عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : إِنَّكُمْ أَصْبَحْتُمْ فِي دَارٍ مَذْمُومَةٍ لِأَهْلِهَا ، خُلِقَتْ فِتْنَةً ، وَضُرِبَ لَهَا أَجَلٌ ، إِذَا انْتَهَتْ إِلَيْهِ تَنْفَذُ ، فَهِيَ دَارُ قُلْعَةٍ ، وَمُنْزِلُ بُلْغَةٍ ، أَخْرَجَ نَبَاتَهَا ، وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ خَبَرَ الَّذِي هُمْ إِلَيْهِ صَائِرُونَ ، وَأَمَرَ فِيهِ عِبَادَهُ فِيمَا أَخْرَجَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ بِطَاعَتِهِ ، وَأَمَرَهُمْ وَبَيَّنَ لَهُمْ سَبِيلَهَا ، وَوَعَدَهُمُ الْخَيْرَ عَلَيْهِ ، فَهُمْ فِي قَبْضَتِهِ ، فَلَيْسَ مِنْهُمْ مُعْجِزٌ لَهُ ، وَلَيْسَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ شَيْءٌ يَخْفَى عَلَيْهِ ، فَهُمْ يَعْمَلُونَ أَعْمَالًا مُخْتَلِفَةً ، سَعْيُهُمْ فِيهَا شَتَّى بَيْنَ عَاصٍ وَمُطِيعٍ ، وَلِكُلٍ جَزَاءٌ مِنَ اللَّهِ بِمَا عَمِلَ ، وَنُصِيبٌ غَيْرُ مَنْقُوصٍ ، وَلَمْ أَسْمَعِ اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا عَهِدَ إِلَى عِبَادِهِ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ كِتَابِهِ رَغَّبَ فِي الدُّنْيَا أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ ، وَلَا رَضِيَ لَهُمْ بِالطُّمَأْنِينَةِ فِيهَا ، وَلَا الرُّكُونِ إِلَيْهَا ، بَلْ صَرَّفَ اللَّهُ فِيهَا الْآيَاتِ ، وَضَرَبَ لَهَا الْأَمْثَالَ فِي الْعَيْبِ لَهَا ، وَالنَّهْيِ عَنْهَا ، وَالرَّغْبَةِ فِي غَيْرَهَا ، وَقَدْ تَبَيَّنَ لِلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي خُلِقَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَأَهْلُهَا عَظِيمُ الشَّأْنِ ، هَائِلُ الْمَطْلَعِ ، عَسِيرٌ وَاللَّهِ بِمَا هُمْ فِيهِ ، لَا يُشْبِهُ ثَوَابَهُمْ وَلَا عِقَابَهُمْ ، وَلَكِنَّهَا دَارُ الْخُلُودِ ، يَدِينُ اللَّهُ الْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمْ ، وَيُنْزِلُهُمْ مَنَازِلَهُمْ ، ثُمَّ لَا يَتَغَيَّرُ بُؤْسٌ عَنْ أَهْلِهِ وَلَا نُعَيْمٌ ، وَأَنَّ الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ ، مَنْ صَحِبَهَا بِالْبُغْضِ لَهَا وَالزَّهَادَةِ فِيهَا ، وَالْهَضْمِ لَهَا سَعِدَ بِهَا ، وَنَفَعَتْهُ صُحْبَتُهَا ، وَمَنْ صَحِبَهَا بِالرَّغْبَةِ فِيهَا وَالْمَحَبَّةِ لَهَا شَقِيَ بِهَا ، وَأَجْحَفَتْ لِحَظِّهِ مِنَ اللَّهِ ، ثُمَّ أَسْلَمَتْهُ إِلَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ ، وَلَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ ، فَأَمْرُهَا صَغِيرٌ ، وَمَتَاعُهَا قَلِيلٌ ، وَالْفَنَاءُ عَلَيْهَا مَكْتُوبٌ ، وَاللَّهُ وَلِيُّ مِيرَاثِهَا ، وَأَهْلُهَا مُتَحَوِّلُونَ عَنْهَا إِلَى مَنَازِلَ لَا تَبْلَى ، وَلَا يُغَيِّرُهَا طُولُ الْعُمْرِ فِيهَا بِفِنَاءٍ فَيَمُوتُونَ ، وَلَا وَإِنْ طَالَ الثَّوَاءُ فِيهَا يَخْرُجُونَ ، فَاحْذَرُوا ذَلِكَ الْمَوْطِنَ ، وَأَكْثِرُوا ذِكْرَ الْمُنْقَلَبِ ، وَلِذَلِكَ فَاعْدُدْ ، وَمِنْ شَرِّهِ فَاهْرُبْ ، وَلَا يَلْهِيَنَّكَ الْمَتَاعُ الْقَلِيلُ الْفَانِي ، وَاقْطَعِ - ابْنَ آدَمَ - مِنَ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّكَ ، وَبَادِرْ أَجَلَكَ ، وَلَا تَقُلْ غَدًا غَدًا ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَتَى إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ ، وَلَا تَكُنْ - يَا ابْنَ آدَمَ - مُغْتَرًّا ، وَلَا تَأْمَنْ مَا لَمْ يَأْتِكَ الْأَمَانُ مِنْهُ ، فَإِنَّ الْهَوْلَ الْأَعْظَمَ وَمُفْظِعَاتِ الْأُمُورِ أَمَامَكَ لَمْ تَخْلُصْ مِنْهُنَّ حَتَّى الْآنَ ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَسْلَكِ ، وَحُضُورِ تِلْكَ الْأُمُورِ كُلِّهَا ، فَإِمَّا بِعَافِيَةٍ مِنْ شَرِّهَا ، وَنَجَاةٍ مِنْ هَوْلِهَا ، وَإِمَّا بِهَلَكَةٍ ، فَلَيْسَ بَعْدَهَا خَيْرٌ وَلَا انْتِعَاشٌ
حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ مَالِكٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النَّاجِي ، عَنِ الْحَسَنِ ، قَالَ : إِنَّكُمْ أَصْبَحْتُمْ فِي دَارٍ مَذْمُومَةٍ لِأَهْلِهَا ، خُلِقَتْ فِتْنَةً ، وَضُرِبَ لَهَا أَجَلٌ ، إِذَا انْتَهَتْ إِلَيْهِ تَنْفَذُ ، فَهِيَ دَارُ قُلْعَةٍ ، وَمُنْزِلُ بُلْغَةٍ ، أَخْرَجَ نَبَاتَهَا ، وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ خَبَرَ الَّذِي هُمْ إِلَيْهِ صَائِرُونَ ، وَأَمَرَ فِيهِ عِبَادَهُ فِيمَا أَخْرَجَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ بِطَاعَتِهِ ، وَأَمَرَهُمْ وَبَيَّنَ لَهُمْ سَبِيلَهَا ، وَوَعَدَهُمُ الْخَيْرَ عَلَيْهِ ، فَهُمْ فِي قَبْضَتِهِ ، فَلَيْسَ مِنْهُمْ مُعْجِزٌ لَهُ ، وَلَيْسَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ شَيْءٌ يَخْفَى عَلَيْهِ ، فَهُمْ يَعْمَلُونَ أَعْمَالًا مُخْتَلِفَةً ، سَعْيُهُمْ فِيهَا شَتَّى بَيْنَ عَاصٍ وَمُطِيعٍ ، وَلِكُلٍ جَزَاءٌ مِنَ اللَّهِ بِمَا عَمِلَ ، وَنُصِيبٌ غَيْرُ مَنْقُوصٍ ، وَلَمْ أَسْمَعِ اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا عَهِدَ إِلَى عِبَادِهِ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ كِتَابِهِ رَغَّبَ فِي الدُّنْيَا أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ ، وَلَا رَضِيَ لَهُمْ بِالطُّمَأْنِينَةِ فِيهَا ، وَلَا الرُّكُونِ إِلَيْهَا ، بَلْ صَرَّفَ اللَّهُ فِيهَا الْآيَاتِ ، وَضَرَبَ لَهَا الْأَمْثَالَ فِي الْعَيْبِ لَهَا ، وَالنَّهْيِ عَنْهَا ، وَالرَّغْبَةِ فِي غَيْرَهَا ، وَقَدْ تَبَيَّنَ لِلصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ أَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي خُلِقَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَأَهْلُهَا عَظِيمُ الشَّأْنِ ، هَائِلُ الْمَطْلَعِ ، عَسِيرٌ وَاللَّهِ بِمَا هُمْ فِيهِ ، لَا يُشْبِهُ ثَوَابَهُمْ وَلَا عِقَابَهُمْ ، وَلَكِنَّهَا دَارُ الْخُلُودِ ، يَدِينُ اللَّهُ الْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمْ ، وَيُنْزِلُهُمْ مَنَازِلَهُمْ ، ثُمَّ لَا يَتَغَيَّرُ بُؤْسٌ عَنْ أَهْلِهِ وَلَا نُعَيْمٌ ، وَأَنَّ الدُّنْيَا دَارُ عَمَلٍ ، مَنْ صَحِبَهَا بِالْبُغْضِ لَهَا وَالزَّهَادَةِ فِيهَا ، وَالْهَضْمِ لَهَا سَعِدَ بِهَا ، وَنَفَعَتْهُ صُحْبَتُهَا ، وَمَنْ صَحِبَهَا بِالرَّغْبَةِ فِيهَا وَالْمَحَبَّةِ لَهَا شَقِيَ بِهَا ، وَأَجْحَفَتْ لِحَظِّهِ مِنَ اللَّهِ ، ثُمَّ أَسْلَمَتْهُ إِلَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ ، وَلَا طَاقَةَ لَهُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ ، فَأَمْرُهَا صَغِيرٌ ، وَمَتَاعُهَا قَلِيلٌ ، وَالْفَنَاءُ عَلَيْهَا مَكْتُوبٌ ، وَاللَّهُ وَلِيُّ مِيرَاثِهَا ، وَأَهْلُهَا مُتَحَوِّلُونَ عَنْهَا إِلَى مَنَازِلَ لَا تَبْلَى ، وَلَا يُغَيِّرُهَا طُولُ الْعُمْرِ فِيهَا بِفِنَاءٍ فَيَمُوتُونَ ، وَلَا وَإِنْ طَالَ الثَّوَاءُ فِيهَا يَخْرُجُونَ ، فَاحْذَرُوا ذَلِكَ الْمَوْطِنَ ، وَأَكْثِرُوا ذِكْرَ الْمُنْقَلَبِ ، وَلِذَلِكَ فَاعْدُدْ ، وَمِنْ شَرِّهِ فَاهْرُبْ ، وَلَا يَلْهِيَنَّكَ الْمَتَاعُ الْقَلِيلُ الْفَانِي ، وَاقْطَعِ - ابْنَ آدَمَ - مِنَ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّكَ ، وَبَادِرْ أَجَلَكَ ، وَلَا تَقُلْ غَدًا غَدًا ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَتَى إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ ، وَلَا تَكُنْ - يَا ابْنَ آدَمَ - مُغْتَرًّا ، وَلَا تَأْمَنْ مَا لَمْ يَأْتِكَ الْأَمَانُ مِنْهُ ، فَإِنَّ الْهَوْلَ الْأَعْظَمَ وَمُفْظِعَاتِ الْأُمُورِ أَمَامَكَ لَمْ تَخْلُصْ مِنْهُنَّ حَتَّى الْآنَ ، وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَسْلَكِ ، وَحُضُورِ تِلْكَ الْأُمُورِ كُلِّهَا ، فَإِمَّا بِعَافِيَةٍ مِنْ شَرِّهَا ، وَنَجَاةٍ مِنْ هَوْلِهَا ، وَإِمَّا بِهَلَكَةٍ ، فَلَيْسَ بَعْدَهَا خَيْرٌ وَلَا انْتِعَاشٌ