مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ , قَدْ كَشَفْتُ عَنْ فَخِذِي فَقَالَ : " غَطِّ فَخِذَكَ , الْفَخِذُ عَوْرَةٌ "
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، قَالَ : ثنا مُسَدَّدٌ ، قَالَ : ثنا يَحْيَى ، عَنْ مِسْعَرٍ ، قَالَ : ثنا أَبُو الزِّنَادِ ، عَنْ عَمِّهِ ، زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَرْهَدٍ , عَنْ جَدِّهِ جَرْهَدٍ , قَالَ : مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَعَلَيَّ بُرْدَةٌ , قَدْ كَشَفْتُ عَنْ فَخِذِي فَقَالَ : غَطِّ فَخِذَكَ , الْفَخِذُ عَوْرَةٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : فَهَذِهِ الْآثَارُ الْمَرْوِيَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , تُخْبِرُ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ , وَلَمْ يُضَادَّهَا أَثَرٌ صَحِيحٌ . فَقَدْ ثَبَتَ بِهَا أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ , تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِكَشْفِهَا , كَمَا تَبْطُلُ بِكَشْفِ مَا سِوَاهَا مِنَ الْعَوْرَاتِ . فَهَذَا وَجْهُ هَذَا الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ تَصْحِيحِ مَعَانِي الْآثَارِ . وَأَمَّا وَجْهُ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ , فَإِنَّا رَأَيْنَا الرَّجُلَ يَنْظُرُ مِنَ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَا مَحْرَمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا , وَلَا يَنْظُرُ إِلَى مَا فَوْقَ ذَلِكَ , مِنْ رَأْسِهَا , وَلَا إِلَى أَسْفَلِ مِنْهُ , مِنْ بَطْنِهَا , وَظَهْرِهَا , وَفَخِذَيْهَا , وَسَاقَيْهَا , وَرَأَيْنَاهُ فِي ذَاتِ الْمَحْرَمِ مِنْهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى صَدْرِهَا , وَشَعْرِهَا , وَوَجْهِهَا , وَرَأْسِهَا , وَسَاقِهَا , وَلَا يَنْظُرُ إِلَى مَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ بَدَنِهَا . وَكَذَلِكَ رَأَيْنَاهُ يَنْظُرُ مِنَ الْأَمَةِ الَّتِي لَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهَا , وَلَا مَحْرَمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا , فَكَانَ مَمْنُوعًا مِنَ النَّظَرِ مِنْ ذَاتِ الْمَحْرَمِ مِنْهُ وَمِنَ الْأَمَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِمَحْرَمٍ لَهُ , وَلَا مِلْكَ لَهُ عَلَيْهَا ، إِلَى فَخِذِهَا , كَمَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنَ النَّظَرِ إِلَى فَرْجِهَا فَصَارَ حُكْمُ الْفَخِذِ مِنَ النِّسَاءِ , كَحُكْمِ الْفَرَجِ , لَا كَحُكْمِ السَّاقِ . فَالنَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الرِّجَالِ أَيْضًا كَذَلِكَ , وَأَنْ يَكُونَ حُكْمُ فَخِذِ الرَّجُلِ فِي النَّظَرِ إِلَيْهِ , كَحُكْمِ فَرْجِهِ فِي النَّظَرِ إِلَيْهِ , لَا كَحُكْمِ سَاقِهِ . فَلَمَّا كَانَ النَّظَرُ إِلَى فَرْجِهِ مُحَرَّمًا , كَانَ كَذَلِكَ النَّظَرُ إِلَى فَخِذِهِ مُحَرَّمًا , وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ حَرَامًا عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ مِنْهُ إِلَى ذَاتِ الْمَحْرَمِ مِنْهُ , فَحَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ . وَكُلُّ مَا كَانَ حَلَالًا أَنْ يَنْظُرَ ذُو الْمَحْرَمِ مِنَ الْمَرْأَةِ ذَاتِ الْمَحْرَمِ مِنْهُ , فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَهُ الرِّجَالُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ . فَهَذَا هُوَ أَصْلُ النَّظَرِ فِي هَذَا الْبَابِ , وَقَدْ وَافَقَ ذَلِكَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ الَّتِي رَوَيْنَاهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ . فَبِذَلِكَ نَأْخُذُ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ , وَأَبِي يُوسُفَ , وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى