عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، قَالَ : " لَمَّا أُهْبِطَ آدَمُ إِلَى الْأَرْضِ مَكَثَ لَا يَرْقَأُ لَهُ دُمُوعُهُ ، اطَّلَعَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَهُوَ مَحْزُونٌ كَظِيمٌ مُنَكِّسٌ رَأْسَهُ ، فَأَوْحَى إِلَيْهِ : يَا آدَمُ مَا هَذَا الْجَهْدُ الَّذِي أَرَى بِكَ ؟ وَمَا هَذِهِ الْبَلِيَّةُ الَّتِي بِكَ بَلَاؤْهَا ؟ قَالَ آدَمُ إِلَهِي عَظُمَتْ مُصِيبَتِي ، وَأَحَاطَتْ بِي خَطِيئَتِي ، وَأُخْرِجْتُ مِنْ مَلَكُوتِ رَبِّي ، فَصِرْتُ فِي دَارِ الْهَوَانِ بَعْدَ الْكَرَامَةِ ، وَفِي دَارِ الشَّقَاءِ بَعْدَ السَّعَادَةِ ، وَفِي دَارِ النَّصَبِ وَالْعَنَاءِ بَعْدَ الْخَفْضِ وَالرَّاحَةِ ، وَفِي دَارِ الْبَلَاءِ بَعْدَ الْعَافِيَةِ ، وَفِي دَارِ الزَّوَالِ وَالظَّعْنِ بَعْدَ الْقَرَارِ وَالطُّمَأْنِينَةِ ، وَفِي دَارِ الْمَوْتِ وَالْفَنَاءِ بَعْدَ الْخُلْدِ وَالْبَقَاءِ ، فَكَيْفَ لَا أَبْكِي عَلَى خَطِيئَتِي ؟ وَكَيْفَ لَا تَحْزَنُ نَفْسِي ؟ أَمْ كَيْفَ لِي أَنْ أَجْتَبِرَ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ . فَأُوحِيَ إِلَيْهِ : يَا آدَمُ أَلَمْ أَصْطَنِعْكَ لِنَفْسِي ، وَأَحْلَلْتُكَ دَارِي ، وَاصْطَفَيْتُكَ عَلَى خَلْقِي ، وَخَصَصْتُكَ بِكَرَامَتِي ، وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّتِي ، وَحَذَّرْتُكَ سَخَطِي ؟ أَلَمْ أَخْلُقْكَ بِيَدِي ، وَأَنْفُخْ فِيكَ مِنْ رُوحِي ، وَأُسْجِدْ لَكَ مَلَائِكَتِي ؟ أَلَمْ تَكُ فِي بَحْبُوحَةِ كَرَامَتِي ، وَمُنْتَهَى رَحْمَتِي ، فَعَصَيْتَ أَمْرِي ، وَنَسِيتَ عَهْدِي ، وَتَعَرَّضْتَ لِسَخَطِي ، وَضَيَّعْتَ وَصِيَّتِي ؟ فَكَيْفَ تَسْتَنْكِرُ نِقْمَتِي ؟ فَوَعِزَّتِي لَوْ مَلَأْتُ الْأَرْضَ رِجَالًا , كُلُّهُمْ يَعْبُدُونَنِي وَيُسَبِّحُونَنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، لَا يَفْتُرُونَ ، ثُمَّ عَصَوْنِي ، لَأَنْزَلْتُهُمْ مَنَازِلَ الْعَاصِينَ الْآثَمَةِ الْخَاطِئِينَ قَالَ : فَبَكَى آدَمُ عِنْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَمِائَةِ عَامٍ عَلَى جَبَلِ الْهِنْدِ ، تَجْرِي دُمُوعُهُ فِي أَوْدِيَةِ جِبَالِهَا . قَالَ : فَنَبَتَتْ بِتِلْكَ الْمَدَامِعِ أَشْجَارُ طِيبِكُمْ هَذَا . قَالَ : ثُمَّ خَرَجَ يَؤُمُّ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ ، فَجَعَلَ يَخْطُو الْخُطْوَةَ ، فَيَكُونُ مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ ذَا مَسَاكِنَ وَعُمْرَانٍ ، وَبَيْنَهُمَا مَفَاوِزُ وَبَرارِيُّ ، حَتَّى أَتَى الْبَيْتَ ، فَطَافَ سُبُوعًا ، فَبَكَى حَتَّى خَاضَ فِي دُمُوعِهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ . ثُمَّ صَلَّى ، فَبَكَى سَاجِدًا حَتَّى فَاضَتْ دُمُوعُهُ وَجَرَتْ عَلَى الْأَرْضِ . فَنُودِيَ عِنْدَ ذَلِكَ : يَا آدَمُ قَدْ رَحِمْتُ ضَعْفَكَ ، وَقَبِلْتُ تَوْبَتَكَ ، وَغَفَرْتُ ذَنْبَكَ . فَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ ، عَمِلْتُ سُوءًا ، وَظَلَمْتُ نَفْسِي ، فَتُبْ عَلَيَّ , إِنِّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، فَاغْفِرْ لِي فَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ، وَارْحَمْنِي فَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ . قَالَ : فَمَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُبْدِي عَنْ وَاضِحِهِ ، حَتَّى أَتَاهُ الْمَلَكُ فَقَالَ : حَيَّاكَ اللَّهُ يَا آدَمُ وَبَيَّاكَ . قَالَ : فَضَحِكَ "
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُجَاشِعُ بْنُ عَمْرٍو التَّمِيمِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ الْمَهْرِيُّ ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، قَالَ : لَمَّا أُهْبِطَ آدَمُ إِلَى الْأَرْضِ مَكَثَ لَا يَرْقَأُ لَهُ دُمُوعُهُ ، اطَّلَعَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ وَهُوَ مَحْزُونٌ كَظِيمٌ مُنَكِّسٌ رَأْسَهُ ، فَأَوْحَى إِلَيْهِ : يَا آدَمُ مَا هَذَا الْجَهْدُ الَّذِي أَرَى بِكَ ؟ وَمَا هَذِهِ الْبَلِيَّةُ الَّتِي بِكَ بَلَاؤْهَا ؟ قَالَ آدَمُ إِلَهِي عَظُمَتْ مُصِيبَتِي ، وَأَحَاطَتْ بِي خَطِيئَتِي ، وَأُخْرِجْتُ مِنْ مَلَكُوتِ رَبِّي ، فَصِرْتُ فِي دَارِ الْهَوَانِ بَعْدَ الْكَرَامَةِ ، وَفِي دَارِ الشَّقَاءِ بَعْدَ السَّعَادَةِ ، وَفِي دَارِ النَّصَبِ وَالْعَنَاءِ بَعْدَ الْخَفْضِ وَالرَّاحَةِ ، وَفِي دَارِ الْبَلَاءِ بَعْدَ الْعَافِيَةِ ، وَفِي دَارِ الزَّوَالِ وَالظَّعْنِ بَعْدَ الْقَرَارِ وَالطُّمَأْنِينَةِ ، وَفِي دَارِ الْمَوْتِ وَالْفَنَاءِ بَعْدَ الْخُلْدِ وَالْبَقَاءِ ، فَكَيْفَ لَا أَبْكِي عَلَى خَطِيئَتِي ؟ وَكَيْفَ لَا تَحْزَنُ نَفْسِي ؟ أَمْ كَيْفَ لِي أَنْ أَجْتَبِرَ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ . فَأُوحِيَ إِلَيْهِ : يَا آدَمُ أَلَمْ أَصْطَنِعْكَ لِنَفْسِي ، وَأَحْلَلْتُكَ دَارِي ، وَاصْطَفَيْتُكَ عَلَى خَلْقِي ، وَخَصَصْتُكَ بِكَرَامَتِي ، وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّتِي ، وَحَذَّرْتُكَ سَخَطِي ؟ أَلَمْ أَخْلُقْكَ بِيَدِي ، وَأَنْفُخْ فِيكَ مِنْ رُوحِي ، وَأُسْجِدْ لَكَ مَلَائِكَتِي ؟ أَلَمْ تَكُ فِي بَحْبُوحَةِ كَرَامَتِي ، وَمُنْتَهَى رَحْمَتِي ، فَعَصَيْتَ أَمْرِي ، وَنَسِيتَ عَهْدِي ، وَتَعَرَّضْتَ لِسَخَطِي ، وَضَيَّعْتَ وَصِيَّتِي ؟ فَكَيْفَ تَسْتَنْكِرُ نِقْمَتِي ؟ فَوَعِزَّتِي لَوْ مَلَأْتُ الْأَرْضَ رِجَالًا , كُلُّهُمْ يَعْبُدُونَنِي وَيُسَبِّحُونَنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، لَا يَفْتُرُونَ ، ثُمَّ عَصَوْنِي ، لَأَنْزَلْتُهُمْ مَنَازِلَ الْعَاصِينَ الْآثَمَةِ الْخَاطِئِينَ قَالَ : فَبَكَى آدَمُ عِنْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَمِائَةِ عَامٍ عَلَى جَبَلِ الْهِنْدِ ، تَجْرِي دُمُوعُهُ فِي أَوْدِيَةِ جِبَالِهَا . قَالَ : فَنَبَتَتْ بِتِلْكَ الْمَدَامِعِ أَشْجَارُ طِيبِكُمْ هَذَا . قَالَ : ثُمَّ خَرَجَ يَؤُمُّ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ ، فَجَعَلَ يَخْطُو الْخُطْوَةَ ، فَيَكُونُ مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ ذَا مَسَاكِنَ وَعُمْرَانٍ ، وَبَيْنَهُمَا مَفَاوِزُ وَبَرارِيُّ ، حَتَّى أَتَى الْبَيْتَ ، فَطَافَ سُبُوعًا ، فَبَكَى حَتَّى خَاضَ فِي دُمُوعِهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ . ثُمَّ صَلَّى ، فَبَكَى سَاجِدًا حَتَّى فَاضَتْ دُمُوعُهُ وَجَرَتْ عَلَى الْأَرْضِ . فَنُودِيَ عِنْدَ ذَلِكَ : يَا آدَمُ قَدْ رَحِمْتُ ضَعْفَكَ ، وَقَبِلْتُ تَوْبَتَكَ ، وَغَفَرْتُ ذَنْبَكَ . فَقَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ ، عَمِلْتُ سُوءًا ، وَظَلَمْتُ نَفْسِي ، فَتُبْ عَلَيَّ , إِنِّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، فَاغْفِرْ لِي فَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ، وَارْحَمْنِي فَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ . قَالَ : فَمَكَثَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُبْدِي عَنْ وَاضِحِهِ ، حَتَّى أَتَاهُ الْمَلَكُ فَقَالَ : حَيَّاكَ اللَّهُ يَا آدَمُ وَبَيَّاكَ . قَالَ : فَضَحِكَ