• 2985
  • عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ ، وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا ، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ كَانَ بِيَدِهِ ، وَيَقُولُ : {{ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا }} {{ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ }}

    حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَعَمْرٌو النَّاقِدُ ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ ، وَاللَّفْظُ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : دَخَلَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مَكَّةَ ، وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا ، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ كَانَ بِيَدِهِ ، وَيَقُولُ : {{ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا }} {{ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ }} ، زَادَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ : يَوْمَ الْفَتْحِ ، وَحَدَّثَنَاهُ حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى قَوْلِهِ : زَهُوقًا ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْآيَةَ الْأُخْرَى ، وَقَالَ : بَدَلَ نُصُبًا صَنَمًا

    نصبا: النصب : الأوثان من الحجارة
    زهوقا: زهوقا : زائلا مضمحلا
    جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا جَاءَ الْحَقُّ وَمَا
    حديث رقم: 2373 في صحيح البخاري كتاب المظالم والغصب باب: هل تكسر الدنان التي فيها الخمر، أو تخرق الزقاق، فإن كسر صنما، أو صليبا، أو طنبورا، أو ما لا ينتفع بخشبه
    حديث رقم: 4061 في صحيح البخاري كتاب المغازي باب: أين ركز النبي صلى الله عليه وسلم الراية يوم الفتح؟
    حديث رقم: 4464 في صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن باب {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} [الإسراء: 81] "
    حديث رقم: 3210 في جامع الترمذي أبواب تفسير القرآن باب: ومن سورة بني إسرائيل
    حديث رقم: 3478 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ
    حديث رقم: 5958 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فَصْلٌ
    حديث رقم: 10854 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ تَعَالَى : جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ
    حديث رقم: 10984 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ التَّفْسِيرِ سُورَةُ سَبَأَ
    حديث رقم: 36232 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ الْمَغَازِي حَدِيثُ فَتْحِ مَكَّةَ
    حديث رقم: 316 في المعجم الأوسط للطبراني بَابُ الْأَلِفِ مَنِ اسْمُهُ أَحْمَدُ
    حديث رقم: 2344 في المعجم الأوسط للطبراني بَابُ الْأَلِفِ بَابُ مَنِ اسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ
    حديث رقم: 209 في المعجم الصغير للطبراني بَابُ الْأَلِفِ بَابُ مَنِ اسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ
    حديث رقم: 10231 في المعجم الكبير للطبراني مَنِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ طُرُقُ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لَيْلَةَ الْجِنِّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
    حديث رقم: 10340 في المعجم الكبير للطبراني مَنِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ طُرُقُ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لَيْلَةَ الْجِنِّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
    حديث رقم: 10802 في السنن الكبير للبيهقي كِتَابُ الْغَصْبِ بَابُ مَنْ قَتَلَ خِنْزِيرًا أَوْ كَسَرَ صَلِيبًا أَوْ طُنْبُورًا
    حديث رقم: 84 في مسند الحميدي مسند الحميدي أَحَادِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 178 في مسند ابن أبي شيبة مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
    حديث رقم: 178 في مسند ابن أبي شيبة عُقْبَةُ بْنُ مَالِكٍ
    حديث رقم: 857 في غريب الحديث لإبراهيم الحربي غَرِيبُ مَا رَوَى الْمَوَالِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بَابُ : نصب
    حديث رقم: 4837 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي مُسْنَدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
    حديث رقم: 5438 في مستخرج أبي عوانة مُبْتَدَأُ كِتَابِ الْجِهَادِ بَيَانُ صِفَةِ فَتْحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ، وَتَوْجِيهِ
    حديث رقم: 5437 في مستخرج أبي عوانة مُبْتَدَأُ كِتَابِ الْجِهَادِ بَيَانُ صِفَةِ فَتْحِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ ، وَتَوْجِيهِ
    حديث رقم: 10954 في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حلية الأولياء وطبقات الأصفياء أَسْنَدَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الْجَمَاهِيرِ مِنَ التَّابِعِينَ , أَدْرَكَ سِتَّةً
    حديث رقم: 133 في أخبار مكة للأزرقي أخبار مكة للأزرقي بَابُ مَا جَاءَ فِي أَوَّلِ مَنْ نَصَبَ الْأَصْنَامَ وَمَا كَانَ مِنْ كَسْرِهَا

    عن عبد الله رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاث مائة وستون نصبا فجعل يطعنها بعود كان بيده ويقول {جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} [الإسراء: 81] {جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد} [سبأ: 49]. زاد ابن أبي عمر يوم الفتح.
    المعنى العام:
    في ذي القعدة سنة ست من الهجرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة قاصدا العمرة فصدهم المشركون عن الوصول إلى البيت عند الحديبية ووقع بينهم الصلح المشهور وفيه أن يرجع من عامه هذا على أن يدخل مكة في العام المقبل وفيه [من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل ومن أحب أن يدخل في عقد قريش فليدخل] فدخلت بنو بكر بن عبد مناة في عهد قريش ودخلت خزاعة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وكان بين بكر وخزاعة حروب وقتلى في الجاهلية فلما كانت الهدنة خرج نوفل بن معاوية من بني بكر حتى بيت خزاعة على ماء لهم يقال له الوثير فأصاب منهم رجلا يقال له منبه واستيقظت لهم خزاعة فاقتتلوا إلى أن دخلوا الحرم ولم يتركوا القتال وأمدت قريش بني بكر بالسلاح والطعام وقاتل بعضهم معهم ليلا في خفية وانتصرت بنو بكر على خزاعة فجاء وفد خزاعة يستنصر بالمسلمين وبرسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قريش أنهم نقضوا العهد وخيرهم بين ثلاث أن يودوا قتيل خزاعة وبين أن يبرءوا من حلف بكر وبين أن ينبذ إليهم على السواء فقالوا: لا نودي ولا نبرأ ولكننا ننبذ إليه سواء فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف من أصحابه على رأس ثمان سنين ونصف السنة من الهجرة على الأصح ولما علم بذلك أبو سفيان زعيم قريش وتأكد أن قريشا لا قبل لها بالمسلمين خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مر الظهران يطلب منه الأمان لقريش وأسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن ومن أغلق عليه داره فهو آمن ودخلت القوات المسلمة مكة خالد بن الوليد على الميمنة والزبير بن العوام على الميسرة وأبو عبيدة بن الجراح على الساقة ونهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال وكانت قريش قد جمعت من حولها جموعا من أوباش القبائل وغوغائهم واستعدت لحرب المسلمين فلما وقع الأمان لأبي سفيان لم يلتزم به الغوغائيون وتعرضوا لقتال المسلمين ودخل الناس دورهم ودار أبي سفيان فأشار النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: أن احصدوهم حصدا فحصدوا منهم أربعة وعشرين رجل وفر الباقون وأوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم إراقة الدماء بعد أن شكى إليه أبو سفيان وقال له أبيدت قريش وأعلن الأمان لقريش أمانا على الأرواح وأمانا على الممتلكات لا أسرى ولا غنائم ولا قتل وهذا أسلوب لم يعهده الأنصار في حروبهم السابقة فقال بعضهم لبعض: إن النبي صلى الله عليه وسلم يحكم بشريته أخذته الرقة والرأفة بأهله فاتخذ هذا القرار ونخشى أن تأخذه عاطفة الوطن وحبه لمكة أن يقيم بها وينصرف عنا وعن ديارنا وأوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بما قالوا فدعاهم فسألهم فأقروا واعتذروا بأن هذا الكلام صدر منهم لشدة حرصهم عليه وعلى جواره فصدقهم وقبل عذرهم وطمأنهم بأنه عبد الله ورسوله لا يصدر إلا عن الوحي ولا ينفذ إلا ما أمره الله به وقد أمره ربه أن تكون حياته بالمدينة مع الأنصار فلا يفسد هجرته وأن يكون مماته بالمدينة بين الأنصار ففرحوا بهذا النبأ وبكوا لشدة فرحتهم بحيازتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم طريقه إلى المسجد الحرام وإلى الكعبة والمسلمون من حوله فدخل المسجد واتجه نحو الحجر الأسود فاستلمه وطاف حول الكعبة وحطم الأصنام التي كانت في المسجد وعددها ثلاثمائة وستون صنما حطم بعضها بقوس كان في يده وهو يقول: جاء الحق وزهق الباطل {إن الباطل كان زهوقا} وأمر بتحطيم باقيها ثم عاد حاجب الكعبة وأمين مفتاحها عثمان بن طلحة فأخذ منه المفتاح ففتحها ودخلها وصلى بداخلها ومكث فيها ما شاء الله ثم أعاد المفتاح إلى عثمان بن طلحة وقال: خذها -أي المفاتيح- خالدة مخلدة إني لم أدفعها إليكم ولكن الله دفعها إليكم ولا ينزعها منكم إلا ظالم فظلوا خزنة الكعبة وحافظي مفتاحها هم وورثتهم حتى اليوم. فلما فرغ صلى الله عليه وسلم من طوافه أتى الصفا فارتقى ربوته ونظر إلى الكعبة وأخذ يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ويدعوه بما شاء من الدعاء. ثم أعلن صلى الله عليه وسلم قرار ربه لا يقتل قريشي صبرا بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة. إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرا فإن أحد ترخص لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقولوا له: إن الله أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن له فيها ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس وليبلغ الشاهد الغائب. ومكث صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوما وعاد إلى المدينة وهو يقرأ في صلاته {إذا جاء نصر الله والفتح* ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا* فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} المباحث العربية (وفدت وفود إلى معاوية) يقال: وفد على القوم وإليهم بفتح الفاء يفد بكسرها وفدا ووفودا ووفادة. قدم وقائل ذلك عبد الله بن رباح ولما كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا عن أبي هريرة قال في الإسناد: عن أبي هريرة وكان الأولى أن يقول: عن عبد الله بن رباح قال: وفدت وفود...إلخ وفي الرواية الثانية وفدنا إلى معاوية بن أبي سفيان وفينا أبو هريرة. (فكان يصنع بعضنا لبعض الطعام) في الرواية الثانية فكان كل رجل منا يصنع طعاما يوما لأصحابه (فكان أبو هريرة مما يكثر أن يدعونا إلى رحله) أي كان أبو هريرة من الأشخاص الذين يدعوننا بكثرة إلى منازلهم ورحالهم ويعني هذا أن بعضهم كان مقلا وبعضهم كان مكثرا. (فقلت: ألا أصنع طعاما فأدعوهم إلى رحلي؟) أي قلت في نفسي أو لأهلي أحضها على أن تفعل. (ثم لقيت أبا هريرة من العشي) أي آخر النهار. (فقلت: الدعوة عندي الليلة فقال: سبقتني؟) على الاستفهام وفي الرواية الثانية: فقلت: يا أبا هريرة اليوم نوبتي. (فدعوتهم فقال أبو هريرة: ألا أعلمكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار؟) أي أعرض عليكم أن أعلمكم وأخبركم وفي الكلام طي أوضحته الرواية الثانية وفيها فجاءوا إلى المنزل ولم يدرك طعامنا -يقال: أدرك التمر أي نضج أي لم ينضج طعامنا- فقلت: يا أبا هريرة: لو حدثتنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ حتى يدرك طعامنا؟ فقال... (أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قدم مكة) أي أقبل من المدينة في أول رمضان بعد ثمان سنوات ونصف السنة من الهجرة ليفتح مكة وسار بأصحابه حتى قارب مكة. (فبعث الزبير على إحدى المجنبتين وبعث خالدا على المجنبة الأخرى وبعث أبا عبيدة على الحسر فأخذوا بطن الوادي) في الرواية الثانية فجعل خالد بن الوليد على المجنبة اليمنى وجعل الزبير على المجنبة اليسرى وجعل أبا عبيدة على البياذقة وبطن الوادي والمجنبة بضم الميم وفتح الجيم وكسر النون من الجيش جناحه وهما مجنبتان بينهما القلب. والحسر بضم الحاء وتشديد السين المفتوحة الذين لا دروع عليهم ولا مغافر. وعند ابن إسحق وموسى بن عقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الزبير بن العوام على المهاجرين وخيلهم وأمره أن يدخل من كداء من أعلى مكة وأمره أن يغرز رايته بالحجون ولا يبرح حتى يأتيه وبعث خالد بن الوليد في قبائل قضاعة وسليم وغيرهم وأمره أن يدخل من أسفل مكة وأن يغرز رايته عند أدنى البيوت وبعث سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار في مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والبياذقة الرجالة قال النووي: قالوا: فارسي معرب وأصله بالفارسية أصحاب ركاب الملك ومن يتصرف في أموره وقيل: سموا بذلك لخفتهم وسرعة حركتهم وقال: هكذا الرواية في هذا الحرف هنا وفي غير مسلم أيضا قال القاضي: هكذا روايتنا فيه ووقع في بعض الروايات الساقة وهم الذين يكونون آخر العسكر وقد يجمع بينه وبين البياذقة بأنهم رجاله وساقة ورواه بعضهم الشارفة وفسروه بالذين يشرفون على مكة قال القاضي: وهذا ليس بشيء لأنهم أخذوا في بطن الوادي والبياذقة هنا هم الحسر في الرواية الأولى وهم رجالة لا دروع عليهم اهـ. ومعنى أخذوا بطن الوادي أي جعلوا طريقهم في بطن الوادي. (اهتف لي بالأنصار قال: فأطافوا به) أي ادعهم إلي. (لا يأتيني إلا أنصاري) قال النووي: إنما خصهم لثقته بهم ورفعا لمراتبهم وإظهارا لجلالتهم وخصوصيتهم. اهـ. وفي الرواية الثانية ادع لي الأنصار فدعوتهم فجاءوا يهرولون وأحاطوا به يقال: أطاف به أو عليه وطاف وأطاف به ألم به وقاربه وأحاط به. (ووبشت قريش أوباشا لها وأتباعا فقالوا: نقدم هؤلاء فإن كان لهم شيء كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا) يقال: وبش فلان للحرب بتشديد الباء المفتوحة أي جمع جموعا من قبائل شتى والوبش بسكون الباء واحد الأوباش من الناس وهم الأخلاط والسفلة والمعنى أن قريشا كانت قد جمعت جموعا من قبائل شتى وقدموهم للحرب في المقدمة على أساس أنهم إن انتصروا واستفادوا شاركتهم قريش وإن قتلوا كانوا وحدهم طعمة لنيران الحرب واستسلمت قريش سليمة دون إصابة. (ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم؟) في الرواية الثانية يا معشر الأنصار هل ترون أوباش قريش؟ قالوا: نعم. (ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى ثم قال: حتى توافوني بالصفا) في الرواية الثانية انظروا -إذا لقيتموهم غدا- أي الأوباش والأتباع -أن تحصدوهم حصدا وأخفى بيده ووضع يمينه على شماله وقال: موعدكم الصفا احصدوهم بضم الصاد وكسرها والمعنى أنه صلى الله عليه وسلم أشار بيديه إشارة القتل والاستئصال والحصد فوضع شماله أسفل يمينه فأخفاها ومرر يمينه عليها ذهابا وجيئة ثم أكد هذه الإشارة بالتعبير والكلام وقوله موعدكم الصفا قال النووي: يعني قال هذا لخالد ومن معه الذين أخذوا أسفل من بطن الوادي وأخذ هو صلى الله عليه وسلم ومن معه أعلى مكة. (فانطلقنا فما شاء أحد منا أن يقتل أحدا -من الأوباش- إلا قتله وما أحد منهم يوجه إلينا شيئا) من اللوم أو المنع وفي الرواية الثانية فما أشرف يومئذ لهم أحد أي فما ظهر من الأوباش للمسلمين أحد إلا أناموه قال النووي: أي ما ظهر لهم أحد إلا قتلوه فوقع على الأرض أو يكون بمعنى أسكنوه بالقتل كالنائم يقال: نامت الريح إذا سكنت وضربه حتى سكن أي مات ونامت الشاة وغيرها ماتت قال الفراء: النائمة الميتة هكذا تأول هذه اللفظة القائلون بأن مكة فتحت عنوة ومن قال: فتحت صلحا يقول أناموه ألقوه إلى الأرض من غير قتل إلا من قاتل. (أبيحت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم) قال النووي: كذا في هذه الرواية أبيحت وفي الرواية الثانية أبيدت وهما متقاربتان أي استؤصلت قريش بالقتل وأفنيت وخضراؤهم بمعنى جماعتهم ويعبر عن الجماعة المجتمعة بالسواد والخضرة ومنه السواد الأعظم. اهـ. (ثم قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن) في الرواية الثانية قال أبو سفيان: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن. وظاهرها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لأبي سفيان وأن أبا سفيان أعلنها للناس. (أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته) أي رغبة في الإقامة في مكة قال النووي: معنى هذه الجملة أنهم رأوا رأفة النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مكة وكف القتل عنهم فظنوا أنه يرجع إلى سكنى مكة والمقام فيها دائما ويرحل عنهم ويهجر المدينة فشق ذلك عليهم فقالوا ما قالوا. اهـ. وعبروا عنه صلى الله عليه وسلم بالرجل دون النبوة والرسالة إشارة إلى أن هذا من طبع الناس لا يلام عليه. (وجاء الوحي..فلما انقضى الوحي قال) ظاهر في أن النبي صلى الله عليه وسلم علم مقالتهم عن طريق الوحي لا عن طريق الصحابة. (قال: كلا) يحتمل أن تكون بمعنى حقا أي حقا أدركتني رغبة في قريتي ورأفة في عشيرتي ولكني لا أصدر في سلوكياتي عن الرغبات الشخصية والعواطف البشرية ويحتمل أن تكون بمعنى النفي أي لم تدركني رغبة في الإقامة بقريتي لأني هاجرت إلى الله وإلى دياركم لاستيطانها فلا أتركها ولا أرغب في الرجوع عن هجرتي ولم تدركني رأفة في عشيرتي ولكنه الإسلام القتل ليس بقصد القتل وللقتل وقد انتهى الهدف منه وفي الرواية الثانية ألا فما اسمي إذن؟ -ثلاث مرات-؟ أنا محمد عبد الله ورسوله والمقصود من الاسم ما تبعه من العبودية لله والرسالة التي لا يصدر فعله إلا عنها. (إني عبد الله ورسوله) قال النووي: يحتمل وجهين أحدهما: إني رسول الله حقا فيأتيني الوحي وأخبر بالمغيبات كهذه القضية وشبهها فثقوا بما أقول لكم وأخبركم به في جميع الأحوال والآخر لا تفتتنوا بإخباري إياكم بالمغيبات وتطروني كما أطرت النصارى عيسى عليه السلام فإني عبد الله ورسوله. اهـ. وهكذا ربط النووي هذه الجملة بنزول الوحي وربطناها نحن بالقضية المثارة. والله أعلم. (المحيا محياكم والممات مماتكم) أي مكان حياتي مكان حياتكم ومكان مماتي مكان مماتكم أي أنا ملازم لكم لا أحيا إلا عندكم ولا أموت إلا عندكم. (فأقبلوا إليه يبكون) الإقبال هنا معنوي فهم معه مقبلون عليه ويحتمل أنهم تحركوا نحوه حبا وانعطافا والتصاقا وكان بكاؤهم فرحا بما قال لهم وحياء مما خافوا أن يكون بلغه عنهم مما يستحى منه. (والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بالله وبرسوله) الضن بكسر الضاد وفتحها الشح والبخل الشديد يقال: ضن به عليه ضنا وضنا وضنانه والضن هنا مستثنى من عموم العلل أي ما قلنا الذي قلنا لعلة من العلل وبدافع من الدوافع إلا لعلة الضن بك أن تفارقنا ويحظى بك غيرنا وإلا بدافع الحرص عليك وعلى مصاحبتك ودوامك عندنا لنستفيد منك ونتبرك بك. (إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم) أي يصدقانكم في اعتذاركم ويقبلان عذركم يقال: عذره فيما صنع -بفتح العين والذال- يعذره -بكسر الذال- رفع عنه اللوم فيه. (وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل إلى الحجر) الأسود أي أقبل نحو البيت واستمر حتى واجه الحجر فأقبل إليه. (فاستلمه) أي لمسه بالقبلة أو اليد أو كلتاهما. (وهو أخذ بسية القوس) سية القوس بكسر السين وفتح الياء مخففة المنعطف من طرفي القوس وللقوس سيتان والقوس آلة على هيئة هلال ترمى بها السهام تذكر وتؤنث. (جعل يطعنه في عينه) أي شرع ويطعنه قال النووي: بضم العين على المشهور ويجوز فتحها في لغة قال: وهذا الطعن قصد به الإذلال للأصنام ولعابديها وإظهار كونها لا تضر ولا تنفع ولا تدفع عن نفسها. {جاء الحق وزهق الباطل} في الرواية الثانية {إن الباطل كان زهوقا} الآية (81) من سورة الإسراء ومعناها جاء الإسلام والدين الثابت الراسخ وزال الشرك واضمحل الكفر وتسويلات الشيطان من زهقت نفسه إذا خرجت من الأسف إن الباطل كائنا ما كان مضمحل غير ثابت وزاد في الرواية الثانية {جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد} الآية (49 من سورة سبأ) والمعنى: جاء الإسلام والتوحيد أما الكفر والشرك فلا يفيد شيئا فـ ما في وما يبدئ الباطل نافية والجملة حالية أي الباطل والشرك لا يبدأ شيئا ولا يعيد شيئا كناية عن عدم الأثر كما يقال: لا يأكل ولا يشرب ولا يقدم ولا يؤخر. (وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبا) في رواية البخاري دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب والنصب بضم النون والصاد وقد تسكن الصاد وهي واحدة الأنصاب وهو ما ينصب للعبادة من دون الله تعالى ووقع في رواية ابن أبي شيبة وفي ملحق روايتنا الثالثة صنما بدل نصبا ويطلق النصب ويراد به الحجارة التي كانوا يذبحون عليها للأصنام. وليست مرادة هنا إنما قد يراد في قوله تعالى {وما ذبح على النصب} زاد عند الفاكهي وصححه ابن حبان فيسقط الصنم ولا يمسه وفي رواية له وللطبراني فلم يبق وثن استقبله إلا سقط على قفاه مع أنها كانت ثابتة في الأرض (لا يقتل قرشي صبرا بعد هذا اليوم إلى يوم القيامة) قال النووي: قال العلماء: معناه الإعلام بأن قريشا يسلمون كلهم ولا يرتد أحد منهم كما ارتد غيرهم بعده صلى الله عليه وسلم ممن حورب وقتل صبرا وليس المراد أنهم لا يقتلون ظلما صبرا فقد جرى على قريش بعد ذلك ما هو معلوم. اهـ. وحاصل هذا الإخبار بأنهم لا يأتون مستقبلا ما يستحقون عليه القتل صبرا ويحتمل أن المراد منح قريش خصوصية عدم إباحة قتلهم صبرا حتى إن أتوا ما يستحقون عليه القتل صبرا فيقتلون بغير هذه الهيئة والقتل صبرا هو الحبس حتى الموت. (ولم يكن أسلم أحد من عصاة قريش غير مطيع) أي لم يكن أحد ممن اسمه العاص في قريش غير مطيع قال النووي: قال القاضي عياض: عصاة هنا جمع العاص من أسماء الأعلام لا من الصفات أي ما أسلم ممن كان اسمه العاص مثل العاص بن وائل السهمي والعاص بن هشام أبو البختري والعاص بن سعيد بن العاص بن أمية والعاص بن هشام بن المغيرة المخزومي (وليس المراد الصفة في عصاة قريش فقد أسلمت عصاة قريش وعتاتهم كلهم بحمد الله تعالى). (كان اسمه العاص فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيعا) قيل لم يلتزم هذا في كل من أسلم ممن اسمه العاص فقد ترك أبا جندل بن سهيل بن عمر وكان اسمه العاص قيل: ويحتمل أنه ترك التغيير لأبي جندل لأنه غلبت عليه كنيته وجهل اسمه والله أعلم. فقه الحديث اختلف العلماء في فتح مكة هل فتحت عنوة؟ أو فتحت صلحا فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء وأهل السير: فتحت عنوة وقال الشافعي: فتحت صلحا وادعى المازني أن الشافعي انفرد بهذا القول. واحتج الجمهور بهذا الحديث وفيه: أ- أبيدت خضراء قريش ب- من ألقى سلاحه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن فلو كانوا كلهم آمنين لم يحتج إلى هذا. جـ- فما أشرف لهم أحد إلا أناموه فما شاء أحد منا أن يقتل أحدا إلا قتله وما أحد منهم يوجه إلينا شيئا. د- وفيه الأمر بالقتال انظروا إذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا. هـ- وفيه وقوع القتال من خالد بن الوليد وقتله من قتل منهم. كما استدلوا بحديث أم هانئ -رضي الله عنها- حين أجارت رجلين أراد علي رضي الله عنه قتلهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم قد أجرنا من أجرت فكيف يدخلها صلحا ويخفى ذلك على علي رضي الله عنه حتى يريد قتل رجلين دخلا في الأمان؟ وما حاجتهما حينئذ إلى إجارة أم هانئ ماداما في الأمان العام؟ كما استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم أحلت ساعة من نهار. أما الشافعي فيستدل على أنها فتحت صلحا وأن تأمينها صدر من النبي صلى الله عليه وسلم لأبي سفيان والعباس وحكيم فعند موسى بن عقبة في المغازي أن أبا سفيان وحكيم قالا: يا رسول الله ادع الناس بالأمان أرأيت إن اعتزلت قريش فكفت أيديها؟ أأمنون هم؟ قال: من كف يده وأغلق داره فهو آمن قالوا: فابعثنا نؤذن بذلك فيهم قال: انطلقوا فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل دار حكيم فهو آمن ودار أبي سفيان بأعلى مكة ودار حكيم بأسفلها وفي ذلك تصريح بعموم التأمين فكان هذا أمانا منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة فكانت مكة مأمونة ولم يكن فتحها عنوة والأمان كالصلح وأما الذين تعرضوا للقتال أو استثنوا من الأمان فلا يلزم منهم أنها فتحت عنوة فقد يكون التأمين مقيدا بترك المجاهرة بالقتال فلما تفرقوا إلى دورهم ورضوا بالتأمين المذكور كانوا آمنين ولا يضره أن أوباشهم لم يلتزموا كف أيديهم فقاتلوا خالد بن الوليد ومن معه فقاتلهم حتى قتلهم وهزمهم يؤيد ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ما هذا وقد نهيت عن القتال؟ فقالوا: نظن أن خالدا قوتل وبدئ بالقتال فلم يكن له بد من أن يقاتل ثم قال لخالد: لم قاتلت وقد نهيت عن القتال؟ فقال: هم بدءونا بالقتال: ووضعوا فينا السلاح وقد كففت يدي ما استطعت فقال صلى الله عليه وسلم: قضاء الله خير وقد ذكر ابن سعد أن عدة من أصيب من الكفار أربعة وعشرون رجلا وقيل: مجموع من قتل منهم ثلاثة عشر رجلا. ويستدل الشافعي أيضا بأن دور مكة لم تقسم وأن الغانمين لم يملكوا دورها وإلا لجاز إخراج أهل الدور منها. وأجاب الجمهور عن هذا الدليل بأن تقسيم الدور غير لازم للفتح عنوة فقد تفتح البلد عنوة ويمن على أهلها ويترك لهم دورهم وغنائمهم لأن قسمة الأرض المغنومة ليست متفقا عليها بل الخلاف ثابت عن الصحابة فمن بعدهم وقد فتحت أكثر البلاد عنوة فلم تقسم وذلك في زمن عمر وعثمان مع وجود أكثر الصحابة وقد زادت مكة عن ذلك بأمر يمكن أن يدعي اختصاصها به دون بقية البلاد وهي أنها دار النسك ومتعبد الخلق وقد جعلها الله حرما سواء العاكف فيه والباد. ويستدل الشافعي أيضا بما ثبت بلا خلاف من أنه لم يجر فيها غنيمة ولا سبي من أهلها ممن باشر القتال أحد فعند أبي داود عن جابر رضي الله عنه سئل: هل غنمتم يوم الفتح شيئا؟ قال: لا. وجنحت طائفة منهم الماوردي إلى أن بعضها فتح عنوة لما وقع من قصة خالد بن الوليد قال الحافظ ابن حجر: والحق أن صورة فتحها كان عنوة ومعاملة أهلها كانت معاملة من دخل في الأمان والله أعلم. ويجرنا الكلام عن دور مكة عن دار الرسول صلى الله عليه وسلم التي هاجر منها ولم لم ينزل فيها صلى الله عليه وسلم؟ وأجاب عن ذلك الخطابي فقال: إنما لم ينزل النبي صلى الله عليه وسلم فيها لأنها دور هجروها في الله تعالى بالهجرة فلم ير أن يرجع في شيء تركه لله تعالى وقد عقب عليه الحافظ ابن حجر: بأن الذي يختص بالترك إنما هو إقامة المهاجر في البلد التي هاجر منها لا مجرد نزوله في دار يملكها إذا أقام المدة المأذون له فيها وهي أيام النسك وثلاثة أيام بعده. وأجاب عن السؤال بأن أبا طالب ورثه عقيل وطالب ابناه ولم يرث جعفر ولا علي شيئا لأنهما كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين وكان أبو طالب قد وضع يده على ما خلفه عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان شقيقه وكان النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي طالب بعد موت جده عبد المطلب فلما مات أبو طالب ثم وقعت الهجرة ولم يسلم طالب وتأخر إسلام عقيل استوليا على ما خلف أبو طالب ومات طالب قبل بدر وتأخر عقيل فلما تقرر حكم الإسلام بترك توريث المسلم من الكافر استمر ذلك بيد عقيل وكان عقيل قد باع تلك الدور كلها واختلف في تقرير النبي صلى الله عليه وسلم عقيلا على داره صلى الله عليه وسلم وعلى ما كان يملكه بمكة فقيل: ترك ذلك تفضلا عليه وقيل استمالة له وتأليفا وقيل: تصحيحا لتصرفات الجاهلية كما تصحح أنكحتهم. وقد روى البخاري في باب فتح مكة أحاديث لم يذكرها مسلم هنا منها:

    1- عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها قال: فانطلقنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا لها: أخرجي الكتاب قالت ما معي كتاب فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب قال: فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة -إلى ناس بمكة من المشركين- يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية أن لفظ الكتاب أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس بالغزو ولا أراه يريد غيركم فانظروا لأنفسكم وقد أحببت أن يكون لي عندكم يد والسلام. وعند بعض أهل المغازي أن لفظ الكتاب: يا معشر قريش فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءكم بجيش كالليل يسير كالسيل فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده فانظروا لأنفسكم والسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا حاطب. ما هذا؟ قال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم بها قرابات يحمون أهليهم وأموالهم فأحببت إذا فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدا يحمون قرابتي ولم أفعله ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقكم فقال عمر: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال: إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على من شهد بدرا فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.

    2- عن هشام عن أبيه رضي الله عنه قال: لما سار الرسول صلى الله عليه وسلم عام الفتح فبلغ ذلك قريشا خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مر الظهران فإذا هم بنيران كأنها نيران عرفة فقال أبو سفيان: ما هذه؟ لكأنها نيران عرفة؟ فقال بديل بن ورقاء: نيران بني عمرو فقال أبو سفيان: عمرو أقل من ذلك. فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بسد الطرق إلى مكة كيلا يصلهم خبر قدومه وبث أمام الجيش العيون والحراس) فأدركوهم فأخذوهم فأتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية فلقيهم العباس فأجارهم وأدخلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم أبو سفيان -وأسلم بديل وحكيم- [فقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: لا آمن أن يرجع أبو سفيان فيكفر فاحبسه حتى تريه جنود الله للمشركين وما أعده الله للمشركين] فقال صلى الله عليه وسلم: احبسه عند خطم الجبل حتى ينظر إلى المسلمين [فأخذه العباس فحبسه فقال أبو سفيان: أغدرا يا بني هاشم؟ قال العباس: لا ولكن لي إليك حاجة فتصبح فتنظر جنود الله فأصبحوا] فجعلت القبائل تمر مع النبي صلى الله عليه وسلم تمر كتيبة كتيبة على أبي سفيان فمرت كتيبة فقال: يا عباس..من هذه؟ فقال هذه غفار. قال: ما لي ولغفار ثم مرت جهينة قال مثل ذلك ثم مرت..ثم مرت..حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها قال: من هذه؟ قال: هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة معه الراية فقال سعد بن عبادة يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة فقال أبو سفيان: يا عباس -حبذا يوم الذمار- أي حماية الأهل والأعراض- ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وراية النبي صلى الله عليه وسلم مع الزبير بن العوام فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان قال أبو سفيان: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال: ما قال؟ قال كذا وكذا فقال: كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تركز رايته بالحجون.

    3- وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أبى أن يدخل البيت وفيه الآلهة فأمر بها فأخرجت فأخرج صورة إبراهيم وإسماعيل في أيديهما من الأزلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قاتلهم الله. لقد علموا ما استقسموا بها قط ثم دخل البيت فكبر في نواحي البيت.
    4- عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل يوم الفتح من أعلى مكة على راحلته مردفا أسامة بن زيد ومعه بلال ومعه عثمان بن طلحة من الحجبة حتى أناخ في المسجد فأمره أن يأتي بمفتاح البيت فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن طلحة فمكث فيه نهارا طويلا ثم خرج.
    5- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوما يصلي ركعتين أي يقصر الصلاة.
    6- عن مجاهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم الفتح فقال: إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض فهي حرام بحرام الله إلى يوم القيامة لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ولم تحل لي قط إلا ساعة من الدهر لا ينفر صيدها ولا يعضد شجرها ولا يختلى خلاها ولا تحل لقطتها إلا لمنشد فقال العباس بن عبد المطلب: إلا الإذخر يا رسول الله فإنه لا بد منه للقين والبيوت فسكت ثم قال: إلا الإذخر فإنه حلال. هذا وللحديث علاقة بأحاديث ذكرت في كتاب الحج فلتراجع. ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم

    1- من قوله من دخل دار أبي سفيان فهو آمن أخذ الشافعي وموافقوه أن دور مكة مملوكة يصح بيعها وإجارتها لأن أصل الإضافة إلى الآدميين تقتضي الملك وما سوى ذلك مجاز.

    2- وفيه تأليف لأبي سفيان وإظهار لشرفه.

    3- من موقف الأنصار يتبين مدى حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
    4- من إخباره صلى الله عليه وسلم الأنصار بما قالوا دون أن يبلغه أحد معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
    5- في إقباله صلى الله عليه وسلم إلى الحجر ثم إلى الطواف الابتداء بالطواف في أول دخول مكة سواء كان محرما بحج أو بعمرة أو غير محرم وكان النبي صلى الله عليه وسلم دخلها في هذا اليوم وهو يوم الفتح غير محرم بإجماع المسلمين وكان على رأسه المغفر والأحاديث متظاهرة على ذلك.
    6- استدل به على أن من دخل مكة لحرب فله دخولها حلالا قال النووي: وأما قول القاضي عياض: [أجمع العلماء على تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ولم يختلفوا في أن من دخلها بعده لحرب أو بغي أنه لا يحل له دخولها حلال] فليس كما نقل بل مذهب الشافعي وأصحابه وآخرين أنه يجوز حلالا للمحارب بلا خلاف وكذا لمن خاف من ظالم لو ظهر للطواف وغيره وأما من لا عذر له أصلا فللشافعي فيه قولان مشهوران أصحهما أنه يجوز له دخولها بغير إحرام لكن يستحب له الإحرام والثاني لا يجوز.
    7- من قراءته صلى الله عليه وسلم للآيتين استحباب قراءتهما عند إزالة المنكر.
    8- من صنع بعضهم لبعض الطعام عن طريق النوبات دليل على استحباب اشتراك المسافرين في الأكل واستعمالهم مكارم الأخلاق وليس هذا من باب المعاوضة حتى يشترط فيه المساواة في الطعام وأن لا يأكل بعضهم أكثر من بعض بل هو من باب المروءات ومكارم الأخلاق.
    9- من قوله فجاءوا إلى المنزل ولم يدرك طعامنا..إلخ استحباب الاجتماع على الطعام. 10- وجواز دعاء المدعوين إلى الطعام قبل إداركه. 1

    1- واستحباب حديثهم في حال الاجتماع بما فيه بيان أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وغزواتهم ونحوها مما تنشط النفوس لسماعه وكذلك غيرها من الحروب ونحوها مما لا إثم فيه ولا يتولد منه في العادة ضرر في دين ولا في دنيا ولا أذى لأحد لتسهل بذلك مدة الانتظار ولا يضجروا ولا ينشغل بعض مع بعض في غيبة أو نحوها من الكلام المذموم. 1

    2- أنه يستحب إذا كان في الجمع مشهور بالفضل أو بالصلاح أن يطلب منه الحديث فإن لم يطلبوا استحب له الابتداء بالحديث كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يبتديهم بالحديث من غير طلب منهم. 1

    3- استحباب الأسماء الحسنة وتغيير الأسماء غير الحسنة. والله أعلم.

    لا توجد بيانات