أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ أَنْ يَرْكَبَ رَاحِلَتَهُ أَيَّامَ مِنًى , فَيَصِيحُ فِي النَّاسِ : " أَلَا لَا يَصُومَنَّ أَحَدٌ , فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ " , قَالَ : فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ يُنَادِي بِذَلِكَ
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ , قَالَ : ثنا حُسَيْنُ بْنُ مَهْدِيٍّ , قَالَ : ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ , قَالَ : أنا مَعْمَرٌ , عَنِ الزُّهْرِيِّ , عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ الْأَنْصَارِيِّ , عَنْ رَجُلٍ , مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : أَمَرَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ أَنْ يَرْكَبَ رَاحِلَتَهُ أَيَّامَ مِنًى , فَيَصِيحُ فِي النَّاسِ : أَلَا لَا يَصُومَنَّ أَحَدٌ , فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ , قَالَ : فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ يُنَادِي بِذَلِكَ قَالُوا : فَلَمَّا ثَبَتَ بِهَذِهِ الْآثَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ , وَكَانَ نَهْيُهُ عَنْ ذَلِكَ بِمِنًى وَالْحُجَّاجُ مُقِيمُونَ بِهَا , وَفِيهِمُ الْمُتَمَتِّعُونَ وَالْقَارِنُونَ , وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُمْ مُتَمَتِّعًا وَلَا قَارِنًا , دَخَلَ الْمُتَمَتِّعُونَ وَالْقَارِنُونَ فِي ذَلِكَ النَّهْيِ أَيْضًا . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَلِمَ صَارَ هَذَا أَوْلَى مِمَّا رَوَيْتُمْ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ ؟ قِيلَ لَهُ : مِنْ قِبَلِ صِحَّةِ مَا جَاءَ فِي هَذَا , وَتَوَاتُرِ الْآثَارِ بِهِ وَفَسَادِ مَا جَاءَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ . مِنْ ذَلِكَ , حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ سَلَّامٍ , عَنْ شُعْبَةَ , فَهُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ , لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالرِّوَايَةِ , لِضَعْفِ يَحْيَى بْنِ سَلَّامٍ عِنْدَهُمْ , وَابْنِ أَبِي لَيْلَى , وَفَسَادِ حِفْظِهِمَا , مَعَ أَنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ أَطَعْنَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِشَيْءٍ , وَلَكِنْ ذَكَرْتُ مَا تَقُولُ أَهْلُ الرِّوَايَةِ فِي ذَلِكَ . وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ بَعْدِهِ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهُمَا قَالَا : لَمْ يُرَخَّصْ لِأَحَدٍ فِي صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إِلَّا لِمُحْصَرٍ أَوْ مُتَمَتِّعٍ . فَقَوْلُهُمَا ذَلِكَ , يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا عَنَيَا بِهَذِهِ الرُّخْصَةِ , مَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ {{ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ }} فَعَدَّاهَا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ , مِنْ أَيَّامِ الْحَجِّ فَقَالَا : رُخِّصَ لِلْحَاجِّ الْمُتَمَتِّعِ وَالْمُحْصَرِ فِي صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِهَذِهِ الْآيَةِ . وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ , عِنْدَهُمَا , مِنْ أَيَّامِ الْحَجِّ , وَخَفِيَ عَلَيْهِمَا مَا كَانَ مِنْ تَوْقِيفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ النَّاسَ مِنْ بَعْدُ , عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ لَيْسَتْ بِدَاخِلَةٍ فِيمَا أَبَاحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَوْمَهُ مِنْ ذَلِكَ . فَهَذَا وَجْهُ هَذَا الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ تَصْحِيحِ مَعَانِي الْآثَارِ . وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ فَإِنَّا قَدْ رَأَيْنَاهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ لَا يُصَامُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ إِلَى أَيَّامِ الْحَجِّ أَقْرَبُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ , لِمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِهِ , مِمَّا سَنَذْكُرُهُ فِي هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . فَكَمَا كَانَ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي ذَلِكَ , يَدْخُلُ فِيهِ الْمُتَمَتِّعُونَ وَالْقَارِنُونَ وَالْمُحْصَرُونَ , كَانَ كَذَلِكَ نَهْيُهُ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ , يَدْخُلُونَ فِيهِ أَيْضًا . فَمِمَّا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ