أَنَّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ لَهُ قَدْرٌ وَخَطَرٌ لَحِقَهُ دَيْنٌ ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ مِنْ نَخْلٍ وَزَرْعٍ ، فَخَافَ أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ ، فَشَخَصَ مِنَ الْمَدِينَةِ يُرِيدُ الْكُوفَةَ وَيَعْمِدُ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ ، وَكَانَ يَلِي لِهِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْعِرَاقَ ، وَكَانَ يَبَرُّ مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ يُرِيدُهُ ، وَأَعَدَّ لَهُ هَدَايَا مِنْ طَرَفِ الْمَدِينَةِ ، حَتَّى قَدِمَ فَيْدَ ، فَأَصْبَحَ بِهَا وَنَظَرَ إِلَى فُسْطَاطٍ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ ، فَسَأَلَ عَنْهُ ، فَقِيلَ : الْحَكَمُ بْنُ الْمُطَّلِبِ ، فَلَبِسَ نَعْلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَتَلَقَّاهُ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَجْلَسَهُ فِي صَدْرِ فِرَاشِهِ ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ مَخْرَجِهِ ، فَأَخْبَرَهُ بِدَيْنِهِ وَمَا أَرَادَ مِنْ إِتْيَانِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ لَهُ الْحَكَمُ : " انْطَلِقْ بِنَا إِلَى مَنْزِلِكَ ، فَلَوْ عَلِمْتُ بِمَقْدَمِكَ لَسَبَقْتُكَ إِلَى إِتْيَانِكَ " ، فَمَضَى مَعَهُ حَتَّى أَتَى مَنْزِلَهُ ، فَرَأَى الْهَدَايَا الَّتِي أَعَدَّ لِخَالِدِ ، فَتَحَدَّثَ مَعَهُ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : " إِنَّ مَنْزِلَنَا أَحْضَرُ عُدَّةً ، وَأَنْتَ مُسَافِرٌ وَنَحْنُ مُقِيمُونَ ، فَأَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا قُمْتَ مَعِي إِلَى الْمَنْزِلِ ، وَجَعَلْتَ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْهَدَايَا نَصِيبًا " ، فَقَامَ الرَّجُلُ مَعَهُ ، فَقَالَ : خُذْ مِنْهَا مَا أَحْبَبْتَ ، فَأَمَرَ بِهَا فَحُمِلَتْ كُلُّهَا إِلَى مَنْزِلِهِ ، وَجَعَلَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى إِذَا صَارَ مَعَهُ إِلَى الْمَنْزِلِ ، فَدَعَا بِالْغَدَاءِ وَأَمَرَ بِالْهَدَايَا فَفُتِحَتْ ، فَأَكَلَ مِنْهَا ، وَأَكَلَ مِنْهَا مَنْ حَضَرَهُ ، ثُمَّ أَمَرَ بِبَقِيَّتِهَا تُرْفَعُ إِلَى خِزَانَتِهِ ، فَقَامَ وَقَامَ النَّاسُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الرَّجُلِ ، فَقَالَ : " أَنَا أَوْلَى بِكَ مِنْ خَالِدٍ وَأَقْرَبُ مِنْكَ رَحِمًا وَمَنْزِلًا ، وَهَا هُنَا مَالٌ لِلْغَارِمِينَ أَنْتَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ ، لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْكَ فِيهِ مِنَّةٌ إِلَّا لِلَّهِ ، تَقْضِي بِهِ دَيْنَكَ ، ثُمَّ دَعَا لَهُ بِكِيسٍ فِيهِ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِينَارٍ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ " ، وَقَالَ : " لَقَدْ قَرَّبَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْخَطْوَةَ فَانْصَرِفْ إِلَى أَهْلِكَ مُصَاحَبًا مَحْفُوظًا " فَقَامَ الرَّجُلُ مِنْ عِنْدِهِ يَدْعُو لَهُ وَيَتَشَكَّرُ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ هِمَّةٌ إِلَّا الرُّجُوعُ إِلَى أَهْلِهِ ، وَانْطلَقَ الْحَكَمُ يُشَيِّعُهُ فَسَارَ مَعَهُ شَيْئًا ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : لَكَأَنِّي بِزَوْجَتِكَ قَدْ قَالَتْ لَكَ : أَيْنَ طَرَائِفُ الْعِرَاقِ ، بَزُّهَا وَخَزُّهَا وَعُرَاضَاتِهَا ؟ أَمَا كَانَ لَنَا مَعَكَ نَصِيبٌ ؟ ثُمَّ أَخْرَجَ صُرَّةً قَدْ حَمَلَهَا مَعَهُ فِيهَا خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ ، فَقَالَ : أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا جَعَلْتَ هَذِهِ لَهَا عِوَضًا مِنْ هَدَايَا الْعِرَاقِ وَوَدَّعَهُ وَانْصَرَفَ
قَالَ أَبُو بَكْرٍ : قَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ : حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ نَوْفَلِ بْنِ عُمَارَةَ ، أَنَّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ لَهُ قَدْرٌ وَخَطَرٌ لَحِقَهُ دَيْنٌ ، وَكَانَ لَهُ مَالٌ مِنْ نَخْلٍ وَزَرْعٍ ، فَخَافَ أَنْ يُبَاعَ عَلَيْهِ ، فَشَخَصَ مِنَ الْمَدِينَةِ يُرِيدُ الْكُوفَةَ وَيَعْمِدُ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ ، وَكَانَ يَلِي لِهِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْعِرَاقَ ، وَكَانَ يَبَرُّ مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ يُرِيدُهُ ، وَأَعَدَّ لَهُ هَدَايَا مِنْ طَرَفِ الْمَدِينَةِ ، حَتَّى قَدِمَ فَيْدَ ، فَأَصْبَحَ بِهَا وَنَظَرَ إِلَى فُسْطَاطٍ عِنْدَهُ جَمَاعَةٌ ، فَسَأَلَ عَنْهُ ، فَقِيلَ : الْحَكَمُ بْنُ الْمُطَّلِبِ ، فَلَبِسَ نَعْلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ ، فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَتَلَقَّاهُ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أَجْلَسَهُ فِي صَدْرِ فِرَاشِهِ ، ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ مَخْرَجِهِ ، فَأَخْبَرَهُ بِدَيْنِهِ وَمَا أَرَادَ مِنْ إِتْيَانِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ لَهُ الْحَكَمُ : انْطَلِقْ بِنَا إِلَى مَنْزِلِكَ ، فَلَوْ عَلِمْتُ بِمَقْدَمِكَ لَسَبَقْتُكَ إِلَى إِتْيَانِكَ ، فَمَضَى مَعَهُ حَتَّى أَتَى مَنْزِلَهُ ، فَرَأَى الْهَدَايَا الَّتِي أَعَدَّ لِخَالِدِ ، فَتَحَدَّثَ مَعَهُ سَاعَةً ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : إِنَّ مَنْزِلَنَا أَحْضَرُ عُدَّةً ، وَأَنْتَ مُسَافِرٌ وَنَحْنُ مُقِيمُونَ ، فَأَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا قُمْتَ مَعِي إِلَى الْمَنْزِلِ ، وَجَعَلْتَ لَنَا مِنْ هَذِهِ الْهَدَايَا نَصِيبًا ، فَقَامَ الرَّجُلُ مَعَهُ ، فَقَالَ : خُذْ مِنْهَا مَا أَحْبَبْتَ ، فَأَمَرَ بِهَا فَحُمِلَتْ كُلُّهَا إِلَى مَنْزِلِهِ ، وَجَعَلَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى إِذَا صَارَ مَعَهُ إِلَى الْمَنْزِلِ ، فَدَعَا بِالْغَدَاءِ وَأَمَرَ بِالْهَدَايَا فَفُتِحَتْ ، فَأَكَلَ مِنْهَا ، وَأَكَلَ مِنْهَا مَنْ حَضَرَهُ ، ثُمَّ أَمَرَ بِبَقِيَّتِهَا تُرْفَعُ إِلَى خِزَانَتِهِ ، فَقَامَ وَقَامَ النَّاسُ ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الرَّجُلِ ، فَقَالَ : أَنَا أَوْلَى بِكَ مِنْ خَالِدٍ وَأَقْرَبُ مِنْكَ رَحِمًا وَمَنْزِلًا ، وَهَا هُنَا مَالٌ لِلْغَارِمِينَ أَنْتَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ ، لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْكَ فِيهِ مِنَّةٌ إِلَّا لِلَّهِ ، تَقْضِي بِهِ دَيْنَكَ ، ثُمَّ دَعَا لَهُ بِكِيسٍ فِيهِ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِينَارٍ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ ، وَقَالَ : لَقَدْ قَرَّبَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْخَطْوَةَ فَانْصَرِفْ إِلَى أَهْلِكَ مُصَاحَبًا مَحْفُوظًا فَقَامَ الرَّجُلُ مِنْ عِنْدِهِ يَدْعُو لَهُ وَيَتَشَكَّرُ ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ هِمَّةٌ إِلَّا الرُّجُوعُ إِلَى أَهْلِهِ ، وَانْطلَقَ الْحَكَمُ يُشَيِّعُهُ فَسَارَ مَعَهُ شَيْئًا ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : لَكَأَنِّي بِزَوْجَتِكَ قَدْ قَالَتْ لَكَ : أَيْنَ طَرَائِفُ الْعِرَاقِ ، بَزُّهَا وَخَزُّهَا وَعُرَاضَاتِهَا ؟ أَمَا كَانَ لَنَا مَعَكَ نَصِيبٌ ؟ ثُمَّ أَخْرَجَ صُرَّةً قَدْ حَمَلَهَا مَعَهُ فِيهَا خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ ، فَقَالَ : أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا جَعَلْتَ هَذِهِ لَهَا عِوَضًا مِنْ هَدَايَا الْعِرَاقِ وَوَدَّعَهُ وَانْصَرَفَ قَالَ مُصْعَبُ بْنُ عُثْمَانَ : جَهِدْتُ بِنَوْفَلِ بْنِ عُمَارَةَ أَنْ يُخْبِرَنِي بِالرَّجُلِ فَأَبَى