فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ : " أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّبَعْتُ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " . قَالُوا : فَأَرِنَا , فَقَامَ يُصَلِّي وَهُمْ يَنْظُرُونَ , فَكَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ التَّكْبِيرِ , ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا , ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى , قَامَ وَلَمْ يَتَوَرَّكْ
بِمَا حَدَّثَنِي بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ الرَّازِيُّ قَالَ : ثنا أَبُو هَمَّامٍ الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ الْكُوفِيُّ قَالَ : ثنا أَبِي , قَالَ : ثنا أَبُو خَيْثَمَةَ قَالَ : ثنا الْحُسَيْنُ الْكُوفِيُّ بْنُ الْحُرِّ قَالَ : حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنِ ابْنِ عَيَّاشِ بْنِ سَهْلٍ السَّاعِدِيِّ وَكَانَ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَبُوهُ , وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَفِي الْمَجْلِسِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو أُسَيْدٍ وَأَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ وَالْأَنْصَارُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ , أَنَّهُمْ تَذَاكَرُوا الصَّلَاةَ . فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ : أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ اتَّبَعْتُ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ . قَالُوا : فَأَرِنَا , فَقَامَ يُصَلِّي وَهُمْ يَنْظُرُونَ , فَكَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ التَّكْبِيرِ , ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا , ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ لَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى , قَامَ وَلَمْ يَتَوَرَّكْ فَلَمَّا جَاءَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا , وَخَالَفَ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ , احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ , لِعِلَّةٍ كَانَتْ بِهِ , فَقَعَدَ مِنْ أَجْلِهَا , لَا لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ , كَمَا قَدْ كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَتَرَبَّعُ بِالصَّلَاةِ فَلَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ : إِنْ رِجْلِي لَا تَحْمِلَانِي . فَكَذَلِكَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ الْقُعُودِ , كَانَ لِعِلَّةٍ أَصَابَتْهُ , حَتَّى لَا يُضَادَّ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ , وَلَا يُخَالِفُهُ . وَهَذَا أَوْلَى بِنَا مِنْ حَمْلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَى التَّضَادِّ وَالتَّنَافِي . وَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ أَيْضًا فِيهِ حِكَايَةُ أَبِي حُمَيْدٍ مَا حُكِيَ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ . فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ مَا عِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا حَكَاهُ لَهُمْ . وَفِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي كَلَامِ أَيُّوبَ أَنَّ مَا كَانَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ يَرَى النَّاسَ يَفْعَلُونَهُ ، وَهُوَ فَقَدْ رَأَى جَمَاعَةً مِنْ جُمْلَةِ التَّابِعِينَ . فَذَلِكَ حُجَّةٌ فِي دَفْعِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مَالِكٍ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً . ثُمَّ النَّظَرُ مِنْ بَعْدِ هَذَا يُوَافِقُ مَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . وَذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَا الرَّجُلَ إِذَا خَرَجَ فِي صَلَاتِهِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ اسْتَأْنَفَ ذِكْرًا . مِنْ ذَلِكَ أَنَّا رَأَيْنَاهُ إِذَا أَرَادَ الرُّكُوعَ كَبَّرَ وَخَرَّ رَاكِعًا , وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ , قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَإِذَا خَرَّ مِنَ الْقِيَامِ إِلَى السُّجُودِ فَقَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَإِذَا عَادَ إِلَى السُّجُودِ فَعَلَ ذَلِكَ أَيْضًا , وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ لَمْ يُكَبِّرْ مِنْ بَعْدِ رَفْعِهِ رَأْسَهُ إِلَى أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِمًا , غَيْرَ تَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ . فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ سُجُودِهِ وَقِيَامِهِ جُلُوسٌ . وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا جُلُوسٌ , لَاحْتَاجَ أَنْ يَكُونَ تَكْبِيرُهُ بَعْدَ رَفْعِهِ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ , لِلدُّخُولِ فِي ذَلِكَ الْجُلُوسِ , وَلَاحْتَاجَ إِلَى تَكْبِيرٍ آخَرَ , إِذَا نَهَضَ لِلْقِيَامِ . فَلَمَّا لَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ , ثَبَتَ أَنْ لَا قُعُودَ بَيْنَ الرَّفْعِ مِنَ السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ , وَالْقِيَامِ إِلَى الرَّكْعَةِ الَّتِي بَعْدَهَا , لِيَكُونَ حُكْمُ ذَلِكَ وَحُكْمُ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ , مُؤْتَلِفًا غَيْرَ مُخْتَلِفٍ . فَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ , رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ