عَنْ أُمِّ هَانِئٍ ، قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغَلَسٍ ، وَأَنَا عَلَى فِرَاشِي ، فَقَالَ : " شَعَرْتُ أَنِّي نِمْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فَأَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَذَهَبَ بِي إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ، فَإِذَا دَابَّةٌ أَبْيَضُ ، فَوْقَ الْحِمَارِ ، وَدُونَ الْبَغْلِ ، مُضْطَرِبُ الْأُذُنَيْنِ ، فَرَكِبْتُهُ ، فَكَانَ يَضَعُ حَافِرَهُ مَدَّ بَصَرِهِ ، إِذَا أَخَذَ بِي فِي هُبُوطٍ طَالَتْ يَدَاهُ ، وَقَصُرَتْ رِجْلَاهُ ، وَإِذَا أَخَذَ بِي فِي صُعُودٍ طَالَتْ رِجْلَاهُ ، وَقَصُرَتْ يَدَاهُ ، وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَفُوتُنِي ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَأَوْثَقَتْهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تُوثِقُ بِهَا ، فَنُشِرَ لِي رَهْطٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِمْ : إِبْرَاهِيمُ ، وَمُوسَى ، وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامْ ، فَصَلَّيْتُ بِهِمْ ، وَكَلَّمْتُهُمْ ، وَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ : أَحْمَرَ وَأَبْيَضَ ، فَشَرِبْتُ الْأَبْيَضَ ، فَقَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : شَرِبْتَ اللَّبَنَ ، وَتَرَكْتَ الْخَمْرَ ، لَوْ شَرِبْتَ الْخَمْرَ لَارْتَدَّتْ أُمَّتُكَ . ثُمَّ رَكِبْتُهُ ، فَأَتَيْتُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، فَصَلَّيْتُ بِهِ الْغَدَاةَ " قَالَتْ : فَتَعَلَّقْتُ بِرِدَائِهِ ، وَقُلْتُ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا ابْنَ عَمِّ أَنْ تُحَدِّثَ بِهَذَا قُرَشِيًّا ؛ فَيُكَذِّبَكَ مَنْ صَدَّقَكَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى رِدَائِهِ ، فَانْتَزَعَهُ مِنْ يَدِي ، فَارْتَفَعَ عَنْ بَطْنِهِ ، فَنَظَرْتُ إِلَى عُكَنِهِ فَوْقَ إِزَارِهِ ، وَكَأَنَّهُ طَيُّ الْقَرَاطِيسِ ، وَإِذَا نُورٌ سَاطِعٌ عِنْدَ فُؤَادِهِ ، كَادَ يَخْتَطِفُ بَصَرِي ، فَخَرَرْتُ سَاجِدَةً ، فَلَمَّا رَفَعْتُ رَأْسِي إِذَا هُوَ قَدْ خَرَجَ ، فَقُلْتُ لِجَارِيَتِي نَبْعَةَ : وَيْحَكِ ، اتْبَعِيهِ ، فَانْظُرِي مَاذَا يَقُولُ ، وَمَاذَا يُقَالُ لَهُ فَلَمَّا رَجَعَتْ نَبْعَةُ أَخْبَرَتْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى إِلَى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْحَطِيمِ ، فِيهِمُ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَعَمْرُو بْنُ هِشَامٍ ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالَ : " إِنِّي صَلَّيْتُ اللَّيْلَةَ الْعِشَاءَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ، وَصَلَّيْتُ بِهِ الْغَدَاةَ ، وَأَتَيْتُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، فَنُشِرَ لِي رَهْطٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، مِنْهُمْ : إِبْرَاهِيمُ ، وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، فَصَلَّيْتُ بِهِمْ ، وَكَلَّمْتُهُمْ " فَقَالَ عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ كَالْمُسْتَهْزِئِ : صِفْهُمْ لِي فَقَالَ : " أَمَّا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَفَوْقَ الرَّبْعَةِ ، وَدُونَ الطَّوِيلِ ، عَرِيضُ الصَّدْرِ ، ظَاهِرُ الدَّمِ ، جَعْدُ الشَّعْرِ ، تَعْلُوهُ صُهْبَةٌ ، كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ ، وَأَمَّا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَضَخْمٌ آدَمُ ، طُوَالٌ ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ ، كَثِيرُ الشَّعْرِ ، غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ ، مُتَرَاكِبُ الْأَسْنَانِ ، مُقَلَّصُ الشَّفَتَيْنِ ، خَارِجُ اللَّثَةِ ، عَابِسٌ ، وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَوَاللَّهِ لَأَشْبَهُ النَّاسِ بِي خَلْقًا وَخُلُقًا " فَضَجُّوا ، وَأَعْظَمُوا ذَاكَ ، فَقَالَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلٍ : كُلُّ أَمْرِكَ قَبْلَ الْيَوْمِ كَانَ أَمَمًا غَيْرَ قَوْلِكَ الْيَوْمَ ، أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ كَاذِبٌ ، نَحْنُ نَضْرِبُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مُصْعِدًا شَهْرًا ، وَمُنْحَدِرًا شَهْرًا ، تَزْعُمُ أَنَّكَ أَتَيْتَهُ فِي لَيْلَةٍ ؟ ، وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا أُصَدِّقُكَ ، وَمَا كَانَ هَذَا الَّذِي تَقُولُ قَطُّ ، وَكَانَ لِلْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ حَوْضٌ عَلَى زَمْزَمَ ، أَعْطَاهُ إِيَّاهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ، فَهَدَمَهُ ، فَأَقْسَمَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا يَسْقِي مِنْهُ قَطْرَةً أَبَدًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ : يَا مُطْعِمُ ، بِئْسَ مَا قُلْتَ لِابْنِ أَخِيكَ جَبَهْتَهُ وَكَذَّبْتَهُ ، أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ صَادِقٌ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، صِفْ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ . قَالَ : " دَخَلَتْهُ لَيْلًا ، وَخَرَجْتُ مِنْهُ لَيْلًا " . فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَصَوَّرَهُ فِي جَنَاحِهِ ، فَجَعَلَ يَقُولُ : " بَابٌ مِنْهُ كَذَا فِي مَوْضِعِ كَذَا ، وَبَابٌ مِنْهُ كَذَا فِي مَوْضِعِ كَذَا " ، وَأَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ عِنْدَهُ يَقُولُ : صَدَقْتَ ، صَدَقْتَ . قَالَتْ نَبْعَةُ : فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ : " يَا أَبَا بَكْرٍ ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمَّاكَ الصِّدِّيقَ " قَالُوا : يَا مُطْعِمُ ، دَعْنَا نَسْأَلْهُ عَمَّا هُوَ أَغْنَى لَنَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، يَا مُحَمَّدُ ، أَخْبِرْنَا عَنْ عِيرِنَا ، فَقَالَ : " أَتَيْتُ عَلَى عِيرِ بَنِي فُلَانٍ بِالرَّوْحَاءِ قَدْ أَضَلُّوا نَاقَةً لَهُمْ ، وَانْطَلَقُوا فِي طَلَبِهَا ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى رِحَالِهِمْ لَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ ، وَإِذَا قَدَحُ مَاءٍ ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ ، فَسَلُوهُمْ عَنْ ذَلِكَ " . فَقَالُوا : هَذَا وَالْإِلَهِ آيَةٌ . قَالَ : " ثُمَّ انْتَهَيْتُ إِلَى عِيرِ بَنِي فُلَانٍ ، فَنَفَرَتْ مِنِّي الْإِبِلُ ، وَبَرَكَ مِنْهَا جَمَلٌ أَحْمَرُ ، عَلَيْهِ جَوَالِقُ مُحِيطٌ بِبَيَاضٍ ، لَا أَدْرِي أَكُسِرَ الْبَعِيرُ أَمْ لَا ، فَسَلُوهُمْ عَنْ ذَلِكَ " . قَالُوا : هَذِهِ وَاللَّهِ آيَةٌ قَالَ : " ثُمَّ انْتَهَيْتُ إِلَى عِيرِ بَنِي فُلَانٍ فِي التَّنْعِيمِ ، يَقْدُمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ ، وَهَاهِيَ ذِهِ تَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنَ الثَّنِيَّةِ " ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ : سَاحِرٌ . فَانْطَلَقُوا ، فَنَظَرُوا ، فَوَجَدُوا الْأَمْرَ كَمَا قَالَ ، فَرَمَوْهُ بِالسَّحَرِ ، وَقَالُوا : صَدَقَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فِيمَا قَالَ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ }} قُلْتُ لِأُمِّ هَانِئٍ : مَا الشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ فِي الْقُرْآنِ ؟ قَالَتِ : الَّذِينَ خُوِّفُوا ، فَلَمْ يَزِدْهُمُ التَّخْوِيفُ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَسَاوِسِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ ، قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ بِغَلَسٍ ، وَأَنَا عَلَى فِرَاشِي ، فَقَالَ : شَعَرْتُ أَنِّي نِمْتُ اللَّيْلَةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، فَأَتَانِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَذَهَبَ بِي إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ، فَإِذَا دَابَّةٌ أَبْيَضُ ، فَوْقَ الْحِمَارِ ، وَدُونَ الْبَغْلِ ، مُضْطَرِبُ الْأُذُنَيْنِ ، فَرَكِبْتُهُ ، فَكَانَ يَضَعُ حَافِرَهُ مَدَّ بَصَرِهِ ، إِذَا أَخَذَ بِي فِي هُبُوطٍ طَالَتْ يَدَاهُ ، وَقَصُرَتْ رِجْلَاهُ ، وَإِذَا أَخَذَ بِي فِي صُعُودٍ طَالَتْ رِجْلَاهُ ، وَقَصُرَتْ يَدَاهُ ، وَجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَفُوتُنِي ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَأَوْثَقَتْهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تُوثِقُ بِهَا ، فَنُشِرَ لِي رَهْطٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِمْ : إِبْرَاهِيمُ ، وَمُوسَى ، وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامْ ، فَصَلَّيْتُ بِهِمْ ، وَكَلَّمْتُهُمْ ، وَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ : أَحْمَرَ وَأَبْيَضَ ، فَشَرِبْتُ الْأَبْيَضَ ، فَقَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : شَرِبْتَ اللَّبَنَ ، وَتَرَكْتَ الْخَمْرَ ، لَوْ شَرِبْتَ الْخَمْرَ لَارْتَدَّتْ أُمَّتُكَ . ثُمَّ رَكِبْتُهُ ، فَأَتَيْتُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، فَصَلَّيْتُ بِهِ الْغَدَاةَ قَالَتْ : فَتَعَلَّقْتُ بِرِدَائِهِ ، وَقُلْتُ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا ابْنَ عَمِّ أَنْ تُحَدِّثَ بِهَذَا قُرَشِيًّا ؛ فَيُكَذِّبَكَ مَنْ صَدَّقَكَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى رِدَائِهِ ، فَانْتَزَعَهُ مِنْ يَدِي ، فَارْتَفَعَ عَنْ بَطْنِهِ ، فَنَظَرْتُ إِلَى عُكَنِهِ فَوْقَ إِزَارِهِ ، وَكَأَنَّهُ طَيُّ الْقَرَاطِيسِ ، وَإِذَا نُورٌ سَاطِعٌ عِنْدَ فُؤَادِهِ ، كَادَ يَخْتَطِفُ بَصَرِي ، فَخَرَرْتُ سَاجِدَةً ، فَلَمَّا رَفَعْتُ رَأْسِي إِذَا هُوَ قَدْ خَرَجَ ، فَقُلْتُ لِجَارِيَتِي نَبْعَةَ : وَيْحَكِ ، اتْبَعِيهِ ، فَانْظُرِي مَاذَا يَقُولُ ، وَمَاذَا يُقَالُ لَهُ فَلَمَّا رَجَعَتْ نَبْعَةُ أَخْبَرَتْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ انْتَهَى إِلَى نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْحَطِيمِ ، فِيهِمُ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَعَمْرُو بْنُ هِشَامٍ ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالَ : إِنِّي صَلَّيْتُ اللَّيْلَةَ الْعِشَاءَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ، وَصَلَّيْتُ بِهِ الْغَدَاةَ ، وَأَتَيْتُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، فَنُشِرَ لِي رَهْطٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، مِنْهُمْ : إِبْرَاهِيمُ ، وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، فَصَلَّيْتُ بِهِمْ ، وَكَلَّمْتُهُمْ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ كَالْمُسْتَهْزِئِ : صِفْهُمْ لِي فَقَالَ : أَمَّا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَفَوْقَ الرَّبْعَةِ ، وَدُونَ الطَّوِيلِ ، عَرِيضُ الصَّدْرِ ، ظَاهِرُ الدَّمِ ، جَعْدُ الشَّعْرِ ، تَعْلُوهُ صُهْبَةٌ ، كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ ، وَأَمَّا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَضَخْمٌ آدَمُ ، طُوَالٌ ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ ، كَثِيرُ الشَّعْرِ ، غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ ، مُتَرَاكِبُ الْأَسْنَانِ ، مُقَلَّصُ الشَّفَتَيْنِ ، خَارِجُ اللَّثَةِ ، عَابِسٌ ، وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَوَاللَّهِ لَأَشْبَهُ النَّاسِ بِي خَلْقًا وَخُلُقًا فَضَجُّوا ، وَأَعْظَمُوا ذَاكَ ، فَقَالَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلٍ : كُلُّ أَمْرِكَ قَبْلَ الْيَوْمِ كَانَ أَمَمًا غَيْرَ قَوْلِكَ الْيَوْمَ ، أَنَا أَشْهَدُ أَنَّكَ كَاذِبٌ ، نَحْنُ نَضْرِبُ أَكْبَادَ الْإِبِلِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مُصْعِدًا شَهْرًا ، وَمُنْحَدِرًا شَهْرًا ، تَزْعُمُ أَنَّكَ أَتَيْتَهُ فِي لَيْلَةٍ ؟ ، وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا أُصَدِّقُكَ ، وَمَا كَانَ هَذَا الَّذِي تَقُولُ قَطُّ ، وَكَانَ لِلْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيٍّ حَوْضٌ عَلَى زَمْزَمَ ، أَعْطَاهُ إِيَّاهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ، فَهَدَمَهُ ، فَأَقْسَمَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى لَا يَسْقِي مِنْهُ قَطْرَةً أَبَدًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ : يَا مُطْعِمُ ، بِئْسَ مَا قُلْتَ لِابْنِ أَخِيكَ جَبَهْتَهُ وَكَذَّبْتَهُ ، أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ صَادِقٌ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، صِفْ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ . قَالَ : دَخَلَتْهُ لَيْلًا ، وَخَرَجْتُ مِنْهُ لَيْلًا . فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَصَوَّرَهُ فِي جَنَاحِهِ ، فَجَعَلَ يَقُولُ : بَابٌ مِنْهُ كَذَا فِي مَوْضِعِ كَذَا ، وَبَابٌ مِنْهُ كَذَا فِي مَوْضِعِ كَذَا ، وَأَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ عِنْدَهُ يَقُولُ : صَدَقْتَ ، صَدَقْتَ . قَالَتْ نَبْعَةُ : فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ : يَا أَبَا بَكْرٍ ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ سَمَّاكَ الصِّدِّيقَ قَالُوا : يَا مُطْعِمُ ، دَعْنَا نَسْأَلْهُ عَمَّا هُوَ أَغْنَى لَنَا مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، يَا مُحَمَّدُ ، أَخْبِرْنَا عَنْ عِيرِنَا ، فَقَالَ : أَتَيْتُ عَلَى عِيرِ بَنِي فُلَانٍ بِالرَّوْحَاءِ قَدْ أَضَلُّوا نَاقَةً لَهُمْ ، وَانْطَلَقُوا فِي طَلَبِهَا ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى رِحَالِهِمْ لَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ ، وَإِذَا قَدَحُ مَاءٍ ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ ، فَسَلُوهُمْ عَنْ ذَلِكَ . فَقَالُوا : هَذَا وَالْإِلَهِ آيَةٌ . قَالَ : ثُمَّ انْتَهَيْتُ إِلَى عِيرِ بَنِي فُلَانٍ ، فَنَفَرَتْ مِنِّي الْإِبِلُ ، وَبَرَكَ مِنْهَا جَمَلٌ أَحْمَرُ ، عَلَيْهِ جَوَالِقُ مُحِيطٌ بِبَيَاضٍ ، لَا أَدْرِي أَكُسِرَ الْبَعِيرُ أَمْ لَا ، فَسَلُوهُمْ عَنْ ذَلِكَ . قَالُوا : هَذِهِ وَاللَّهِ آيَةٌ قَالَ : ثُمَّ انْتَهَيْتُ إِلَى عِيرِ بَنِي فُلَانٍ فِي التَّنْعِيمِ ، يَقْدُمُهَا جَمَلٌ أَوْرَقُ ، وَهَاهِيَ ذِهِ تَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنَ الثَّنِيَّةِ ، فَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ : سَاحِرٌ . فَانْطَلَقُوا ، فَنَظَرُوا ، فَوَجَدُوا الْأَمْرَ كَمَا قَالَ ، فَرَمَوْهُ بِالسَّحَرِ ، وَقَالُوا : صَدَقَ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فِيمَا قَالَ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {{ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ }} قُلْتُ لِأُمِّ هَانِئٍ : مَا الشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ فِي الْقُرْآنِ ؟ قَالَتِ : الَّذِينَ خُوِّفُوا ، فَلَمْ يَزِدْهُمُ التَّخْوِيفُ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا