سَمِعَ عَائِشَةَ ، تَقُولُ : أَعْظَمُ الْفِرْيَةِ عَلَى اللَّهِ مَنْ قَالَ : إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ ، قِيلَ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَا رَآهُ ؟ ، قَالَتْ : لَا ، إِنَّمَا ذَلِكَ جِبْرِيلُ رَآهُ مَرَّتَيْنِ فِي صُورَتِهِ : مَرَّةً مَلَأَ الْأُفُقَ ، وَمَرَّةً سَادًّا أُفُقَ السَّمَاءِ "
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ ، أَنَّ دَاوُدَ بْنَ أَبِي هِنْدٍ حَدَّثَهُ ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ ، أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ ، تَقُولُ : أَعْظَمُ الْفِرْيَةِ عَلَى اللَّهِ مَنْ قَالَ : إِنَّ مُحَمَّدًا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِنَ الْوَحْيِ ، وَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ ، قِيلَ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، وَمَا رَآهُ ؟ ، قَالَتْ : لَا ، إِنَّمَا ذَلِكَ جِبْرِيلُ رَآهُ مَرَّتَيْنِ فِي صُورَتِهِ : مَرَّةً مَلَأَ الْأُفُقَ ، وَمَرَّةً سَادًّا أُفُقَ السَّمَاءِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ : قَدْ يَتَوَهَّمُ مَنْ لَمْ يُحْكِمْ صِنَاعَةَ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ مُتَضَادَّانِ ، وَلَيْسَا كَذَلِكَ ، إِذِ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فَضَّلَ رَسُولَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، حَتَّى كَانَ جِبْرِيلُ مِنْ رَبِّهِ أَدْنَى مِنْ قَابِ قَوْسَيْنِ ، وَمُحَمَّدٌ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُعَلِّمُهُ جِبْرِيلُ حِينَئِذٍ ، فَرَآهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِقَلْبِهِ كَمَا شَاءَ . وَخَبَرُ عَائِشَةَ وَتَأْوِيلُهَا أَنَّهُ لَا يُدْرِكُهُ ، تُرِيدُ بِهِ فِي النَّوْمِ وَلَا فِي الْيَقَظَةِ ، وَقَوْلُهُ : {{ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ }} فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ، يُرَى فِي الْقِيَامَةِ وَلَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ إِذَا رَأَتْهُ ، لِأَنَّ الْإِدْرَاكَ هُوَ الْإِحَاطَةُ ، وَالرُّؤْيَةُ هِيَ النَّظَرُ ، وَاللَّهُ يُرَى وَلَا يُدْرَكُ كُنْهُهُ ، لِأَنَّ الْإِدْرَاكَ يَقَعُ عَلَى الْمَخْلُوقِينَ ، وَالنَّظَرُ يَكُونُ مِنَ الْعَبْدِ رَبَّهُ . وَخَبَرُ عَائِشَةَ أَنَّهُ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ، فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ، إِلَّا مَنْ يَتَفَضَّلُ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادِهِ بِأَنْ يُجْعَلَ أَهْلًا لِذَلِكَ . وَاسْمُ الدُّنْيَا قَدْ يَقَعُ عَلَى الْأَرَضِينَ وَالسَّمَاوَاتِ وَمَا بَيْنَهُمَا ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بِدَايَاتٌ خَلَقَهَا اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا لِتُكْتَسَبَ فِيهَا الطَّاعَاتُ لِلْآخِرَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ الْبِدَايَةِ ، فَالنَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الدُّنْيَا ، لِأَنَّهُ كَانَ مِنْهُ أَدْنَى مِنْ قَابِ قَوْسَيْنِ حَتَّى يَكُونَ خَبَرُ عَائِشَةَ ، أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ تَضَادٌّ أَوْ تَهَاتُرٌ