عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ شَاةً مَيْتَةً أُعْطِيَتَهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنَ الصَّدَقَةِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا " قَالُوا : إِنَّهَا مَيْتَةٌ , قَالَ : " إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا "
حَدَّثَنَا يُونُسُ ، قَالَ : أنا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وَجَدَ شَاةً مَيْتَةً أُعْطِيَتَهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنَ الصَّدَقَةِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ : أَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا قَالُوا : إِنَّهَا مَيْتَةٌ , قَالَ : إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الَّذِي حَرُمَ مِنَ الشَّاةِ بِمَوْتِهَا , هُوَ الَّذِي يُرَادُ مِنْهَا لِلْأَكْلِ لَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ جُلُودِهَا وَعَصَبِهَا . فَهَذَا وَجْهُ هَذَا الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ الْآثَارِ . وَأَمَّا وَجْهُهُ مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ , فَإِنَّا قَدْ رَأَيْنَا الْأَصْلَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَصِيرَ لَا بَأْسَ بِشُرْبِهِ , وَالِانْتِفَاعِ بِهِ , مَا لَمْ يَحْدُثْ فِيهِ صِفَاتُ الْخَمْرِ . فَإِذَا حَدَثَتْ فِيهِ صِفَاتُ الْخَمْرِ , حَرُمَ بِذَلِكَ , ثُمَّ لَا يَزَالُ حَرَامٌ كَذَلِكَ حَتَّى تَحْدُثَ فِيهِ صِفَاتُ الْخَلِّ . فَإِذَا حَدَثَتْ فِيهِ صِفَاتُ الْخَلِّ حَلَّ . فَكَانَ يَحِلُّ بِحُدُوثِ الصِّفَةِ , وَيَحْرُمُ بِحُدُوثِ صِفَةٍ غَيْرِهَا , وَإِنْ كَانَ بَدَنًا وَاحِدًا . فَالنَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ جِلْدُ الْمَيْتَةِ , يَحْرُمُ بِحُدُوثِهِ صِفَةُ الْمَوْتِ فِيهِ , وَيَحِلُّ بِحُدُوثِ صِفَةِ الْأَمْتِعَةِ فِيهِ مِنَ الثِّيَابِ وَغَيْرِهَا فِيهِ . وَإِذَا دُبِغَ فَصَارَ كَالْجُلُودِ وَالْأَمْتِعَةِ , فَقَدْ حَدَثَتْ فِيهِ صِفَةُ الْحَلَالِ . فَالنَّظَرُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنْ يَحِلَّ أَيْضًا بِحُدُوثِ تِلْكَ الصِّفَةِ فِيهِ . وَحُجَّةٌ أُخْرَى : أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ , لَمَّا أَسْلَمُوا , لَمْ يَأْمُرْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِطَرْحِ نِعَالِهِمْ وَخِفَافِهِمْ وَأَنْطَاعِهِمْ , الَّتِي كَانُوا اتَّخَذُوهَا فِي حَالِ جَاهِلِيَّتِهِمْ , وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ مَيْتَةٍ , أَوْ مِنْ ذَبِيحَةٍ . فَذَبِيحَتُهُمْ حِينَئِذٍ إِنَّمَا كَانَتْ ذَبِيحَةَ أَهْلِ الْأَوْثَانِ , فَهِيَ ، فِي حُرْمَتِهَا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ ، كَحُرْمَةِ الْمَيْتَةِ . فَلَمَّا لَمْ يَأْمُرْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِطَرْحِ ذَلِكَ , وَتَرْكِ الِانْتِفَاعِ بِهِ , ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَدْ خَرَجَ مِنْ حُكْمِ الْمَيْتَةِ وَنَجَاسَتِهَا بِالدِّبَاغِ , إِلَى حُكْمِ سَائِرِ الْأَمْتِعَةِ وَطَهَارَتِهَا . وَكَذَلِكَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِذَا افْتَتَحُوا بُلْدَانَ الْمُشْرِكِينَ لَا يَأْمُرُهُمْ بِأَنْ يُتَحَامَوْا خِفَافَهُمْ وَنِعَالَهُمْ وَأَنْطَاعَهُمْ وَسَائِرَ جُلُودِهِمْ , فَلَا يَأْخُذُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا , بَلْ كَانَ لَا يَمْنَعُهُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ , فَذَلِكَ دَلِيلٌ أَيْضًا , عَلَى طَهَارَةِ الْجُلُودِ بِالدِّبَاغِ