فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ يَخْطُبُ النَّاسَ , وَهُوَ يَقُولُ : " مَنِ اسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اللَّهُ , وَمَنِ اسْتَعَفَّ , أَعَفَّهُ اللَّهُ , وَمَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ عِدْلُ خَمْسِ أَوَاقٍ , سَأَلَ إِلْحَافًا "
بِمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ , قَالَ : ثنا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ , قَالَ : ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ , قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ أَنَّهُ أَتَى أُمَّهُ فَقَالَتْ : يَا بُنَيَّ لَوْ ذَهَبْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ ، قَالَ : فَجِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ يَخْطُبُ النَّاسَ , وَهُوَ يَقُولُ : مَنِ اسْتَغْنَى أَغْنَاهُ اللَّهُ , وَمَنِ اسْتَعَفَّ , أَعَفَّهُ اللَّهُ , وَمَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ عِدْلُ خَمْسِ أَوَاقٍ , سَأَلَ إِلْحَافًا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَلَمَّا اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ , وَجَبَ الْكَشْفُ عَمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ ; لِنَسْتَخْرِجَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ , قَوْلًا صَحِيحًا . فَرَأَيْنَا الصَّدَقَةَ لَا تَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ : إِمَّا أَنْ تَكُونَ حَرَامًا لَا تَحِلُّ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ عِنْدَ الضَّرُورَاتِ إِلَيْهَا . أَوْ تَكُونُ تَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ مِقْدَارًا مِنَ الْمَالِ , فَتَحْرُمُ عَلَى مَالِكِهِ . فَرَأَيْنَا مَنْ مَلَكَ دُونَ مَا يُغَدِّيهِ , أَوْ دُونَ مَا يُعَشِّيهِ , كَانَتِ الصَّدَقَةُ لَهُ حَلَالًا , بِاتِّفَاقِ الْفِرَقِ كُلِّهَا . فَخَرَجَ بِذَلِكَ حُكْمُهَا , مِنْ حُكْمِ الْأَشْيَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي تَحِلُّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ . أَلَا تَرَى أَنَّ مَنِ اضْطُرَّ إِلَى الْمَيْتَةِ , أَنَّ الَّذِي يَحِلُّ لَهُ مِنْهَا , هُوَ مَا يُمْسِكُ بِهِ نَفْسَهُ , لَا مَا يُشَجِّعُ , حَتَّى يَكُونَ لَهُ غَدَاءٌ , أَوْ حَتَّى يَكُونَ لَهُ عَشَاءٌ . فَلَمَّا كَانَ الَّذِي يَحِلُّ مِنَ الصَّدَقَةِ , هُوَ بِخِلَافِ مَا يَحِلُّ مِنَ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ , ثَبَتَ أَنَّهَا إِنَّمَا تَحْرُمُ عَلَى مَنْ مَلَكَ مِقْدَارًا مَا . فَأَرَدْنَا أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ مَا هُوَ ؟ فَرَأَيْنَا مَنْ مَلَكَ دُونَ مَا يُغَدِّي , أَوْ دُونَ مَا يُعَشِّي , لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ غَنِيًّا . وَكَذَلِكَ مَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا , أَوْ خَمْسِينَ دِرْهَمًا , أَوْ مَا هُوَ دُونَ الْمِئَتَيْ دِرْهَمٍ , فَإِذَا مَلَكَ مِئَتَيْ دِرْهَمٍ , كَانَ بِذَلِكَ غَنِيًّا ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الزَّكَاةِ خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ , وَاجْعَلْهَا فِي فُقَرَائِهِمْ . فَعَلِمْنَا بِذَلِكَ أَنَّ مَالِكَ الْمِئَتَيْنِ غَنِيٌّ , وَأَنَّ مَا دُونَهَا غَيْرُ غَنِيٍّ . فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ الصَّدَقَةَ حَرَامٌ عَلَى مَالِكِ الْمِئَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا , وَأَنَّهَا حَلَالٌ لِمَنْ يَمْلِكُ مَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ , رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ