عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيِدِ بْنِ رُكَانَةَ " أَنَّ رَجُلًا طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَقِدْنِي ، فَقَالَ : " حَتَّى تَبْرَأَ " . ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ أَقَادَهُ ، فَعَرَجَ الْمُسْتَقِيدُ ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : حَقِّي ، فَقَـالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَبْعَدَ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ ، لَا شَيْءَ لَكَ "
كَمَا حَدَّثَنَـا يُونُسُ ، حَدَّثَنَـا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ ابْنَ جُرَيْجٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيِدِ بْنِ رُكَانَةَ أَنَّ رَجُلًا طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : أَقِدْنِي ، فَقَالَ : حَتَّى تَبْرَأَ . ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ أَقَادَهُ ، فَعَرَجَ الْمُسْتَقِيدُ ، فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ : حَقِّي ، فَقَـالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَبْعَدَ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ ، لَا شَيْءَ لَكَ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ ، فَعَقَلْنَا أَنَّ مَنْعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمَجْنِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْقَوَدِ حِينَ سَأَلَهُ إِيَّاهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَقَدْ وَجَبَ لَهُ الْقَوَدُ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْ وَجَبَ لَهُ لَمَا مَنَعَهُ مِنْهُ ، وَأَوْفَاهُ الْوَاجِبَ مِنْهُ ، وَلَمَّا سَأَلَهُ الْقَوَدَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَجَابَهُ إِلَيْهِ فَأَقَادَهُ ، دَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ وَجَبَ لَهُ فِيهِ ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمَا أَخَذَ لَهُ غَيْرَ وَاجِبٍ لَهُ . وَكَانَ جُمْلَةُ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ : أَنَّ الْقَوَدَ مِنَ الْجِنَايَةِ عِنْدَ وُقُوعِهَا عَلَى الْمَجْنِي عَلَيْهِ مِنَ الْجَانِي ، قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقَوَدِ ، هَلْ وَجَبَ لَهُ حِينَئِذٍ فَيُقِيدَ ، أَوْ لَمْ يَجِبْ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى مَا تَتَنَاهَى إِلَيْهِ جِنَايَتُهُ مِنْ ذَهَابِ نَفْسِ الْمَجْنِي عَلَيْهِ ، أَوْ مِنْ سَلَامَتِهَا مِنْ ذَلِكَ ، أَوْ ذَهَابِ أَعْضَائِهِ بِهَا ، أَوْ سَلَامَةِ مَا بَقِيَ مِنْ بَدَنِهِ ، أَوْ مِنْ بُرْءٍ مِنَ الْجِنَايَةِ ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَقُولُ : لَا يَجِبُ لَهُ الْقَوَدُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى مَا تَئُولُ إِلَيْهِ الْجِنَايَةُ مِنْ ذَلِكَ ، فَيَجْعَلُ كَأَنَّهُ جُنِيَ عَلَيْهِ مَا تَنَاهَتْ إِلَيْهِ جِنَايَتُهُ ، وَيُوَفَّى مَالَهُ فِي ذَلِكَ ، لَوْ كَانَ الْجَانِي قَصَدَ بِهِ إِلَيْهِ فِيهِ مِنْ قَوَدٍ ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ ، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ : أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ . وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ : يَجِبُ لَهُ الْقِصَاصُ مِنَ الْجَانِي حِينَ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا جَنَاهُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَنْظُرُ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ حَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَكَافُؤٍ أَوْ زِيَادَةٍ مِنْ جِنَايَةِ الْجَانِي ، فَيَكُونُ قَدْ فَعَلَ بِهِ فِعْلَانِ : قَوَدًا مِمَّا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ فِيهِ إِلَّا فِعْلٌ وَاحِدٌ ، وَمِمَّنْ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ : الشَّافِعِيُّ . وَلَمَّا مَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ فِي الْبَابِ مِنَ الْقَوَدِ حِينَ كَانَتْ جِنَايَتُهُ عَلَيْهِ ، عَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّهُ مَنَعَهُ مِمَّا لَمْ يَكُنْ وَجَبَ لَهُ ، وَأَنَّهُ أَقَادَهُ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَقَادَهُ بِأَنْ كَانَ هُوَ الْوَقْتَ الَّذِي كَانَ وَجَبَ لَهُ فِيهِ الْقَوَدُ عَلَى الْجَانِي عَلَيْهِ ، وَإِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ مَنَعَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ مِنَ الْقَوَدِ مِنَ الْجَانِي بَعْدَ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَقَادَهُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ فِي حَالٍ أُخْرَى ، عَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّمَا مَنَعَهُ مِنَ الْقَوَدِ فِي الْحَالِ الْأُولَى انْتِظَارًا لِحَالٍ سِوَاهَا ، وَلَا حَالَ فِي ذَلِكَ إِلَّا الْبُرْءُ مِنَ الْجِنَايَةِ ، وَمَا يَئُولُ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهَا مِنْ ذَهَابِ نَفْسِ الْمَجْنِي عَلَيْهِ مِنْهَا ، أَوْ مِنْ ذَهَابِ بَعْضِ أَعْضَائِهِ مِنْهَا ، أَوْ مِنْ سَلَامَةِ نَفْسِهِ . وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ وُجُوبُ رَفْعِ الْقَوَدِ عَنِ الْجَانِي لِلْمَجْنِي عَلَيْهِ حَتَّى يُوقَفَ إِلَى مَا تَتَنَاهَى إِلَيْهِ جِنَايَتُهُ عَلَيْهِ ، فَيُوَفَّى حِينَ ذَلِكَ الْوَاجِبَ لَهُ عَلَيْهِ ، كَمَا قَـالَ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ مِمَّنْ حَكَيْنَاهُ عَنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ . وَكَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ هُوَ هَذَا الْقَوْلَ أَيْضًا ، لَأَنَا وَجَدْنَاهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْجِنَايَةِ لَوْ كَانَتْ خَطَأً ، فَمَاتَ مِنْهَا الْمَجْنِي عَلَيْهِ ، أَنَّهُمْ يُوجِبُونَ عَلَيْهِ دِيَةَ النَّفْسِ لَا دِيَةَ مَا سِوَاهَا مِنَ الْعُضْوِ الْمَقْطُوعِ الْمَقْصُودِ بِالْجِنَايَةِ إِلَيْهِ لَا مِمَّا سِوَاهُ مِمَّا ذَهَبَ بِتِلْكَ الْجِنَايَةِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْوَاجِبُ فِي ذَلِكَ مِنْ ذَهَابِ الْأَعْضَاءِ الْمَقْطُوعَةِ إِذَا كَانَ الْبُرْءُ مِنْهَا ، وَيَكُونُ لَا حُكْمَ لَهَا إِذَا ذَهَبَتِ النَّفْسُ مِنْ تِلْكَ الْجِنَايَةِ ، وَيَعُودُ الْحُكْمُ لِلنَّفْسِ لَا لِمَا سِوَاهَا ، وَيَجِبُ الْقَوَدُ فِيهَا لَا فِي الْأَعْضَاءِ الذَّاهِبَةِ بِتِلْكَ الْجِنَايَةِ الَّتِي وَجَبَ الْقَوَدُ فِيهَا . وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ