عَنْ طَاوُسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَهَبَ هِبَةً ، ثُمَّ يَرْجِعَ فِيهَا ، إِلَّا وَالِدٌ مِنْ وَلَدِهِ "
فَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ شُعَيْبٍ ، قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ نُعَيْمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا حِبَّانُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ يَعْنِي الْمَخْزُومِيَّ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَاوُسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَهَبَ هِبَةً ، ثُمَّ يَرْجِعَ فِيهَا ، إِلَّا وَالِدٌ مِنْ وَلَدِهِ قَالَ طَاوُسٍ : كُنْتُ أَسْمَعُ وَأَنَا صَغِيرٌ : عَائِدٌ فِي قَيْئِهِ ، فَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ ضَرَبَ لَهُ مَثَلًا قَالَ : فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ ، يَأْكُلُ ، ثُمَّ يَقِيءُ ، ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَعَادَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ ، عَنْ طَاوُسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ بِذِكْرِهِ إِيَّاهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُنْقَطِعٍا ، وَالْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ ، فَغَيْرُ مَجْهُولِ الْمِقْدَارِ فِي صِحَّةِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي مَتْنِ هَذَا الْحَدِيثِ ، فَوَجَدْنَا مَعْنَى : لَا يَحِلُّ ، لَوْ كَانَ ثَابِتًا فِي الْحَدِيثِ غَيْرَ مَشْكُوكٍ فِيهِ ، لَا يُوجِبُ مَنْعًا لِلْوَاهِبِ ، وَلَا لِلْمُعْطِي مِنَ الرُّجُوعِ فِي هِبَتِهِ ، وَلَا فِي عَطِيَّتِهِ لِغَيْرِ وَلَدِهِ ، إِذْ كَانَ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى مَعْنَى : لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُقَذِّرَ نَفْسَهُ بِأَنْ يَجْعَلَهَا بِرُجُوعِهِ فِي هِبَتِهِ ، وَفِي عَطِيَّتِهِ ، كَالْكَلْبِ يَقِيءُ ، ثُمَّ يَأْكُلُ فِيهِ ، كَمَا نَهَى صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مِنَ السُّحْتِ ، عَلَى النَّهْيِ مِنْهُ لِأَحَدٍ مِنْ أُمَّتِهِ أَنْ يُدَنِّيَ نَفْسَهُ ، لَا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلَكَ بِأَسَانِيدِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا ، فَمِثْلُ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ : لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ ، أَوْ فِي عَطِيَّتِهِ ، إِلَّا الْوَالِدَ لِوَلَدِهِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى ، وَكَانَ اسْتِثْنَاؤُهُ الْوَالِدَ فِي ذَلِكَ ، فِيمَا وَهْبَ ، وَفِيمَا أَعْطَى وَلَدَهُ ، عَلَى أَنَّهُ فِي مَالِ وَلَدِهِ بِخِلَافِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ ، إِذْ كَانَ قَدْ قَالَ لِمَنْ ذَكَرَ لَهُ أَنَّ أَبَاهُ يُرِيدُ أَنْ يَحْتَاجَ مَالَهُ : أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا ، فَجَعَلَ دُخُولَهُ فِي مَالِ وَلَدِهِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ ، بِخِلَافِ دُخُولِهِ بِهَا فِي مَالِ غَيْرِهِ ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا أَبَاحَهُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ عَلَى الْأَحْوَالِ الَّتِي يَجِبُ لَهُ بِهَا الدُّخُولُ فِي مَالِ وَلَدِهِ ، فَلَا يَكُونُ لِوَلَدِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ ، وَمِنْ بَسَطَ يَدِهِ فِيهِ عِنْدَهَا ، مَعَ أَنَّا قَدُ تَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ ، فَوَجَدْنَاهُ مُضَافًا إِلَى ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَقَدْ رُوِّينَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا ، مِمَّا حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ سَمَاعًا لَهُ مِنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ وَهْبَ هِبَةً : أَنَّهُ أَحَقُّ بِهَا ، حَتَّى يُثَابَ مِنْهَا بِمَا يَرْضَى فَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ مَعَ عِلْمِهِ ، وَجَلَالَةِ مِقْدَارِهِ سَمِعَ مِنَ عُمَرَ شَيْئًا ، قَدْ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ خِلَافَهُ ، فَيُتْرُكُ أَنْ يَقُولَ لَهُ : إِنِّي قَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ فِي هَذَا خِلَافَ الَّذِي قُلْتَهُ فِيهِ ، وَاسْتَحَالَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَذْكُرُ شَيْئًا عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَقُولُ مِنْهُ فِيهِ لِيَسْتَعْمِلَهُ النَّاسُ ، وَعِنْدَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِيهِ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ الْحُكْمَ ، فَعَادَ مَعْنَى حَدِيثِ طَاوُسٍ هَذَا ، إِلَى مَا رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَلَيْهِ مِمَّا ذَكَرْنَا بِانْتِفَائِهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ إِلَى الِانْقِطَاعِ الَّذِي لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ مَعَهُ ، وَاللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ