" إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ أَكْرِمُوا أَصْحَابِي ؛ فَإِنَّ خِيَارَكُمْ أَصْحَابِي ، أَلَا ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، أَلَا ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، أَلَا ثُمَّ يَظْهَرُ الْعَرَبُ وَيَكْثُرُ الْحَلِفُ حَتَّى يَحْلِفَ الْحَالِفُ ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَحْلَفْ ، وَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ وَإِنْ لَمْ يُسْتَشْهَدْ ، أَلَا فَمَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، الْجَمَاعَةُ تَدْرَؤُكُمْ عَلَى الْجَمَاعَةِ ، أَلَا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ بَنِي آدَمَ وَهُوَ مَعَ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ ، أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا ، أَلَا وَمَنْ سَاءَتْهُ سَيِّئَاتُهُ وَسَرَّتْهُ حَسَنَاتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ "
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ : مُحَمَّدَ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَطَاءِ بْنِ قَيْسٍ الْحَرَّانِيَّ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي : سُلَيْمَانُ بْنُ عَطَاءٍ ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ ، عَنْ عَمِّهِ أَبِي مَسْجَعَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْجُهَنِيِّ ، قَالَ : لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْجَابِيَةَ لِغَرَضِ الْخَرَاجِ وَذَلِكَ بَعْدَ وَقْعَةِ الْيَرْمُوكِ شَهِدْتُهُ دَعَا بِكُرْسِيٍّ مِنْ كَرَاسِيِّ الْكَنِيسَةِ فَقَامَ عَلَيْهِ فَقَالَ : إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ أَكْرِمُوا أَصْحَابِي ؛ فَإِنَّ خِيَارَكُمْ أَصْحَابِي ، أَلَا ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، أَلَا ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، أَلَا ثُمَّ يَظْهَرُ الْعَرَبُ وَيَكْثُرُ الْحَلِفُ حَتَّى يَحْلِفَ الْحَالِفُ ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَحْلَفْ ، وَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ وَإِنْ لَمْ يُسْتَشْهَدْ ، أَلَا فَمَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ ، الْجَمَاعَةُ تَدْرَؤُكُمْ عَلَى الْجَمَاعَةِ ، أَلَا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ بَنِي آدَمَ وَهُوَ مَعَ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ ، أَلَا لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا ، أَلَا وَمَنْ سَاءَتْهُ سَيِّئَاتُهُ وَسَرَّتْهُ حَسَنَاتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ قُمْتُ فِيكُمْ بِقَدْرِ مَا قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، ثُمَّ ارْتَحَلَ حَتَّى نَزَلَ أَذْرِعَاتٍ ، وَقَدْ وَلَّى عَلَى الشَّامِ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ فَدَعَا بِغَدَائِهِ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الثَّرِيدِ رُفِعَ ، فَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ قَصْعَةٌ أُخْرَى فَصَاحَ فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ فَأَرْسَلَ يَزِيدُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ صَاحِبَ إِمْرَةٍ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا الَّذِي أَنْكَرْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ؟ قَالَ : مَا بَالِي تُوضَعُ بَيْنَ يَدَيَّ قَصْعَةٌ وَتُرْفَعُ أُخْرَى ؟ قَالَ : إِنَّكَ هَبَطْتَ أَرْضًا كَثِيرَةَ الْأَطْعِمَةِ فَخِفْتُ عَلَيْكَ وَخَامَتَهَا ، فَأَشِرْ إِلَيَّ إِنْ شِئْتَ حَتَّى أُلْزِمَكَهُ ، فَأَشَارَ إِلَى الثَّرِيدِ ، فَقَامَ قُسْطَنْطِينُ وَهُوَ صَاحِبُ بُصْرَى بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدْ فَرَضَ عَلَيَّ الْخَرَاجَ ، فَاكْتُبْ لَهُ بِهِ فَأَنْكَرَ عُمَرُ ذَاكَ وَقَالَ : فَمَا فَرَضَ عَلَيْكَ ؟ قَالَ : فَرَضَ عَلَيَّ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ وَعَبَاءَةً عَلَى كُلِّ جُلْهُمَةٍ يَعْنِي الْجَمَاجِمَ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَبِي عُبَيْدَةَ : مَا يَقُولُ هَذَا ؟ قَالَ : كَذَبَ ، وَلَكِنِّي صَالَحْتُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ لِيَسْتَمْتِعَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ فِي شِتَائِهِمْ هَذَا ، ثُمَّ تَقْدُمُ أَنْتَ فَتَكُونُ الَّذِي يَفْرِضُ عَلَيْهِمُ الْخَرَاجَ ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَبُو عُبَيْدَةَ أَصْدَقُ عِنْدَنَا مِنْكَ ، فَقَالَ قُسْطَنْطِينُ : صَدَقَ أَبُو عُبَيْدَةَ ، وَكَذَبْتُ أَنَا ، قَالَ : وَيْحَكَ ، فَمَاذَا أَرَدْتَ بِمَقَالَتِكَ ؟ قَالَ : أَرَدْتُ أَنْ أَخْدَعَكَ ، وَلَكِنِ افْرِضْ عَلَيَّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْآنَ ، قَالَ : فَجَاثَاهُ النَّبَطِيُّ مُجَاثَاةَ الْخَصِمِ عَامَّةَ النَّهَارِ ، فَفَرَضَ عَلَى الْغَنِيِّ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ وَعَلَى الْوَسَطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ ، وَعَلَى النَّاسِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا ، وَشَرَطَ عَلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُشَاطِرَهُمْ مَنَازِلَهُمْ فَيَنْزِلَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ ، وَعَلَى أَنْ لَا يَضْرِبُوا بِنَاقُوسٍ ، وَلَا يَرْفَعُوا صَلِيبًا إِلَّا فِي جَوْفِ كَنِيسَةٍ ، وَعَلَى أَنْ لَا يُحْدِثُوا كَنِيسَةً إِلَّا مَا فِي أَيْدِيهِمْ ، وَعَلَى أَنْ لَا يَمُرَّ خِنْزِيرٌ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَعَلَى أَنْ يُقْرُوا ضَيْفَهُمْ يَوْمًا وَلَيْلَةً ، وَعَلَى أَنْ يَحْمِلُوا رَاجِلَهُمْ مِنْ رُسْتَاقٍ إِلَى رُسْتَاقٍ ، وَعَلَى أَنْ يُنَاصِحُوهُمْ وَلَا يَغُشُّوهُمْ ، وَعَلَى أَنْ لَا يُمَالِئُوا عَلَيْهِ عَدُوًّا ، فَمَنْ وَفَى وَفَيْنَا لَهُ ، وَمَنَعْنَاهُ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا ، وَمَنِ انْتَهَكَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ اسْتَحْلَلْنَا بِذَلِكَ سَفْكَ دَمِهِ وَسِبَاءَ أَهْلِهِ وَمَالِهِ ، فَقَالَ لَهُ قُسْطَنْطِينُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اكْتُبْ لِي بِهِ كِتَابًا ، فَقَالَ : نَعَمْ ، ثُمَّ وَكَّدَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : إِلَّا أَنْ أَسْتَثْنِيَ عَلَيْكَ مِيرَةَ الْجَيْشِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبَطِيُّ : لَكَ ثُنْيَاكَ ، وَقَبَّحَ اللَّهُ مَنْ أَقَالَكَ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ قُسْطَنْطِينُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، قُمْ فِي النَّاسِ فَأَعْلِمْهُمْ كِتَابَكَ لِي لِيَتَنَاهَوْا عَنْ ظُلْمِي ، وَالْعِسَارِ عَلَيْنَا ، فَقَامَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخَطَبَ خُطْبَةَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، فَلَمَّا بَلَغَ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ قَالَ النَّبَطِيُّ : إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِلُّ أَحَدًا ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يَقُولُ ؟ قَالُوا : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ شَيْءٌ تَكَلَّمَ بِهِ ، فَعَادَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْخُطْبَةِ وَعَادَ النَّبَطِيُّ ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَفَتَرَوْنَ مَا يَقُولُ ؟ قَالُوا : يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِلُّ أَحَدًا ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ عُدْتَ لَهَا لَأَضْرِبَنَّ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاكَ ، فَمَضَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي خُطْبَتِهِ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ إِلَيْهِ قُسْطَنْطِينُ فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً فَاقْضِهَا لِي فَإِنَّ لِي عَلَيْكَ حَقًّا ، قَالَ : مَا حَقُّكَ عَلَيْنَا ؟ قَالَ : إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَقَرَّ بِالصَّغَارِ ، قَالَ : وَمَا حَاجَتُكَ ؟ إِنْ كَانَ لَكَ فِيهَا مَنْفَعَةٌ فَعَلْنَا ، قَالَ غَدًا عِنْدِي أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَيْحَكَ إِنَّ ذَلِكَ يَضُرُّكَ ، قَالَ : وَلَكِنَّهَا مَكْرُمَةٌ وَشَرَفٌ أَنَالُهُ ، قَالَ : انْطَلِقْ فَتَهَيَّأْ حَتَّى نَأْتِيَكَ ، فَانْطَلَقَ فَتَهَيَّأَ فِي كَنِيسَةِ بُصْرَى ، وَنَجَّدَهَا وَهَيَّأَهَا وَهَيَّأَ فِيهَا الْأَطْعِمَةَ وَقِبَابَ الْخَبِيصِ وَكَانُونًا عَلَيْهِ الْمِجْمَرُ ، فَلَمَّا جَاءَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابُهُ نَزَلَ فِي بَعْضِ الْبَيَادِرِ ، ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي وَتَبِعَهُ النَّاسُ وَالنَّبَطِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ ، ثُمَّ بَدَا لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ : لَا يَتَّبِعْنِي أَحَدٌ ، ثُمَّ مَضَى هُوَ وَالنَّبَطِيُّ ، فَلَمَّا دَخَلَ الْكَنِيسَةَ إِذَا هُوَ بِالسُّتُورِ وَالْبُسُطِ وَقِبَابِ الْخَبِيصِ وَالْمِجْمَرِ ، فَقَالَ لِلنَّبَطِيِّ : وَيْلَكَ لَوْ نَظَرَ مَنْ خَلْفِي إِلَى مَا هَاهُنَا أَفْسَدْتَ عَلَيَّ قُلُوبَهُمْ ، اهْتِكْ مَا أَرَى ، قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنِّي أُحِبُّ أَنْ تَنْظُرُوا إِلَى نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيَّ ، فَقَالَ لَهُ : إِنْ أَرَدْتَ أَنْ نَأْكُلَ طَعَامَكَ فَاصْنَعْ مَا آمُرُكَ ، فَهَتَكَ السُّتُورَ وَنَزَعَ الْبُسُطَ ، وَأَخْرَجَ عَنْهُ الْمِجْمَرَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : اخْرُجْ إِلَى رِحَالِنَا فَأْتِنِي بِأَنْطَاعٍ ، فَأَخَذَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَبَسَطَهَا فِي الْكَنِيسَةِ ، ثُمَّ عَمَدَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى ذَلِكَ الْخَبِيصِ وَمَا كَانَ هُنَا فَعَكَسَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ ، فَجَعَلَ يَحْمِلُ بِيَدَيْهِ وَيَجْعَلُهُ عَلَى الْأَنْطَاعِ ، ثُمَّ قَالَ : ادْعُ النَّاسَ ، فَجَاءُوا فَجَثَوْا عَلَى رُكَبِهِمْ وَأَقْبَلُوا يَأْكُلُونَ ، فَرُبَّمَا وَقَعَتِ الْقِطْعَةُ مِنَ الْخَبِيصِ فِي فَمِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ : إِنَّ هَذَا طَعَامٌ مَا رَأَيْنَاهُ ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : وَيْحَكَ أَمَا تَسْمَعُ ؟ كَيْفَ لَوْ رَأَوْا مَا رَأَيْتُ ؟ فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ النَّبَطِيُّ لِمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنَّ الْأَحْبَارَ وَالرُّهْبَانَ قَدِ اجْتَمَعُوا ، فَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَخْلَاقٌ وَسِخَةٌ مُهَلْهَلَةٌ فَلْنُحَدِّثْهُ عَنْهَا فَنُعِيرُهُ ثِيَابًا غَيْرَ هَذِهِ حَتَّى يَقْضِيَ جُمْعَتَهُ ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَمَّا أَنَا فَلَا أَدْخُلُ فِي هَذَا بَعْدَ إِذْ نَجَوْتُ مِنْهُ أَمْسِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبَطِيُّ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ثِيَابُكَ قَدِ اتَّسَخَتْ فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُعْطِيَنَا أَنْ نَغْسِلَهَا وَنَرُمَّهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ ثِيَابَهُ وَاتَّزَرَ بِكِسَاءٍ فَعَمَدَ النَّبَطِيُّ فَغَسَلَ الثِّيَابَ وَتَرْكَهَا فِي الْمَاءِ ، ثُمَّ هَيَّأَ لَهُ قَمِيصًا مَرَوِيًّا وَرِدَاءً قَصِيبًا ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْجُمُعَةُ قَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِيتِنِي بِثِيَابِي ، قَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا جَفَّتْ ، فَنَحْنُ نُعِيرُكَ ثَوْبَيْنِ حَتَّى تَقْضِيَ جُمُعَتَكَ ، قَالَ : أَرِنِي ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى الْقَمِيصِ قَالَ : وَيْحَكَ كَأَنَّمَا رُفِيَ رَفْوًا أَغْرِبْهُمَا عَنِّي وَأْتِنِي بِثِيَابِي ، فَجَاءَ بِهَا تَقْطُرُ ، فَجَعَلَ يَتَنَاوَلُهَا ، وَجَعَلَ النَّبَطِيُّ يَأْخُذُ بِطَرَفِ الثَّوْبِ ، وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالطَّرَفِ الْآخَرِ ، فَجَعَلَ يَعْصِرُهَا وَيَلْبَسُهَا ، ثُمَّ دَعَا بِكُرْسِيٍّ مِنْ كَرَاسِيِّ الْكَنِيسَةِ فَقَامَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَمْسَحُ ثِيَابَهُ وَيُمَدِّدُهَا قَالَ : فَسَأَلْتُهُ : أَيَّ شَيْءٍ كَانَتْ ثِيَابُهُ ؟ قَالَ : غَزْلِيَّ كَتَّانٍ ، وَجَاءَتِ الرُّهْبَانُ فَقَامُوا وَرَاءَ النَّاسِ وَعَلَيْهِمُ الْقَلَانِسُ تَبْرُقُ بَرِيقًا وَمَعَهُمْ عِصِيٌّ عَلَيْهَا صَفَائِحُ الْفِضَّةِ وَمَعَهُمُ الْمَوَاكِبُ ، فَلَمَّا نَظَرُوا إِلَيْهِ وَإِلَى هَيْئَتِهِ قَالُوا : أَنْتُمُ الرُّهْبَانُ ، لَا وَاللَّهِ وَلَكِنْ هَذِهِ الرَّهْبَانِيَّةُ ؟ وَمَا أَنْتُمْ عِنْدَهُ إِلَّا مُلُوكٌ ، ثُمَّ ارْتَحَلَ حَتَّى أَتَى دِمَشْقَ فَشَاطَرَهُمْ مَنَازِلَهُمْ ، وَكَنَائِسَهُمْ ، وَجَعَلَ يَأْخُذُ الْحَيِّزَ الْقِبْلِيَّ مِنَ الْكَنِيسَةِ لِمَسْجِدِ الْمُسْلِمِينَ ؛ لِأَنَّهَا أَنْظَفُ وَأَطْهَرُ وَجَعَلَ يَأْخُذُ هُوَ بِطَرَفِ الْحَبْلِ وَالنَّبَطِيُّ بِطَرَفِ الْحَبْلِ حَتَّى شَاطَرَهُمْ مَنَازِلَهُمْ ، قَالَ : فَرُبَّمَا أَرْخَى فَأَخَذَ الْحَبْلَ مِنْهُ فَأَعْقَبَهُ ، فَفَرَغَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ دِمَشْقَ وَحِمْصَ ، وَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ إِلَى قِنَّسْرِينَ ، وَحَلَبَ وَمَنْبِجَ ، فَفَعَلَ بِهِمْ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ