عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : " لَا بَأْسَ بِالدِّينَارِ بِالدِّينَارَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ "
كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ حَمَّادٍ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : لَا بَأْسَ بِالدِّينَارِ بِالدِّينَارَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ . وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَ الرِّبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ أَهْلِ الْحَرْبِ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِخِلَافِ حُكْمِ الرِّبَا بَيْنَهُمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو رِبَا الْعَبَّاسِ الَّذِي أَدْرَكَهُ وَضْعُ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ : أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ تَحْرِيمُ الرِّبَا . أَوْ كَانَ فِي حَالِ تَحْرِيمِ الرِّبَا ، أَعْنِي بِذَلِكَ التَّحْرِيمِ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ , فَإِنْ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ تَحْرِيمُ الرِّبَا فِي دَارِ الْهِجْرَةِ وَفِي دَارِ الْحَرْبِ , فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَبْطُلَ فِي أَيِّ الْأَمَاكِنِ كَانَ ، مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَمِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ , وَإِنْ كَانَ مِنْ بَعْدِ تَحْرِيمِ الرِّبَا فَهُوَ أَبْطَلُ , فَلَمَّا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ بِمَا يَدُلُّ أَنَّهُ كَانَ قَائِمًا حَتَّى وَضَعَهُ ، دَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ وَضْعِهِ إيَّاهُ بِمَكَانِ الرِّبَا فِيهِ خِلَافَ الرِّبَا فِي دَارِ الْهِجْرَةِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ مَا كَانَ قَائِمًا فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ بَعْدَ تَحْرِيمِ الرِّبَا ; لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَصْلُهُ فِي حَالِ تَحْرِيمِهِ كَانَ غَيْرَ ثَابِتٍ , وَإِنْ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِهِ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ تَحْرِيمُهُ وَضْعَهُ . فَإِنْ شُبِّهَ عَلَى أَحَدٍ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْعَبَّاسِ مِنْ أَسْرِ الْمُسْلِمِينَ إيَّاهُ ، وَمِنْ أَخْذِ الْفِدَاءِ مِنْهُ ، تَحَقَّقَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ مُسْلِمًا . قَالَ : وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا قَبْلَ فَتْحِهَا , لِنَفَى ذَلِكَ عَنْهُ إسْلَامَهُ . فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ : إنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِمَكَّةَ مُسْلَمًا حِينَ جَرَى عَلَيْهِ مَا جَرَى مِنَ الْأَسْرِ . لِأَنَّهُ لَمَّا فُدِيَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ رَجَعَ هُوَ وَمَنْ سِوَاهُ مِنَ الْأَسْرَى إلَى مَكَّةَ عَلَى دِينِهِمُ الَّذِي أُسِرُوا عَلَيْهِ ، وَكَانَتْ بَدْرٌ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ . وَقَدْ حَكَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي مَغَازِيهِ أَنَّ الْعَبَّاسَ قَدْ كَانَ اعْتَذَرَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمَّا أَمَرَهُ أَنْ يَفْدِيَ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا , وَأَنَّهُ أُخْرِجَ إلَى قِتَالِهِ كَرْهًا , وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ لَهُ : أَمَّا ظَاهِرُ أَمْرِكَ فَقَدْ كَانَ عَلَيْنَا ، فَافْدِ نَفْسَكَ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ بُهْلُولٍ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، وَلَمْ يَتَجَاوَزْهُ بِهِ ، وَبَقِيَ الْعَبَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ . فَإِنْ يَكُنْ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ كَمَا ذَكَرَهُ قَدْ تَقَدَّمَ إسْلَامُهُ بَدْرًا , وَإِنْ يَكُنْ بِخِلَافِ ذَلِكَ كَانَ مَا ذَكَرَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي حَدِيثِ الْحَجَّاجِ بْنِ عِلَاطٍ يُوجِبُ لَهُ الْإِسْلَامَ , وَذَلِكَ عِنْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ ، وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ يُوجِبُ إقَامَتَهُ بِمَكَّةَ مُسْلِمًا , وَهِيَ دَارُ حَرْبٍ , وَإِقَامَتُهُ بِهَا فِيمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ أَوْسَعُ مُدَّةً مِنْ إقَامَتِهِ بِهَا ، كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ . وَفِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ أَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ مُسْلِمًا ، وَلَهُ بِهَا رِبًا قَائِمٌ ، وَالرِّبَا مُحَرَّمٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ ، وَاللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .