عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ ، فَإِذَا أَرَادَ الْمَكْتُوبَةَ أَوِ الْوِتْرَ أَنَاخَ فَصَلَّى بِالْأَرْضِ "
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ ، نا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ ، نا الْأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ ، فَإِذَا أَرَادَ الْمَكْتُوبَةَ أَوِ الْوِتْرَ أَنَاخَ فَصَلَّى بِالْأَرْضِ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : تَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ دَالٌ عَلَى خِلَافِ خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ ، وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْخَبَرَ أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى الرَّاحِلَةِ ، وَهَذَا غَلَطٌ وَإِغْفَالٌ مِنْ قَائِلِهِ ، وَلَيْسَ هَذَا الْخَبَرُ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ مَنْ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ يُضَادُّ خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ ، بَلِ الْخَبَرَانِ جَمِيعًا مُتَّفِقَانِ مُسْتَعْمَلَانِ ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَخْبَرَ بِمَا رَأَى النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَفْعَلُهُ ، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ عَلِمَ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا إِجَازَةَ كِلَا الْخَبَرَيْنِ . قَدْ رَأَى ابْنُ عُمَرَ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، فَأَدَّى مَا رَأَى ، وَرَأَى جَابِرٌ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَأَوْتَرَ بِالْأَرْضِ ، فَأَدَّى مَا رَأَى النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَجَائِزٌ أَنْ يُوتِرَ الْمَرْءُ عَلَى رَاحِلَتِهِ كَمَا فَعَلَ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، وَجَائِزٌ أَنْ يُنِيخَ رَاحِلَتَهُ فَيَنْزِلُ فَيُوتِرُ عَلَى الْأَرْضِ ، إِذِ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَدْ فَعَلَ الْفِعْلَيْنِ جَمِيعًا ، وَلَمْ يَزْجُرْ عَنْ أَحَدِهِمَا بَعْدَ فِعْلِهِ ، وَهَذَا مِنَ اخْتِلَافِ الْمُبَاحِ . وَلَوْ لَمْ يُوتِرِ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى الْأَرْضِ ، وَقَدْ أَوْتَرَ عَلَى الرَّاحِلَةِ كَانَ غَيْرُ جَائِزٍ لِلْمُسَافِرِ الرَّاكِبِ أَنْ يَنْزِلَ فَيُوتِرُ عَلَى الْأَرْضِ ، وَلَكِنْ لَمَّا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ الْفِعْلَيْنِ جَمِيعًا ، كَانَ الْمُوتِرُ بِالْخِيَارِ فِي السَّفَرِ إِنْ أَحَبَّ أَوْتَرَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، وَإِنْ شَاءَ نَزَلَ فَأَوْتَرَ عَلَى الْأَرْضِ ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ سُنَّتِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَهْجُورًا إِذَا أَمْكَنَ اسْتِعْمَالُهُ ، وَإِنَّمَا يُتْرَكُ بَعْضُ خَبَرِهِ بِبَعْضٍ إِذَا لَمْ يُمْكِنِ اسْتِعْمَالُهَا جَمِيعًا ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا يَدْفَعُ الْآخَرَ فِي جَمِيعِ جِهَاتِهِ ، فَيَجِبُ حِينَئِذٍ طَلَبُ النَّاسِخِ مِنَ الْخَبَرَيْنِ وَالْمَنْسُوخِ مِنْهُمَا ، وَيُسْتَعْمَلُ النَّاسِخُ دُونَ الْمَنْسُوخِ ، وَلَوْ جَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْفَعَ خَبَرَ ابْنِ عُمَرَ بِخَبَرِ جَابِرٍ كَانَ أَجْوَزَ لَآخَرَ أَنْ يَدْفَعَ خَبَرَ جَابِرٍ بِخَبَرِ ابْنِ عُمَرَ ؛ لِأَنَّ أَخْبَارَ ابْنِ عُمَرَ فِي وِتْرِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَكْثَرُ أَسَانِيدَ ، وَأَثْبَتُ ، وَأَصَحُّ مِنْ خَبَرِ جَابِرٍ ، وَلَكِنْ غَيْرُ جَائِزٍ لِعَالِمٍ أَنْ يَدْفَعَ أَحَدَ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ بِالْآخَرِ بَلْ يُسْتَعْمَلَانِ جَمِيعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَقَدْ خَرَّجْتُ طُرُقَ خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ فِي كِتَابِ الْكَبِيرُ