أنا أَبُو الْفَضْلِ صَالِحُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ الْمَنْصُورِ الْهَاشِمِيُّ وَكَانَ مِنْ وُجُوهِ بَنِي هَاشِمٍ وَأَهْلِ الْجَلَالَةِ ، وَالشَّأْنِ مِنْهُمْ قَالَ : حَضَرْتُ الْمُهْتَدِيَ بِاللَّهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَقَدْ جَلَسَ يَنْظُرُ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْعَامَّةِ ، فَنَظَرْتُ إِلَى قِصَصِ النَّاسِ تُقْرَأُ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَيَأْمُرُ بِالتَّوْقِيعِ فِيهَا وَإِنْشَاءِ الْكُتُبِ لِأَصْحَابِهَا ، وَيَخْتِمُ وَيَدْفَعُ إِلَى صَاحِبِهِ ، بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَسَرَّنِي ذَلِكَ ، وَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ ، فَفَطِنَ وَنَظَرَ إِلَيَّ ، فَغَضَضْتُ عَنْهُ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ مِنِّي وَمِنْهُ مِرَارًا ثَلَاثًا ، وَإِذَا نَظَرَ غَضَضْتُ ، وَإِذَا اشْتَغَلَ نَظَرْتُ ، فَقَالَ لِي : يَا صَالِحُ ، فَقُلْتُ : لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقُمْتُ قَائِمًا ، فَقَالَ : فِي نَفْسِكَ مِنَّا شَيْءٌ يَجِبُ أَنْ تَقُولَهُ ؟ أَوْ قَالَ : تُرِيدُ أَنْ تَقُولَهُ ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ ، يَا سَيِّدِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ لِي : عُدْ إِلَى مَوْضِعِكَ ، فَعُدْتُ ، وَعَادَ فِي النَّظَرِ ، حَتَّى إِذَا قَامَ قَالَ لِلْحَاجِبِ : لَا يَبْرَحُ صَالِحٌ ، فَانْصَرَفَ النَّاسُ ثُمَّ أَذِنَ لِي ، وَقَدْ أَهَمَّتْنِي نَفْسِي فَدَخَلْتُ فَدَعَوْتُ لَهُ ، فَقَالَ لِي : اجْلِسْ ، فَجَلَسْتُ ، فَقَالَ : يَا صَالِحُ ، تَقُولُ لِي ، مَا دَارَ فِي نَفْسِكَ ، أَوْ أَقُولُ أَنَا : مَا دَارَ فِي نَفْسِي أَنَّهُ دَارَ فِي نَفْسِكَ ؟ قُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا تَعْزِمُ عَلَيْهِ ، وَمَا تَأْمُرُ بِهِ فَقَالَ : وَأَقُولُ : كَأَنِّي بِكَ وَقَدِ اسْتَحْسَنْتَ مَا رَأَيْتَ مِنَّا ، فَقُلْتُ : أَيُّ خَلِيفَةٍ خَلِيفَتُنَا ، إِنْ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ ؟ فَوَرَدَ عَلَى قَلْبِي أَمْرٌ عَظِيمٌ ، وَأَهَمَّتْنِي نَفْسِي ، ثُمَّ قُلْتُ : يَا نَفْسُ ، هَلْ تَمُوتِينَ إِلَّا مَرَّةً ؟ وَهَلْ تَمُوتِينَ قَبْلَ أَجَلِكَ ؟ وَهَلْ يَجُوزُ الْكَذِبُ فِي جَدٍّ أَوْ هَزْلٍ ؟ فَقُلْتُ : وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَا دَارَ فِي نَفْسِي إِلَّا مَا قُلْتُ ، ثُمَّ أَطْرَقَ مَلِيًّا ، ثُمَّ قَالَ لِي : وَيْحَكَ ، اسْمَعْ مِنِّي مَا أَقُولُ ، فَوَاللَّهِ لَتَسْمَعَنَّ مِنِّي الْحَقَّ ، فَسُرِّيَ عَنِّي فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي وَمَنْ أَوْلَى بِقَوْلِ الْحَقِّ مِنْكَ ، وَأَنْتَ خَلِيفَةُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَابْنُ عَمِّ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ، مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فَقَالَ لِي : مَا زِلْتُ أَقُولُ : إِنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ صَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ الْوَاثِقِ ، حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دُؤَادٍ شَيْخًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ أَهْلِ أَذَنَةَ فَأُدْخِلَ الشَّيْخُ عَلَى الْوَاثِقِ مُقَيَّدًا ، وَهُوَ جَمِيلُ الْوَجْهِ تَامُّ الْقَامَةِ ، حَسَنُ الشَّيْبَةِ ، فَرَأَيْتُ الْوَاثِقَ قَدِ اسْتَحْيَى مِنْهُ ، وَرَقَّ لَهُ ، فَمَا زَالَ يُدْنِيهُ وَيُقَرِّبُهُ ، حَتَّى قَرُبَ مِنْهُ ، فَسَلَّمَ الشَّيْخُ فَأَحْسَنَ السَّلَامَ ، وَدَعَا فَأَبْلَغَ الدُّعَاءَ ، وَأَوْجَزَ ، فَقَالَ لَهُ الْوَاثِقُ اجْلِسْ ثُمَّ قَالَ لَهُ : يَا شَيْخُ ، نَاظِرِ ابْنَ أَبِي دُؤَادٍ عَلَى مَا يُنَاظِرُكَ عَلَيْهِ فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ يَقِلُّ وَيَضِيقُ ، وَيَضْعُفُ عَنِ الْمُنَاظَرَةِ فَغَضِبَ الْوَاثِقُ ، وَعَادَ مَكَانَ الرَّأْفَةِ لَهُ غَضَبًا عَلَيْهِ ، فَقَالَ : أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي دُؤَادٍ يَصْبُو وَيَقِلُّ وَيَضْعُفُ عَنْ مُنَاظَرَتِكَ أَنْتَ ؟ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : هَوِّنْ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا بِكَ وَائْذَنْ لِي فِي مُنَاظَرَتِهِ ، فَقَالَ الْوَاثِقُ : مَا دَعَوْتُكَ إِلَّا لِلْمُنَاظَرَةِ فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دُؤَادٍ ، إِلَى مَا دَعَوْتَ النَّاسَ وَدَعَوْتَنِي إِلَيْهِ ؟ فَقَالَ : إِلَى أَنْ تَقُولَ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ دُونَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ فَقَالَ الشَّيْخُ : إِنْ رَأَيْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَحْفَظَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ مَا نَقُولُ ، قَالَ : أَفْعَلُ ، قَالَ الشَّيْخُ : أَخْبِرْنِي يَا أَحْمَدُ عَنْ مَقَالَتِكَ هَذِهِ ، أَوَاجِبَةٌ دَاخِلَةٌ فِي عَقْدِ الدِّينِ ، فَلَا يَكُونُ الدِّينُ كَامِلًا حَتَّى يُقَالَ فِيهِ مَا قُلْتَ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ الشَّيْخُ : يَا أَحْمَدُ أَخْبِرْنِي عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى عِبَادِهِ ، هَلْ سَتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي دِينِهِ ؟ قَالَ : لَا قَالَ الشَّيْخُ : فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُمَّةَ إِلَى مَقَالَتِكَ هَذِهِ ؟ فَسَكَتَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ فَقَالَ الشَّيْخُ : تَكَلَّمْ فَسَكَتَ ، فَالْتَفَتَ الشَّيْخُ إِلَى الْوَاثِقِ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَاحِدَةٌ فَقَالَ الْوَاثِقُ : وَاحِدَةٌ ، فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَحْمَدُ ، أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ، حِينَ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : {{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }} أَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّادِقُ فِي إِكْمَالِ دِينِهِ ، أَمْ أَنْتَ الصَّادِقُ فِي نُقْصَانِهِ ، فَلَا يَكُونُ الدِّينُ كَامِلًا حَتَّى يُقَالَ فِيهِ بِمَقَالَتِكَ هَذِهِ ؟ فَسَكَتَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ فَقَالَ الشَّيْخُ : أَجِبْ يَا أَحْمَدُ ، فَلَمْ يُجِبْهُ ، فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، اثْنَتَانِ فَقَالَ الْوَاثِقُ : اثْنَتَانِ فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَحْمَدُ أَخْبِرْنِي عَنْ مَقَالَتِكَ هَذِهِ ، أَعَلِمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ جَهِلَهَا ؟ قَالَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ : عَلِمَهَا قَالَ الشَّيْخُ : فَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهَا ؟ فَسَكَتَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، ثَلَاثٌ فَقَالَ الْوَاثِقُ : ثَلَاثٌ فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَحْمَدُ ، فَاتَّسَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَلِمَهَا كَمَا زَعِمْتَ ، وَلَمْ يُطَالِبْ أُمَّتَهُ بِهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ الشَّيْخُ : وَاتَّسَعَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ؟ فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ : نَعَمْ فَأَعْرَضَ الشَّيْخُ عَنْهُ ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْوَاثِقِ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، قَدْ قَدَّمْتُ لَكَ الْقَوْلَ أَنَّ أَحْمَدَ يَصْبُو وَيَقِلُّ وَيَضْعُفُ عَنِ الْمُنَاظَرَةِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ لَمْ يَتَّسِعْ لَكَ الْإِمْسَاكُ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ ، مَا اتَّسَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فَلَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَّسِعْ لَهُ مَا اتَّسَعَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ الْوَاثِقُ : نَعَمْ إِنْ لَمْ يَتَّسِعْ لَنَا مِنَ الْإِمْسَاكِ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مَا اتَّسَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فَلَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْنَا ، اقْطَعُوا قَيْدَ الشَّيْخِ ، فَلَمَّا قُطِعَ ضَرَبَ الشَّيْخُ بِيَدِهِ إِلَى الْقَيْدِ لِيَأْخُذَهُ فَجَاذَبَهُ الْحَدَّادُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ الْوَاثِقُ : دَعِ الشَّيْخَ لِيَأْخُذَهُ ، فَأَخَذَهُ الشَّيْخُ فَوَضَعَهُ فِي كُمِّهِ ، فَقَالَ الْوَاثِقُ : لِمَ جَاذَبْتَ عَلَيْهِ ؟ قَالَ الشَّيْخُ : لِأَنِّي نَوَيْتُ أَنْ أَتَقَدَّمَ إِلَى مَنْ أُوصِي إِلَيْهِ إِذَا مِتُّ أَنْ يَجْعَلَهُ بَيْنِي وَبَيْنَ كَفَنِي ، حَتَّى أُخَاصِمَ بِهِ هَذَا الظَّالِمَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَأَقُولَ : يَا رَبِّ ، سَلْ عَبْدَكَ هَذَا لِمَ قَيَّدَنِي وَرَوَّعَ أَهْلِي وَوَلَدِي وَإِخْوَانِي بِلَا حَقٍّ وَأَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيَّ ؟ وَبَكَى الشَّيْخُ فَبَكَى الْوَاثِقُ وَبَكَيْنَا ، ثُمَّ سَأَلَهُ الْوَاثِقُ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي حِلٍّ وَسَعَةٍ مِمَّا نَالَهُ فَقَالَ الشَّيْخُ : وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَقَدْ جَعَلْتُكَ فِي حِلٍّ وَسَعَةٍ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ إِكْرَامًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذْ كُنْتَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِهِ فَقَالَ الْوَاثِقُ : لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ فَقَالَ الشَّيْخُ : إِنْ كَانَتْ مُمْكِنَةً فَعَلْتُ فَقَالَ الْوَاثِقُ : تُقِيمُ فِينَا فَيَنْتَفِعَ بِكَ فِتْيَانُنَا ، فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ رَدَّكَ إِيَّايَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخْرَجَنِي مِنْهُ هَذَا الظَّالِمُ أَنْفَعُ لَكَ مِنْ مَقَامِي عَلَيْكَ ، وَلَأُخْبِرُكَ بِمَا فِي ذَلِكَ : أَصِيرُ إِلَى أَهْلِي وَوَلَدِي وَأَكُفُّ دُعَاءَهُمْ عَلَيْكَ ، فَقَدْ خَلَّفْتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ الْوَاثِقُ : فَتَقَبَّلْ مِنَّا صِلَةً مَا تَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى دَهْرِكَ فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَحِلُّ لِي ، أَنَا عَنْهَا غَنِيٌّ ، وَذُو مِرَّةٍ سَوِيٍّ قَالَ : فَسَلْ حَاجَتَكَ قَالَ : أَوَ تَقْضِيهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : فَخَلِّ سَبِيلِي إِلَى الثَّغْرِ السَّاعَةَ ، وَتَأْذَنْ لِي قَالَ : قَدْ أَذِنْتُ لَكَ ، فَسَلَّمَ الشَّيْخُ ، وَخَرَجَ قَالَ صَالِحٌ : قَالَ الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ : فَرَجَعْتُ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَأَظُنُّ الْوَاثِقَ بِاللَّهِ كَانَ رَجَعَ عَنْهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرُ بْنُ إِدْرِيسَ الْقَزْوِينِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُمْتَنِعِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ قَالَ : أنا أَبُو الْفَضْلِ صَالِحُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ الْمَنْصُورِ الْهَاشِمِيُّ وَكَانَ مِنْ وُجُوهِ بَنِي هَاشِمٍ وَأَهْلِ الْجَلَالَةِ ، وَالشَّأْنِ مِنْهُمْ قَالَ : حَضَرْتُ الْمُهْتَدِيَ بِاللَّهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَقَدْ جَلَسَ يَنْظُرُ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْعَامَّةِ ، فَنَظَرْتُ إِلَى قِصَصِ النَّاسِ تُقْرَأُ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَيَأْمُرُ بِالتَّوْقِيعِ فِيهَا وَإِنْشَاءِ الْكُتُبِ لِأَصْحَابِهَا ، وَيَخْتِمُ وَيَدْفَعُ إِلَى صَاحِبِهِ ، بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَسَرَّنِي ذَلِكَ ، وَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهِ ، فَفَطِنَ وَنَظَرَ إِلَيَّ ، فَغَضَضْتُ عَنْهُ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ مِنِّي وَمِنْهُ مِرَارًا ثَلَاثًا ، وَإِذَا نَظَرَ غَضَضْتُ ، وَإِذَا اشْتَغَلَ نَظَرْتُ ، فَقَالَ لِي : يَا صَالِحُ ، فَقُلْتُ : لَبَّيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَقُمْتُ قَائِمًا ، فَقَالَ : فِي نَفْسِكَ مِنَّا شَيْءٌ يَجِبُ أَنْ تَقُولَهُ ؟ أَوْ قَالَ : تُرِيدُ أَنْ تَقُولَهُ ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ ، يَا سَيِّدِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ لِي : عُدْ إِلَى مَوْضِعِكَ ، فَعُدْتُ ، وَعَادَ فِي النَّظَرِ ، حَتَّى إِذَا قَامَ قَالَ لِلْحَاجِبِ : لَا يَبْرَحُ صَالِحٌ ، فَانْصَرَفَ النَّاسُ ثُمَّ أَذِنَ لِي ، وَقَدْ أَهَمَّتْنِي نَفْسِي فَدَخَلْتُ فَدَعَوْتُ لَهُ ، فَقَالَ لِي : اجْلِسْ ، فَجَلَسْتُ ، فَقَالَ : يَا صَالِحُ ، تَقُولُ لِي ، مَا دَارَ فِي نَفْسِكَ ، أَوْ أَقُولُ أَنَا : مَا دَارَ فِي نَفْسِي أَنَّهُ دَارَ فِي نَفْسِكَ ؟ قُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، مَا تَعْزِمُ عَلَيْهِ ، وَمَا تَأْمُرُ بِهِ فَقَالَ : وَأَقُولُ : كَأَنِّي بِكَ وَقَدِ اسْتَحْسَنْتَ مَا رَأَيْتَ مِنَّا ، فَقُلْتُ : أَيُّ خَلِيفَةٍ خَلِيفَتُنَا ، إِنْ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ ؟ فَوَرَدَ عَلَى قَلْبِي أَمْرٌ عَظِيمٌ ، وَأَهَمَّتْنِي نَفْسِي ، ثُمَّ قُلْتُ : يَا نَفْسُ ، هَلْ تَمُوتِينَ إِلَّا مَرَّةً ؟ وَهَلْ تَمُوتِينَ قَبْلَ أَجَلِكَ ؟ وَهَلْ يَجُوزُ الْكَذِبُ فِي جَدٍّ أَوْ هَزْلٍ ؟ فَقُلْتُ : وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَا دَارَ فِي نَفْسِي إِلَّا مَا قُلْتُ ، ثُمَّ أَطْرَقَ مَلِيًّا ، ثُمَّ قَالَ لِي : وَيْحَكَ ، اسْمَعْ مِنِّي مَا أَقُولُ ، فَوَاللَّهِ لَتَسْمَعَنَّ مِنِّي الْحَقَّ ، فَسُرِّيَ عَنِّي فَقُلْتُ : يَا سَيِّدِي وَمَنْ أَوْلَى بِقَوْلِ الْحَقِّ مِنْكَ ، وَأَنْتَ خَلِيفَةُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَابْنُ عَمِّ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ، مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فَقَالَ لِي : مَا زِلْتُ أَقُولُ : إِنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ صَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ الْوَاثِقِ ، حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دُؤَادٍ شَيْخًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مِنْ أَهْلِ أَذَنَةَ فَأُدْخِلَ الشَّيْخُ عَلَى الْوَاثِقِ مُقَيَّدًا ، وَهُوَ جَمِيلُ الْوَجْهِ تَامُّ الْقَامَةِ ، حَسَنُ الشَّيْبَةِ ، فَرَأَيْتُ الْوَاثِقَ قَدِ اسْتَحْيَى مِنْهُ ، وَرَقَّ لَهُ ، فَمَا زَالَ يُدْنِيهُ وَيُقَرِّبُهُ ، حَتَّى قَرُبَ مِنْهُ ، فَسَلَّمَ الشَّيْخُ فَأَحْسَنَ السَّلَامَ ، وَدَعَا فَأَبْلَغَ الدُّعَاءَ ، وَأَوْجَزَ ، فَقَالَ لَهُ الْوَاثِقُ اجْلِسْ ثُمَّ قَالَ لَهُ : يَا شَيْخُ ، نَاظِرِ ابْنَ أَبِي دُؤَادٍ عَلَى مَا يُنَاظِرُكَ عَلَيْهِ فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ يَقِلُّ وَيَضِيقُ ، وَيَضْعُفُ عَنِ الْمُنَاظَرَةِ فَغَضِبَ الْوَاثِقُ ، وَعَادَ مَكَانَ الرَّأْفَةِ لَهُ غَضَبًا عَلَيْهِ ، فَقَالَ : أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي دُؤَادٍ يَصْبُو وَيَقِلُّ وَيَضْعُفُ عَنْ مُنَاظَرَتِكَ أَنْتَ ؟ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : هَوِّنْ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا بِكَ وَائْذَنْ لِي فِي مُنَاظَرَتِهِ ، فَقَالَ الْوَاثِقُ : مَا دَعَوْتُكَ إِلَّا لِلْمُنَاظَرَةِ فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دُؤَادٍ ، إِلَى مَا دَعَوْتَ النَّاسَ وَدَعَوْتَنِي إِلَيْهِ ؟ فَقَالَ : إِلَى أَنْ تَقُولَ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ دُونَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ فَقَالَ الشَّيْخُ : إِنْ رَأَيْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَحْفَظَ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ مَا نَقُولُ ، قَالَ : أَفْعَلُ ، قَالَ الشَّيْخُ : أَخْبِرْنِي يَا أَحْمَدُ عَنْ مَقَالَتِكَ هَذِهِ ، أَوَاجِبَةٌ دَاخِلَةٌ فِي عَقْدِ الدِّينِ ، فَلَا يَكُونُ الدِّينُ كَامِلًا حَتَّى يُقَالَ فِيهِ مَا قُلْتَ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ الشَّيْخُ : يَا أَحْمَدُ أَخْبِرْنِي عَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ حِينَ بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى عِبَادِهِ ، هَلْ سَتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي دِينِهِ ؟ قَالَ : لَا قَالَ الشَّيْخُ : فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْأُمَّةَ إِلَى مَقَالَتِكَ هَذِهِ ؟ فَسَكَتَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ فَقَالَ الشَّيْخُ : تَكَلَّمْ فَسَكَتَ ، فَالْتَفَتَ الشَّيْخُ إِلَى الْوَاثِقِ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَاحِدَةٌ فَقَالَ الْوَاثِقُ : وَاحِدَةٌ ، فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَحْمَدُ ، أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ، حِينَ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : {{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }} أَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى الصَّادِقُ فِي إِكْمَالِ دِينِهِ ، أَمْ أَنْتَ الصَّادِقُ فِي نُقْصَانِهِ ، فَلَا يَكُونُ الدِّينُ كَامِلًا حَتَّى يُقَالَ فِيهِ بِمَقَالَتِكَ هَذِهِ ؟ فَسَكَتَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ فَقَالَ الشَّيْخُ : أَجِبْ يَا أَحْمَدُ ، فَلَمْ يُجِبْهُ ، فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، اثْنَتَانِ فَقَالَ الْوَاثِقُ : اثْنَتَانِ فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَحْمَدُ أَخْبِرْنِي عَنْ مَقَالَتِكَ هَذِهِ ، أَعَلِمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَمْ جَهِلَهَا ؟ قَالَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ : عَلِمَهَا قَالَ الشَّيْخُ : فَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهَا ؟ فَسَكَتَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، ثَلَاثٌ فَقَالَ الْوَاثِقُ : ثَلَاثٌ فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَحْمَدُ ، فَاتَّسَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِذْ عَلِمَهَا كَمَا زَعِمْتَ ، وَلَمْ يُطَالِبْ أُمَّتَهُ بِهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ الشَّيْخُ : وَاتَّسَعَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ؟ فَقَالَ ابْنُ أَبِي دُؤَادٍ : نَعَمْ فَأَعْرَضَ الشَّيْخُ عَنْهُ ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْوَاثِقِ ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، قَدْ قَدَّمْتُ لَكَ الْقَوْلَ أَنَّ أَحْمَدَ يَصْبُو وَيَقِلُّ وَيَضْعُفُ عَنِ الْمُنَاظَرَةِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنْ لَمْ يَتَّسِعْ لَكَ الْإِمْسَاكُ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ ، مَا اتَّسَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فَلَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَّسِعْ لَهُ مَا اتَّسَعَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ الْوَاثِقُ : نَعَمْ إِنْ لَمْ يَتَّسِعْ لَنَا مِنَ الْإِمْسَاكِ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مَا اتَّسَعَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، فَلَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْنَا ، اقْطَعُوا قَيْدَ الشَّيْخِ ، فَلَمَّا قُطِعَ ضَرَبَ الشَّيْخُ بِيَدِهِ إِلَى الْقَيْدِ لِيَأْخُذَهُ فَجَاذَبَهُ الْحَدَّادُ عَلَيْهِ ، فَقَالَ الْوَاثِقُ : دَعِ الشَّيْخَ لِيَأْخُذَهُ ، فَأَخَذَهُ الشَّيْخُ فَوَضَعَهُ فِي كُمِّهِ ، فَقَالَ الْوَاثِقُ : لِمَ جَاذَبْتَ عَلَيْهِ ؟ قَالَ الشَّيْخُ : لِأَنِّي نَوَيْتُ أَنْ أَتَقَدَّمَ إِلَى مَنْ أُوصِي إِلَيْهِ إِذَا مِتُّ أَنْ يَجْعَلَهُ بَيْنِي وَبَيْنَ كَفَنِي ، حَتَّى أُخَاصِمَ بِهِ هَذَا الظَّالِمَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، فَأَقُولَ : يَا رَبِّ ، سَلْ عَبْدَكَ هَذَا لِمَ قَيَّدَنِي وَرَوَّعَ أَهْلِي وَوَلَدِي وَإِخْوَانِي بِلَا حَقٍّ وَأَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيَّ ؟ وَبَكَى الشَّيْخُ فَبَكَى الْوَاثِقُ وَبَكَيْنَا ، ثُمَّ سَأَلَهُ الْوَاثِقُ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي حِلٍّ وَسَعَةٍ مِمَّا نَالَهُ فَقَالَ الشَّيْخُ : وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَقَدْ جَعَلْتُكَ فِي حِلٍّ وَسَعَةٍ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ إِكْرَامًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، إِذْ كُنْتَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِهِ فَقَالَ الْوَاثِقُ : لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ فَقَالَ الشَّيْخُ : إِنْ كَانَتْ مُمْكِنَةً فَعَلْتُ فَقَالَ الْوَاثِقُ : تُقِيمُ فِينَا فَيَنْتَفِعَ بِكَ فِتْيَانُنَا ، فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ رَدَّكَ إِيَّايَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَخْرَجَنِي مِنْهُ هَذَا الظَّالِمُ أَنْفَعُ لَكَ مِنْ مَقَامِي عَلَيْكَ ، وَلَأُخْبِرُكَ بِمَا فِي ذَلِكَ : أَصِيرُ إِلَى أَهْلِي وَوَلَدِي وَأَكُفُّ دُعَاءَهُمْ عَلَيْكَ ، فَقَدْ خَلَّفْتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ الْوَاثِقُ : فَتَقَبَّلْ مِنَّا صِلَةً مَا تَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى دَهْرِكَ فَقَالَ الشَّيْخُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَحِلُّ لِي ، أَنَا عَنْهَا غَنِيٌّ ، وَذُو مِرَّةٍ سَوِيٍّ قَالَ : فَسَلْ حَاجَتَكَ قَالَ : أَوَ تَقْضِيهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : فَخَلِّ سَبِيلِي إِلَى الثَّغْرِ السَّاعَةَ ، وَتَأْذَنْ لِي قَالَ : قَدْ أَذِنْتُ لَكَ ، فَسَلَّمَ الشَّيْخُ ، وَخَرَجَ قَالَ صَالِحٌ : قَالَ الْمُهْتَدِي بِاللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ : فَرَجَعْتُ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مُنْذُ ذَلِكَ الْيَوْمِ ، وَأَظُنُّ الْوَاثِقَ بِاللَّهِ كَانَ رَجَعَ عَنْهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ