القرآن
المصحف الجامع
صور آيات القرآن
فيديوهات آيات القرآن
موسوعة القراءات العشر
الجذور والمتشابهات
فهرس موضوعات القرآن
الحديث
الحديث الشريف
رواة الحديث
الفتاوى
الاستشارات
الصوتيات
خطب ومحاضرات
كتب مسموعة
قنوات Soundcloud
أناشيد
المرئيات
التاريخ
المكتبة
المقالات
المكتبة الشاملة
ببليوغرافيا الكتب العربية
ببليوغرافيا الكتب الإنجليزية
جوامع الكلم
اقتباسات ومقولات موثقة
المعاجم والموسوعات
الشعر
الأعلام
سير وتراجم الأعلام
كُتّاب ومؤلفو الكتب الإسلامية
مقالات عن أعلام المسلمين
عن الموقع
عن الموقع
تواصل معنا
موسوعة الحديث | الشريعة للآجري | مُقَدِّمَة | 58 باب
ابحث
جاري التحميل..
يجب أن يكون طول البحث أكثر من 2
الشريعة للآجري
بَابُ ذِكْرِ الْأَمْرِ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْفُرْقَةِ بَلِ الِاتِّبَاعُ وَتَرْكُ الِابْتِدَاعِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ أَخْبَرَنَا فِي كِتَابِهِ عَمَّنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا هَلَكُوا لَمَّا افْتَرَقُوا فِي دِينِهِمْ ، وَأَعْلَمَنَا مَوْلَانَا الْكَرِيمُ أَنَّ الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى الْفُرْقَةِ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَالْمَيْلِ إِلَى الْبَاطِلِ الَّذِي نُهُوا عَنْهُ إِنَّمَا هُوَ الْبَغْيُ وَالْحَسَدُ بَعْدَ أَنْ عَلِمُوا مَا لَمْ يَعْلَمْ غَيْرُهُمْ ، فَحَمَلَهُمْ شِدَّةُ الْبَغْيِ وَالْحَسَدِ إِلَى أَنْ صَارُوا فِرَقًا فَهَلَكُوا فَحَذَّرَنَا مَوْلَانَا الْكَرِيمُ أَنْ نَكُونَ مِثْلَهُمْ فَنَهْلِكَ كَمَا هَلَكُوا بَلْ أَمَرَنَا عَزَّ وَجَلَّ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ ، وَنَهَانَا عَنِ الْفُرْقَةِ ، وَكَذَلِكَ حَذَّرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْفُرْقَةِ وَأَمَرَنَا بِالْجَمَاعَةِ ، وَكَذَلِكَ حَذَّرَنَا أَئِمَّتُنَا مِمَّنْ سَلَفَ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ يَأْمُرُونَ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ , وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْفُرْقَةِ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَاذْكُرْ لَنَا ذَلِكَ لِنَحْذَرَ مَا تَقُولُهُ ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لَنَا إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ ، قِيلَ لَهُ : سَأَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَضَرَنِي ذِكْرُهُ مَبْلَغَ عِلْمِيَ الَّذِي عَلَّمَنِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، نَصِيحَةً لِإِخْوَانِي مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَأَهْلِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِمَا قَصَدْتُ لَهُ , وَالْمُعِينُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ : كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ، وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ : إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ يُونُسَ : وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ حم عسق : وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَأَعْلَمَنَا مَوْلَانَا الْكَرِيمُ أَنَّهُمْ أُوتُوا عِلْمًا ، فَبَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَحَسَدَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، حَتَّى أَخْرَجَهُمْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ تَفَرَّقُوا فَهَلَكُوا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَأَيْنَ الْمَوَاضِعُ مِنَ الْقُرْآنِ الَّتِي فِيهَا نَهَانَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نَكُونَ مِثْلَهُمْ حَتَّى نَحْذَرَ مَا حَذَّرَنَا مَوْلَانَا الْكَرِيمُ مِنَ الْفُرْقَةِ بَلْ نَلْزَمُ الْجَمَاعَةَ ؟ قِيلَ لَهُ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ، وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ : وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الرُّومِ : فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ حم عسق : شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : فَهَلْ يَكُونُ مِنَ الْبَيَانِ أَشْفَى مِنْ هَذَا عِنْدَ مَنْ عَقَلَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَدَبَّرَ مَا بِهِ حَذَّرَهُ مَوْلَاهُ الْكَرِيمُ مِنَ الْفُرْقَةِ ؟ ثُمَّ اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَعْلَمَنَا وَإِيَّاكُمْ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ خَلْقِهِ لِيُضِلَّ مَنْ يَشَاءُ ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ مَوْعِظَةً يَتَذَكَّرُ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ ، فَيَحْذَرُونَ الْفُرْقَةَ ، وَيَلْزَمُونَ الْجَمَاعَةَ وَيَدَعُونَ الْمِرَاءَ وَالْخُصُومَاتِ فِي الدِّينِ , وَيَتَّبِعُونَ وَلَا يَبْتَدِعُونَ ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : أَيْنَ هَذَا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ؟ قِيلَ لَهُ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ هُودَ : وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وَكُلًّا نَقَصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَّبِعَ مَا أَنْزَلَهُ إِلَيْهِ ، وَلَا يَتَّبِعَ أَهْوَاءَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأُمَمِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ، فَفَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَحَذَّرَ أُمَّتَهُ الِاخْتِلَافَ وَالْإِعْجَابَ وَاتِّبَاعَ الْهَوَى ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ حم الْجَاثِيَةِ : وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ، وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ، ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهَدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
بَابُ ذِكْرِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ وَتَحْذِيرِهِ إِيَّاهُمُ الْفُرْقَةَ
بَابُ ذِكْرِ افْتِرَاقِ الْأُمَمِ فِي دِينِهِمْ وَعَلَى كَمْ تَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ؟ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : أَخْبَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَنْ أُمَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً ، وَأَخْبَرَنَا عَنْ أُمَّةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، إِحْدَى وَسَبْعُونَ مِنْهَا فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَتَعْلُو أُمَّتِي الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا تَزِيدُ عَلَيْهِمْ فِرْقَةً وَاحِدَةً ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ مِنْهَا فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ثُمَّ إِنَّهُ سُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنِ النَّاجِيَةُ ؟ فَقَالَ فِي حَدِيثٍ : مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي وَفِي حَدِيثٍ قَالَ : السَّوَادُ الْأَعْظَمُ وَفِي حَدِيثٍ قَالَ : وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ قُلْتُ أَنَا : وَمَعَانِيهَا وَاحِدَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
بَابُ ذِكْرِ خَوْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ وَتَحْذِيرِهِ إِيَّاهُمْ سُنَنَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ
بَابُ ذَمِّ الْخَوَارِجِ وَسُوءِ مَذَاهِبِهِمْ , وَإِبَاحَةِ قِتَالِهِمْ وَثَوَابِ مَنْ قَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّ الْخَوَارِجَ قَوْمُ سُوءٍ عُصَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنْ صَلَّوْا وَصَامُوا ، وَاجْتَهَدُوا فِي الْعِبَادَةِ ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَافِعٍ لَهُمْ ، نَعَمْ , وَيُظْهِرُونَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَافِعٍ لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ يَتَأَوَّلُونَ الْقُرْآنَ عَلَى مَا يَهْوُونَ ، وَيُمَوِّهُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، وَقَدْ حَذَّرَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ ، وَحَذَّرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَحَذَّرَنَاهُمُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَهُ ، وَحَذَّرَنَاهُمُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَالْخَوَارِجُ هُمُ الشُّرَاةُ الْأَنْجَاسُ الْأَرْجَاسُ ، وَمَنْ كَانَ عَلَى مَذْهَبِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْخَوَارِجِ يَتَوَارَثُونَ هَذَا الْمَذْهَبَ قَدِيمًا وَحَدِيثًا ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى الْأَئِمَّةِ وَالْأُمَرَاءِ وَيَسْتَحِلُّونَ قَتْلَ الْمُسْلِمِينَ ، فَأَوَّلُ قَرْنٍ طَلَعَ مِنْهُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هُوَ رَجُلٌ طَعَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ ، فَقَالَ : اعْدِلْ يَا مُحَمَّدُ ، فَمَا أَرَاكَ تَعْدِلُ ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَيْلَكَ ، فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ؟ فَأَرَادَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَتْلَهُ ، فَمَنَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَتْلِهِ وَأَخْبَرَ : أَنَّ هَذَا وَأَصْحَابًا لَهُ يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ وَأَمَرَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ بِقِتَالِهِمْ ، وَبَيَّنَ فَضْلَ مَنْ قَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ ، ثُمَّ إِنَّهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ خَرَجُوا مِنْ بُلْدَانٍ شَتَّى ، وَاجْتَمَعُوا وَأَظْهَرُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ ، حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ ، فَقَتَلُوا عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَقَدِ اجْتَهَدَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فِي أَنْ لَا يُقْتَلَ عُثْمَانُ ، فَمَا أَطَاقُوا عَلَى ذَلِكَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ثُمَّ خَرَجُوا بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يَرْضَوْا لِحُكْمِهِ ، وَأَظْهَرُوا قَوْلَهُمْ وَقَالُوا : لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : كَلِمَةُ حَقٍّ أَرَادُوا بِهَا الْبَاطِلَ ، فَقَاتَلَهُمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَتْلِهِمْ ، وَأَخْبَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِ مَنْ قَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ ، وَقَاتَلَ مَعَهُ الصَّحَابَةُ فَصَارَ سَيْفُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْخَوَارِجِ سَيْفَ حَقٍّ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ
بَابُ ذِكْرِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ
بَابُ ذِكْرِ قَتْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ لِلْخَوَارِجِ مِمَّا أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقِتَالِهِمْ
بَابُ ذِكْرِ ثَوَابِ مَنْ قَاتَلَ الْخَوَارِجَ فَقَتَلَهُمْ أَوْ قَتَلُوهُ
بَابٌ فِي السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِمَنْ وَلِيَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِمْ وَإِنْ جَارُوا , وَتَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ
بَابُ فَضْلِ الْقُعُودِ فِي الْفِتْنَةِ عَنِ الْخَوْضِ فِيهَا وَتَخَوُّفِ الْعُقَلَاءِ عَلَى قُلُوبِهِمْ أَنْ تَهْوَى مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلُزُومِ الْبُيُوتِ وَالْعِبَادَةِ لِلَّهِ تَعَالَى
بَابُ الْحَثِّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّةِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَتَرْكِ الْبِدَعِ وَتَرْكِ النَّظَرِ وَالْجِدَالِ فِيمَا يُخَالِفُ فِيهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَقَوْلَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
بَابُ التَّحْذِيرِ مِنْ طَوَائِفَ يُعَارِضُونَ سُنَنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَشِدَّةِ الْإِنْكَارِ عَلَى هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : يَنْبَغِي لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ إِذَا سَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ ، فَعَارَضَ إِنْسَانٌ جَاهِلٌ فَقَالَ : لَا أَقْبَلُ إِلَّا مَا كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، قِيلَ لَهُ : أَنْتَ رَجُلُ سُوءٍ ، وَأَنْتَ مِمَّنْ يُحَذِّرُنَاكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَحَذَّرَ مِنْكَ الْعُلَمَاءُ وَقِيلَ لَهُ : يَا جَاهِلُ ، إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ فَرَائِضَهُ جُمْلَةً ، وَأَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا أَنْزَلَ إِلَيْهِمْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فَأَقَامَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَقَامَ الْبَيَانِ عَنْهُ ، وَأَمَرَ الْخَلْقَ بِطَاعَتِهِ ، وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ ، وَأَمَرَهُمْ بِالِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ ، فَقَالَ تَعَالَى : وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ، ثُمَّ حَذَّرَهُمْ أَنْ يُخَالِفُوا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ تَعَالَى : فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمُ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ثُمَّ فَرَضَ عَلَى الْخَلْقِ طَاعَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا مِنْ كِتَابِهِ تَعَالَى وَقِيلَ لِهَذَا الْمُعَارِضِ لَسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا جَاهِلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ أَيْنَ تَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ الْفَجْرَ رَكْعَتَانِ ، وَأَنَّ الظُّهْرَ أَرْبَعٌ , وَالْعَصْرَ أَرْبَعٌ ، وَالْمَغْرِبَ ثَلَاثٌ ، وَأَنَّ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ أَرْبَعٌ ؟ أَيْنَ تَجِدُ أَحْكَامَ الصَّلَاةِ وَمَوَاقِيتَهَا ، وَمَا يُصْلِحُهَا وَمَا يُبْطِلُهَا إِلَّا مِنْ سُنَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وَمِثْلُهُ الزَّكَاةُ ، أَيْنَ تَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ ، وَمِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ ، وَمِنْ أَرْبَعِينَ شَاةٍ شَاةٌ ، وَمِنْ خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ شَاةٌ ، وَمِنْ جَمِيعِ أَحْكَامِ الزَّكَاةِ ، أَيْنَ تَجِدُ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ؟ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ فَرَائِضِ اللَّهِ ، الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ، لَا يُعْلَمُ الْحُكْمُ فِيهَا إِلَّا بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا قَوْلُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، مَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا خَرَجَ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ ، وَدَخَلَ فِي مِلَّةِ الْمُلْحِدِينَ ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الضَّلَالَةِ بَعْدَ الْهُدَى وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ صَحَابَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِثْلُ مَا بَيَّنْتُ لَكَ فَاعْلَمْ ذَلِكَ
بَابُ ذَمِّ الْجِدَالِ وَالْخُصُومَاتِ فِي الدِّينِ
بَابُ ذِكْرِ النَّهْيِ عَنِ الْمِرَاءِ فِي الْقُرْآنِ
بَابُ تَحْذِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ بِمُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَعُقُوبَةِ الْإِمَامِ لِمَنْ يُجَادِلُ فِيهِ
بَابُ ذِكْرِ الْإِيمَانِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَنَّ كَلَامَهُ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ فَقَدْ كَفَرَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ قَوْلَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَمْ يُزِغْ قُلُوبَهُمْ عَنِ الْحَقِّ ، وُوُفِّقُوا لِلرَّشَادِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ ، وَعِلْمُ اللَّهِ لَا يَكُونُ مَخْلُوقًا ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ ، وَقَوْلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَوْلُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يُنْكِرُ هَذَا إِلَّا جَهْمِيٌّ خَبِيثٌ ، وَالْجَهْمِيُّ فَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافِرٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ، وَقَالَ تَعَالَى : وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ ، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَهُوَ الْقُرْآنُ ، وَقَالَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ وَقَالَ تَعَالَى : فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ وَقَالَ تَعَالَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : لَمْ يَزَلِ اللَّهُ عَالِمًا مُتَكَلِّمًا سَمِيعًا بَصِيرًا بِصِفَاتِهِ قَبْلَ خَلْقِ الْأَشْيَاءِ ، مَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا كَفَرَ وَسَنَذْكُرُ مِنَ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَقَوْلِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ لَا يُسْتَوْحَشُ مِنْ ذِكْرِهِمْ مَا إِذَا سَمِعَهَا مَنْ لَهُ عِلْمٌ وَعَقْلٌ ، زَادَهُ عِلْمًا وَفَهْمًا ، وَإِذَا سَمِعَهَا مَنْ فِي قَلْبِهِ زَيْغٌ ، فَإِنْ أَرَادَ اللَّهُ هِدَايَتَهُ إِلَى طَرِيقِ الْحَقِّ رَجَعَ عَنْ مَذْهَبِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَالْبَلَاءُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ
بَابُ ذِكْرِ النَّهْيِ عَنْ مَذَاهِبِ الْوَاقِفَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَوَقَفُوا فِيهِ وَقَالُوا : لَا نَقُولُ : غَيْرُ مَخْلُوقٍ ، فَهَؤُلَاءِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ رَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، قَالُوا : هَؤُلَاءِ الْوَاقِفَةُ : مِثْلُ مَنْ قَالَ : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ وَأَشَرُّ ؛ لِأَنَّهُمْ شَكُّوا فِي دِينِهِمْ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِمَّنْ يَشُكُّ فِي كَلَامِ الرَّبِّ : إِنَّهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَأَنَا أَذْكُرُ مَا تَأَدَّى إِلَيْنَا مِنْهُ مِمَّنْ أَنْكَرَ عَلَى الْوَاقِفَةِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
بَابُ ذِكْرِ اللَّفْظِيَّةِ ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ حِكَايَةٌ لِلْقُرْآنِ الَّذِي فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ كَذَبُوا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : احْذَرُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : إِنَّ لَفْظَهُ بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ ، وَهَذَا عِنْدَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ ، وَمَنْ كَانَ عَلَى طَرِيقَتِهِ مُنْكَرٌ عَظِيمٌ ، وَقَائِلُ هَذَا مُبْتَدِعٌ ، خَبِيثٌ وَلَا يُكَلَّمُ ، وَلَا يُجَالَسُ ، وَيُحَذَّرُ مِنْهُ النَّاسُ ، لَا يَعْرِفُ الْعُلَمَاءُ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ ، وَهُوَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرَ مَخْلُوقٍ , وَمَنْ قَالَ مَخْلُوقٌ ، فَقَدْ كَفَرَ ، وَمَنْ قَالَ : الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَوَقَفَ فَهُوَ جَهْمِيٌّ , وَمَنْ قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيٌّ أَيْضًا ، كَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَغَلَّظَ فِيهِ الْقَوْلَ جِدًّا وَكَذَا مَنْ قَالَ : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي يَقْرَءُوهُ النَّاسُ ، وَهُوَ فِي الْمَصَاحِفِ حِكَايَةٌ لِمَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ ، فَهَذَا قَوْلٌ مُنْكَرٌ ، يُنْكِرُهُ الْعُلَمَاءُ يُقَالُ لِقَائِلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ الْقُرْآنُ يُكَذِّبُكَ ، وَيَرُدُّ قَوْلَكَ ، وَالسُّنَّةُ تُكَذِّبُكَ وَتَرُدُّ قَوْلَكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى : إِنَّهُ إِنَّمَا يَسْمَعُ النَّاسُ كَلَامَ اللَّهِ ، وَلَمْ يَقُلْ : حِكَايَةَ كَلَامِ اللَّهِ ، وَقَالَ تَعَالَى : وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ فَأَخْبَرَ أَنَّ السَّامِعَ إِنَّمَا يَسْمَعُ الْقُرْآنَ ، وَلَمْ يَقُلْ : حِكَايَةَ الْقُرْآنِ . وَقَالَ تَعَالَى : إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقُومُ ، وَقَالَ تَعَالَى : وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ، قَالُوا : يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ، يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ، وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ وَقَالَ تَعَالَى : قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ ، فَقَالُوا : إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَمْ يَقُلْ يَسْتَمِعُونَ حِكَايَةَ الْقُرْآنِ وَلَا قَالَتِ الْجِنُّ : إِنَّا سَمِعْنَا حِكَايَةَ الْقُرْآنِ ، كَمَا قَالَ مَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةَ ضَلَالَةٍ ، وَأَتَى بِخِلَافِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَبِخِلَافِ قَوْلِ الْمُؤْمِنِينَ وقَالَ تَعَالَى : فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : وَهَذَا فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ ، وَقَالَ النَّبِيُّ : خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ وَقَالَ : إِنَّ الرَّجُلَ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ ، كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ وَقَالَ : مَثَلُ الْقُرْآنِ مَثَلُ الْإِبِلِ الْمُعَقَّلَةِ ، إِنْ تَعَاهَدَهَا صَاحِبُهَا أَمْسَكَهَا ، وَإِنْ تَرَكَهَا ذَهَبَتْ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ وَقَالَ : فِي حَدِيثٍ آخَرَ لَا تُسَافِرُوا بِالْمَصَاحِفِ إِلَى الْعَدُوِّ ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَنَالُوهَا وَقَالَ : لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْقُرْآنَ ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى : قَرَأَ طه ، ويس قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ آدَمَ بِأَلْفِ عَامٍ ، فَلَمَّا سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ الْقُرْآنَ ، قَالُوا : طُوبَى لِأُمَّةٍ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ هَذَا ، وَطُوبَى لِأَلْسُنٍ تَتَكَلَّمُ بِهَذَا ، وَطُوبَى لِأَجْوَافٍ تَحْمِلُ هَذَا وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَاتْلُوهُ ، فَإِنَّ لَكُمْ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرَ حَسَنَاتٍ وَفِي السُّنَنِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ كَثِيرٌ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى ، وَيَتَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ ، وَيَتَعَلَّمُوا أَحْكَامَهُ ، فَيُحِلُّوا حَلَالَهُ وَيُحَرِّمُوا حَرَامَهُ ، وَيَعْمَلُوا بِمُحْكَمِهِ ، وَيُؤْمِنُوا بِمُتَشَابِهِهِ ، وَلَا يُمَارُوا فِيهِ ، وَيَعْلَمُوا أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى ، غَيْرَ مَخْلُوقٍ ، فَإِنْ عَارَضَهُمْ إِنْسَانٌ جَهْمِيٌّ فَقَالَ : مَخْلُوقٌ ، أَوْ قَالَ : الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَوَقَفَ ، أَوْ قَالَ : لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ ، أَوْ قَالَ : هَذَا الْقُرْآنُ حِكَايَةٌ لِمَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَحُكْمُهُ أَنْ يُهْجَرَ وَلَا يُكَلَّمَ ، وَلَا يُصَلَّى خَلْفَهُ ، وَيُحَذَّرَ مِنْهُ ، وَعَلَيْكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِالسُّنَنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسُنَنِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ، وَقَوْلِ التَّابِعِينَ ، وَقَوْلِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ تَرْكِ الْمِرَاءِ وَالْخُصُومَةِ وَالْجِدَالِ فِي الدِّينِ ، فَمَنْ كَانَ عَلَى هَذَا الطَّرِيقِ رَجَوْتُ لَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّ خَيْرٍ ، وَسَأَذْكُرُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا لَا بُدَّ لِمَنْ كَانَ هَذَا مَذْهَبَهُ وَعِلْمَهُ ، عَمِلَ بِهِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْإِيمَانِ ، وَشَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ ، حَالًا بَعْدَ حَالٍ ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِكُلِّ رَشَادٍ ، وَالْمُعِينُ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ
الرَّدُّ عَلَى الْمُرْجِئَةِ
بَابُ تَفْرِيعِ مَعْرِفَةِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِ الدِّينِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ ، أَمَّا بَعْدُ فَاعْلَمُوا رَحِمَنَا وَإِيَّاكُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً لِيُقِرُّوا بِتَوْحِيدِهِ ، فَيَقُولُوا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَكَانَ مَنْ قَالَ هَذَا مُوقِنًا مِنْ قَلْبِهِ وَنَاطِقًا بِلِسَانِهِ أَجْزَأَهُ ، وَمَنْ مَاتَ عَلَى هَذَا فَإِلَى الْجَنَّةِ ، فَلَمَّا آمَنُوا بِذَلِكَ ، وَأَخْلَصُوا تَوْحِيدَهُمْ ، فَرَضَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةَ بِمَكَّةَ ، فَصَدَّقُوا بِذَلِكَ ، وَآمَنُوا وَصَلَّوْا ، ثُمَّ فَرَضَ عَلَيْهِمُ الْهِجْرَةَ ، فَهَاجَرُوا ، وَفَارَقُوا الْأَهْلَ وَالْوَطَنَ ، ثُمَّ فَرَضَ عَلَيْهِمْ بِالْمَدِينَةِ الصِّيَامَ ، فَآمَنُوا وَصَدَّقُوا وَصَامُوا شَهْرَ رَمَضَانَ ، ثُمَّ فَرَضَ عَلَيْهِمُ الزَّكَاةَ ، فَآمَنُوا وَصَدَّقُوا ، وَأَدَّوْا ذَلِكَ كَمَا أُمِرُوا ، ثُمَّ فَرَضَ عَلَيْهِمُ الْجِهَادَ ، فَجَاهَدُوا الْبَعِيدَ وَالْقَرِيبَ ، وَصَبَرُوا وَصَدَّقُوا ، ثُمَّ فَرَضَ عَلَيْهِمُ الْحَجَّ ، فَحَجُّوا وَآمَنُوا بِهِ ، فَلَمَّا آمَنُوا بِهَذِهِ الْفَرَائِضِ ، وَعَمِلُوا بِهَا تَصْدِيقًا بِقُلُوبِهِمْ ، وَقَوْلًا بِأَلْسِنَتِهِمْ ، وَعَمَلًا بِجَوَارِحِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ثُمَّ أَعْلَمَهُمْ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا دِينَ الْإِسْلَامِ فَقَالَ تَعَالَى : وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ، وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ وَقَالَ تَعَالَى : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَصَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَحَجِّ الْبَيْتِ الْحَرَامِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ثُمَّ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ ، حَالًا بَعْدَ حَالٍ ، وَسَنَذْكُرُ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَهَذَا رَحِمَكُمُ اللَّهُ طَرِيقُ الْمُسْلِمِينَ فَإِنِ احْتَجَّ مُحْتَجٌّ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي رُوِيَتْ : مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ قِيلَ لَهُ : هَذِهِ كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنا لَهُ ، وَهَذَا قَوْلُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، مِمَّنْ نَفَعَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْعِلْمِ ، وَكَانُوا أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ ، سِوَى الْمُرْجِئَةِ الَّذِينَ خَرَجُوا عَنْ جُمْلَةٍ مَا عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ ، وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَقَوْلِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ لَا يُسْتَوْحَشُ مِنْ ذِكْرِهِمْ فِي كُلِّ بَلَدٍ وَسَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَضَرَنَا ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُوَفِّقِ لِكُلِّ رَشَادٍ ، وَالْمُعِينُ عَلَيْهِ ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ
بَابُ مَعْرِفَةِ أَيِّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الْآيَةَ
بَابُ عَلَى كَمْ بُنِيَ الْإِسْلَامُ ؟
بَابُ ذِكْرِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ عَنِ الْإِسْلَامِ مَا هُوَ ؟ وَعَنِ الْإِيمَانِ مَا هُوَ ؟
بَابُ ذِكْرِ أَفْضَلِ الْإِيمَانِ مَا هُوَ ؟ وَأَدْنَى الْإِيمَانِ مَا هُوَ ؟
بَابُ ذِكْرِ مَا دَلَّ عَلَى زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ
بَابُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِيمَانَ تَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ ، وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ لَا يَكُونُ مُؤْمِنًا ، إِلَّا أَنْ تَجْتَمِعَ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ الثَّلَاثُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : اعْمَلُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ الَّذِيَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ الْإِيمَانَ وَاجِبٌ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ ، وَهُوَ تَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ ، وَإِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ ، وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ ، ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّهُ لَا تُجْزِئُ الْمَعْرِفَةُ بِالْقَلْبِ وَالتَّصْدِيقٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ الْإِيمَانُ بِاللِّسَانِ نُطْقًا ، وَلَا تُجْزِيءُ مَعْرِفَةٌ بِالْقَلْبِ ، وَنُطْقٌ بِاللِّسَانِ ، حَتَّى يَكُونَ عَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ ، فَإِذَا كَمُلَتْ فِيهِ هَذِهِ الثَّلَاثُ الْخِصَالِ : كَانَ مُؤْمِنًا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ ، وَالسُّنَّةُ ، وَقَوْلُ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ : فَأَمَّا مَا لَزِمَ الْقَلْبَ مِنْ فَرْضِ الْإِيمَانِ فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ : يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ وَقَالَ تَعَالَى : مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ وَقَالَ تَعَالَى : قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ الْآيَةَ فَهَذَا مِمَّا يَدُلُّكُ عَلَى أَنَّ عَلَى الْقَلْبِ الْإِيمَانَ ، وَهُوَ التَصْدِيقٌ وَالْمَعْرِفَةُ ، وَلَا يَنْفَعُ الْقَوْلُ إِذْ لَمْ يَكُنِ الْقَلْبُ مُصَدِّقًا بِمَا يَنْطِقُ بِهِ اللِّسَانُ مَعَ الْعَمَلِ ، فَاعْلَمُوا ذَلِكَ وَأَمَّا فَرْضُ الْإِيمَانِ بِاللِّسَانِ : فَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ ، وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ، وَإِسْمَاعِيلَ ، وَإِسْحَاقَ ، وَيَعْقُوبَ ، وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِي النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ ، لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ، فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ : قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ ، وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ الْآيَةَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَهَذَا الْإِيمَانُ بِاللِّسَانِ نُطْقًا فَرْضًا وَاجِبًا وَأَمَّا الْإِيمَانُ بِمَا فُرِضَ عَلَى الْجَوَارِحِ تَصْدِيقًا بِمَا آمَنَ بِهِ الْقَلْبُ ، وَنَطَقَ بِهِ اللِّسَانُ : فَقَوْلُهُ تَعَالَى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : تُفْلِحُونَ وَقَالَ تَعَالَى : وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ ، وَمِثْلُهُ فَرْضُ الصِّيَامِ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ ، وَمِثْلُهُ فَرْضُ الْجِهَادِ بِالْبَدَنِ ، وَبِجَمَيِعِ الْجَوَارِحِ فَالْأَعْمَالُ رَحِمَكُمُ اللَّهُ بِالْجَوَارِحِ : تَصْدِيقٌ عَنِ الْإِيمَانِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ ، فَمَنْ لَمْ يُصَدِّقِ الْإِيمَانَ بِعَمَلِهِ وَبِجَوَارِحِهِ : مِثْلُ الطَّهَارَةِ ، وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ، وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ ، وَأَشْبَاهٌ لِهَذِهِ وَرَضِيَ مِنْ نَفْسِهِ بِالْمَعْرَفِةِ وَالْقَوْلِ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا ، وَلَمْ يَنْفَعْهُ الْمَعْرِفَةُ وَالْقَوْلُ ، وَكَانَ تَرْكُهُ لِلْعَمَلِ تَكْذِيبًا مِنْهُ لِإِيمَانِهِ ، وَكَانَ الْعَمَلُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ تَصْدِيقًا مِنْهُ لِإِيمَانِهِ ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهَمْ يَتَفَكَّرُونَ فَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ شَرَائِعَ الْإِيمَانِ أَنَّهَا عَلَى هَذَا النَّعْتِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ ، وَبَيَّنْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِعَمَلٍ ، وَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافَ مَا قَالَتِ الْمُرْجِئَةُ ، الَّذِينَ لَعِبَ بِهِمُ الشَّيْطَانُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ : لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ، وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : الْمُتَّقُونَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : سَأَلَ أَبُو ذَرٍّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْإِيمَانِ فَتَلَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ
بَابُ كُفْرِ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ
بَابُ ذِكْرِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِيمَانِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فِيهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : مِنْ صِفَةِ أَهْلِ الْحَقِّ ، مِمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِيمَانِ ، لَا عَلَى جِهَةِ الشَّكِّ ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّكِّ فِي الْإِيمَانِ ، وَلَكِنَّ خَوْفَ التَّزْكِيَةِ لِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الِاسْتِكْمَالِ لِلْإِيمَانِ ، لَا يَدْرِي أَهُوَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ أَمْ لَا ؟ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ إِذَا سُئِلُوا : أَمُؤْمِنٌ أَنْتَ ؟ قَالَ : آمَنْتُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَأَشْبَاهِ هَذَا ، وَالنَّاطِقُ بِهَذَا ، وَالْمُصَدِّقُ بِهِ بِقَلْبِهِ مُؤْمِنٌ ، وَإِنَّمَا الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْإِيمَانِ لَا يَدْرِي : أَهُوَ مِمَّنْ يَسْتَوْجِبُ مَا نَعَتَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ أَمْ لَا ؟ هَذَا وَطَرِيقُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، عِنْدَهُمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْأَعْمَالِ ، لَا يَكُونُ فِي الْقَوْلِ ، وَالتَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ ، وَإِنَّمَا الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْأَعْمَالِ الْمُوجِبَةِ لِحَقِيقَةِ الْإِيمَانِ ، وَالنَّاسُ عِنْدَهُمْ عَلَى الظَّاهِرِ مُؤْمِنُونَ ، بِهِ يَتَوَارَثُونَ ، وَبِهِ يَتَنَاكَحُونَ ، وَبِهِ تَجْرِي أَحْكَامُ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ ، وَلَكِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْهُمْ عَلَى حَسَبِ مَا بَيَّنَّاهُ لَكَ ، وَبَيَّنَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ قَبْلِنَا . رُوِيَ فِي هَذَا سُنَنٌ كَثِيرَةٌ ، وَآثَارٌ تَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا . قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ وَقَدْ عَلِمَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُمْ دَاخِلُونَ ، وَقَدْ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَقْبَرَةَ فَقَالَ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرُوِي أَنَّ رَجُلًا قَالَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ : أَنَا مُؤْمِنٌ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : أَفَأَنْتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ فَقَالَ : أَرْجُو فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : أَفَلَا وَكِلْتَ الْأُولَى كَمَا وَكِلْتَ الْأُخْرَى ؟ وَقَالَ رَجُلٌ لِعَلْقَمَةَ : أَمُؤْمِنٌ أَنْتَ ؟ قَالَ : أَرْجُو إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَهَذَا مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِمَا ذَكَرْنَا ، وَاحْتَجَّ بِمُسَاءَلَةِ الْمَلَكَيْنِ فِي الْقَبْرِ لِلْمُؤْمِنِ ، وَمُجَاوَبَتِهِمَا لَهُ ، فَيَقُولَانِ لَهُ : عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ ، وَعَلَيْهِ مِتَّ ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَيُقَالُ لِلْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ : عَلَى شَكٍّ كُنْتَ ، وَعَلَيْهِ مِتَّ وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ
بَابٌ فِيمَنْ كَرِهَ مِنَ الْعُلَمَاءِ لِمَنْ يَسْأَلُ لِغَيْرِهِ ، فَيَقُولُ لَهُ : أَنْتَ مُؤْمِنٌ ؟ هَذَا عِنْدَهُمْ مُبْتَدِعٌ رَجُلُ سُوءٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : إِذَا قَالَ لَكَ رَجُلٌ : أَنْتَ مُؤْمِنٌ ؟ فَقُلْ : آمَنْتُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَوْتِ وَالْبَعْثِ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ لَا تُجِيبَهُ تَقُولُ لَهُ : سُؤَالُكَ إِيَّايَ بِدْعَةٌ ، فَلَا أُجِيبُكَ ، وَإِنْ أَجَبْتَهُ ، فَقُلْتُ : أَنَا مُؤْمِنٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى النَّعْتِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَاحْذَرْ مُنَاظَرَةَ مِثْلِ هَذَا ، فَإِنَّ هَذَا عِنْدَ الْعُلَمَاءِ مَذْمُومٌ ، وَاتَّبِعْ مَنْ مَضَى مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ تَسْلَمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
بَابٌ فِي الْمُرْجِئَةِ ، وَسُوءِ مَذْاهَبِهِمْ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ
بَابُ الرَّدِّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : حَسْبِي اللَّهُ وَكَفَى وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ أَهْلِ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ ، وَالْعِزَّةِ وَالْبَقَاءِ ، وَالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ ، أَحْمَدُهُ عَلَى تَوَاتُرِ نِعَمِهِ ، وَقَدِيمِ إِحْسَانِهِ وَقَسْمِهِ ، حَمْدَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ مَوْلَاهُ الْكَرِيمَ يُحِبُّ الْحَمْدَ ، فَلَهُ الْحَمْدُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَصَلَوَاتُهُ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ ، السِّرَاجِ الْمُنِيرِ ، سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ، ذَلِكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ الْمُنْتَخَبِينَ ، وَعَلَى أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ سَائِلًا سَأَلَ عَنْ مَذْهَبِنَا فِي الْقَدَرِ ؟ فَالْجَوَابُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نُخْبِرَهُ بِمَذْهَبِنَا أَنَّا نَنْصَحُ لِلسَّائِلِ ، وَنُعَلِّمُهُ أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ بِالْمُسْلِمِينَ التَّنْقِيرُ وَالْبَحْثُ عَنِ الْقَدَرِ ؛ لِأَنَّ الْقَدَرَ سِرٌّ مِنْ سِرِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، بَلِ الْإِيمَانُ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْمَقَادِيرُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَاجِبٌ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِهِ ، ثُمَّ لَا يَأْمَنُ الْعَبْدُ أَنْ يَبْحَثَ عَنِ الْقَدَرِ فَيُكَذِّبُ بِمَقَادِيرِ اللَّهِ الْجَارِيَةِ عَلَى الْعِبَادِ ، فَيَضِلُ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا هَلَكَتْ أُمَّةٌ قَطُّ إِلَّا بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَا أَشْرَكَتْ أُمَّةٌ حَتَّى يَكُونَ بَدْوِ أَمْرِهَا وَشِرْكُهَا : التَّكْذِيبُ بِالْقَدَرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَلَوْلَا أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَمَّا بَلَغَهُمْ عَنْ قَوْمٍ ضُلَّالٍ شَرَدُوا عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ ، وَكَذَّبُوا بِالْقَدَرِ ، فَرَدُّوا عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ ، وَسَبُّوهُمْ وَكَفَّرُوهُمْ ، وَكَذَلِكَ التَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ سَبُّوا مَنْ تَكَلَّمَ بِالْقَدَرِ وَكَذَّبَ بِهِ وَلَعَنُوهُمْ وَنَهَوْا عَنْ مُجَالَسَتِهِمْ ، وَكَذَلِكَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ مُجَالَسَةِ الْقَدَرِيَّةِ وَعَنْ مُنَاظَرَتِهِمْ وَبَيَّنُوا لِلْمُسْلِمِينَ قَبِيحَ مَذَاهِبِهِمْ فَلَوْلَا أَنَّ هَؤُلَاءِ رَدُّوا عَلَى الْقَدَرِيَّةِ لَمْ يَسَعْ مَنْ بَعْدَهُمُ الْكَلَامُ عَلَى الْقَدَرِ ، بَلِ الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ : خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ، وَاجِبٌ قَضَاءٌ وَقَدَرٌ ، وَمَا قُدِّرَ يَكُنْ ، وَمَا لَمْ يَقَدَّرْ لَمْ يَكُنْ ، فَإِذَا عَمِلَ الْعَبْدُ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، عَلِمَ أَنَّهَا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ لَهُ فَيَشْكُرُهُ عَلَى ذَاكَ وَإِنْ عَمِلَ بِمَعْصِيَتِهِ نَدِمَ عَلَى ذَلِكَ ، وَعَلِمَ أَنَّهَا بِمَقْدُورٍ جَرَى عَلَيْهِ ، فَذَمَّ نَفْسَهُ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، هَذَا مَذْهَبُ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حُجَّةٌ ، بَلْ لِلَّهِ الْحُجَّةُ عَلَى خَلْقِهِ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ، فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } ثُمَّ اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ مَذْهَبَنَا فِي الْقَدَرِ أَنَّ الْقَدَرَ أَنْ نَقُولَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ الْجَنَّةَ وَخَلَقَ النَّارَ ، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَهْلًا ، وَأُقْسِمُ بِعِزَّتِهِ أَنَّهُ يَمْلَاءُ جَهَنَّمَ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، ثُمَّ خَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَاسْتَخْرَجَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلِّ ذُرِّيَّةٍ هُوَ خَالِقُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ جَعَلَهُمْ فَرِيقَيْنِ فَرِيقًا فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقًا فِي السَّعِيرِ وَخَلَقَ إِبْلِيسَ ، وَأَمَرَهُ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِلْمَقْدُورِ ، الَّذِي قَدْ جَرَى عَلَيْهِ مِنَ الشِّقْوَةِ الَّتِي قَدْ سَبَقَتْ فِي الْعِلْمِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، لَا مُعَارَضَ لِلَّهِ الْكَرِيمِ فِي حُكْمِهِ ، يَفْعَلُ فِي خَلْقِهِ مَا يُرِيدُ عَدْلًا مِنْ رَبَّنَا قَضَاؤُهُ وَقَدَرُهُ ، وَخَلَقَ آدَمَ وَحَوَّاءَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، لِلْأَرْضِ خَلَقَهُمَا ، وَأَسْكَنَهُمَا الْجَنَّةَ ، وَأَمَرَهُمَا أَنْ يَأْكُلَا مِنْهَا رَغَدًا مَا شَاءَا ، وَنَهَاهُمَا عَنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْ لَا يَقْرَبَاهَا ، وَقَدْ جَرَى مَقْدُورُهُ أَنَّهُمَا سَيَعْصِيَانِهِ بِأَكْلِهِمَا مِنَ الشَّجَرَةِ ، فَهُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الظَّاهِرِ يَنْهَاهُمَا ، وَفِي الْبَاطِنِ مِنْ عِلْمِهِ : قَدْ قَدَّرَ عَلَيْهِمَا أَنَّهُمَا يَأْكُلَانِ مِنْهَا : { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بُدٌّ مِنْ أَكْلِهِمَا ، سَبَبًا لِلْمَعَصَيَةِ ، وَسَبَبًا لِخُرُوجِهِمَا مِنَ الْجَنَّةِ ، إِذْ كَانَا لِلْأَرْضِ خُلِقَا ، وَأَنَّهُ سَيَغْفِرُ لَهُمَا بَعْدَ الْمَعْصِيَةِ ، كُلُّ ذَلِكَ سَابِقٌ فِي عِلْمِهِ ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ يَحْدُثُ فِي جَمِيعِ خَلْقِهِ ، إِلَّا وَقَدْ جَرَى مَقْدُورُهُ بِهِ ، وَأَحَاطَ بِهِ عِلْمًا قَبْلَ كَوْنِهِ أَنَّهُ سَيَكُونُ خَلَقَ الْخَلْقَ كَمَا شَاءَ لَمَّا شَاءَ ، فَجَعَلَهُمْ شَقِيًّا وَسَعِيدًا قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُمْ إِلَى الدُّنْيَا ، وَهُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ ، وَكَتَبَ آجَالَهُمْ ، وَكَتَبَ أَرْزَاقَهُمْ ، وَكَتَبَ أَعْمَالَهُمْ ، ثُمَّ أَخْرَجَهُمْ إِلَى الدُّنْيَا ، وَكُلُّ إِنْسَانٍ يَسْعَى فِيمَا كَتَبَ لَهُ وَعَلَيْهِ ، ثُمَّ بَعَثَ رُسُلَهُ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ وَحْيَهُ ، وَأَمَرَهُمْ بِالْبَلَاغِ لِخَلْقِهِ ، فَبَلَّغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ ، وَنَصَحُوا قَوْمَهُمْ ، فَمَنْ جَرَى فِي مَقْدُورِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُؤْمِنَ آمَنَ ، وَمَنْ جَرَى فِي مَقْدُورِهِ أَنْ يَكْفُرَ كَفَرَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { هُو الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ، وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أَحَبَّ مَنْ أَرَادَ مِنْ عِبَادِهِ ، فَشَرَحَ صَدْرَهُ لِلْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ ، وَمَقَتَ آخَرِينَ ، فَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ، وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا ، يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ : { لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ } الْخَلْقُ كُلُّهُمْ لَهُ يَفْعَلُ فِي خَلْقِهِ مَا يُرِيدُ ، غَيْرَ ظَالِمٍ لَهُمْ ، جَلَّ ذِكْرُهُ أَنْ يُنْسَبَ رَبُّنَا إِلَى الظُّلْمِ مَنْ يَأْخُذُ مَا لَيْسَ لَهُ بِمِلْكٍ ، وَأَمَّا رَبُّنَا تَعَالَى فَلَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ، وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ، وَلَهُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ ، جَلَّ ذِكْرُهُ ، وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ ، أَحَبَّ الطَّاعَةَ مِنْ عِبَادِهِ وَأَمَرَ بِهَا ، فَجَرَتْ مِمَّنْ أَطَاعَهُ بِتَوْفِيقِهِ لَهُمْ ، وَنَهَى عَنِ الْمَعَاصِي ، وَأَرَادَ كَوْنَهَا مِنْ غَيْرِ مَحَبَّةٍ مِنْهُ لَهَا ، وَلَا لِلْأَمْرِ بِهَا ، تَعَالَى عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَنْ يَأْمُرَ بِالْفَحْشَاءِ ، أَوْ يُحِبَّهَا وَجَلَّ رَبُّنَا وَعَزَّ مِنْ أَنْ يَجْرِي فِي مُلْكِهِ مَا لَمْ يُرِدْ أَنْ يَجْرِيَ ، أَوْ شَيْءٌ لَمْ يَحُطْ بِهِ عِلْمُهُ قَبْلَ كَوْنِهِ ، قَدْ عَلِمَ مَا الْخَلْقُ عَامِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ ، وَبَعْدَ أَنْ خَلَقَهُمُ ، قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا قَضَاءً وَقَدَرًا قَدْ جَرَى الْقَلَمُ بِأَمْرِهِ تَعَالَى فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ بِمَا يَكُونُ ، مِنْ بِرٍّ أَوْ فُجُورٍ ، يُثْنِي عَلَى مَنْ عَمِلَ بِطَاعَتِهِ مِنْ عَبِيدِهِ ، وَيُضِيفُ الْعَمَلَ إِلَى الْعِبَادِ ، وَيَعِدْهُمْ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ الْعَظِيمَ ، وَلَوْلَا تَوْفِيقُهُ لَهُمْ مَا عَمِلُوا بِمَا اسْتَوْجَبُوا بِهِ مِنْهُ الْجَزَاءُ ، { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } , وَكَذَا ذَمَّ قَوْمًا عَمِلُوا بِمَعْصِيَتِهِ ، وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا وَأَضَافَ الْعَمَلَ إِلَيْهِمْ بِمَا عَمِلُوا ، وَذَلِكَ بِمَقْدُورٍ جَرَى عَلَيْهِمْ ، يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : هَذَا مَذْهَبُنَا فِي الْقَدَرِ الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ السَّائِلُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : مَا الْحُجَّةُ فِيمَا قُلْتَ ؟ قِيلَ لَهُ : كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَسُنَّةُ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَسُنَّةِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، وَقَوْلُ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ ، فَإِنْ قَالَ : فَاذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ مَا نَزْدَادُ بِهِ عِلْمًا وَيَقِينًا ، قِيلَ لَهُ : نَعَمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِكُلِّ رَشَادٍ ، وَالْمُعِينُ عَلَيْهِ بِمَنِّهِ
بَابُ ذِكْرِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَخْتِمُ عَلَى قُلُوبِ مَنْ أَرَادَ مِنْ عِبَادِهِ فَلَا يَهْتَدُونَ إِلَى الْحَقِّ ، وَلَا يَسْمَعُونَهُ ، وَلَا يُبْصِرُونَهُ ، لِأَنَّهُ مَقَتَهُمْ فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ، وَعَلَى سَمْعِهِمْ ، وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ النِّسَاءِ { فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ ، وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ، بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ ، فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا } وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ : { وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ، وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا } الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ : { فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ، وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا ، كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ، كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ : { إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُوكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّحْلِ { مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ، وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا ، فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } إِلَى قَوْلِهِ { أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ، وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ { وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ، وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا } الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْكَهْفِ : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ ، وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتُدُوا إِذًا أَبَدًا } وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ : { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ } وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ يس : { لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ ، فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ، وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا ، فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ، وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } وَقَالَ تَعَالَى فِي حم الْجَاثِيَةِ : { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ، وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ ، وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً ، فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ } وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ، حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ، فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ، فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ } قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : جَمِيعُ مَا تَلَوْتُهُ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ يَدُلُّ الْعُقَلَاءَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَتَمَ عَلَى قُلُوبِ قَوْمٍ ، وَطَبَعَ عَلَيْهَا ، وَلَمْ يُرِدْهَا لِعِبَادَتِهِ ، وَأَرَادَهَا لِمَعْصَيَتِهِ ، فَأَعْمَاهَا عَنِ الْحَقِّ فَلَمْ تُبْصِرْهُ ، وَأَصَمَّهَا عَنِ الْحَقِّ فَلَمْ تَسْمَعْهُ ، وَأَخْزَاهَا وَلَمْ يُطَهِّرْهَا ، يَفْعَلُ بِخَلْقِهِ مَا يُرِيدُ لَا يَجُوزُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ ؟ فَمَنْ قَالَ ذَلِكَ ، فَقَدْ عَارَضَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي فِعْلِهِ ، فَضَلَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ ، ثُمَّ اختصَ مِنْ عِبَادِهِ مَنْ أَحَبَّ ، فَشَرَحَ قُلُوبَهُمْ لِلْإِيمَانِ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِهِمْ ، { وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : اعْقِلُوا يَا مُسْلِمَيْنِ مَا يُخَاطِبُكُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ يُعَلِّمُكُمْ أَنِّي مَالِكٌ لِلْعِبَادِ ، أَخْتَصُّ مِنْهُمْ مَنْ أُرِيدُ ، فَأُطَهِّرُ قَلْبَهُ ، وَأَشْرَحُ صَدْرَهُ ، وَأُزَيِّنُ لَهُ طَاعَتِي ، وَأُكَرِّهُ إِلَيْهِ مَعْصِيَتِي ، لَا لِيَدٍ تَقَدَّمَتْ مِنْهُ إِلَيَّ ، أَنَا الْغَنِيُّ عَنْ عِبَادِي ، وَهُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَيَّ { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } وَالْمِنَّةُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَنْ هَدَاهُ لِلْإِيمَانِ ، أَلَمْ تَسْمَعُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ إِلَى قَوْلِ مَوْلَاكُمُ الْكَرِيمِ حِينَ امْتَنَّ قَوْمٌ بِإِسْلَامِهِمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }
بَابُ ذِكْرِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يَهْدُونَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يَهْدِيهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ { فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا } وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ : { مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ ، وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ : { وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ : { قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ، فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ : { مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ : { وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ، وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ السُّورَةِ { أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا ، أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ السُّورَةِ : { بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ، فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ النَّحْلِ : { وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ : { مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ : { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ ، لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا ، لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْحَجِّ : { وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ، وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يُرِيدُ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ النُّورِ : { يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ } ثُمَّ قَالَ { وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : { لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ : { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الرُّومِ : { بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ السَّجْدَةِ : { وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ، وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الْمَلَائِكَةِ : { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ الزُّمَرِ : { فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ } وَقَالَ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ، ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ، ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } وَقَالَ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ } وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ حم الْمُؤْمِنُ : { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ : { كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ : اعْلَمُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أنَّ مَوْلَاكُمُ الْكَرِيمَ يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ، فَيُوَصِّلُ إِلَى قَلْبِهِ مَحَبَّةَ الْإِيمَانِ ، فَيُؤْمِنُ وَيُصَدِّقُ ، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ ، فَلَا يَقْدِرُ نَبِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ عَلَى هِدَايَتِهِ بَعْدَ أَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَنِ الْإِيمَانِ
بَابُ ذِكْرِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَرْسَلَ الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ يُضِلُّونَهُمْ وَلَا يُضِلُّونَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ وَلَا يَضُرُّونَ أَحَدًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَكَذَلِكَ السَّحَرَةُ لَا يَضُرُّونَ أَحَدًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ : وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا إِلَى قَوْلِهِ : فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَالَ تَعَالَى : فِي سُورَةِ مَرْيَمَ : أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ وَالصَّافَاتِ : فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ، مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ
بَابُ ذِكْرِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَشِيئَةَ الْخَلْقِ تَبَعٌ لِمَشِيئَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَمَنْ شَاءَ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَهْتَدِيَ اهْتَدَى ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُضِلَّ لَمْ يَهْتَدِ أَبَدًا ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ : كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ، فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ، وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ، لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ، وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ ، بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَقَالَ تَعَالَى فِيهَا : وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ : وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ وَقَالَ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ : وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ وَقَالَ تَعَالَى : اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ وَقَالَ تَعَالَى : وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ ، وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ، مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ هُودٍ : وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
بَابُ ذِكْرِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ الْمُبَيِّنَةِ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَ خَلْقَهُ ، مَنْ شَاءَ خَلَقَهُ لِلْجَنَّةِ ، وَمَنْ شَاءَ خَلَقَهُ لِلنَّارِ ، فِي عِلْمٍ قَدْ سَبَقَ
بَابُ الْإِيمَانِ بِأَنَّ اللَّهُ تَعَالَى قَدَّرَ الْمَقَادِيرَ عَلَى الْعِبَادِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ
بَابُ الْإِيمَانِ بِمَا جَرَى بِهِ الْقَلَمُ مِمَّا يَكُونُ أَبَدًا
بَابُ الْإِيمَانِ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدَّرَ عَلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمَعْصِيَةَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ
بَابُ الْإِيمَانِ بِأَنَّ السَّعِيدَ وَالشَّقِيَّ مَنْ كُتِبَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ
بَابُ الْإِيمَانِ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِعَبْدٍ الْإِيمَانُ ، حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ لَا يَصِحُّ لَهُ الْإِيمَانُ إِلَّا بِهِ
بَابُ مَا ذُكِرَ فِي الْمُكَذِّبِينَ بِالْقَدَرِ
بَابُ الْإِيمَانِ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ
بَابُ ذِكْرِ مَا تَأَدَّى إِلَيْنَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِنْ رَدِّهِمَا عَلَى الْقَدَرِيَّةِ , وَإِنْكَارِهِمَا عَلَيْهِمْ
بَابُ مَا ذُكِرَ عَنِ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ : اعْلَمُوا رَحِمَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ أَنَّ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ صِنْفًا إِذَا قِيلَ لِبَعْضِهِمْ : مَنْ إِمَامُكُمْ فِي مَذْهَبِكُمْ هَذَا ؟ فَيَقُولُونَ : الْحَسَنُ ، وَكَذَبُوا عَلَى الْحَسَنِ ، قَدْ أَجْلَّ اللَّهُ الْكَرِيمُ الْحَسَنَ عَنْ مَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ عَنِ الْحَسَنِ خِلَافَ مَا ادَّعَوْا عَلَيْهِ
ابْنُ سِيرِينَ
مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
إِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ
زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ
مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ
إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ
الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَغَيْرُهُمَا
مُجَاهِدٌ
جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ , وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ
بَابُ سِيرَةِ عُمَرِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي أَهْلِ الْقَدَرِ
بَابُ تَرْكِ الْبَحْثِ وَالتَّنْقِيرِ عَنِ النَّظَرِ فِي أَمْرِ الْمُقَدَّرِ كَيْفَ ؟ وَلِمَ ؟ بَلِ الْإِيمَانُ بِهِ وَالتَّسْلِيمُ
كِتَابُ فَضَائِلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
مُقَدِّمَة
لأعلى