عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : {{ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ }} قَالَ : " الطُّوفَانُ ، وَالْجَرَادُ ، وَالْقُمَّلُ ، وَالضَّفَادِعُ ، وَالدَّمُ ، وَيَدُهُ وَعَصَاهُ وَالسُّنُونَ وَنَقْصٌ مِنَ الثَّمَرَاتِ "
فَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ دَاوُدَ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ , أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ , أَخْبَرَنَا مَنْصُورٌ , عَنِ الْحَسَنِ , وَمُغِيرَةُ , عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : {{ تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ }} قَالَ : الطُّوفَانُ ، وَالْجَرَادُ ، وَالْقُمَّلُ ، وَالضَّفَادِعُ ، وَالدَّمُ ، وَيَدُهُ وَعَصَاهُ وَالسُّنُونَ وَنَقْصٌ مِنَ الثَّمَرَاتِ وَوَجَدْنَا أَحْمَدَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ , حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ , عَنْ إسْمَاعِيلَ , عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَعِكْرِمَةَ مِثْلَهُ . وَوَجَدْنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ : حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ , حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ , عَنْ أَبِي يَحْيَى , عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ وَكَانَتِ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَاتُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِي أَحَادِيثِ مَنْ ذَكَرْنَاهُ مَعَهُ مِنَ التَّابِعِينَ نِذَارَاتٍ وَتَخْوِيفَاتٍ وَوَعِيدَاتٍ وَكَانَتِ الْآيَاتُ هِيَ الْعَلَامَاتُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : {{ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً }} وَقَالَ : {{ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ }} فَكَانَتْ تِلْكَ الْآيَاتُ حُجَجًا عَلَى الْخَلْقِ ; لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى , وَأَنَّ الْمَخْلُوقِينَ عَاجِزُونَ عَنْهَا فَيَعْقِلُونَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُمُ الرُّجُوعُ إلَى أَمْرِهِ مِمَّا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ أَجْلِهِ مُعَاقِبُهُمْ وَمُعَذِّبُهُمْ وَالْآيَاتُ أَيْضًا فَقَدْ تَكُونُ عِبَادَاتٍ . وَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ عَبْدِهِ وَنَبِيِّهِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ قَوْلِهِ : {{ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً }} وَمِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ : {{ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا رَمْزًا }} فِي أَحَدِ الْمَوْضِعَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِيهِمَا فِي كِتَابِهِ وَفِي الْمَوْضِعِ الْآخَرِ مِنْهُمَا {{ قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا }} فَكَانَ تَصْحِيحُ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَا فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ هُوَ عَلَى الْآيَاتِ الَّتِي تَعَبَّدُوا بِهَا وَكَانَ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ الْآيَاتُ الَّتِي أُوعِدُوا بِهَا وَخَوِّفُوهَا وَأُنْذِرُوا بِهَا إنْ لَمْ يَعْمَلُوا مَا تُعُبِّدُوا بِهِ مَا قَدْ بَيَّنَهُ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَصَحَّ ذَلِكَ مَا فِي الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا وَعَقَلْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ مُرَادَهُ بِمَا فِي أَحَدِهِمَا غَيْرُ مُرَادِهِ بِمَا فِي الْآخَرِ مِنْهُمَا , وَاللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ . وَسَأَلَ سَائِلٌ فَقَالَ : فِيمَا قَدْ رَوَيْتَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَعَنْ صَفْوَانَ مَا قَدْ وَقَفْنَا بِهِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ كَانَ آتَى نَبِيَّهُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ آيَةً فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ اللَّذَيْنِ رَوَيْتُهُمَا مِنْهُ تِسْعُ آيَاتٍ وَإِنَّمَا فِي الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْتُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مِنْ أَجْلِهَا إيتَاؤُهُ إيَّاهُ تِسْعَ آيَاتٍ وَهِيَ قَوْلُهُ : {{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ }} وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا مِنَ الْآيَاتِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَالْحَاجَةُ بِنَا مِنْ بَعْدُ إلَى الْوُقُوفِ عَلَى التِّسْعِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَاتِ فِيهَا مَا هِيَ قَائِمَةٌ فَكَانَ جَوَابَنَا فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ أَنَّ فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَاهَا قَوْلِهِ تَعَالَى : {{ فَاسْأَلْ بَنِي إسْرَائِيلَ إذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إنِّي لَأَظُنَّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا }} فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ مُوسَى إنَّمَا كَانَ جَاءَ بَنِي إسْرَائِيلَ بِمَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى تَعَبَّدَهُمْ بِهِ حِينَئِذٍ لَا بِمَا سِوَاهُ ; وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْ أُرْسِلَ إلَى قَوْمٍ بِمَا تُعُبِّدُوا بِهِ يَأْتِيهِمْ بِنِذَارَاتٍ وَلَا وَعِيدَاتٍ وَلَا تَخْوِيفَاتٍ وَإِنَّمَا يَأْتِيهِمْ بِمَا أُرْسِلَ بِهِ إلَيْهِمْ لَا بِمَا سِوَاهُ فَإِنْ أَجَابُوهُ إلَى ذَلِكَ وَقَبِلُوهُ مِنْهُ اكْتَفَى بِذَلِكَ مِنْهُمْ وَحَمَلَهُمْ عَلَيْهِ وَغَنِيَ بِذَلِكَ عَمَّا سِوَاهُ مِنَ النِّذَارَاتِ وَالتَّخْوِيفَاتِ وَمِنَ الْوَعِيدَاتِ , فَلَمَّا قَابَلَهُ فِرْعَوْنُ لَمَّا جَاءَهُمْ بِهَا بِمَا قَابَلَهُ بِهِ فِيهِمْ مِنْ حَبْسِهِمْ وَدَعْوَاهُ رُبُوبِيَّتِهِمْ بِمَا حَكَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ لَهُمْ : {{ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرِي }} , وَمِنْ قَوْلِهِ لِمُوسَى لَمَّا قَالَ لَهُ مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا قَدْ رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْفُتُونِ فِي هَذَا الْبَابِ لَمَّا جَاءَهُ هُوَ وَأَخُوهُ هَارُونُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مِنْ قَوْلِهِ لَمَّا سَأَلَهُ عَمَّا يُرِيدُ فَقَالَ لَهُ مُوسَى : تُؤْمِنُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَتُرْسِلُ مَعِيَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَمِنْ قَوْلِ فِرْعَوْنَ عِنْدَ ذَلِكَ : {{ فَأْتِ بِآيَةٍ إنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }} فَجَاءَهُ مُوسَى مِنَ الْآيَاتِ بِمَا جَاءَهُ بِهِ مِمَّا قَدْ رَوَيْنَاه فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ التَّخْوِيفَاتِ وَالنِّذَارَاتِ وَالْوَعِيدَاتِ فَلَمَّا عَتَا عَنْ ذَلِكَ وَتَمَادَى فِي كُفْرِهِ وَفِي إبَاءَتِهِ عَلَى مُوسَى مَا دَعَا بَنِي إسْرَائِيلَ إلَيْهِ جَاءَهُ مِنَ اللَّهِ حَقِيقَةُ وَعِيدِهِ فَأَهْلَكَهُ وَقَوْمَهُ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ بِمَا أَهْلَكَهُمْ بِهِ مِمَّا ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْفُتُونِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ ذَلِكَ مَا قَدْ بَانَ بِهِ مَا الْآيَاتُ التِّسْعُ مِنَ الثَّمَانِيَ عَشْرَةَ الْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا كَانَ قَصْدُنَا فِي هَذَا الْجَوَابِ إلَى حَدِيثِ ابْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْفُتُونِ دُونَ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ مَوْلَاهُ عَنْهُ اللَّذَيْنِ رَوَيْنَاهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ ; لِأَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ ابْنِ جُبَيْرٍ هِيَ الَّتِي خَوَّفَ بِهَا مُوسَى فِرْعَوْنَ وَأَوْعَدَهُ بِهَا حِينَ لَمْ يُؤْمِنْ وَلَمْ يُجِبْهُ إلَى إرْسَالِ بَنِي إسْرَائِيلَ مَعَهُ وَحَدِيثُ عِكْرِمَةَ فِي تَحْقِيقِ الْآيَاتِ التِّسْعِ الْمُرَادَاتِ بِقَوْلِهِ : {{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ }} , وَذَلِكَ مِمَّا قَدْ دَفَعَهُ حَدِيثُ صَفْوَانَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ; لِأَنَّ حَدِيثَ صَفْوَانَ هَذَا مَخْرَجُهُ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى : {{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ }} كَمَا مَخْرَجُ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ تِلْكَ الْآيَاتِ هِيَ الْآيَاتُ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي حَدِيثِهِ عَنْهُ فَضَادَّ ذَلِكَ حَدِيثَ صَفْوَانَ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ حُجَّةٌ وَلِأَنَّ مَعْقُولًا , أَنَّ الَّذِي فِي حَدِيثِ عِكْرِمَةَ هَذَا مُحَالٌ ; لِأَنَّ فِيهِ الْمَجِيءَ بِالنِّذَارَاتِ وَالْوَعِيدَاتِ وَالتَّخْوِيفَاتِ قَبْلَ الْمَجِيءِ بِالشَّرِيعَةِ الَّتِي تَكُونُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عِنْدَ إبَاءَتِهَا , وَاللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ