• 147
  • حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ يَحْيَى ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ ، أَنَّ ابْنَ مَعْدَانَ ، أَخْبَرَهُ ، أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ نُفَيْرٍ ، أَخْبَرَهُ ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أَخْبَرَهُ ، قَالَ : رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ ، فَقَالَ : إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا ، وحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ ، ح وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ ، كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وَقَالَا : عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ *

    أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، أَخْبَرَهُ ، قَالَ : رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ ، فَقَالَ : " إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا "

    معصفرين: المعصفر : أي مشبَّع بصبغ أحمر أو أصفر اللون
    هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا " ، وحَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ
    لا توجد بيانات

    [2077] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يَحْيَى حَدَّثَنِي محمد بن ابراهيم بن الحارث أن بن مَعْدَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ نُفَيْرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أخبرهقَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبِسْهَا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم على ثوبين معصفرين فقال أمك أَمَرَتْكَ بِهَذَا قُلْتُ أَغْسِلُهُمَا قَالَ بَلْ أَحْرِقْهُمَا

    عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين، فقال: إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها.


    المعنى العام كان العرب يستوردون كثيراً من ثيابهم من الفرس والروم، وكان غزلهم ونسيجهم للثياب لا يكفيهم، أو لا يناسب تقدمهم الحضاري بعد الإسلام، وكان ضيق عيشهم يضطرهم أحياناً إلى أن يصبغوا ثيابهم القديمة بالعصفر أو الزعفران، يجددونها، وكانوا -بحكم العادة- يخصون نساءهم بالألوان الفاقعة، حمرة أو صفرة، كمظهر من مظاهر التجمل والزينة. وعلى الرغم من أن الإسلام لا يحدد لأبنائه لوناً معيناً في ثيابهم، بل يبيح لهم ما اتفق لهم من الألوان فقد جاءت أحاديث تنهى عن لون معين، أو ترغب في لون معين، رغبت في الثوب الأبيض، وهنا في هذا الباب تنهى عن اللون الأحمر الفاقع، عللت الرواية الأولى النهي بأنها من ثياب الكفار، والإسلام لا يحب التشبه بزي الكفار، وأشارت الرواية الثانية إلى أن العلة التشبه بالنساء، وقال بعض العلماء: إن العلة ما فيه من الزهو والخيلاء. والحق أن لكل زمان لبوساً، ولكن بيئة لبوسها وزيها، مع اختلاف في هيئته ولونه وصنفه اختلافاً ينتقده أهل زمان على أهل زمان، وأهل مكان على أهل مكان، ومادام نوع اللباس حلالاً، لا إثم فيه، فالأمر على الاتساع الشرعي، لكن مروءة المسلم تلزمه بمراعاة مشاعر بيئته، فإن خرج عما يألفه الناس خرمت مروءته، وردت روايته وشهادته. والله الهادي سواء السبيل. المباحث العربية (ثوبين معصفرين) أي أزاراً ورداء، والعصفر بضم العين والفاء، بينهما صاد ساكنة، نبات صيفي، له زهر يعلو أنبوباً، يستعمل زهره من التوابل، ويستخرج منه صبغة حمراء، شديدة الحمرة، يصبغ بها الحرير ونحوه، فالمعنى: ثوبين مصبوغين بالعصفر. أما الزعفران -وسيأتي حديثه بعد أبواب- فهو نبات بصلي، معمر، منه نوع صبغي مشهور، يصبغ به الحرير ونحوه، ولونه أصفر، شديد الصفرة. (أأمك أمرتك بهذا؟) معناه أن هذا من لباس النساء وزيهن، وأخلاقهن. فقه الحديث قال النووي: اختلف العلماء في الثياب المعصفرة، وهي المصبوغة بعصفر، فأباحها جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وبه قال الشافعي وأبو حنيفة ومالك، لكنه قال: غيرها أفضل منها، وفي رواية عنه أنه أجاز لبسها في البيوت وأفنية الدور، وكرهه في المحافل والأسواق ونحوها. ويميل البيهقي -وهو شافعي- إلى كراهته، ويعتذر عن الشافعي، فيقول: نهى الشافعي الرجل عن المزعفر، فقال: أنهي الرجل الحلال بكل حال أن يتزعفر، قال: وآمره إذا تزعفر أن يغسله، وأباح المعصفر، وقال: إنما رخصت في المعصفر، لأني لم أجد أحداً يحكي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عنه، إلا ما قال علي رضي الله عنه: نهاني، ولا أقول: نهاكم. قال البيهقي: وقد جاءت أحاديث تدل على النهي عن العموم، ثم ذكر حديث عبد الله بن عمرو [روايتنا الأولى والثانية] ثم أحاديث أخر، ثم قال: ولو بلغت هذه الأحاديث الشافعي لقال بها إن شاء الله، ثم ذكر بإسناده ما صح عن الشافعي أنه قال: إذا كان حديث النبي صلى الله عليه وسلم خلاف قولي، فاعملوا بالحديث، ودعوا قولي، وفي رواية فهو مذهبي قال البيهقي: فتبع السنة في المزعفر فمتابعتها في المعصفر أولى، قال: وقد كره المعصفر بعض السلف، وبه قال أبو عبد الله الحليمي من أصحابنا، ورخص فيه جماعة، والسنة أولى بالاتباع. أمام الأحاديث التي تدل على النهي عن لبس المعصفر، وما ثبت من أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس حلة حمراء، وما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصبغ بالصفرة أمام هذا حمل جماعة النهي على كراهة التنزيه، وقال الخطابي: النهي منصرف إلى ما صبغ من الثياب بعد النسج، فأما ما صبغ غزله، ثم نسج، فليس بداخل في النهي، وحمل بعض العلماء النهي هنا على المحرم بالحج أو العمرة، ليكون موافقاً لحديث ابن عمر نهي المحرم أن يلبس ثوباً مسه ورس أو زعفران وسيأتي الكلام عن ثوب الزعفران بعد أبواب. قال الحافظ ابن حجر: وقد تلخص لنا من أقوال السلف في لبس الثوب الأحمر -ويشمل المعصفر- سبعة أقوال: الأول الجواز مطلقاً، جاء ذلك عن علي وطلحة وعبد الله بن جعفر والبراء وغير واحد من الصحابة، وعن سعيد بن المسيب والنخعي والشعبي وأبي قلابة وأبي وائل وطائفة من التابعين. القول الثاني المنع مطلقاً، لحديث عبد الله بن عمرو، وما نقله البيهقي، وعند الطبراني أن عمر كان إذا رأى على الرجال ثوباً معصفراً جذبه، وقال: دعوا هذا للنساء وعند أبي شيبة الحمرة من زينة الشيطان، والشيطان يحب الحمرة وعن عبد الله بن عمرو قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، وعليه ثوبان أحمران، فسلم عليه، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه أبو داود، والترمذي وحسنه، والبراز. القول الثالث: يكره لبس الثوب المشبع بالحمرة، دون ما كان صبغه خفيفاً، جاء ذلك عن عطاء وطاوس ومجاهد، وكأن الحجة فيه حديث ابن عمر نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المفدم بفاء ثم دال مشددة، وهو المشب بالعصفر، أخرجه ابن ماجه. القول الرابع: يكره لبس الأحمر مطلقاً، لقصد الزينة والشهرة، ويجوز في البيوت والمهنة، جاء ذلك عن ابن عباس. القول الخامس: يجوز لبس ما كان صبغ غزله ثم نسج، ويمنع ما صبغ بعد النسج، جنح إلى ذلك الخطابي، واحتج بأن الحلة الواردة في الأخبار، الواردة في لبسه صلى الله عليه وسلم الحلة الحمراء، إحدى حلل اليمن، وكذلك البرد الأحمر، وبرود اليمن يصبغ غزلها، ثم ينسج. القول السادس: اختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بما يصبغ بالمعصفر، لورود النهي عنه، ولا يمنع ما صبغ بغيره من الأصباغ. القول السابع: تخصيص المنع بالثوب الذي يصبغ كله، وأما ما فيه لون آخر غير الأحمر، من بياض وسواد وغيرها فلا، وعلى ذلك تحمل الأحاديث الواردة في الحلة الحمراء، فإن الحلل اليمانية غالباً تكون ذات خطوط حمر وغيرها. قال ابن القيم: كان بعض العلماء بلبس ثوباً مشبعاً بالحمرة، يزعم أنه يتبع السنة، وهو غلط، فإن الحلة الحمراء من برود اليمن، وبرود اليمن لا تصبغ أحمر صرفاً. قال الطبري بعد أن ذكر غالب هذه الأقوال: الذي أراه جواز لبس الثياب المصبغة بكل لون، إلا أني لا أحب لبس ما كان مشبعاً بالحمرة، ولا لبس الأحمر مطلقاً، ظاهراً فوق الثياب، لكونه ليس من لباس أهل المروءة في زماننا، فإن مراعاة زي الزمان من المروءة، ما لم يكن إثماً، وفي مخالفة الزي ضرب من الشهرة. قال الحافظ ابن حجر: والتحقيق في هذا المقام أن النهي عن لبس الأحمر إن كان من أجل أنه لبس الكفار، فالقول فيه كالقول في الميثرة الحمراء، وإن كان من أجل أنه زي النساء، فهو راجع إلى الزجر عن التشبه بالنساء، فيكون النهي عنه لا لذاته، وإن كان من أجل الشهرة أو خرم المروءة، فيمنع حيث يقع ذلك، وإلا فيقوى ما ذهب إليه مالك من التفرقة بين المحافل والبيوت. اهـ أي إن قلنا: إنه كان من أجل أنه لباس الأعاجم الكفرة فهو لمصلحة دينية، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ وهم كفار، ثم لما لم يصر الآن يختص بهم زال ذلك المعنى، فتزول الكراهة. بقي الأمر بإحراقهما في روايتنا الثانية، وعنه يقول النووي: قيل: هو عقوبة وتغليظ، لزجره وزجر غيره عن مثل هذا الفعل، وهذا نظير أمر تلك المرأة التي لعنت الناقة بإرسالها، وأمر أصحاب بريرة بيعها، وأنكر عليهم اشتراط الولاء. والله أعلم





    لا توجد بيانات