كَتَبَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : " أَمَّا بَعْدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَاعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِدَارِ إِقَامَةٍ ، وَإِنَّمَا أُهْبِطَ إِلَيْهَا آدَمُ عُقُوبَةً ، فَبِحَسْبِ مَنْ لَا يَدْرِي ثَوَابَ اللَّهِ أَنَّهُ ثَوَابٌ ، وَبِحَسْبِ مَنْ لَا يَدْرِي عِقَابَ اللَّهِ أَنَّهُ عِقَابٌ ، لَيْسَتْ صَرْعَتُهَا كَالصَّرْعَةِ ، تُهِينُ مَنْ أَكْرَمَهَا ، وَتُعِزُّ مَنْ أَذَلَّهَا ، وَتُذِلُّ مَنْ أَعَزَّهَا ، وَتُفْقِرُ مَنْ جَمَعَهَا ، وَلَهَا فِي كُلِّ حِينٍ قَتِيلٌ ، فَالزُّهْدُ فِيهَا تَرْكُهَا ، وَالْغِنَى فِيهَا فَقْرُهَا ، هِيَ وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَالسُّمِّ يَأْكُلُهَا مَنْ لَا يَعْرِفُهَا لِتَشْفِيَهُ ، وَهِيَ حَتْفُهُ ، فَكُنْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَالْمُدَاوِي جُرْحَهُ ، يَحْتَمِي قَلِيلًا مَخَافَةَ مَا يَكْرَهُ طَوِيلًا ، وَيَصِيرُ عَلَى شِدَّةِ الدَّوَاءِ مَخَافَةَ الْبَلَاءِ ، فَأَهْلُ الْبَصَائِرِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَشْيُهُمْ بِالتَّوَاضِعِ ، وَمَلْبَسُهُمْ بِالِاقْتِصَادِ ، وَمَنْطِقُهُمْ بِالصَّوَابِ ، وَمَطْعَمُهُمُ الطَّيِّبُ مِنَ الرِّزْقِ ، وَقَدْ نَفَذَتْ أَبْصَارُهُمْ فِي الْآجِلِ كَمَا نَفَذَتْ فِي الْعَاجِلِ ، فَخَوْفُهُمْ فِي الْبَرِّ كَخَوْفِهِمْ فِي الْبَحْرِ ، وَدُعَاؤُهُمْ فِي السَّرَّاءِ كَدُعَائِهِمْ فِي الضَّرَّاءِ ، وَلَوْلَا الْأَجَلُ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِمْ لَمْ تَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَبْدَانِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا خَوْفًا مِنَ الْعِقَابِ ، وَشَوْقًا إِلَى الثَّوَابِ ، عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَعْيُنِهِمْ ، وَصَغُرَ الْمَخْلُوقُ عِنْدَهُمْ ، فَارْضَ مِنْهَا بِالْكَفَافِ ، وَلْيَكْفِكَ مَا بَلَّغَكَ الْمَحَلَّ "
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ ، قَالَ : ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْأَشْعَثِ ، قَالَ : سَمِعْتُ الْفُضَيْلَ ، يَقُولُ : كَتَبَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ : أَمَّا بَعْدُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَاعْلَمْ أَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِدَارِ إِقَامَةٍ ، وَإِنَّمَا أُهْبِطَ إِلَيْهَا آدَمُ عُقُوبَةً ، فَبِحَسْبِ مَنْ لَا يَدْرِي ثَوَابَ اللَّهِ أَنَّهُ ثَوَابٌ ، وَبِحَسْبِ مَنْ لَا يَدْرِي عِقَابَ اللَّهِ أَنَّهُ عِقَابٌ ، لَيْسَتْ صَرْعَتُهَا كَالصَّرْعَةِ ، تُهِينُ مَنْ أَكْرَمَهَا ، وَتُعِزُّ مَنْ أَذَلَّهَا ، وَتُذِلُّ مَنْ أَعَزَّهَا ، وَتُفْقِرُ مَنْ جَمَعَهَا ، وَلَهَا فِي كُلِّ حِينٍ قَتِيلٌ ، فَالزُّهْدُ فِيهَا تَرْكُهَا ، وَالْغِنَى فِيهَا فَقْرُهَا ، هِيَ وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَالسُّمِّ يَأْكُلُهَا مَنْ لَا يَعْرِفُهَا لِتَشْفِيَهُ ، وَهِيَ حَتْفُهُ ، فَكُنْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَالْمُدَاوِي جُرْحَهُ ، يَحْتَمِي قَلِيلًا مَخَافَةَ مَا يَكْرَهُ طَوِيلًا ، وَيَصِيرُ عَلَى شِدَّةِ الدَّوَاءِ مَخَافَةَ الْبَلَاءِ ، فَأَهْلُ الْبَصَائِرِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَشْيُهُمْ بِالتَّوَاضِعِ ، وَمَلْبَسُهُمْ بِالِاقْتِصَادِ ، وَمَنْطِقُهُمْ بِالصَّوَابِ ، وَمَطْعَمُهُمُ الطَّيِّبُ مِنَ الرِّزْقِ ، وَقَدْ نَفَذَتْ أَبْصَارُهُمْ فِي الْآجِلِ كَمَا نَفَذَتْ فِي الْعَاجِلِ ، فَخَوْفُهُمْ فِي الْبَرِّ كَخَوْفِهِمْ فِي الْبَحْرِ ، وَدُعَاؤُهُمْ فِي السَّرَّاءِ كَدُعَائِهِمْ فِي الضَّرَّاءِ ، وَلَوْلَا الْأَجَلُ الَّذِي كُتِبَ عَلَيْهِمْ لَمْ تَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَبْدَانِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا خَوْفًا مِنَ الْعِقَابِ ، وَشَوْقًا إِلَى الثَّوَابِ ، عَظُمَ الْخَالِقُ فِي أَعْيُنِهِمْ ، وَصَغُرَ الْمَخْلُوقُ عِنْدَهُمْ ، فَارْضَ مِنْهَا بِالْكَفَافِ ، وَلْيَكْفِكَ مَا بَلَّغَكَ الْمَحَلَّ