عَنْ أَبِي بَرْزَةَ : أَنَّ رَجُلًا سَبَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقُلْتُ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : " لَا ، لَيْسَتْ هَذِهِ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
كَمَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ بْنِ فَارِسٍ قَالَ : حَدَّثَنَا شُعْبَةُ , عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيِّ , عَنْ أَبِي سَوَّارٍ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ : أَنَّ رَجُلًا سَبَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقُلْتُ أَلَا أَضْرِبُ عُنُقَهُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : لَا ، لَيْسَتْ هَذِهِ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سَبُّ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَبَا بَكْرٍ ، وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ لِأَبِي بَرْزَةَ حِينَ اسْتَأْذَنَهُ فِي قَتْلِهِ إِيَّاهُ لِذَلِكَ : لَيْسَتْ هَذِهِ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَكَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مُخَالِفًا لِلْمَعَانِي الْمَذْكُورَةِ فِيمَا رُوِّينَاهُ قَبْلَهُ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ ، وَكَانَ مَعْقُولًا : أَنَّ مَنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ كَانَ كَافِرًا حَلَالَ الدَّمِ ، وَلَيْسَ مَنْ سَبَّ غَيْرَهُ كَذَلِكَ فَاضْطَرَبَ عَلَيْنَا مَعْنَى مَا أُرِيدَ بِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ هَذَا مِنْ خُصُوصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَا خُصَّ بِهِ دُونَ النَّاسِ الَّذِينَ يَتَوَلُّونَ الْأُمُورَ بَعْدَهُ ثُمَّ وَجَدْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ مِمَّا يَأْمُرُ بِهِ الْوُلَاةُ غَيْرَهُمْ مِنَ النَّاسِ ، هَلْ يَسَعُ الْمَأْمُورِينَ امْتِثَالُ ذَلِكَ ، أَوْ لَا يَسَعُهُمْ ، فَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ : ذَلِكَ وَاسِعٌ لِلْمَأْمُورِينَ أَنْ يَفْعَلُوهُ بِأُمُورِ حُكَّامِهِمْ ، وَبِأُمُورِ مَنْ سِوَاهُمْ مِمَّنْ وِلَايَةُ ذَلِكَ لَهُمْ ، وَمِنَ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ : أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ ، عَنْ يَعْقُوبَ ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِغَيْرِ خِلَافٍ ذَكَرَهُ عَنْهُمْ فِيهِ , غَيْرَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ ، قَدْ كَانَ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي نَوَادِرِهِ الَّتِي حَكَاهَا عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَمَاعَةَ ، وَأَخَذْنَاهَا نَحْنُ مِنَ ابْنِ أَبِي عِمْرَانَ مُذَاكَرَةً لَنَا بِهَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : لَا يَسَعُ الْمَأْمُورَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ الَّذِي يَأْمُرُهُ بِهِ عِنْدَهُ عَدْلًا ، وَحَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ بِذَلِكَ عَدْلٌ سِوَاهُ عَلَى الْمَأْمُورِ فِيهِ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ الزِّنَى ، وَلَا يَسَعُهُ فِي الزِّنَى ذَلِكَ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهُ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ عَلَى الْمَأْمُورِ فِيهِ بِذَلِكَ ، بِوُجُوبِ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ فِيهِ بِالَّذِي أَمَرَهُ بِهِ فِيهِ ، وَلَا نَعْلَمُ لِأَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلًا غَيْرَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ ، وَكَانَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْهَا ، إِنَّمَا أَرَادُوا بِهِ الْعَدْلَ مِنَ الْأَمْرَيْنِ ، لَا مَنْ سِوَاهُمْ ؛ لِأَنَّ مَنْ خَرَجَ عَنِ الْعَدْلِ الَّذِي بِهِ اسْتَحَقَّ الْوِلَايَةَ عَلَى مَا يَتَوَلَّى إِلَى ضِدِّهِ ذَاكَ عَنِ الْوِلَايَةِ عَلَى ذَلِكَ ، وَانْعَزَلَ عَنْهَا ، فَلَمْ يَكُنْ وَالِيًا عَلَيْهَا ، وَكَانَ الْقَوْلُ الثَّانِي مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْقِيَاسِ لَا مَعْنَى لَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَأْمُورِ بِمَا ذَكَرْنَا اسْتِمَاعُ شَهَادَةِ مَنْ شَاهَدَ بِهَا ، إِذْ لَيْسَ هُوَ حَاكِمًا ، فَيَسْمَعُ ذَلِكَ بِمَا إِلَيْهِ مِنَ اسْتِمَاعِ مَا يَسْتَعْمِلُهُ فِي أَحْكَامِهِ ، فَبَانَ بِذَلِكَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ ، وَثَبَتَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ ، إِذْ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ ، فَلَمَّا انْتَفَى أَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ ثُمَّ نَظَرْنَا : هَلْ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ سِوَى حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَمْ لَا ؟