حَدَّثَنَا أَبُو غَالِبٍ ، قَالَ : قَدِمْتُ دِمَشْقَ ، فَأَتَيْتُ مَسْجِدَهَا ، فَوَجَدْتُ أَبَا أُمَامَةَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقَعَدْتُ إلَيْهِ ، ثُمَّ نَهَضَ وَنَهَضْتُ مَعَهُ ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ، فَإِذَا رُؤُوسٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْقَنَاةِ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ رَأْسًا ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهَا أَبُو أُمَامَةَ ثَمَّ ، وَقَفَ ، قَالَ : يَا سُبْحَانَ اللَّهِ ، يَا سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مَا يَعْمَلُ الشَّيْطَانُ بِهَؤُلَاءِ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ : " شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ ثَلَاثًا وَخَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلَهُ هَؤُلَاءِ ، وَبَكَى ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَا أُمَامَةَ ، تَقُولُ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ ، ثُمَّ تَبْكِي ؟ فَقَالَ : رَحْمَةً لَهُمْ ، إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ، فَخَرَجُوا مِنْهُ ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ : {{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ }} حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ ، ثُمَّ قَالَ : هُمْ هَؤُلَاءِ ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : {{ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ }} حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ ، ثُمَّ قَالَ : هُمْ هَؤُلَاءِ . قَالَ : قُلْتُ : يَا أَبَا أُمَامَةَ ، هَذَا شَيْءٌ تُحَدِّثُ بِهِ مِنْ رَأْيِكَ ، أَوْ شَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : يَا سُبْحَانَ اللَّهِ ، يَا سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِنِّي إِذًا لَجَرِيءٌ قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا حَتَّى بَلَغَ سَبْعًا مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ . ثُمَّ قَالَ : مَنْ أَنْتُمْ ؟ قَالَ : قُلْتُ : مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ . قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ عِنْدَكُمْ كَثِيرٌ " .
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُمْرَانَ الْحُمْرَانِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو غَالِبٍ ، قَالَ : قَدِمْتُ دِمَشْقَ ، فَأَتَيْتُ مَسْجِدَهَا ، فَوَجَدْتُ أَبَا أُمَامَةَ فِي الْمَسْجِدِ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقَعَدْتُ إلَيْهِ ، ثُمَّ نَهَضَ وَنَهَضْتُ مَعَهُ ، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ، فَإِذَا رُؤُوسٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْقَنَاةِ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ رَأْسًا ، فَلَمَّا نَظَرَ إلَيْهَا أَبُو أُمَامَةَ ثَمَّ ، وَقَفَ ، قَالَ : يَا سُبْحَانَ اللَّهِ ، يَا سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مَا يَعْمَلُ الشَّيْطَانُ بِهَؤُلَاءِ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ : شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ ثَلَاثًا وَخَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلَهُ هَؤُلَاءِ ، وَبَكَى ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَا أُمَامَةَ ، تَقُولُ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلَ ، ثُمَّ تَبْكِي ؟ فَقَالَ : رَحْمَةً لَهُمْ ، إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ، فَخَرَجُوا مِنْهُ ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ : {{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ }} حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ ، ثُمَّ قَالَ : هُمْ هَؤُلَاءِ ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ : {{ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ }} حَتَّى خَتَمَ الْآيَةَ ، ثُمَّ قَالَ : هُمْ هَؤُلَاءِ . قَالَ : قُلْتُ : يَا أَبَا أُمَامَةَ ، هَذَا شَيْءٌ تُحَدِّثُ بِهِ مِنْ رَأْيِكَ ، أَوْ شَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ؟ قَالَ : يَا سُبْحَانَ اللَّهِ ، يَا سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِنِّي إِذًا لَجَرِيءٌ قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثًا لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا حَتَّى بَلَغَ سَبْعًا مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ . ثُمَّ قَالَ : مَنْ أَنْتُمْ ؟ قَالَ : قُلْتُ : مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ . قَالَ : أَمَا إِنَّهُمْ عِنْدَكُمْ كَثِيرٌ . قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَدَلَّ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا ، ثُمَّ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِعَجْزِ الْخَلْقِ عَنْ تَأْوِيلِ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهَا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ }} ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا يَقُولُهُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ ؛ لِيَمْتَثِلُوهُ وَيَتَمَسَّكُوا وَيَقْتَدُوا بِهِمْ فِيهِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا }} ، فَهَكَذَا يَكُونُ أَهْلُ الْحَقِّ فِي الْمُتَشَابِهِ مِنَ الْقُرْآنِ يَرُدُّونَهُ إِلَى عَالِمِهِ ، وَهُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ يَلْتَمِسُونَ تَأْوِيلَهُ مِنَ الْمُحْكَمَاتِ اللَّاتِي هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ، فَإِنْ وَجَدُوهُ فِيهَا عَمِلُوا بِهِ كَمَا يَعْمَلُونَ بِالْمُحْكَمَاتِ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدُوهُ فِيهَا لِتَقْصِيرِ عُلُومِهِمْ عَنْهُ لَمْ يَتَجَاوَزُوا فِي ذَلِكَ الْإِيمَانَ بِهِ ، وَرَدَّ حَقِيقَتِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلَمْ يَسْتَعْمِلُوا فِي ذَلِكَ الظُّنُونَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ اسْتِعْمَالَهَا فِي غَيْرِهِ ، وَإِذَا كَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِي غَيْرِهِ حَرَامًا كَانَ اسْتِعْمَالُهَا فِيهِ أَحْرَمَ ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ ، وَسَنَأْتِي بِذَلِكَ فِيمَا بَعْدُ فِي مَوْضِعٍ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ فِي بَقِيَّةِ كِتَابِنَا هَذَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَبِهِ التَّوْفِيقُ