَأَفْنَانُهَا سُنْدُسٌ وَإِسْتَبْرَقٌ , وَثَمَرُهَا : حُلَلٌ خُضْرٌ وَمَاؤُهَا : زَنْجَبِيلٌ وَعَسَلٌ , وَبَطْحَاؤُهَا : يَاقُوتٌ أَحْمَرُ , وَزَبَرْجَدٌ أَخْضَرُ , وَتُرَابُهَا : مِسْكٌ وَعَنْبَرٌ وَكَافُورٌ أَبْيَضُ , وَحَشِيشُهَا زَعْفَرَانٌ مُنِيرٌ , وَالْأَجُوجُ يَتَأَجَّجُ مِنْ غَيْرِ وَقُودٍ , وَيَتَفَجَّرُ مِنْ أَصْلِهَا أَنْهَارُ السَّلْسَبِيلِ وَالْمَعِينِ وَالرَّحِيقِ , وَظِلُّهَا مَجْلِسٌ مِنْ مَجَالِسِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمُتَحَدَّثٌ لِجَمْعِهِمْ , فَبَيْنَا هُمْ فِي ظِلِّهَا يَتَحَدَّثُونَ ؛ إِذْ جَاءَهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَقُودُونَ نُجُبًا خُلِقَتْ مِنَ الْيَاقُوتِ , ثُمَّ نُفِخَ فِيهَا الرُّوحُ مَزْمَومَةً بِسَلَاسِلَ مِنْ ذَهَبٍ , كَأَنَّ وجُوهَهَا الْمَصَابِيحُ نَضَارَةً وَحُسْنًا , وَبَرُهَا مِنْ خَزٍّ أَحْمَرَ وَمِرْعِزَّى أَبْيَضَ , لَمْ يَنْظُرِ النَّاظِرُونَ إِلَىَ مِثْلِهَا حُسْنًا وَبَهَاءً وَجَمَالًا , ذُلُلًا مِنْ غَيْرِ مَهَابَةٍ , نُجُبًا مِنْ غَيْرِ رِيَاضَةٍ , عَلَيْهَا رِحَالٌ أَلْوَاحُهَا مِنَ الدُّرِّ وَالْيَوَاقِيتِ , مُفَضَّضَةٌ بِاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ , صَفَائِحُهَا مِنَ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ مُلْبَسَةٌ بِالْعَبْقَرِيِّ وَالْأُرْجُوَانِ , فَأَنَاخُوا إِلَيْهِمْ تِلْكَ النَّجَائِبَ , ثُمَّ قَالُوا لَهُمْ : إِنَّ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ يُقْرِئُكُمُ السَّلَامَ , وَيَسْتَزِيدُكُمْ لِتَنْظُرُوا إِلَيْهِ , وَيَنْظُرُ إِلَيْكُمْ وَيُحَيِّيكُمْ وَتُحَيُّونَهُ , وَيُكَلِّمُكُمْ وَتُكَلِّمُونَهُ , وَيَزِيدُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَسَعَتِهِ , إِنَّهُ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَفَضْلٍ عَظِيمٍ , فَيَتَحَوَّلُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى رَاحِلَتِهِ ثُمَّ انْطَلَقُوا صَفًّا وَاحِدًا مُعْتَدِلًا , لَا يَفُوتُ مِنْ شَيْءٍ شَيْئًا وَلَا يَفُوتُ أُذُنُ نَاقَةٍ أُذُنَ صَاحِبَتِهَا , وَلَا يَمُرُّونَ بِشَجَرَةٍ مِنْ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ إِلَا أَكْفَتْهُمْ بِثَمَرَتِهَا , وَرُحِّلَتْ لَهُمْ عَنْ طَرِيقِهِمْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تُثْلِمَ صَفَّهُمْ , أَوْ تُفَرِّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَرَفِيقِهِ , فَلَمَّا رُفِعُوا إِلَى الْجَبَّارِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى , أَسْفَرَ لَهُمْ عَنْ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ , وَتَجَلَّى لَهُمْ فِي عَظَمَتِهِ , فَحَيَّاهُمْ بِالسَّلَامِ , فَقَالُوا : رَبَّنَا أَنْتَ السَّلَامُ , وَمِنْكَ السَّلَامُ , وَلَكَ حَقُّ الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ , فَقَالَ لَهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِنَّى أَنَا السَّلَامُ , وَمِنًى السَّلَامُ , وَلِي حَقُّ الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ , فَمَرْحَبًا بِعِبَادِي الَّذِينَ حَفِظُوا وَصِيَّتِي , وَرَعَوْا عَهْدِي وَخَافُونِي بِالْغَيْبِ , وَكَانُوا مِنِّي عَلَى وَجَلٍ مُشْفِقِينَ , فَقَالُوا : أَمَا وَعِزَّتِكَ وَعَظَمَتِكَ وَجَلَالِكَ وَعُلُوِّ مَكَانِكَ , مَا قَدَرْنَاكَ حَقَّ قَدْرِكَ , وَمَا أَدَّيْنَا إِلَيْكَ كُلَّ حَقِّكَ , فَائْذَنْ لَنَا بِالسُّجُودِ لَكَ , فَقَالَ لَهُمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ : قَدْ وَضَعْتُ عَنْكُمْ مُؤْنَةَ الْعِبَادَةِ , وَأَرَحْتُ لَكُمْ أَبْدَانَكُمْ , فَطَالَمَا أَنْصَبْتُمُ الْأَبْدَانَ , وَأَعْنَيْتُمْ لِيَ الْوُجُوهَ , فَالْآنَ أَفْضُوا إِلَى رُوحِي وَرَحْمَتِي وَكَرَامَتِي , فَسَلُونِي مَا شِئْتُمْ , وَتَمَنَّوْا عَلَيَّ أُعْطِكُمْ أَمَانَيَّكُمْ , فَإِنِّي لَنْ أَجْزِيَكُمُ الْيَوْمَ بِقَدْرِ أَعْمَالِكُمْ , وَلَكِنْ بِقَدْرِ رَحْمَتِي وَكَرَامَتِي , وَطَوْلِي وَجَلَالِي , وَعُلُوِّ مَكَانِي , وَعَظْمَةِ سُلْطَانِي , فَلَا يَزَالُونَ فِي الْأَمَانِيِّ وَالْعَطَايَا وَالْمَوَاهِبِ , حَتَّى إِنَّ الْمُقْصِرَ مِنْهُمْ فِي أُمْنِيَّتِهِ لَيَتَمَنَّى مِثْلَ جَمِيعِ الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْمِ خَلَقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى يَوْمِ أَفْنَاهَا , فَقَالَ لَهُمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ : لَقَدْ قَصَّرْتُمْ فِي أَمَانِيِّكُمْ وَرَضِيتُمْ بِدُونِ مَا يَحِقُّ لَكُمْ , فَقَدْ أَوْجَبْتُ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَتَمَنَّيْتُمْ وَأَلْحَقْتُ لَكُمْ وَزِدْتُكُمْ مَا قَصُرَتْ عَنْهُ أَمَانِيُّكُمْ فَانْظُرُوا إِلَى مَوَاهِبِ رَبِّكُمُ الَّتِي وَهْبَ لَكُمْ , فَإِذَا بِقِبَابٍ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى , وَغُرَفٍ مَبْنِيَّةٍ مِنَ الدُّرِّ وَالْمَرْجَانِ , وَإِذَا أَبْوَابُهَا مِنْ ذَهَبٍ , وَسُرُرُهَا مِنْ يَاقُوتٍ , وَفُرُشُهَا سُنْدُسٌ وَإِسْتَبْرَقٌ , وَمَنَابِرُهَا مِنْ نُورٍ , يَفُورُ مِنْ أَبْوَابِهَا وَأَعْرَاصِهَا نُورٌ , شُعَاعُ الشَّمْسِ عِنْدَهُ مِثْلُ الْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ , فَإِذَا بِقُصُورٍ شَامِخَةٍ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ مِنَ الْيَاقُوتِ يُزْهِرُ نُورُهَا , فَلَوْلَا أَنَّهُ سَخَّرَهَا لَلَمِعَتِ الْأَبْصَارَ , فَمَا كَانَ مِنْ تِلْكِ الْقُصُورِ مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَبْيَضِ فَهُوَ مَفْرُوشٌ بِالْحَرِيرِ الْأَبْيَضِ , وَمَا كَانَ مِنْهَا مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ , فَهُوَ مَفْرُوشٌ بِالْعَبْقَرِيِّ الْأَحْمَرِ , وَمَا كَانَ مِنْهَا مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَخْضَرِ فَهُوَ مَفْرُوشٌ بِالسُّنْدُسِ الْأَخْضَرِ , وَمَا كَانَ مِنْهَا مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَصْفَرِ , فَهُوَ مَفْرُوشٌ بِأُرْجُوَانَ أَصْفَرَ , مَبْثُوثَةٌ بِالزُّمُرُّدِ الْأَخْضَرِ , وَالذَّهَبِ الْأَحْمَرِ وَالْفِضَّةِ الْبَيْضَاءِ , وَبُرُوجُهَا وَأَرْكَانُهَا مِنَ الْجَوْهَرِ , وَشُرُفُهَا قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ , فَلَمَّا انْصَرَفُوا إِلَى مَا أَعْطَاهُمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ , قُرِّبَتْ لَهُمْ بَرَاذُينٌ مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَبْيَضِ , مَنْفُوخٌ فِيهَا الرُّوحُ , يَجْنُبُهَا الْوِلْدَانُ الْمُخَلَّدُونَ , بِيَدِ كُلِّ وَلِيدٍ مِنْهُمْ حَكَمَةُ بِرْذَوْنٍ مِنْ تِلْكَ الْبَرَاذِينِ لُجُمُهَا وَأَعِنَّتُهَا مِنْ فِضَّةٍ بَيْضَاءَ , مَنْظُومَةٍ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ , سُرُجُهَا مَفْرُوشَةٌ بِالسُّنْدُسِ وَالْإِسْتَبْرَقِ فَانْطَلَقَتْ بِهِمْ تِلْكَ الْبَرَاذِينُ تَزُفُّ بِهِمْ وَتَطُوفُ بِهِمْ رِيَاضَ الْجَنَّةِ , فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَجَدُوا الْمَلَائِكَةَ قُعُودًا عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يَنْتَظِرُونَهُمْ لِيَزُورُوهُمْ وَيُصَافِحُوهُمْ , وَيُهَنُّوهُمْ بِكَرَامَةِ رَبِّهِمْ , عَزَّ وَجَلَّ فَلَمَّا دَخَلُوا قُصُورَهُمْ وَجَدُوا فِيهَا جَمِيعَ مَا تَطَوَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّا سَأَلُوهُ وَتَمَنَّوْا , وَإِذَا عَلَى بَابِ كُلِّ قَصْرٍ مِنْ تِلْكِ الْقُصُورِ أَرْبَعُ جِنَانٍ : جَنَّتَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ , وَجَنَّتَانِ مُدْهَامَّتَانِ , فِيهَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ , وَفِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ , وَحُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ فَلَمَّا تَبَوَّءُوا مَنَازِلَهُمْ وَاسْتَقَرَّ قَرَارُهُمْ قَالَ لَهُمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ : {{ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا }} ؟ قَالُوا : نَعَمْ " قَالَ : أَفَرَضِيتُمْ بِمَوَاهِبِ رَبِّكُمْ ؟ قَالُوا : نَعَمْ , رَضِينَا رَبَّنَا , فَارْضَ عَنَّا قَالَ : فَبِرِضَايَ عَنْكُمْ حَلَلْتُمْ دَارِي , وَنَظَرْتُمْ إِلَى وَجْهِيَ الْكَرِيمِ , وَصَافَحْتُمْ مَلَائِكَتِي , فَهَنِيئًا هَنِيئًا لَكُمْ , {{ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ }} , لَيْسَ فِيهِ تَنْقِيصٌ وَلَا تَصْرِيمٌ , فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالُوا : {{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ , إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ , لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ , وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ }}
حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ بْنِ بَدِينَا الدَّقَّاقُ إِمْلَاءً قَالَ : نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ الْمَوْصِلِيُّ قَالَ : قَالَ : نا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ , عَنْ أَبِي إِيَاسَ إِدْرِيسَ بْنِ سِنَانٍ , عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ إِدْرِيسُ : ثُمَّ لَقِيتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ فَحَدَّثَنِي قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : وَحَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُفَيْرٍ الْأَنْصَارِيُّ إِمْلَاءً قَالَ : نا إِسْحَاقُ بْنُ دَاوُدَ الْقَنْطَرِيُّ , عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ قَالَ : نا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ قَالَ : نا إِدْرِيسُ بْنُ سِنَانٍ , عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ , عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ابْنِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ إِدْرِيسُ : ثُمَّ لَقِيتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحُسَيْنِ , فَحَدَّثَنِي قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يُقَالُ لَهَا : طُوبَى لَوْ يُسَخَّرُ لِلرَّاكِبِ الْجَوَادُ أَنْ يَسِيرَ فِي ظِلِّهَا لَسَارَ مِائَةَ عَامٍ قَبْلَ أَنْ يَقْطَعَهَا , وَرَقُهَا وَسَاقُهَا : بُرَودٌ خُضْرٌ , وَزَهْرَتُهَا وَرِيَاضُ صُفْرٌ , وَأَفْنَانُهَا سُنْدُسٌ وَإِسْتَبْرَقٌ , وَثَمَرُهَا : حُلَلٌ خُضْرٌ وَمَاؤُهَا : زَنْجَبِيلٌ وَعَسَلٌ , وَبَطْحَاؤُهَا : يَاقُوتٌ أَحْمَرُ , وَزَبَرْجَدٌ أَخْضَرُ , وَتُرَابُهَا : مِسْكٌ وَعَنْبَرٌ وَكَافُورٌ أَبْيَضُ , وَحَشِيشُهَا زَعْفَرَانٌ مُنِيرٌ , وَالْأَجُوجُ يَتَأَجَّجُ مِنْ غَيْرِ وَقُودٍ , وَيَتَفَجَّرُ مِنْ أَصْلِهَا أَنْهَارُ السَّلْسَبِيلِ وَالْمَعِينِ وَالرَّحِيقِ , وَظِلُّهَا مَجْلِسٌ مِنْ مَجَالِسِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمُتَحَدَّثٌ لِجَمْعِهِمْ , فَبَيْنَا هُمْ فِي ظِلِّهَا يَتَحَدَّثُونَ ؛ إِذْ جَاءَهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَقُودُونَ نُجُبًا خُلِقَتْ مِنَ الْيَاقُوتِ , ثُمَّ نُفِخَ فِيهَا الرُّوحُ مَزْمَومَةً بِسَلَاسِلَ مِنْ ذَهَبٍ , كَأَنَّ وجُوهَهَا الْمَصَابِيحُ نَضَارَةً وَحُسْنًا , وَبَرُهَا مِنْ خَزٍّ أَحْمَرَ وَمِرْعِزَّى أَبْيَضَ , لَمْ يَنْظُرِ النَّاظِرُونَ إِلَىَ مِثْلِهَا حُسْنًا وَبَهَاءً وَجَمَالًا , ذُلُلًا مِنْ غَيْرِ مَهَابَةٍ , نُجُبًا مِنْ غَيْرِ رِيَاضَةٍ , عَلَيْهَا رِحَالٌ أَلْوَاحُهَا مِنَ الدُّرِّ وَالْيَوَاقِيتِ , مُفَضَّضَةٌ بِاللُّؤْلُؤِ وَالْمَرْجَانِ , صَفَائِحُهَا مِنَ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ مُلْبَسَةٌ بِالْعَبْقَرِيِّ وَالْأُرْجُوَانِ , فَأَنَاخُوا إِلَيْهِمْ تِلْكَ النَّجَائِبَ , ثُمَّ قَالُوا لَهُمْ : إِنَّ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ يُقْرِئُكُمُ السَّلَامَ , وَيَسْتَزِيدُكُمْ لِتَنْظُرُوا إِلَيْهِ , وَيَنْظُرُ إِلَيْكُمْ وَيُحَيِّيكُمْ وَتُحَيُّونَهُ , وَيُكَلِّمُكُمْ وَتُكَلِّمُونَهُ , وَيَزِيدُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَسَعَتِهِ , إِنَّهُ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَفَضْلٍ عَظِيمٍ , فَيَتَحَوَّلُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَلَى رَاحِلَتِهِ ثُمَّ انْطَلَقُوا صَفًّا وَاحِدًا مُعْتَدِلًا , لَا يَفُوتُ مِنْ شَيْءٍ شَيْئًا وَلَا يَفُوتُ أُذُنُ نَاقَةٍ أُذُنَ صَاحِبَتِهَا , وَلَا يَمُرُّونَ بِشَجَرَةٍ مِنْ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ إِلَا أَكْفَتْهُمْ بِثَمَرَتِهَا , وَرُحِّلَتْ لَهُمْ عَنْ طَرِيقِهِمْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تُثْلِمَ صَفَّهُمْ , أَوْ تُفَرِّقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَرَفِيقِهِ , فَلَمَّا رُفِعُوا إِلَى الْجَبَّارِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى , أَسْفَرَ لَهُمْ عَنْ وَجْهِهِ الْكَرِيمِ , وَتَجَلَّى لَهُمْ فِي عَظَمَتِهِ , فَحَيَّاهُمْ بِالسَّلَامِ , فَقَالُوا : رَبَّنَا أَنْتَ السَّلَامُ , وَمِنْكَ السَّلَامُ , وَلَكَ حَقُّ الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ , فَقَالَ لَهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِنَّى أَنَا السَّلَامُ , وَمِنًى السَّلَامُ , وَلِي حَقُّ الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ , فَمَرْحَبًا بِعِبَادِي الَّذِينَ حَفِظُوا وَصِيَّتِي , وَرَعَوْا عَهْدِي وَخَافُونِي بِالْغَيْبِ , وَكَانُوا مِنِّي عَلَى وَجَلٍ مُشْفِقِينَ , فَقَالُوا : أَمَا وَعِزَّتِكَ وَعَظَمَتِكَ وَجَلَالِكَ وَعُلُوِّ مَكَانِكَ , مَا قَدَرْنَاكَ حَقَّ قَدْرِكَ , وَمَا أَدَّيْنَا إِلَيْكَ كُلَّ حَقِّكَ , فَائْذَنْ لَنَا بِالسُّجُودِ لَكَ , فَقَالَ لَهُمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ : قَدْ وَضَعْتُ عَنْكُمْ مُؤْنَةَ الْعِبَادَةِ , وَأَرَحْتُ لَكُمْ أَبْدَانَكُمْ , فَطَالَمَا أَنْصَبْتُمُ الْأَبْدَانَ , وَأَعْنَيْتُمْ لِيَ الْوُجُوهَ , فَالْآنَ أَفْضُوا إِلَى رُوحِي وَرَحْمَتِي وَكَرَامَتِي , فَسَلُونِي مَا شِئْتُمْ , وَتَمَنَّوْا عَلَيَّ أُعْطِكُمْ أَمَانَيَّكُمْ , فَإِنِّي لَنْ أَجْزِيَكُمُ الْيَوْمَ بِقَدْرِ أَعْمَالِكُمْ , وَلَكِنْ بِقَدْرِ رَحْمَتِي وَكَرَامَتِي , وَطَوْلِي وَجَلَالِي , وَعُلُوِّ مَكَانِي , وَعَظْمَةِ سُلْطَانِي , فَلَا يَزَالُونَ فِي الْأَمَانِيِّ وَالْعَطَايَا وَالْمَوَاهِبِ , حَتَّى إِنَّ الْمُقْصِرَ مِنْهُمْ فِي أُمْنِيَّتِهِ لَيَتَمَنَّى مِثْلَ جَمِيعِ الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْمِ خَلَقَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى يَوْمِ أَفْنَاهَا , فَقَالَ لَهُمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ : لَقَدْ قَصَّرْتُمْ فِي أَمَانِيِّكُمْ وَرَضِيتُمْ بِدُونِ مَا يَحِقُّ لَكُمْ , فَقَدْ أَوْجَبْتُ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَتَمَنَّيْتُمْ وَأَلْحَقْتُ لَكُمْ وَزِدْتُكُمْ مَا قَصُرَتْ عَنْهُ أَمَانِيُّكُمْ فَانْظُرُوا إِلَى مَوَاهِبِ رَبِّكُمُ الَّتِي وَهْبَ لَكُمْ , فَإِذَا بِقِبَابٍ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى , وَغُرَفٍ مَبْنِيَّةٍ مِنَ الدُّرِّ وَالْمَرْجَانِ , وَإِذَا أَبْوَابُهَا مِنْ ذَهَبٍ , وَسُرُرُهَا مِنْ يَاقُوتٍ , وَفُرُشُهَا سُنْدُسٌ وَإِسْتَبْرَقٌ , وَمَنَابِرُهَا مِنْ نُورٍ , يَفُورُ مِنْ أَبْوَابِهَا وَأَعْرَاصِهَا نُورٌ , شُعَاعُ الشَّمْسِ عِنْدَهُ مِثْلُ الْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ , فَإِذَا بِقُصُورٍ شَامِخَةٍ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ مِنَ الْيَاقُوتِ يُزْهِرُ نُورُهَا , فَلَوْلَا أَنَّهُ سَخَّرَهَا لَلَمِعَتِ الْأَبْصَارَ , فَمَا كَانَ مِنْ تِلْكِ الْقُصُورِ مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَبْيَضِ فَهُوَ مَفْرُوشٌ بِالْحَرِيرِ الْأَبْيَضِ , وَمَا كَانَ مِنْهَا مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ , فَهُوَ مَفْرُوشٌ بِالْعَبْقَرِيِّ الْأَحْمَرِ , وَمَا كَانَ مِنْهَا مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَخْضَرِ فَهُوَ مَفْرُوشٌ بِالسُّنْدُسِ الْأَخْضَرِ , وَمَا كَانَ مِنْهَا مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَصْفَرِ , فَهُوَ مَفْرُوشٌ بِأُرْجُوَانَ أَصْفَرَ , مَبْثُوثَةٌ بِالزُّمُرُّدِ الْأَخْضَرِ , وَالذَّهَبِ الْأَحْمَرِ وَالْفِضَّةِ الْبَيْضَاءِ , وَبُرُوجُهَا وَأَرْكَانُهَا مِنَ الْجَوْهَرِ , وَشُرُفُهَا قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ , فَلَمَّا انْصَرَفُوا إِلَى مَا أَعْطَاهُمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ , قُرِّبَتْ لَهُمْ بَرَاذُينٌ مِنَ الْيَاقُوتِ الْأَبْيَضِ , مَنْفُوخٌ فِيهَا الرُّوحُ , يَجْنُبُهَا الْوِلْدَانُ الْمُخَلَّدُونَ , بِيَدِ كُلِّ وَلِيدٍ مِنْهُمْ حَكَمَةُ بِرْذَوْنٍ مِنْ تِلْكَ الْبَرَاذِينِ لُجُمُهَا وَأَعِنَّتُهَا مِنْ فِضَّةٍ بَيْضَاءَ , مَنْظُومَةٍ بِالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ , سُرُجُهَا مَفْرُوشَةٌ بِالسُّنْدُسِ وَالْإِسْتَبْرَقِ فَانْطَلَقَتْ بِهِمْ تِلْكَ الْبَرَاذِينُ تَزُفُّ بِهِمْ وَتَطُوفُ بِهِمْ رِيَاضَ الْجَنَّةِ , فَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَجَدُوا الْمَلَائِكَةَ قُعُودًا عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ يَنْتَظِرُونَهُمْ لِيَزُورُوهُمْ وَيُصَافِحُوهُمْ , وَيُهَنُّوهُمْ بِكَرَامَةِ رَبِّهِمْ , عَزَّ وَجَلَّ فَلَمَّا دَخَلُوا قُصُورَهُمْ وَجَدُوا فِيهَا جَمِيعَ مَا تَطَوَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ مِمَّا سَأَلُوهُ وَتَمَنَّوْا , وَإِذَا عَلَى بَابِ كُلِّ قَصْرٍ مِنْ تِلْكِ الْقُصُورِ أَرْبَعُ جِنَانٍ : جَنَّتَانِ ذَوَاتَا أَفْنَانٍ , وَجَنَّتَانِ مُدْهَامَّتَانِ , فِيهَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ , وَفِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ , وَحُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ فَلَمَّا تَبَوَّءُوا مَنَازِلَهُمْ وَاسْتَقَرَّ قَرَارُهُمْ قَالَ لَهُمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلَّ : {{ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا }} ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ : أَفَرَضِيتُمْ بِمَوَاهِبِ رَبِّكُمْ ؟ قَالُوا : نَعَمْ , رَضِينَا رَبَّنَا , فَارْضَ عَنَّا قَالَ : فَبِرِضَايَ عَنْكُمْ حَلَلْتُمْ دَارِي , وَنَظَرْتُمْ إِلَى وَجْهِيَ الْكَرِيمِ , وَصَافَحْتُمْ مَلَائِكَتِي , فَهَنِيئًا هَنِيئًا لَكُمْ , {{ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ }} , لَيْسَ فِيهِ تَنْقِيصٌ وَلَا تَصْرِيمٌ , فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالُوا : {{ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ , إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ , لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ , وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ }} قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : هَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا مَعَ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ يُبَيِّنُ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ , فَالْإِيمَانُ بِهَذَا وَاجِبٌ , فَمَنْ آمَنَ بِمَا ذَكَرْنَا ؛ فَقَدْ أَصَابَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ , وَمَنْ كَذَّبَ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا , وَزَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ فَقَدْ كَفَرَ , وَمَنْ كَفَرَ بِهَذَا , فَقَدْ كَفَرَ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ بِهَا , وَسَنُبَيِّنُ جَمِيعَ مَا يَكْذِبُ بِهِ الْجَهْمِيُّ فِي كِتَابٍ غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ , فَإِنِ اعْتَرَضَ بَعْضُ مَنْ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَهُمْ فِي غَيِّهِمْ يَتَرَدَّدُونَ , مِمَّنْ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُرَى فِي الْقِيَامَةِ , وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ , وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ , وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرِ }} فَجَحَدَ النَّظَرَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِتَأْوِيلِهِ الْخَاطِئِ لِهَذِهِ الْآيَةِ قِيلَ لَهُ : يَا جَاهِلُ إِنَّ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ , وَجَعَلَهُ الْحُجَّةَ عَلَى خَلْقِهِ , وَأَمَرَهُ بِالْبَيَانِ لِمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ مِنْ وَحْيِهِ هُوَ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهَا مِنْكَ يَا جَهْمِيُّ , هُو الَّذِي قَالَ لَنَا : إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ فَقَبِلْنَا عَنْهُ مَا بَشَّرَنَا بِهِ مِنْ كَرَامَةِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ , مِنَ الْأَخْبَارِ الصِّحَاحِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ مِنَ الْعِلْمِ , ثُمَّ فَسَّرَ لَنَا الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بَعْدَهُ , وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ : {{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ }} فَسَّرُوهُ عَلَى النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَكَانُوا بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَبِتَفْسِيرِ مَا احْتَجَجْتُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {{ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ }} أَعْرَفَ مِنْكَ , وَأَهْدَى مِنْكَ سَبِيلًا , وَالنَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَسَّرَ لَنَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ }} وَكَانَتِ الزِّيَادَةُ : النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى , وَكَذَا عِنْدَ صَحَابَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ , فَاسْتَغْنَى أَهْلُ الْحَقِّ بِهَذَا , مَعَ تَوَاتُرِ الْأَخْبَارِ الصِّحَاحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَقَبِلَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ أَحْسَنَ قَبُولٍ وَكَانُوا بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ الَّتِي عَارَضْتَ بِهَا أَهْلَ الْحَقِّ أَعْلَمَ مِنْكَ يَا جَهْمِيُّ , فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَمَا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ }} قِيلَ لَهُ : مَعْنَاهَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ : أَيْ : لَا تُحِيطُ بِهِ الْأَبْصَارُ , وَلَا تَحْوِيهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَهُمْ يَرَوْنَهُ مِنْ غَيْرِ إِدْرَاكٍ وَلَا يَشُكُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ , كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ : رَأَيْتُ السَّمَاءَ وَهُوَ صَادِقٌ , وَلَمْ يُحِطْ بَصَرُهُ بِكُلِّ السَّمَاءِ , وَلَمْ يُدْرِكْهَا وَكَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ : رَأَيْتُ الْبَحْرَ , وَهُوَ صَادِقٌ وَلَمْ يُدْرِكْ بَصَرُهُ كُلَّ الْبَحْرِ , وَلَمْ يُحِطْ بِبَصَرِهِ , هَكَذَا فَسَّرَهُ الْعُلَمَاءُ , إِنْ كُنْتَ تَعْقِلُ