عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي تَفْسِيرِ الْمُلَامَسَةِ , وَالْمُنَابَذَةِ . قَالَ : " كَانَ الْقَوْمُ يَتَبَايَعُونَ السِّلَعَ , لَا يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا , وَلَا يُخْبِرُونَ عَنْهَا . وَالْمُنَابَذَةُ : أَنْ يَتَنَابَذَ الْقَوْمُ السِّلَعَ , لَا يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا , وَلَا يُخْبِرُونَ عَنْهَا , فَهَذَا مِنْ أَبْوَابِ الْقِمَارِ "
وَقَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ : ثنا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي تَفْسِيرِ الْمُلَامَسَةِ , وَالْمُنَابَذَةِ . قَالَ : كَانَ الْقَوْمُ يَتَبَايَعُونَ السِّلَعَ , لَا يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا , وَلَا يُخْبِرُونَ عَنْهَا . وَالْمُنَابَذَةُ : أَنْ يَتَنَابَذَ الْقَوْمُ السِّلَعَ , لَا يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا , وَلَا يُخْبِرُونَ عَنْهَا , فَهَذَا مِنْ أَبْوَابِ الْقِمَارِ حَدَّثَنَا يُونُسُ ، قَالَ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنْ رَبِيعَةَ ، قَالَ : كَانَ هَذَا مِنْ أَبْوَابِ الْقِمَارِ , فَنَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَهَذَا الزُّهْرِيُّ وَهُوَ أَحَدُ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ أَجَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا قَدْ أُخْبِرَ عَنْهُ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَايَنَهُ . فَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ابْتِيَاعِ الْغَائِبِ . فَقَالَ قَائِلٌ : مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ : مِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ بَيْعَ الْغَائِبِ وَهُوَ مَجْهُولٌ ؟ . قِيلَ لَهُ : مَا هُوَ بِمَجْهُولٍ فِي نَفْسِهِ , لِأَنَّهُ مَتَى رَجَعَ إِلَيْهِ , رَجَعَ إِلَى مَعْلُومٍ , فَهُوَ كَبَيْعِ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا , الْمَرْجُوعِ مِنْهَا إِلَى حِنْطَةٍ مَعْلُومَةٍ . وَإِنَّمَا الْجَهْلُ فِي هَذَا هُوَ جَهْلُ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي , فَأَمَّا الْبَيْعُ فِي نَفْسِهِ فَغَيْرُ مَجْهُولٍ . وَإِنَّمَا الْمَجْهُولُ الَّذِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ , هُوَ الْمَجْهُولُ فِي نَفْسِهِ الَّذِي لَا يَرْجِعُ مِنْهُ إِلَى مَعْلُومٍ , كَبَعْضِ طَعَامٍ غَيْرِ مُسَمًّى , بَاعَهُ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ . فَذَلِكَ الْبَعْضُ , غَيْرُ مَعْلُومٍ , وَغَيْرُ مَرْجُوعٍ مِنْهُ إِلَى مَعْلُومٍ , فَالْعَقْدُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ . وَقَدْ وَجَدْنَا الْبَيْعَ يَجُوزُ عَقْدُهُ عَلَى طَعَامٍ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنَّهُ كَذَا وَكَذَا قَفِيزًا , وَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي , لَا يَعْلَمَانِ حَقِيقَةَ كَيْلِهِ . فَيَكُونُ مِنْ حُقُوقِ الْبَيْعِ وُجُوبُ الْكَيْلِ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ , وَلَا يَكُونُ جَهْلُهُمَا بِهِ , وَيُوجِبُ وُقُوعَ الْبَيْعِ عَلَى كَيْلٍ مَجْهُولٍ , إِذَا كَانَا يَرْجِعَانِ مِنْ ذَلِكَ إِلَى كَيْلٍ مَعْلُومٍ . فَذَلِكَ الطَّعَامُ الْغَائِبُ إِذَا بِيعَ , وَالْمُشْتَرِي وَالْبَائِعُ بِهِ جَاهِلَانِ , لَا يَكُونُ جَهْلُهُمَا بِهِ يُوجِبُ وُقُوعَ الْعَقْدِ عَلَى شَيْءٍ مَجْهُولٍ , إِذَا كَانَا يَرْجِعَانِ مِنْهُ إِلَى طَعَامٍ مَعْلُومٍ . فَهَذَا هُوَ النَّظَرُ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ , رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ . وَقَدْ رَوَيْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا أَنَّ عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا تَبَايَعَا مَالًا بِالْكُوفَةِ . فَقَالَ عُثْمَانُ : لِي الْخِيَارُ , لِأَنِّي بِعْتُ مَا لَمْ أَرَ . وَقَالَ طَلْحَةُ : لِي الْخِيَارُ , لِأَنِّي ابْتَعْتُ مَا لَمْ أَرَ . فَحَكَّمَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا , بَيْنَهُمَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ , فَقَضَى الْخِيَارَ لِطَلْحَةَ وَلَا خِيَارَ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . فَاتَّفَقَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ شَيْءٍ غَائِبٍ مِنْ بَائِعِهِ , وَعَنْ مُشْتَرِيهِ