عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةٌ فَقَسَّمَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ لِي أَبِي مَخْرَمَةُ : " انْطَلِقْ بِنَا ، لَعَلَّهُ أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئًا " فَجَاءَ إلَى الْبَابِ فَقَالَ : " هَاهُنَا هُوَ " فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ ، فَخَرَجَ مَعَهُ بِقُبَاءٍ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ يُرِي أَبِي مَحَاسِنَ الْقَبَاءِ وَيَقُولُ : " خَبَّأْتُ هَذَا لَكَ ، خَبَّأْتُ هَذَا لَكَ "
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ : حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ وَرْدَانَ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ : ثنا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَقْبِيَةٌ فَقَسَّمَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ لِي أَبِي مَخْرَمَةُ : انْطَلِقْ بِنَا ، لَعَلَّهُ أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئًا فَجَاءَ إلَى الْبَابِ فَقَالَ : هَاهُنَا هُوَ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ صَوْتَهُ ، فَخَرَجَ مَعَهُ بِقُبَاءٍ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَيْهِ يُرِي أَبِي مَحَاسِنَ الْقَبَاءِ وَيَقُولُ : خَبَّأْتُ هَذَا لَكَ ، خَبَّأْتُ هَذَا لَكَ . فَقُلْتُ : لِأَيِّ شَيْءٍ فَعَلَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ هَذَا بِمَخْرَمَةَ فَقَالَ : إنَّهُ كَانَ يَتَّقِي لِسَانَهُ . قَالَ : وَقَدْ كَانَ قَوْمٌ يَدْفَعُونَ هَذَا الْحَدِيثَ وَيَقُولُونَ : مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَبِسَ ذَلِكَ الْقَبَاءَ وَهُوَ مِمَّا أَفَاءهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ ، وَلَهُ فِي ذَلِكَ شُرَكَاءُ ; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ الْفَيْءَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى ، فَلِلَّهِ ، وَلِلرَّسُولِ ، وَلِذِي الْقُرْبَى ، وَالْيَتَامَى ، وَالْمَسَاكِينِ ، وَابْنِ السَّبِيلِ }} . فَتَأَمَّلْنَا مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ وَمَا أَنْكَرُوهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَنَفَوْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَوَجَدْنَاهُ فَاسِدًا ; لِأَنَّ الْأَفْيَاءَ الَّتِي أَفَاءَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ صِنْفَانِ : أَحَدُهُمَا الصِّنْفُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَوْتُهَا ، وَالصِّنْفُ الْآخَرُ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فِي السُّورَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا ، وَهِيَ قَوْلُهُ : {{ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ }} ، فَكَانَ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْفَيْءِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ دُونَ النَّاسِ جَمِيعًا ، فَكَانَتْ مِلْكًا لَا فَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ ، وَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ دُونَ النَّاسِ جَمِيعًا ، فَلَمْ يَسْتَأْثِرْهَا لِنَفْسِهِ ، وَرَدَّهَا فِي إعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَإِصْلَاحِ قُلُوبِ مَنْ يَخَافُ فَسَادَ قَلْبِهِ عَلَيْهِمْ , وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْتَحِلُ مَا يَنْتَحِلُونَ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ قُوَّةِ الْإِيمَانِ مَا مَعَهُمْ ، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ زِيَادَةً فِي فَضْلِهِ ، وَجَلَالَةً لِمَنْزِلَتِهِ ، وَإِعْظَامًا لِحُقُوقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ ، وَطَلَبًا مِنْهُا الْأُلْفَةَ بَيْنَ أُمَّتِهِ ، وَدَفْعِ الْمَكْرُوهِ فِيمَا يُخَافُ مِنْ بَعْضِهَا عَلَى بَقِيَّتِهَا ، فَكَانَتْ قِسْمَتُهُ تِلْكَ الْأَقْبِيَةَ بَيْنَ مَنْ قَسَّمَهَا عَلَيْهِ مِنْهُمْ لِذَلِكَ , وَكَانَ لِبَاسُهُ الْقَبَاءَ الْمَذْكُورَ لُبْسُهُ إيَّاهُ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ، وَهُوَ مَمْلُوكٌ بِهِ لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهِ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ خَبَّأَهُ لِمَخْرَمَةَ فَلَمْ يَمْلِكْهُ مَخْرَمَةُ بِذَلِكَ , وَإِنَّمَا مَلَكَهُ بِقَبْضِهِ إيَّاهُ مِنْهُ ، وَتَسْلِيمِهِ إيَّاهُ إلَيْهِ , وَاللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ .