عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ , تَكُونُ تَحْتَ النَّصْرَانِيِّ أَوِ الْيَهُودِيِّ , فَتُسْلِمُ هِيَ , قَالَ " يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا , الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ "
حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ , قَالَ : ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُكَيْرٍ , قَالَ : ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , فِي الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ , تَكُونُ تَحْتَ النَّصْرَانِيِّ أَوِ الْيَهُودِيِّ , فَتُسْلِمُ هِيَ , قَالَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا , الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ وَحَدَّثَنَا ابْنُ مَرْزُوقٍ , قَالَ : ثنا أَبُو دَاوُدَ , قَالَ : ثنا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ , عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ , غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ : الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى أَفَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ النَّصْرَانِيَّةُ عِنْدَهُ إِذَا أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَزَوْجُهَا نَصْرَانِيٌّ , أَنَّهَا تَبِينُ مِنْهُ , وَلَا يُنْتَظَرُ بِهَا إِسْلَامُهُ إِلَى أَنْ تَخْرُجَ مِنَ الْعِدَّةِ , وَتَكُونُ الْحَرْبِيَّةُ الَّتِي لَيْسَتْ بِكِتَابِيَّةٍ , إِذَا أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ , ثُمَّ جَاءَتْنَا مُسْلِمَةً , يُنْتَظَرُ بِهَا إِلْحَاقُ زَوْجِهَا بِهَا مُسْلِمًا , فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خُرُوجِهَا مِنَ الْعِدَّةِ ؟ هَذَا مُحَالٌ , لِأَنَّ إِسْلَامَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ إِذَا كَانَ يُبِينُهَا مِنْ زَوْجِهَا النَّصْرَانِيِّ الذِّمِّيِّ , فَإِسْلَامُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَخُرُوجُهَا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ , وَتَرْكُهَا زَوْجَهَا الْمُشْرِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَنْ يُبِينَهَا , فَثَبَتَ بِهَذَا , مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا , أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْعِصْمَةَ مُنْقَطِعَةً بِإِسْلَامِ الْمَرْأَةِ , لَا لِخُرُوجِهَا مِنَ الْعِدَّةِ , وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ , اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ مَا قَدْ كَانَ ثَبَتَ عِنْدَهُ , مِنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , فِي رَدِّهِ زَيْنَبَ , عَلَى أَبِي الْعَاصِ , عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ , وَصَارَ إِلَى خِلَافِهِ , إِلَّا بَعْدَ ثُبُوتِ نَسْخِ ذَلِكَ عِنْدَهُ , فَهَذَا وَجْهُ هَذَا الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ الْآثَارِ , وَأَمَّا النَّظَرُ فِي ذَلِكَ , فَإِنَّا رَأَيْنَا الْمَرْأَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ , فَقَدْ صَارَتْ إِلَى حَالٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ نِكَاحَهُ عَلَيْهَا , لِأَنَّهَا مُسْلِمَةٌ وَهُوَ كَافِرٌ , فَأَرَدْنَا أَنْ نَنْظُرَ إِلَى مَا يَطْرَأُ عَلَى النِّكَاحِ , مِمَّا لَا يَجُوزُ مَعَهُ الِاسْتِقْبَالُ لِلنِّكَاحِ , كَيْفَ حُكْمُهُ ؟ فَرَأَيْنَا اللَّهَ , عَزَّ وَجَلَّ , قَدْ حَرَّمَ الْأَخَوَاتِ مِنَ الرَّضَاعَةِ , وَكَانَ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً صَغِيرَةً لَا رَضَاعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَأَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ , حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ , وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ , فَكَانَ الرَّضَاعُ الطَّارِئُ عَلَى النِّكَاحِ , فِي حُكْمِ الرَّضَاعِ الْمُتَقَدِّمِ لِلنِّكَاحِ فِي أَشْبَاهٍ لِذَلِكَ , يَطُولُ الْكِتَابُ بِذِكْرِهَا , وَكَانَتْ ثَمَّةَ أَشْيَاءَ , يَخْتَلِفُ فِيهَا الْحُكْمُ إِذَا كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً لِلنِّكَاحِ , أَوْ طَرَأَتْ عَلَى النِّكَاحِ , مِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ نِكَاحَ الْمَرْأَةِ فِي عِدَّتِهَا مِنْ زَوْجِهَا , وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ الْعِدَّةَ مِنَ الْجِمَاعِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ , يَمْنَعُ مِنَ النِّكَاحِ , كَمَا يَمْنَعُ إِذَا كَانَتْ بِسَبَبِ نِكَاحٍ صَحِيحٍ , وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ , وَلَهَا زَوْجٌ , فَوَجَبَتْ عَلَيْهَا بِذَلكَ عِدَّةٌ , لَمْ تَبِنْ بِذَلِكَ مِنْ زَوْجِهَا , وَلَمْ يُجْعَلْ هَذِهِ الْعِدَّةُ كَالْعِدَّةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لِلنِّكَاحِ , فَفُرِّقَ فِي هَذَا , بَيْنَ حُكْمِ الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمُسْتَدْبَرِ , فَأَرَدْنَا أَنْ نَنْظُرَ فِي الْمَرْأَةِ إِذَا أَسْلَمَتْ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ , هَلْ تَبِينُ مِنْهُ بِذَلِكَ , وَيَكُونُ حُكْمُ مُسْتَقْبِلِ ذَلِكَ وَمُسْتَدْبِرِهِ سَوَاءً , كَمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الرِّضَاعِ الَّذِي ذَكَرْنَا ؟ أَوْ لَا تَبِينُ مِنْهُ بِإِسْلَامِهَا , فَلَا يَكُونُ حُكْمُ إِسْلَامِهَا الْحَادِثِ كَهُوَ , إِذَا كَانَ قَبْلَ النِّكَاحِ , كَالْعِدَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا الَّتِي فُرِّقَ بَيْنَ حُكْمِ الْمُسْتَقْبِلِ فِيهَا وَحُكْمِ الْمُسْتَدْبِرِ ؟ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ , فَوَجَدْنَا الْعِدَّةَ الطَّارِئَةَ عَلَى النِّكَاحِ , لَا يَجِبُ فِيهَا فُرْقَةٌ فِي حَالِ وُجُوبِهَا , وَلَا بَعْدَ ذَلِكَ , وَكَانَ الرَّضَاعُ الَّذِي ذَكَرْنَا , يَجِبُ بِهِ الْفُرْقَةُ فِي حَالِ كَوْنِهِ , وَلَا يُنْتَظَرُ بِهَا شَيْءٌ بَعْدَهُ , وَكَانَ الْإِسْلَامُ الطَّارِئُ عَلَى النِّكَاحِ , كُلٌّ قَدْ أَجْمَعَ أَنَّ فُرْقَةً تَجِبُ بِهِ , فَقَالَ قَوْمٌ : تَجِبُ فِي وَقْتِ إِسْلَامِ الْمَرْأَةِ , وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا , وَقَالَ آخَرُونَ : لَا تَجِبُ الْفُرْقَةُ , حَتَّى تَعْرِضَ عَلَى الزَّوْجِ الْإِسْلَامَ فَيَأْبَاهُ , فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ أَوْ تَخْتَارُهُ , فَتَكُونُ امْرَأَتُهُ عَلَى حَالِهَا , وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَقَالَ آخَرُونَ : هِيَ امْرَأَتُهُ مَا لَمْ يُخْرِجْهَا مِنْ أَرْضِ الْهِجْرَةِ , وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , وَسَنَأْتِي بِأَسَانِيدَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ , إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ إِسْلَامَ الزَّوْجَةِ الطَّارِئَ عَلَى النِّكَاحِ : يُوجِبُ الْفُرْقَةَ , بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ زَوْجِهَا , فِي حَالِ مَا ثَبَتَ , أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ بِحُكْمِ الرَّضَاعِ , أَشْبَهُ مِنْهُ بِحُكْمِ الْعِدَّةِ , فَلَمَّا كَانَ الرَّضَاعُ تَجِبُ بِهِ الْفُرْقَةُ سَاعَةَ يَكُونُ , وَلَا يَنْتَظِرُ بِهِ خُرُوجَ الْمَرْأَةِ مِنْ عِدَّتِهَا , كَانَ كَذَلِكَ , الْإِسْلَامُ , فَهَذَا وَجْهُ النَّظَرِ فِي هَذَا الْبَابِ , أَنَّ الْمَرْأَةَ تَبِينُ مِنْ زَوْجِهَا بِإِسْلَامِهَا , فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَانَتْ , أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ , وَقَدْ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَأَبُو يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمُ اللَّهُ , يُخَالِفُونَ هَذَا , وَيَقُولُونَ فِي الْحَرْبِيَّةِ , إِذَا أَسْلَمَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ , إِنَّهَا امْرَأَتُهُ , مَا لَمْ تَحِضْ ثَلَاثَ حِيَضٍ , أَوْ تَخْرُجْ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ , فَأَيُّ ذَلِكَ كَانَتْ بَانَتْ بِهِ مِنْ زَوْجِهَا , وَقَالُوا : كَانَ النَّظَرُ فِي هَذَا , أَنْ تَبِينَ مِنْ زَوْجِهَا بِإِسْلَامِهَا سَاعَةَ أَسْلَمَتْ , وَقَالُوا : إِذَا أَسْلَمَتْ , وَزَوْجُهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ , فَهِيَ امْرَأَتُهُ عَلَى حَالِهَا , حَتَّى يَعْرِضَ الْقَاضِي عَلَى زَوْجِهَا الْإِسْلَامَ فَيُسْلِمُ , فَتَبْقَى تَحْتَهُ , أَوْ يَأْبَى , فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا , وَقَالُوا : كَانَ النَّظَرُ فِي ذَلِكَ أَنْ تَبِينَ مِنْهُ بِإِسْلَامِهَا , سَاعَةَ أَسْلَمَتْ , وَلَكِنَّا قَلَّدْنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ , فَذَكَرُوا مَا