سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ ، جَلَّ وَعَزَّ {{ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ }} قَالَ : " هُمْ أَهْلُ الْأَوْثَانِ "
قُرِئَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ ، قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ حَمَّادٍ ، قَالَ : سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ ، جَلَّ وَعَزَّ {{ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ }} قَالَ : هُمْ أَهْلُ الْأَوْثَانِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ عَامَّةً يُرَادُ بِهَا الْخَاصُّ فَتَكُونُ الْمُشْرِكَاتُ هَاهُنَا أَهْلُ الْأَوْثَانِ وَالْمَجُوسِ فَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهَا نَاسِخَةٌ لِلَّتِي فِي الْمَائِدَةِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ ، فَقَوْلُهُ خَارِجٌ عَنْ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ تَقُومُ بِهِمُ الْحُجَّةُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ بِتَحْلِيلِ نِكَاحِ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عُثْمَانُ وَطَلْحَةُ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَجَابِرٌ ، وَحُذَيْفَةُ وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَالْحَسَنُ ، وَمُجَاهِدٌ ، وَطَاوُوسٌ ، وَعِكْرِمَةُ ، وَالشَّعْبِيُّ ، وَالضَّحَّاكُ ، وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَيْهِ وَأَيْضًا فَيَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ نَاسِخَةٌ لِلْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ لِأَنَّ الْبَقَرَةَ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَالْمَائِدَةَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ وَإِنَّمَا الْآخِرُ يَنْسَخُ الْأَوَّلَ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ رَجُلًا مُتَوَقِّفًا فَلَمَّا سَمِعَ الْآيَتَيْنِ ، فِي وَاحِدَةٍ التَّحْلِيلُ وَفِي الْأُخْرَى التَّحْرِيمُ وَلَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ تَوَقَّفَ وَلَمْ يُؤْخَذْ عَنْهُ ذِكْرٌ لِلنَّسْخِ وَإِنَّمَا تُؤُوِّلَ عَلَيْهِ وَلَيْسَ يُؤْخَذُ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ بِالتَّأْوِيلِ وَأَبْيَنُ مَا فِي الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ مَنْسُوخَةً عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ أَيْضًا أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ إِذَا كَانَتْ عَامَّةً لَمْ تُحْمَلْ عَلَى الْخُصُوصِ إِلَّا بِدَلِيلٍ قَاطِعٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّهُ لَا يُقَالُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ مُشْرِكُونَ وَإِنَّمَا الْمُشْرِكُ مَنْ عَبَدَ وَثَنًا مَعَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فَأَشْرَكَ بِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَمِمَّنْ يُرْوَى عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ أَبُو حَنِيفَةَ وَزَعَمَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى : {{ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا }} أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ أَهْلُ الْأَوْثَانِ وَأَنَّ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى أَنْ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا قَوْلٌ خَارِجٌ عَنْ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاللُّغَةِ وَأَكْثَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ نَصًّا تُسَمِّيهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِالْمُشْرِكِينَ ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ : {{ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }} فَهَذَا نَصُّ الْقُرْآنِ فَمَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ أَنْ قِيلَ لَهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لَمْ يُشْرِكُوا أُجِيبَ عَنْ هَذَا بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ هَذَا اسْمًا إِسْلَامِيًّا وَلِهَذَا نَظَائِرُ قَدْ بَيَّنَهَا مَنْ يُحْسِنُ الْفِقْهَ وَاللُّغَةَ مِنْ ذَلِكَ مُؤْمِنٌ أَصْلُهُ مِنْ آمَنَ إِذَا صَدَّقَ ثُمَّ صَارَ لَا يُقَالُ مُؤْمِنٌ إِلَّا لِمَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ثُمَّ تَبِعَ ذَلِكَ الْعَمَلَ وَمِنَ الْأَسْمَاءِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْمُنَافِقُ وَمِنْهَا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْخَمْرُ سُمِّيَ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ خَمْرًا عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَالْجَوَابُ الْآخَرُ وَهُوَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ السُّرِّيِّ قَالَ : كُلُّ مَنْ كَفَرَ بِمُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَهُوَ مُشْرِكٌ ، قَالَ وَهَذَا مِنَ اللُّغَةِ ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ جَاءَ مِنَ الْبَرَاهِينِ بِمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ بِشْرٌ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فَإِذَا كَفَرَ بِمُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ مَا لَا يَأْتِي بِهِ إِلَّا اللَّهُ قَدْ جَاءَ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ فَجَعَلَ لِلَّهِ جَلَّ وَعَزَّ شَرِيكًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا مِنْ لَطِيفِ الْعِلْمِ وَحُسْنِهِ فَأَمَّا نِكَاحُ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَحَرَامٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ ، فَإِنَّهُمْ أَجَازُوهُ وَاحْتَجَّ لَهُمْ مُحْتَجٌّ بِشَيْءٍ قَاسَهُ قَالَ : لَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ جَلَّ وَعَزَّ : {{ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ }} يَدْخُلُ فِيهِ الْأَحْرَارُ وَالْإِمَاءُ وَجَبَ فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ {{ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ }} دَاخِلًا فِيهِ الْحَرَائِرُ وَالْإِمَاءُ لِتَكُونَ النَاسِخَةُ مِثْلَ الْمَنْسُوخَةِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا الِاحْتِجَاجُ خَطَأٌ مِنْ غَيْرِ جِهَةٍ ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُجْمِعْ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْبَقَرَةِ مَنْسُوخَةٌ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْقِيَاسَاتِ وَالتَّمْثِيلَاتِ لَا يُؤْخَذُ بِهَا فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخِ بِالتَّيَقُّنِ وَالتَّوْقِيفِ وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ نَصًّا {{ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ }} فَكَيْفَ يُقْبَلُ مِمَّنْ قَالَ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْكَافِرَاتِ ؟ وَأَمَّا نِكَاحُ الْحَرْبِيَّاتِ فَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا مَنَعَا مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ يُجِيزُ ذَلِكَ ، وَنَصُّ الْآيَةِ يُوجِبُ جَوَازَهُ ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ إِلَّا أَنَّهُمَا كَرِهَا ذَلِكَ مَخَافَةَ تَنْصِيرِ الْوَلَدِ أَوِ الْفِتْنَةِ وَأَمَّا نِكَاحُ الْإِمَاءِ الْمَجُوسِيَّاتِ وَالْوَثَنِيَّاتِ فَالْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِهِ