• 2865
  • عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُنَا ، إِذَا كَانَ فِي يَوْمٍ لِلْمَرْأَةِ مِنَّا ، بَعْدَ مَا نَزَلَتْ : {{ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ }} " فَقَالَتْ لَهَا مُعَاذَةُ : فَمَا كُنْتِ تَقُولِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَأْذَنَكِ ؟ قَالَتْ : " كُنْتُ أَقُولُ إِنْ كَانَ ذَاكَ إِلَيَّ لَمْ أُوثِرْ أَحَدًا عَلَى نَفْسِي "

    حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ ، عَنْ عَاصِمٍ ، عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ ، عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُنَا ، إِذَا كَانَ فِي يَوْمٍ لِلْمَرْأَةِ مِنَّا ، بَعْدَ مَا نَزَلَتْ : {{ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ }} فَقَالَتْ لَهَا مُعَاذَةُ : فَمَا كُنْتِ تَقُولِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إِذَا اسْتَأْذَنَكِ ؟ قَالَتْ : كُنْتُ أَقُولُ إِنْ كَانَ ذَاكَ إِلَيَّ لَمْ أُوثِرْ أَحَدًا عَلَى نَفْسِي ، وَحَدَّثَنَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى ، أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، نَحْوَهُ

    أوثر: آثر : أعطى وأفرد وخص وفضل وقدم وميز
    تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ فَقَالَتْ لَهَا
    حديث رقم: 4529 في صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن باب قوله: (ترجئ من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح عليك)
    حديث رقم: 1862 في سنن أبي داوود كِتَاب النِّكَاحِ بَابٌ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ النِّسَاءِ
    حديث رقم: 23954 في مسند أحمد ابن حنبل حَدِيثُ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
    حديث رقم: 4280 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الْحَجِّ بَابُ الْقَسْمِ
    حديث رقم: 2712 في المستدرك على الصحيحين كِتَابُ النِّكَاحِ أَمَّا حَدِيثُ سَالِمٍ
    حديث رقم: 6421 في المعجم الأوسط للطبراني بَابُ الْمِيمِ بَابُ الْمِيمِ مَنِ اسْمُهُ : مُحَمَّدٌ
    حديث رقم: 3624 في مستخرج أبي عوانة مُبْتَدَأُ كِتَابِ النِّكَاحِ وَمَا يُشَاكِلُهُ بَيَانُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ فِي الْكَيْنُونَةِ مَعَهُنَّ ، وَالْقَسْمِ لَهُنَّ ،
    حديث رقم: 3625 في مستخرج أبي عوانة مُبْتَدَأُ كِتَابِ النِّكَاحِ وَمَا يُشَاكِلُهُ بَيَانُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ فِي الْكَيْنُونَةِ مَعَهُنَّ ، وَالْقَسْمِ لَهُنَّ ،

    [1476] قَوْلُهَا (إِنْ كَانَ ذَلِكَ إِلَيَّ لَمْ أُوثِرْ عَلَى نَفْسِي أَحَدًا) هَذِهِ الْمُنَافَسَةُ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَتْ لِمُجَرَّدِ الِاسْتِمْتَاعِ وَلِمُطْلَقِ الْعِشْرَةِ وَشَهَوَاتِ النُّفُوسِ وَحُظُوظِهَا الَّتِي تَكُونُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ بَلْ هِيَ مُنَافَسَةٌ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالْقُرْبِ مِنْ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَالرَّغْبَةُ فِيهِ وَفِي خِدْمَتِهِ وَمُعَاشَرَتِهِ وَالِاسْتِفَادَةِ مِنْهُ وَفِي قَضَاءِ حُقُوقِهِ وَحَوَائِجِهِ وَتَوَقُّعُ نُزُولِ الرَّحْمَةِ وَالْوَحْيِ عَلَيْهِ عِنْدهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ وَمِثْلُ هذا حديث بن عَبَّاسٍ وَقَوْلُهُ فِي الْقَدَحِ لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ

    عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذننا. إذا كان في يوم المرأة منا بعد ما نزلت {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء} فقالت لها معاذة: فما كنت تقولين لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استأذنك؟ قالت: كنت أقول: إن كان ذاك إلي لم أوثر أحدًا على نفسي.
    المعنى العام:
    يخطئ من يظن أن بيت الرسول صلى الله عليه وسلم كان هادئًا، خاليًا من المشاكل، ترفرف عليه أجنحة السعادة في كل حين، وكيف يظن ذلك ظان في بيت يجمع بين تسع نسوة من البشر، ذوات طباع مختلفة، وبيئات مختلفة، وأسر مختلفة، وأسنان مختلفة، فيهن الصغيرة التي تعيش ما بين العاشرة والثامنة عشرة من عمرها. وكبيرة السن التي تقضي ما بين الخمسين والستين من عمرها، كلهن متزوجات قبله برجال آخرين إلا واحدة. كلهن عشن مع أزواجهن السابقين عيشة الحياة العادية، عشن مع أزواج في ريعان شبابهن، وبحياة الجاهلية وأعرافها وتقاليدها، بعضهن من أسر عالية الحسب، كأم حبيبة بنت أبي سفيان زعيم قريش، وبعضهن من أسر متواضعة، بعضهن ابنة أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم وبعضهن ابنة من كان أعدى أعدائه، وقائد محاربيه، إحداهن ابنة عمته، وبعضهن من قبائل اليهود، بعضهن جميلات يتيه بهن الحسن، وبعضهن غير ذات جمال. كيف يمكن لهذا الخليط غير المتجانس، أن يتعايش في أمن وأمان، على هيئة ضرائر، يتنازعن رجلاً واحدًا؟ وكيف يستطيع رجل أن يسوس تسعًا مختلفات المشارب، متباينات الأهواء؟ وأكثر الرجال يعجز أمام سياسة امرأة واحدة؟ حقًا إنه صلى الله عليه وسلم فريد في أخلاقه، فريد في حكمته، فريد في قدرته وتحمله، فريد في صبره، فريد في حلمه، فريد في عدله، فريد في عفوه، فريد في عطائه، فريد في حسن معاشرته. يخطئ من يظن أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كن على طبائع غير طبائع النساء العاديات، نعم إنهن بمجرد انتسابهن إلى بيت النبوة، وبمجرد استظلالهن بظل الرسول صلى الله عليه وسلم، وبمجرد تشريفهن بلقب أمهات المؤمنين، وجب عليهن ما لم يجب على بقية النساء، وصار لهن من الحقوق فوق ما لغيرهن من الزوجات، صارت السيئة منهن مضاعفة العقاب، والحسنة منهن مضاعفة الثواب {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء} [الأحزاب: 32]. {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين} [الأحزاب: 30]. {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحًا نؤتها أجرها مرتين} [الأحزاب: 31] من هنا كانت الصغيرة منهن كبيرة، وكان ما يقبل من غيرهن لا يليق بمقامهن، وكان ما عددناه عليهن لا نعده ولا نحسبه شيئًا من غيرهن. فماذا يا ترى وقع منهن؟ وكيف عالجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم بالخير زوجته الأولى خديجة أمام عائشة، ويترحم عليها، ويدعو لها، فتثور عائشة، وتغار من خديجة وهي في قبرها، فتقول: خديجة؟ خديجة؟ خديجة؟ كأنه لم يكن في الأرض إلا خديجة؟ ما تذكر من عجوز شمطاء، حمراء الشدقين - أي سقطت أسنانها - هلكت في غابر الدهر. قد أبدلك الله خيرًا منها. فيقول صلى الله عليه وسلم في هدوء الحكيم: كلا. والله ما أبدلني الله خيرًا منها. صدقتني حين كذبني الناس، وآوتني حين هجرني الناس، وواستني بمالها حين حرمني الناس، ورزقت منها الولد وحرمتموه. وتعتز عائشة بأنها وحدها التي تزوجها بكرًا، وتتعالى على أخواتها أمهات المؤمنين بذلك، وتحاول أن تزيد من استئثارها به فوق ما كان يحبها، فتقول: يا رسول الله، أرأيت لو نزلت واديًا فيه شجر قد رعي، وشجر لم يرع، في أيها ترتع بعيرك؟ فيقول: في الشجر الذي لم يرع. فتقول: فأنا هيه، كل واحدة من نسائك كانت عند رجل غيرك. إلا أنا. فيبتسم صلى الله عليه وسلم. وتخرج هي وحفصة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فتدفعها الغيرة أن تظن أنه صلى الله عليه وسلم يكلم حفصة بما لا يكلمها من معسول القول، أو تريد أن تكايد حفصة وتريها كيف يحادثها رسول الله صلى الله عليه وسلم محادثة الحبيب للحبيب، فتقول لحفصة وقد جمعهما سفر من الأسفار: اركبي جملي، وادخلي هودجي، واركب جملك وادخل هودجك. فيظنك رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة، ويظنني حفصة، فننظر ما يقول لكل منا؟ ويسير رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً بجوار حفصة يظنها عائشة، فتغار عائشة، وينزل الركب فينزل صلى الله عليه وسلم بجوار حفصة بعيدًا عن عائشة، وتلوم نفسها، وتعض على كفها، وتضع رجلها في الحشائش لعل ثعبانًا يلدغها، تقول: رب سلط علي عقربًا يلدغني. أنا التي جئت به لنفسي. ويشتد النقاش بين صفية وبين إحدى نساء النبي صلى الله عليه وسلم فتقول لصفية: يا بنت اليهودية، فتبكي صفية، وتشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول لها: قولي: أبي موسى وعمي هارون عليهما السلام. ويتحزب نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلى حزبين، حزب تقوده عائشة، وحزب تقوده زينب بنت جحش، وتذهب زينب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة تطلب منه أن ينصفها وحزبها من عائشة وحزبها فتهاجمها عائشة، وتكيل لها، وهي تكيل لعائشة حتى أسكتتها عائشة، وخرجت مغضبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتدخل. وقصة العسل، وتحايل فريق عائشة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى حرمه على نفسه إرضاء لزوجاته وغضب له ربه، وعاتبه على حرصه الشديد على مرضاة أزواجه على حساب نفسه. {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك} وحذر الأزواج وهددهن {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن} [التحريم: 5] ومع ذلك لم يتوقف التظاهر، ففي يوم من الأيام تجمع الحزبان على هدف واحد، هو المطالبة بزينة الدنيا كنساء كسرى وقيصر، وأحطن به تسكت هذه وتتكلم الأخرى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت واجم، ولولا أبو بكر وعمر دخلا فأمسك كل منهما ابنته لكانت نتيجة هذه المظاهرة غير محمودة. كم كان صلى اللَّه عليه وسلم صبورًا، إنما للصبر حدود. فلما ضاق صبره كان لا بد من موقف، فحلف أن لا يدخل عليهن شهرًا، واعتزلهن، واعتزل بيوتهن، وعاش في حجرة صغيرة عالية في المسجد شهرًا يصلي بالناس في المسجد، ثم يصعد إليها، لا يكلم أحدًا. فلما انتهى الشهر، وقد اكتفى صلى اللَّه عليه وسلم بهذه العقوبة أراد ربه أن يأخذ منهن موقفًا أشد، فأنزل عليه آية التخيير {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحًا جميلاً * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرًا عظيمًا} [الأحزاب: 28، 29] يعني من أرادت أن تعيش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم دون تمرد ودون إيذاء، وعلى ما هو عليه من ضيق العيش فجزاؤها عند الله، ومن أرادت الدنيا وشهواتها فباب الطلاق والفراق مفتوح. لكنهن جميعًا اخترن الله ورسوله والدار الآخرة. أعد الله لهن أجرًا عظيمًا. المباحث العربية (لما أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه) أي لما أمره الله تعالى بقوله {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحًا جميلاً * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرًا عظيمًا} وكان هذا التخيير عقب اعتزاله لأزواجه شهرًا، كما هو واضح من الرواية الثامنة ولكن هذا التخيير في السنة التاسعة على الصحيح. (بدأ بي) تقول ذلك دلالاً وفخرًا، لإعلان منزلتها عنده صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم بدأ بها لعلمه أنها تقود جماعة من نسائه، وسيفعلن مثل ما تفعل، ويغلب على ظنه أنها ستختاره، ويعلم يقينًا أن أبويها لا يوافقان على فراقها له. وقيل: يحتمل أن يكون هذا البدء عفويًا، لأنها كانت صاحبة النوبة، وهو بعيد. قال النووي: إنما بدأ بها لفضيلتها. والمراد بدأ بتخييري. والفاء في فقال تفسيرية. (فقال: إني ذاكر لك أمرًا) هذه المقدمة لتتريث في الأمر قبل أن تختار. (فلا عليك أن لا تعجلي) أي لا حرج عليك، ولا ضرر عليك إذا تريثت ولم تتعجلي، أي لا ضرر عليك في عدم العجلة، ونفي النفي إثبات، فيتحصل من مفهومه عليك حرج وضرر في التعجيل، وفي الرواية الثامنة إني أريد أن أعرض عليك أمرًا، أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك قال النووي: وإنما قال لها ذلك شفقة عليها وعلى أبويها، ونصيحة لهما في بقائها عنده صلى الله عليه وسلم [أقول: وحرصًا عليها، وحبًا فيها، ورغبة في أن تختاره، وتبقى معه] فإنه خاف أن يحملها صغر سنها وقلة تجاربها على اختيار الفراق، فيجب فراقها، فتضطر هي وأبوها وباقي النسوة بالاقتداء بها. اهـ. أي بموافقتها. (حتى تستأمري أبويك) أي حتى تطلبي أمر أبويك بهذا الخصوص وتعملي به. (قالت: قد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه) تقول هذا اعتزازًا وتيهًا وفخرًا، أي أنه لحرصه عليها، وتمسكه بها علق فراقها على مستحيل، وجعل اختيارها للفراق مرتبطًا بمن لا يرضى بالفراق. {إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها} ذكر الزينة تخصيص بعد تعميم، أي إن كنتن تردن السعة والتنعم والزخرف والزينة. {(فتعالين)} أصل تعال أمر بالصعود لمكان عال، ثم غلب في الأمر بالمجيء مطلقًا، والمراد هنا أقبلن بإرادتكن واختياركن لإحدى الخصلتين. {(أمتعكن)} أعطكن متعة الطلاق، والمتعة عند الجمهور واجبة للمطلقة التي لم يدخل بها ولم يفرض لها صداق، ومستحبة لكل مطلقة، وهي ثوب وخمار وملحفة، على حسب السعة والاقتار. {(وأسرحكن سراحًا جميلاً)} أي أطلقكن طلاقًا حسنًا بالمعروف، وليس بدعيًا ضارًا. {(وإن كنتن تردن الله ورسوله)} أي تردن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الله تعالى للإيذان بجلالة محله عليه الصلاة والسلام عنده تعالى. {(والدار الآخرة)} أي نعيمها الوفير الباقي الذي لا يقاس به أي نعيم في الدنيا. ولما كان سبب هذا التخيير وسبب اعتزاله صلى الله عليه وسلم أزواجه مختلفًا فيه كان السبب الظاهر لهذا التخيير طلبهن زيادة النفقة، كما جاء في الرواية الثامنة. (في أي هذا أستأمر أبوي؟) أي تضاف إلى متعدد، وهنا متعدد في المعنى، لأنهما أمران. الطلاق والبقاء، فكأنها قالت: في أي هذين الأمرين أستأمر؟ والاستفهام إنكاري. أي لا أستأمر أبوي في اختيار أحد الأمرين. وفي الرواية الثامنة أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟ (فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة) أي بل أختار رسول الله صلى الله عليه وسلم، زاد في الرواية الثامنة وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت أي باختياري لك. قيل: تريد أن تستأثر منه صلى الله عليه وسلم بحظ أوفر إن اختارت بعض النساء الفراق، وقيل: إنها تريد أن يكون اختيارهن مبنيًا على إرادتهن وحدها، دون التأثر برأي الآخرين، وفي الرواية الثانية عشرة لا تخبر نساءك أني اخترتك. كما زاد في الرواية الثامنة أيضًا قال: لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنتًا أو متعنتًا، ولكن بعثني معلمًا ميسرًا وكأنه صلى الله عليه وسلم قبل أن لا يخبر من تلقاء نفسه بما اختارت عائشة لكن حين يسأل يلزم أن يجيب، وإلا كان مضيقًا على نفسه وعلى غيره، والعنت الضيق والعسر والمشقة. (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذننا إذا كان في يوم المرأة منا، بعد ما نزلت {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء...} ) ترجي أي ترجئ وتؤخر مضاجعة من تشاء من نسائك، وتضم إليك وتضاجع من تشاء {ومن ابتغيت ممن عزلت فلا جناح} أي ومن طلبت ممن تجنبت فلا حرج عليك. هذا التفويض الذي منحه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم لم يكن يستخدمه صلى الله عليه وسلم فكان يلتزم القسم، ويحافظ عليه بدقة، لدرجة أنه إذا احتاج الأمر إلى زيادة واحدة من يوم الأخرى استأذن صاحبة اليوم. (إن كان ذاك إلي لم أوثر أحدًا على نفسي) قال النووي: هذه المنافسة فيه صلى الله عليه وسلم ليست لمجرد الاستمتاع ولمطلق العشرة وشهوات النفوس وحظوظها التي تكون من بعض الناس، بل هي منافسة في أمور الآخرة، والقرب من سيد الأولين والآخرين والرغبة فيه، وفي خدمته ومعاشرته، والاستفادة منه، وفي قضاء حقوقه وحوائجه، وتوقع نزول الرحمة والوحي عليه عندها، ونحو ذلك. (أفكان طلاقًا؟) الاستفهام أنكاري بمعنى النفي، كبقية الروايات [الثالثة والخامسة والسادسة]. (فلم يعددها علينا شيئًا) في بعض النسخ فلم يعدها علينا شيئًا أي فلم يعدها طلاقًا. (فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا، حوله نساؤه، واجمًا ساكتًا) واجمًا بالجيم. قال أهل اللغة: هو الذي اشتد حزنه حتى أمسك عن الكلام. (لأقولن شيئًا أضحك النبي صلى الله عليه وسلم) أضحك بضم الهمزة وكسر الحاء بينهما ضاد ساكنة، والجملة صفة لـشيئاً والعائد محذوف، أي أضحك به النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعض النسخ يضحك وهي أوضح. (فوجأت عنقها) يقال: وجأ يجأ بمعنى ضرب وطعن، وكأنه ضربها في عنقها ضربة شديدة بمجمع يده، وكأن عمر فهم من الموقف أنهن يطلبن النفقة، فساق واقعته مع امرأته حين طلبت هذا المطلب، وكأنه بذلك يشير على النبي صلى الله عليه وسلم أن يستخدم أسلوب عمر، ليقطع دابر هذا التحزب. (فضحك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) لحزم عمر مع امرأته لعلاج مباح، وإن كان خير الناس لأهله صلى الله عليه وسلم لم يستخدم هذا الأسلوب، وما ضرب بيده امرأة ولا خادمًا قط. (هن حولي كما ترى) كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم حزبين، حزبًا تقوده عائشة، وحزبًا تقوده زينب بنت جحش، لكنهن تجمعن وتحزبن ككتلة واحدة في هذا الموقف، فكان ذلك سببًا في شدة موجدته وألمه صلى الله عليه وسلم. قال في البحر: لما نصر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، ورد عنه الأحزاب، وفتح عليه النضير وقريظة ظن أزواجه عليه الصلاة والسلام أنه اختص بنفائس اليهود وذخائرهم، فقعدن حوله، وقلن له: يا رسول الله، بنات كسرى وقيصر في الحلي والحلل، والإماء والخول، ونحن على ما تراه من الفاقة والضيق. وطالبن بتوسعة الحال، وأن يعاملن بما تعامل به الملوك أزواجهم. (تسألن رسول اللَّه ما ليس عنده؟) الكلام على الاستفهام الإنكاري التوبيخي، أي لا ينبغي أن تسألن. (ثم اعتزلهن شهرًا) ظاهره أن الاعتزال سببه هذا التحزب، وظاهر الرواية الثانية عشرة أن التظاهر من أجل قصة العسل أو مارية الماضية في الباب السابق كان سبب الاعتزال، ولا مانع من أن يكون معًا سببًا، وأنه صلى الله عليه وسلم تحمل وتحمل حتى لزم الحزم. (دخلت المسجد) أي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة. (فإذا الناس) أي الموجودون بالمسجد. (ينكتون بالحصى) أي يأخذون الحصى من الأرض، ويضغطونه بأيديهم، ثم يضربون به الأرض، فعل المهموم المفكر المغتاظ. وكانت أرض المسجد بعضها مفروش بالحصى الصغير. (ويقولون: طلق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أزواجه) أي يقولون ذلك في أنفسهم تأسفًا وتحسرًا وتألمًا، أو يقول بعضهم ذلك لبعض، وهذا الأخير هو الظاهر، لأنه لو كان القول في أنفسهم لما علمه عمر، وقد بنوا هذا القول على إشاعة نشرها المنافقون والمرجفون في المدينة، وساعد على تصديقها اعتزاله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا أيضًا أطلق الأنصاري جار عمر العبارة نفسها طلق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه كما جاء في الرواية الثانية عشرة. وكان على هذا الأنصاري وعلى هؤلاء الصحابة أن يتثبتوا قبل أن يقولوها، ولهذا عاتبهم اللَّه بقوله {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} [النساء: 83] فكان عمر رضي الله عنه من الذين يستنبطونه، إذ رجع إلى الأزواج يسألهن، ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله: أطلقت نساءك؟ قال: لا. (وذلك قبل أن يؤمرن بالحجاب) هذه الجملة مقدمة من تأخير، ومكانها بعد قوله فدخلت على عائشة وهذه الجملة أصلاً وهم من الراوي. قال الحافظ ابن حجر: هذه الجملة في الرواية غلط بين، فإن نزول الحجاب كان في أول زواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، كما هو مفهوم في سورة الأحزاب، وهذه القصة كانت سبب نزول آية التخيير، وكانت زينب بنت جحش فيمن خير، فآية التخيير نزلت سنة تسع، والحجاب كان سنة أربع أو خمس. ثم قال الحافظ: وقد أجاب بعضهم بتأويلات بعيدة، وأحسن محامله عندي أن يكون الراوي لما رأى قول عمر أنه دخل على عائشة ظن أن ذلك كان قبل الحجاب، فذكره، لكن جوابه أنه لا يلزم من الدخول رفع الحجاب، فقد يدخل من الباب، وتخاطبه من وراء الحجاب، كما لا يلزم من وهم الراوي في لفظة من الحديث أن يطرح حديثه كله. (فقلت: لأعلمن ذلك اليوم) الإشارة إلى الطلاق أو عدمه، وظاهر من هذه الرواية أن عمر حين جاء من عوالي المدينة بدأ بدخول المسجد، فرأى الناس وأحوالهم فيه، فخرج إلى بيوت الأزواج، ليسأل عن مكان النبي صلى الله عليه وسلم، أما الدخول على الأزواج المذكور في أول الرواية العاشرة والثانية عشرة فهو دخول آخر في يوم سابق على اعتزاله صلى الله عليه وسلم، فالدخول الأول سببه مراجعة زوجة عمر، والدخول الثاني سببه إخبار الأنصاري أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلق نساءه واعتزل. والدخول الأول كان لتحذير حفصة ثم أم سلمة، والدخول الثاني كان للوم حفصة ومعاتبة عائشة والسؤال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدخول الأول كان من عوالي المدينة إلى بيوت الأزواج، أما الثاني فكان إلى المسجد ثم البيوت. (أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟) الاستفهام إنكاري، أي ما كان ينبغي منك - مهما بلغ شأنك وعظم - أن تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم. (فقالت: ما لي ولك؟) أي لا شأن لي عندك، فلا أجيبك، ولا شأن لك عندي فلا تسألني. فـما نافية، والجار والمجرور خبر لمبتدأ محذوف. (عليك بعيبتك) بفتح العين وسكون الياء وفتح الباء، والعيبة في كلام العرب وعاء يجعل الإنسان فيه أفضل ثيابه ونفيس متاعه، كأنها تقول: عليك بخزانتك، كناية عن ابنته حفصة، أي عليك بوعظ ابنتك ودعني. (هو في خزانته في المشربة) الخزانة المكان الذي يخزن فيه، والمشربة بفتح الميم وسكون الشين، وفتح الراء وضمها الغرفة العالية، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم غرفة عالية في المسجد، من جذوع النخل وجريده، يصعد إليها على جذع نخل مائل كالدرج، ويستعرض أمام بابها جذع آخر، يقف عليه الداخل قبل أن يدخل، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعملها كمخزن، تضع فيها بعض زوجاته بعض الأمتعة. فكان فيها حين دخلها عمر: حصير ووسادة، وقبضة من شعير، وقبضة من قرظ يدبغ به الجلود، وعدد من جلود الغنم حديثة الدبغ. (فدخلت) أي خرجت من بيت حفصة فدخلت المسجد، متجهًا نحو المشربة، وفي الرواية العاشرة ثم آخذ ثوبي، فأخرج والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة، والأصل ثم أخذت ثوبي، فخرجت حتى جئت، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشربة وفي الرواية الثانية عشرة حتى إذا صليت الصبح شددت علي ثيابي، ثم نزلت، فدخلت على حفصة، وهي تبكي، فقلت: أطلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: لا أدري. ها هو ذا معتزل في هذه المشربة، فأتيت غلامًا... إلخ ففي بعض الروايات طي تبرزه الروايات الأخرى، وأما رواية البخاري. ولفظها فجمعت علي ثيابي فصليت الفجر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مشربة له، فاعتزل فيها، ودخلت على حفصة...... فقالت: لا أدري. ها هو ذا معتزل في المشربة، فخرجت فجئت إلى المنبر، فإذا حوله رهط يبكي بعضهم، فجلست معهم قليلاً، ثم غلبني ما أجد، فجئت المشربة... فظاهر هذه الرواية يعارض روايتنا في صلاة عمر الصبح، هل كان في العوالي؟ أو كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم؟ ويمكن الجمع بأن معنى روايتنا فنزلت من العوالي، فصليت الصبح مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قام لا يكلم أحدًا، فدخل المشربة، ورأيت الناس يضربون بالحصى، فشددت علي ثيابي ثم نزلت إلى الحجرات، فدخلت على حفصة... إلخ. الإشكال الثاني أن رواية البخاري تفيد أن عمر علم مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يدخل على حفصة، وروايتنا التاسعة يسأل فيها حفصة أين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ويمكن أن يجاب عن هذا الإشكال بأن سؤاله لم يكن لمعرفة أين هو؟ وإنما ليتبين. هل تعلم هي مكانه أو لا؟ أو الاستفهام للتبكيت، أن كانت هي سبب وجوده في هذا المكان. (فإذا أنا برباح) بفتح الراء وتخفيف الباء، وفي الرواية العاشرة وغلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسود على رأس الدرجة. (قاعدًا على أسكفة المشربة) الأسكفة بضم الهمزة وسكون السين وضم الكاف وتشديد الفاء المفتوحة، العتبة السفلى للباب. وقاعدًا حال وفي رواية قاعد. (مدل رجليه على نقير من خشب) مدل خبر لمبتدأ محذوف، أي هو مدل. والنقير بفتح النون وكسر القاف. بمعنى منقور، أي جذع من خشب قد نقر على مسافات ليكون درجًا، يصعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وينزل، قال النووي: نقير بالنون ثم القاف. هذا هو الصحيح الموجود في جميع النسخ، وذكر القاضي أنه بالفاء بدل النون، والفقير بمعنى مفقور، مأخوذ من فقار الظهر. اهـ أي جذع جعلت فيه فقر كالدرج، وفي الرواية العاشرة في مشربة له، يرتقي إليها بعجلة أي بسرعة، وفي نسخة بعجلها وفي نسخة بعجلتها وكله صحيح قال ابن قتيبة وغيره: هي درجة من النخل، كما قال في رواية جذع. (فناديت: يا رباح. استأذن لي عندك على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فنظر رباح إلى الغرفة، ثم نظر إلي، فلم يقل شيئًا، ثم قلت يا رباح. استأذن لي عندك على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إلي، فلم يقل شيئًا، ثم رفعت صوتي، فقلت.... إلخ) ظاهره أنه طلب الإذن ثلاث مرات في وقت واحد، ووقفة واحدة، وهو غير مراد، فالرواية الثانية عشرة بينت أن بين المرة والمرة كان ينتهي إلى المنبر، ويجلس قليلاً، ثم يعود يستأذن، وظاهره أن الغلام كان يرد ويرفض الإذن بالإشارة، دون أن يدخل، اعتمادًا على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصاه أن لا يأذن لأحد بالدخول، وهو غير مراد، فالرواية الثانية عشرة بينت أن الغلام كان يدخل، ويذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أن عمر يستأذن، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجيب، وهذا رفض للإذن، على ما عهدوا منه صلى الله عليه وسلم ولعل الغلام كان يفعل الأمرين، يرفض بالإشارة، ثم يدخل فلا يؤذن فيعود، فيخبر عمر بالرفض الصريح. قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم في المرتين الأوليين كان نائمًا أو ظن أن عمر جاء يستعطفه على أزواجه، لكون حفصة ابنته منهن. اهـ. قلت: الاحتمال الأول لا يتناسب مع ظاهر الروايات. (فأومأ إلي أن ارقه) أصله: ارق، أي اصعد وادخل، دخلت عليه هاء السكت، وليس المراد أن الغلام أذن له من نفسه ساعة الاستئذان الثالث، بل المراد ما أوضحته الرواية الثانية عشرة، وفيها بعد الاستئذان الثالث فدخل، ثم خرج إلي، فقال: قد ذكرتك له، فصمت، فوليت مدبرًا، فإذا الغلام يدعوني، فقال: أدخل فقد أذن لك، فدخلت فظاهرها أن الغلام سمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم يأذن لعمر بالدخول. (فدخلت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على حصير، فجلست، فأدنى عليه إزاره، وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه) في الرواية العاشرة فقصصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث [أي ما حصل بينه وبين حفصة] فلما بلغت حديث أم سلمة تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه لعلى حصير، ما بينه وبينه شيء، وتحت رأسه وسادة من أدم - أي من جلد مدبوغ - حشوها ليف وفي الرواية الثانية عشرة فإذا هو متكئ على رمل حصير - أي على حصير منسوج، يقال: رملت الحصير وأرملته إذا نسجته، وفي غير هذه الرواية رمال حصير - قد أثر في جنبه، فقلت... وساق قصته مع حفصة ثم قال: فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم أخرى، فقلت: أستأنس يا رسول الله؟ - أي أجلس؟ قال: نعم فجلست. فمعنى مضطجع على حصير أي متكئ، وتمام الصورة أنه صلى الله عليه وسلم كان يلبس إزارًا فقط، وليس عليه رداء، فنصفه العلوي عار تمامًا، ظهر فيه تأثير حبال الحصير، وأن الإزار من النوم كان قد تجعد فأرخاه صلى الله عليه وسلم وعدله، وأن عمر ظل واقفاً يؤنس النبي صلى الله عليه وسلم ويقص عليه ما كان من شأنه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ظاهر الغضب حين دخل عمر، فلما أنس بكلام عمر وتبسم مرتين اطمأن عمر وطلب الجلوس، وجلس على الأرض، أو على طرف الحصير إن كان قد اتسع له، والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم ظل مضطجعًا. (فنظرت ببصري في خزانة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) دعاه إلى النظر المفارقة الكبيرة بين مقامه صلى الله عليه وسلم عند ربه وعند أصحابه، وما يراه من حاله النبوي، وقلنا: إن ذلك كان في السنة التاسعة، وكانت نفائس بني قريظة وبني النضير وغيرهم قد صارت للمسلمين، وقد أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم الكثير. فما بال خزانته هكذا؟ أليس هذا أمر عجيب؟. (فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع) ليس المراد القبضة الحقيقية، ما يجمعه الكف الواحد، وإنما هي كناية عن القليل، وإلا فالصاع أربع حفنات بكف الرجل المتوسط، أي ثمان قبضات على الأقل. (ومثلها قرظًا في ناحية الغرفة) مثلها مجرور، عطفًا على قبضة وقرظًا تمييز، وهو بفتح القاف والراء والظاء يطلق على شجر عظام، لها سوق غلاظ، وهو نوع من أنواع السنط العربي، ويطلق على ثمرته وبذوره التي تخرج من القرون، وهي المرادة هنا، ويدبغ به الجلود، وفي الرواية العاشرة وإن عند رجليه قرظًا مضبورًا قال النووي: وقع في بعض الأصول بالضاد، وفي بعضها بالصاد المهملة، وكلاهما صحيح، أي مجموعًا. اهـ. وفي رواية مصبوبًا بباءين، ولا تنافي، فالمراد أنه مجموع غير منتشر، وإن كان في غير وعاء. فهو مصبوب مجتمع. (وإذا أفيق معلق) أفيق بفتح الهمزة، وكسر الفاء، وهو الجلد الذي لم يتم دباغه، وجمعه أفق بفتح الهمزة والفاء، مثل أديم وأدم، وفي الرواية العاشرة وعند رأسه أهبًا معلقة والأهب بضم الهمزة والهاء وبفتحهما، لغتان مشهورتان، جمع إهاب، وهو الجلد قبل الدباغ، وقيل: الجلد مطلقًا، دبغ أو لم يدبغ والذي يظهر أن المراد هنا جلد شرع في دبغه ولم يكمل، وفي الرواية الثانية عشرة فوالله ما رأيت فيه شيئًا يرد البصر إلا أهبا ثلاثة وفي رواية البخاري غير أهبة ثلاثة وفي أخرى له غير أهبة ثلاثة بفتح الهمزة والهاء، وبضمها أيضًا بمعنى الأهب. (فابتدرت عيناي) أي سالت دموعهما، وفي الرواية العاشرة فبكيت. (ما يشق عليك من شأن النساء) من بمعنى بعض أي لا يشق على نفسك بعض شأن النساء، أو زائدة داخلة على فاعل يشق أي لا يشق عليك شأن النساء، أي لا تشغل بالك بعوجهن، ولا تغضب من إساءتهن، فإنهن ناقصات عقل. (فإن كنت طلقتهن فإن اللَّه معك وملائكته وجبريل وميكائيل، وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك، وقلما تكلمت - وأحمد اللَّه - بكلام إلا رجوت أن يكون اللَّه يصدق قولي الذي أقول، ونزلت هذه الآية، آية التخيير {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن} {وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير} ) هذه من موافقات عمر رضي الله عنه، وكان يعتز بها، ويتحدث عنها، كما هنا، وكما جاء عند البخاري وغيره من قوله وافقت ربي في ثلاث فقلت: لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن؟ فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه، فقلت لهن: {عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن} فنزلت هذه الآية. قال الحافظ ابن حجر: والمعنى وافقني ربي، فأنزل القرآن على وفق ما رأيت، لكن لرعاية الأدب أسند الموافقة إلى نفسه. اهـ. أقول: أو المعنى وافقت بقولي ما هو ثابت عند الله قبل أن ينزله. ثم قال الحافظ ابن حجر: وقد حصلت له الموافقة في أشياء غير هذه، من مشهورها قصة أسارى بدر، وقصة الصلاة على المنافقين، وهما في الصحيح، وصحح الترمذي من حديث ابن عمر أنه قال: ما نزل بالناس أمر قط، فقالوا فيه، وقال فيه عمر إلا نزل القرآن فيه على نحو ما قال عمر وهذا دال على كثرة موافقاته وأكثر ما وقفنا عليه منها على التعيين خمسة عشر، لكن ذلك بحسب المنقول. اهـ. (وكانت عائشة بنت أبي بكر وحفصة تظاهران على سائر نساء النبي صلى الله عليه وسلم) أي تتظاهران، مضارع محذوف إحدى التاءين، أي تدعيان الظهور والسمو والرفعة. (فلم أزل أحدثه حتى تحسر الغضب عن وجهه، وحتى كشر) تحسر الغضب أي زال وانكشف، وكشر بفتح الكاف والشين مخففة، أي أبدى أسنانه تبسمًا، ويقال أيضًا في الغضب. والمراد هنا الأول. (ثم نزل نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم ونزلت.... فقلت: يا رسول اللَّه، إنما كنت في الغرفة تسعة وعشرين؟ قال: إن الشهر يكون تسعًا وعشرين. فقمت على باب المسجد فناديت... إلخ) قال الحافظ ابن حجر: هذا مشكل، فإن ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل عقب ما خاطبه عمر، فيلزم منه أن يكون عمر تأخر كلامه معه تسعة وعشرين يومًا، وسياق غيره ظاهر في أنه تكلم معه في ذلك اليوم، وكيف يمهل عمر تسعة وعشرين يومًا لا يتكلم في ذلك؟ وهو مصرح بأنه لم يصبر ساعة في المسجد، حتى يقوم ويرجع إلى الغرفة، ويستأذنه؟ قال: ولكن تأويل هذا سهل، وهو أن يحمل قوله فترك أي بعد أن مضت المدة، ويستفاد منه أنه كان يتردد إلى النبي صلى الله عليه وسلم في تلك المدة التي حلف عليها، فاتفق أنه كان عنده عند إرادته النزول، فنزل معه، ثم خشي أن يكون نسي تمام الشهر، فذكره كما ذكرته عائشة. (فلما رجع، فكنا ببعض الطريق عدل إلى الأراك، لحاجة له) حددت الرواية الحادية عشرة المكان المشار إليه، بأنه مر الظهران، وفي الرواية الثانية عشرة فلما كنا ببعض الطريق عدل عمر، وعدلت معه بالإداوة - إبريق ماء يصب منه عند الوضوء والاستنجاء ونحوهما - فتبرز وأصل التبرز من البراز، وهو الموضع الخالي البارز عن البيوت، ثم أطلق التبرز على نفس الفعل - قضاء الحاجة، والمعنى عدل عن الطريق المسلوك إلى مكان لا يسلك غالبًا، به أشجار الأراك، ليستره أثناء قضاء حاجته، عدل بدون ماء لقلته، وطلب من ابن عباس أن يستحضر له إداوة من ماء حتى يرجع، فلما رجع وقد استجمر أخذ ابن عباس يصب عليه ماء الوضوء. فتكلم معه وسأله، كانت البداية أثناء الوضوء، واستمر الحديث بالطريق، ففي الرواية الثانية عشرة فسكبت على يديه، فتوضأ، فقلت... وفي الرواية الحادية عشرة ذهبت أصب عليه وذكرت، فقلت له... وفي الرواية العاشرة ثم سرت معه، فقلت.... (إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرًا) إن بكسرة الهمزة وسكون النون، مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن والقصة، والجملة بعد ذلك خبرها، والمعنى أن الشأن والقصة والحكاية كنا في الجاهلية قبل الإسلام كذا وكذا ما نعتبر للنساء أمرًا أو نهيًا، ولا نعتد لهن برأي. (حتى أنزل اللَّه تعالى فيهن ما أنزل) من حقوق ورفع شأن، واعتداد بالرأي. (وقسم لهن ما قسم) من حقوق مالية، وحقوق تعليمية وحقوق أدبية إلخ، وساعدهن على الوقوف بجوار حقوقهن، والمطالبة بها ومواجهة الرجال ما رأينه من نساء الأنصار من الجرأة والصلابة، ففي الرواية الثانية عشرة كنا معشر قريش قومًا نغلب النساء - أي نحكم عليهن، ولا يحكمن علينا - فلما قدمنا المدينة وجدنا قومًا تغلبهم نساؤهم وفي رواية كنا ونحن بمكة لا يكلم أحد امرأته، إلا إذا كانت له حاجة قضى منها حاجته وفي رواية كنا لا نعتد بالنساء، ولا ندخلهن في أمورنا فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم وفي رواية فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار أي من سيرتهن وطريقهن وفي رواية فلما قدمنا المدينة تزوجنا من نساء الأنصار، فجعلن يكلمننا ويراجعننا. (فبينما أنا في أمر أأتمره) أي أشاور فيه نفسي وأفكر فيه وأقدره بصوت مرتفع. (إذا قالت لي امرأتي: لو صنعت كذا وكذا؟ فقلت لها: وما لك أنت ولما ها هنا؟ وما تكلفك في أمر أريده؟ فقالت لي: عجبًا لك يا ابن الخطاب ما تريد أن تراجع أنت) وفي الرواية الثانية عشرة فغضبت يومًا على امرأتي، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك وفي رواية للبخاري وكان بيني وبين امرأتي كلام، فأغلظت لي وفي رواية فقمت إليها بقضيب، فضربتها به فقالت: عجبًا لك يا ابن الخطاب، ولم تنكر أن أراجعك؟ وفي رواية الطيالسي فقلت: متى كنت تدخلين في أمورنا؟ فقالت: يا ابن الخطاب ما يستطيع أحد أن يكلمك وفي رواية فصخبت وفي أخرى فسخبت على امرأتي، فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني. (وإن ابنتك لتراجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى يظل يومه غضبان) المراد ابنته حفصة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الرواية الثانية عشرة فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل وفي رواية للبخاري تقول لي هذا وابنتك تؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟. (لا يغرنك هذه التي قد أعجبها حسنها وحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إياها) وفي الرواية الثانية عشرة ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك -يريد عائشة إن كانت بفتح همزة أن وكسرها. والمراد من جارتها ضرتها، أو هو على الحقيقة، لأنها كانت مجاورة لها في المسكن، والعرب تطلق على الضرة جارة، لتجاورهما المعنوي، لكونهما عند شخص واحد. وأوسم من الوسامة، وهي العلامة، والمراد أجمل، كأن الجمال وسمها وعلمها بعلامة. وفي رواية البخاري أوضأ من الوضاءة. والمعنى لا تغتري بكون عائشة تفعل ما نهيتك عنه، فلا يؤاخذها بذلك، فإنها تدل بجمالها ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم لها، فلا تغتري أنت بذلك، لاحتمال أن لا تكوني عنده في تلك المنزلة، فلا يكون لك من الإدلال مثل الذي لها. وعند ابن سعد أنه ليس لك مثل حظوة عائشة وفي الرواية التاسعة والله لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك، ولولا أنا لطلقك. (ثم خرجت حتى أدخل على أم سلمة، لقرابتي منها) أدخل مراد به دخلت، والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة وقرابته من أم سلمة ترجع إلى أن أم عمر كانت مخزومية، مثل أم سلمة، وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة، ووالدة عمر حنتمة بنت هاشم بن المغيرة، فهي بنت عم أمه، وفي رواية ودخلت على أم سلمة، وكانت خالتي وكأنه أطلق عليها خالة لكونها في درجة أمه، وهي بنت عمها، ويحتمل أن تكون أرضعت معها فتكون أخت أمه من الرضاع، ويحتمل أن تكون أختها لأمها. يقصد أن الأولى بالنصح القريبات. (فأخذتني أخذًا كسرتني عن بعض ما كنت أجد) في رواية البخاري فأخذتني واللَّه أخذًا.... أي منعتني من الذي كنت أريده، تقول: أخذ فلان على يد فلان، أي منعه عما يريد أن يفعله، أي أخذتني بلسانها أخذًا أبعدني عن مقصدي وفي رواية لابن سعد فقالت أم سلمة: أي والله. إنا لنكلمه، فإن تحمل ذلك فهو أولى، وإن نهانا عنه كان أطوع عندنا منك. قال عمر: فندمت على كلامي لهن وفي رواية قالت: ما يمنعنا أن نغار على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجكم يغرن عليكم وفي رواية قالت: يا عمر أما في رسول الله ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت؟ (وكان لي صاحب من الأنصار) قال الحافظ ابن حجر: اسم الجار المذكور أوس بن خولى بن عبد الله بن حارث الأنصاري. هذا هو المعتمد. (ونحن حينئذ نتخوف ملكًا من ملوك غسان...) وفي رواية للبخاري وكان من حول رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استقام له، فلم يبق إلا ملك غسان بالشام، كنا نخاف أن يأتينا وفي الرواية الثانية عشرة وكنا نتحدث أن غسان تنعل الخيل لتغزونا تنعل بضم التاء وكسر العين، وبفتح التاء، أي تركب النعال، وهي الحديدة التي تركب في حوافر الخيل. وغسان في الأصل قبيلة، وكان منها ملوك بالشام، قيل: بلغوا سبعة وثلاثين ملكًا، أولهم حفنة بن عمرو بن ثعلبة، وآخرهم جبلة بن الأيهم، وهو الذي أسلم في خلافة عمر رضي الله عنه ثم عاد إلى الروم وتنصر. (أتيت الحجر فإذا في كل بيت بكاء) الحجر بضم الحاء وفتح الجيم، أي حجرات أمهات المؤمنين، أي بيوتهن. وفي البخاري عن ابن عباس قال: أصبحنا يومًا ونساء النبي صلى الله عليه وسلم يبكين، عند كل امرأة منهن أهلها. (وكان آلى منهن شهرًا) في رواية للبخاري وكان قد قال: ما أنا بداخل عليهن شهرًا ومعنى آلى حلف وأقسم. (واعجبًا لك يا ابن عباس) وا في قوله واعجبًا اسم فعل بمعنى أعجب، ومثله واهًا، ووى، وعجبًا بالتنوين مصدر مؤكد. وإن كان عجبًا بغير تنوين كان وا حرف نداء، أو ندبة لغير مندوب، وأصل عجبًا عجبي، فأبدلت الكسرة فتحة، فصارت الياء ألفاء كقولهم: يا أسفا ويا حسرتا، وفي رواية واعجبي لك. وتعجب عمر من ابن عباس لشهرته بعلم التفسير، كيف خفي عليه هذا القدر مع شهرته وعظمته في نفس عمر، وتقدمه في العلم على غيره، ومع ما كان ابن عباس مشهورًا به من الحرص على طلب العلم، ومداخلة كبار الصحابة وأمهات المؤمنين فيه، أو تعجب من حرصه على طلب فنون التفسير، حتى معرفة المبهم، ووقع في الكشاف، وفي روايتنا الثانية عشرة قول الزهري: كره والله ما سأله عنه، ولم يكتمه. ويحتمل أنه تعجب من تحرج ابن عباس السؤال عن العلم، وتهيبه من عمر مدة سنة، أي عجبًا لتحرجك من سؤالي فلا تعد لمثلها، ما ظننت أن عندي من علم فسلني عنه، فإن كنت أعلمه أخبرتك. (وكان منزلي في بني أمية بن زيد بالعوالي) العوالي جمع عالية، وهي قرى بقرب المدينة، مما يلي المشرق، وكانت منازل الأوس، والمعنى كان منزلي في منطقة يسكنها بنو أمية، وهي على أربعة أميال أو أكثر أو أقل من المدينة. (فقلت: خابت حفصة وخسرت) الجملة خبرية لفظًا ومعنى، وخص حفصة بذلك مع شمول الخيبة والخسران أمهات المؤمنين، لمكانتها منه، لأنها ابنته، ولكونه كان قريب العهد بتحذيرها من وقوع ذلك، ووقع في روايتنا العاشرة رغم أنف حفصة وعائشة وكأنه خصهما بالذكر لكونهما كانتا السبب في ذلك. (قد كنت أظن هذا كائنًا) في رواية البخاري قد كنت أظن هذا يوشك أن يكون أي كنت أتوقع حدوث هذا بسبب كثرة مراجعتهن التي قد تفضي إلى الغضب المفضي إلى الفرقة. (فاستوى جالسًا) في رواية البخاري فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكان متكئاً وهذا مظهر من مظاهر الاهتمام بالموقف، وبالكلام الآتي. (ثم قال: أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟) أي أأنت في شك في أن التوسع في الآخرة خير من التوسع في الدنيا؟ وفي رواية البخاري أو في هذا أنت يا ابن الخطاب؟ وهذا يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم ظن أنه بكى من الموقف العصيب، موقف النبي صلى الله عليه وسلم من أزواجه وموقفهن منه، وغضبه صلى الله عليه وسلم عليهن، واعتزاله لهن، فلما ذكر له أمر الدنيا كان إنكاره صلى الله عليه وسلم لما شغل عمر، وأحس عمر بشدة الإنكار، ووقعه عليه، فقال: (فقلت: استغفر لي يا رسول اللَّه) أي عن اعتقادي أن التجملات الدنيوية مرغوب فيها، أو عن انشغالي بهذا الأمر عن الأمر الأهم. (وكان أقسم أن لا يدخل عليهن شهرًا، من شدة موجدته عليهن) أي من شدة غضبه منهن. (فقال: إن الشهر تسع وعشرون) وفي رواية البخاري وكان ذلك الشهر تسعًا وعشرين ليلة قال الحافظ ابن حجر: في هذا إشارة إلى تأويل الكلام الذي قبله، وأنه لا يراد به الحصر، وأن كل شهر تسع وعشرون، أو أن اللام في قوله الشهر للعهد، أي الشهر المحلوف عليه، ولا يلزم من ذلك أن تكون الشهور كلها كذلك. فقه الحديث قال الله تعالى {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحًا جميلاً * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرًا عظيمًا} [الأحزاب: 28، 29]. عن هذا التخيير يقول الماوردي: اختلف. هل كان التخيير بين الدنيا والآخرة؟ أو بين الطلاق والإقامة عنده؟ اهـ. والمتحصل من هذا الخلاف أقوال: الأول: أنه ليس طلاقًا أصلاً، وليس التخيير بين الطلاق والإقامة عنده، بل هو تخيير بين الدنيا والآخرة، فإن اختارت الدنيا كان عليه أن يطلقها، بدليل قوله (فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحًا جميلاً) وإن اختارته - كما حصل من أمهات المؤمنين فلا شيء. قال الحافظ ابن حجر: ظاهر هذه الآية أن ذلك بمجرده لا يكون طلاقًا، بل لا بد من إنشاء الزوج الطلاق، لأن فيها (فتعالين أمتعكن وأسرحكن) أي بعد الاختيار، وهذه دلالة منطوق، ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم. اهـ. وبهذا يرد على القرطبي إذ قال في المفهم يؤخذ من قول عائشة فاخترناه فلم يكن ذلك طلاقًا أنها إذا اختارت نفسها كان نفس ذلك الاختيار طلاقًا من غير احتياج إلى النطق بلفظ يدل على الطلاق. الثاني: أن مثل هذا التخيير تمليك للزوجة أمر نفسها، أو تفويض وتوكيل لها أن تطلق نفسها، فإن اختارته فلا شيء، وإن اختارت نفسها فطلقة رجعية. وهذا مروي عن عمر وابن مسعود رضي الله عنهما. الثالث: كالثاني، لكن إن اختارت نفسها فطلقة بائنة، لأنها لو كانت رجعية لبقيت في أسر الزوج. وهذا مروي عن عمر وابن مسعود أيضًا، وبه أخذ أبو حنيفة. الرابع: كالثاني أيضًا، لكن إن اختارت نفسها يقع ثلاثًا، وهو مروي عن زيد بن ثابت، وأخذ به مالك، واحتج بعض أتباعه بأن معنى الخيار بت أحد الأمرين، إما الأخذ وإما الترك. وهذه المذاهب الثلاثة تتفق في أنها لو اختارت زوجها فلا شيء، ويؤيدها حديث عائشة، وحديث مسروق [رواياتنا الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة]، ويؤيدها من حيث المعنى أن التخيير ترديد بين شيئين، فلو كان اختيارها لزوجها طلاقًا لاتحدا، فدل على أن اختيارها لنفسها بمعنى الفراق، واختيارها لزوجها بمعنى البقاء في العصمة. الخامس: أنها إن اختارت نفسها فواحدة بائنة، وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية، لأن الزوج بهذا التفويض قد فك القيد والرباط الذي عقده، وهذا القول حكاه الترمذي عن علي رضي الله عنه، وأخرج ابن أبي شيبة من طريق زاذان قال: كنا جلوساً عند علي، فسئل عن الخيار، فقال: سألني عنه عمر. فقلت: إن اختارت نفسها فواحدة بائن، وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية. قال: ليس كما قلت. إن اختارت زوجها فلا شيء. قال: فلم أجد بداً من متابعته، فلما وليت رجعت إلى ما كنت أعرف. السادس: إن اختارت نفسها فثلاث، وإن اختارت زوجها فواحدة بائنة، وهذا مروي عن زيد بن ثابت. السابع: قال الشافعي: التخيير كناية، فإذا خير الزوج امرأته، وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه، وبين أن تستمر في عصمته، فاختارت نفسها، وأرادت بذلك الطلاق طلقت، فلو قالت: لم أرد باختيار نفسي الطلاق صدقت. قال الحافظ ابن حجر: ويؤخذ من هذا أنه لو وقع التصريح في التخيير بالتطليق أن الطلاق يقع جزمًا. الثامن: أن التخيير طلاق في حق الأمة، وفي حقه صلى الله عليه وسلم ليس بطلاق. فهو خصوصية. ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم

    1- من البدء في التخيير بعائشة ومن موقفها منه وموقفه صلى الله عليه وسلم يؤخذ فضل عائشة رضي الله عنها، لبداءته بها.

    2- أن صغر السن مظنة لنقص الرأي. قال العلماء: إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة أن تستأمر أبويها خشية أن يحملها صغر سنها على اختيار الشق الآخر، لاحتمال أن يكون عندها من الملكة ما يدفع ذلك العارض، فإذا استشارت أبويها أوضحا لها ما في ذلك من المفسدة، وما في مقابله من المصلحة، ولهذا لما فطنت عائشة لذلك قالت: قد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، ووقع في رواية في هذه القصة عن عائشة قالت: وخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم حداثتي.

    3- وفيه منقبة عظيمة لعائشة، وبيان كمال عقلها، وصحة رأيها مع صغر سنها، إذ أسرعت باختياره صلى الله عليه وسلم.
    4- وأن الغيرة تحمل المرأة الكاملة الرأي والعقل على ارتكاب ما لا يليق بحالها، لسؤال عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم أن لا يخبر أحداً من أزواجه باختيارها له، فقد حملها على ذلك ما طبع عليه النساء من الغيرة، ومحبة الاستبداد، دون ضرائرها، وفهم البعض من السياق أنها أرادت أن يختار نساؤه الفراق.
    5- أن حب الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة، وحرصه على إرضائها لم يكن على حساب واحدة من جاراتها، إذ لم يسعفها بما طلبت من ذلك، بل رد مطلبها في مواجهتها.
    6- من موقف أمهات المؤمنين منقبة عظيمة لهن رضي الله عنهن.
    7- المبادرة إلى الخير، وإيثار أمور الآخرة على الدنيا.
    8- استدل بعضهم بقولها: ثم فعل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت على ضعف ما جاء أن من الأزواج حينئذ من اختارت الدنيا.
    9- من أسباب الاعتزال يستفاد مدى ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه، وحلمه عنهن، وصبره على ما كان يصدر منهن من إدلال وغيرة، ففي الرواية الثامنة تحزبهن للمطالبة بالنفقة، وبما لا يقدر عليه، وقصة العسل أو مارية المذكورة في الباب السابق فيها من الاحتيال ما لا يحتمله زوج، وما جاء عند ابن سعد في سبب غضبه منهن وحلفه أن لا يدخل عليهن شهراً عن عائشة قالت: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية، فأرسل إلى كل امرأة من نسائه نصيبها، فلم ترض زينب بنت جحش بنصيبها، فزادها مرة أخرى، فلم ترض، فقالت عائشة: لقد أقمأت وجهك. ترد عليك الهدية؟ فقال: لأنتن أهون على الله من أن تقمئنني. لا أدخل عليكن شهراً. كل ذلك، وغيره من المعاملات التي يضيق بها صدر الرجل كثير، لكن الرءوف الرحيم صلى الله عليه وسلم تحمل وتحمل فلما ضاق صدره، استخدم الدواء الثاني للعوج الاعتزال بعد الوعظ، ولم يستعمل في حياته العلاج الثالث وهو الضرب، مع أنه كان سائغاً مشهوراً. 10- ومن مدة الاعتزال لطيفة، قال بعضهم: الحكمة في الشهر أن مشروعية الهجر ثلاثة أيام، وكانت عدتهن تسعاً، فإذا ضربت في ثلاثة كانت سبعة وعشرين، واليومان لمارية، لكونها كانت أمة، فنقصت عن الحرائر. 1

    1- وفيه أن شدة الوطأة على النساء مذموم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بسيرة الأنصار في نسائهم، وترك سيرة قومه، وسمح لنسائه بمراجعته ومغاضبته، حتى كانت إحداهن تهجره اليوم حتى الليل. 1

    2- ومن الرواية الثامنة تأديب الرجل ابنته في بيت زوجها، لأجل إصلاحها لزوجها. 1

    3- ومن موقف عبد الله بن عباس من عمر توقير العالم ومهابته عن استفهام ما يخشى من تغيره عند ذكره. 1
    4- وترقب خلوات العالم، ليسأل عما لعله لو سئل عنه بحضرة الناس أنكره على السائل. 1
    5- وفي ذلك مراعاة للمروءة. 1
    6- حسن تلطف ابن عباس، وشدة حرصه على الاطلاع على فنون التفسير. 1
    7- وطلبه علو الإسناد، لأن ابن عباس أقام مدة طويلة، ينتظر خلوة عمر، ليأخذ عنه، وكان يمكنه أخذ ذلك بواسطة عنه، ممن لا يهاب سؤاله، كما كان يهاب عمر. 1
    8- البحث في العلم في الطرق والخلوات، وفي حال القعود والمشي. 1
    9- جواز السؤال عن تسمية من أبهم أو أهمل. 20- وسؤال العالم عن بعض أمور أهله، وإن كان عليه فيه غضاضة، إذا كان في ذلك سنة تنقل، ومسألة تحفظ. 2

    1- وجواز ذكر العمل الصالح -حج عمر وابن عباس- لسياق الحديث على وجهه. 2

    2- والعدول عن الطريق المسلوك لقضاء الحاجة، وأن المسافر في الخلاء يستتر بما يمكنه التستر به من شجر وغيره. 2

    3- وفي موقف عمر من ابن عباس تواضع العالم للطالب وصبره على مساءلته وإن كان في ذلك غضاضة عليه. 2
    4- وإيثار الاستجمار في الأسفار وإبقاء الماء للوضوء. 2
    5- وجواز الاستعانة في الوضوء. 2
    6- وسياق القصة على وجهها، وإن لم يسأل السائل عن ذلك إذا كان في ذلك مصلحة من زيادة شرح وبيان، وخصوصاً إذا كان الطالب يؤثر ذلك. 2
    7- وفيه ذكر العالم ما يقع من نفسه وأهله بما يترتب عليه فائدة دينية، وإن كان في ذلك حكاية ما يستهجن. 2
    8- ومن تناوب عمر وصاحبه النزول من عوالي المدينة التناوب في العلم إذا لم يتيسر لكل واحد الحضور بنفسه. 2
    9- واستحباب حضور مجالس العلم والحرص عليها. 30- أن الطالب لا يغفل عن العمل لمعاشه، ليستعين على طلب العلم وغيره، فإن عمر رضي الله عنه كان يشتغل بالتجارة آنذاك. 3

    1- الحرص على العلم، وسؤال الغائب عما فاته في يوم غيبته، وحرص الصحابة على أحوال الرسول صلى الله عليه وسلم جلت أو قلت أولا بأول. 3

    2- الاعتماد على خبر الواحد، ولو كان الآخذ فاضلا والمأخوذ عنه مفضولاً، فإن كلاً من عمر وصاحبه كان يعتمد خبر الآخر. 3

    3- العمل بمراسيل الصحابة. 3
    4- وجواز ضرب الباب ودقه، إذا لم يسمع الداخل بغير ذلك. 3
    5- ورواية الكبير عن الصغير. 3
    6- وأن الأخبار التي تشاع -ولو كثر ناقلوها- إن لم يكن مرجعها إلى أمر حس من مشاهدة أو سماع لا تستلزم الصدق. فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لم يطلق نساءه، رغم الإشاعة التي استفيضت. 3
    7- وفيه الاكتفاء بمعرفة الحكم بأخذه عن القرين، مع إمكان أخذه عالياً عمن أخذ عنه القرين، وأن السعي إلى علو الإسناد حيث لا يعوق عنه عائق، شرعي. 3
    8- واهتمام الصحابة بما يغير خاطر النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الأنصاري وعمر اعتبرا تطليق النبي صلى الله عليه وسلم نساءه أعظم وأخطر من هجوم ملك الشام الغساني بجيوشه على المدينة لغزو من بها، وكان ذلك بالنظر إلى ثقتهما في قوة المسلمين، وأن عدوهم -ولو طرقهم- مغلوب ومهزوم، بخلاف الذي وقع- حسبما توهما من التطليق الذي يتحقق معه حصول الغم والقلق وتشويش الخاطر للنبي صلى الله عليه وسلم. 3
    9- ومن أخذ عمر رداءه عند النزول استحباب التجمل بالثوب ونحوه عند لقاء الأئمة والكبار، احتراما لهم. 40- ومن دخول عمر دخول الآباء على البنات، ولو كان بغير إذن الزوج، والتنقيب عن أحوالهن، لا سيما ما يتعلق بالمتزوجات، والكلام مع القريبات وغيرهن للمصلحة. 4

    1- ومن موقف عمر مع امرأته شدته وحزمه في معاملة النساء. 4

    2- ومن نصيحته لحفصة وتحذيره لها ما يفيد أن عائشة كانت أجمل وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من حفصة، وأنه لا بأس أن يواجه الأب ابنته بمثل هذا من قبيل التأديب. 4

    3- ومن رد عائشة على عمر ما يفيد قوة شخصيتها وقوة منطقها وأدبها. 4
    4- وفي رد أم سلمة على عمر ما كانت عليه رضي الله عنها من رجاحة العقل، وقوة الحجة والعزة والأنفة. 4
    5- وفي تعبير عمر عن عائشة بجارتك دون ضرتك أدب عمر، وتحاشيه أن يضيف لفظ الضرر إلى أحد من أمهات المؤمنين. وكان ابن سيرين يكره تسميتها ضره، ويقول: إنها لا تضر ولا تنفع، ولا تذهب من رزق الأخرى بشيء، وإنما هي جارة. 4
    6- وجواز سكنى المشربة. 4
    7- وجواز اعتزال النساء خارج البيوت. 4
    8- وجواز اتخاذ الحاكم عند الخلوة بواباً، يمنع من يدخل عليه إلا بإذنه، ويكون قول أنس في المرأة التي وعظها النبي صلى الله عليه وسلم في المقابر، فلم تعرفه، ثم جاءت إليه، فلم تجد له بوابين، يكون محمولاً على الأوقات التي يجلس فيها للناس. 4
    9- قال المهلب: وفيه أن للإمام أن يحتجب عن بطانته وخاصته، عند الأمر الذي يغضبه من أهله، حتى يذهب غيظه، ويخرج للناس، وهو منبسط إليهم، فإن الكبير إذا احتجب لم يحسن الدخول إليه بغير إذن، ولو كان الذي يريد الدخول جليل القدر عظيم المنزلة عنده. 50- وفيه الرفق بالأصهار إذا وقع للرجل من زوجه ما يقتضي معاتبتهم. 5

    1- وفيه أن السكوت قد يكون أبلغ من الكلام، وأكثر فائدة في بعض الأحايين، لأنه عليه الصلاة والسلام لو أمر غلامه برد عمر لم يجز لعمر العود إلى الاستئذان مرة بعد أخرى. أشار إلى هذا المهلب. 5

    2- وفيه أن الحاجب إذا علم منع الإذن بسكوت المحجوب لم يأذن. 5

    3- وفيه مشروعية الاستئذان على الإنسان، ولو كان وحده، لاحتمال أن يكون على حالة يكره الاطلاع عليها. 5
    4- وفيه جواز تكرار الاستئذان لمن لم يؤذن له، إذا رجا حصول الإذن، وأن لا يتجاوز به ثلاث مرات. 5
    5- وفيه أن المرء إذا رأى صاحبه مهموماً استحب له أن يحدثه بما يزيل همه، ويطيب نفسه، لقول عمر: لأقولن شيئاً يضحك النبي صلى الله عليه وسلم. قال الحافظ ابن حجر: ويستحب أن يكون ذلك بعد استئذان الكبير في ذلك. 5
    6- وفيه أن الغضب والحزن يحمل الرجل الوقور على ترك التأني المألوف منه، لقول عمر: ثم غلبني ما أجد. ثلاث مرات. 5
    7- وفيه شدة الفزع والجزع للأمور المهمة. 5
    8- وجواز نظر الإنسان إلى نواحي بيت صاحبه وما فيه، إذا علم أنه لا يكره ذلك، قال الحافظ ابن حجر: وبهذا يجمع بين ما وقع لعمر، وبين ما ورد من النهي عن فضول النظر. أشار إلى ذلك النووي قال الحافظ ابن حجر: ويحتمل أن يكون نظر عمر في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وقع أولاً اتفاقاً، فرأى الشعير والقرظ مثلاً، فاستقله، فرفع رأسه لينظر. هل هناك شيء أنفس منه؟ فلم ير إلا الأهب، فقال ما قال، ويكون النهي محمولاً على من تعمد النظر في ذلك، والتفتيش ابتداء. 5
    9- وفيه كراهية سخط النعمة، واحتقار ما أنعم الله به، ولو كان قليلاً. 60- وفيه طلب الاستغفار من أهل الفضل. 6

    1- وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من إيثار القناعة، وعدم الالتفات إلى ما خص به الغير من أمور الدنيا الفانية. 6

    2- وفيه المعاقبة على إفشاء السر بما يليق بمن أفشاه. 6

    3- أخذ منه بعضهم أن كل لذة أو شهوة قضاها المرء في الدنيا فهي استعجال له من نعيم الآخرة، وأنه لو ترك ذلك لادخر له في الآخرة، وقال آخرون: إن المراد أن حظ الكفار هو ما نالوه من نعيم الدنيا، إذ لا حظ لهم في الآخرة. 6
    4- وفيه تذكير الحالف بيمينه إذا وقع منه ما ظاهره نسيانها، لا سيما ممن له تعلق بذلك، لأن عائشة خشيت أن يكون صلى الله عليه وسلم نسي مقدار ما حلف عليه، وهو شهر، والشهر ثلاثون يوماً، أو تسعة وعشرون يوماً، فلما نزل في تسعة وعشرين ظنت أنه ذهل عن القدر، أو أن الشهر لم يهل. فأعلمها أن الشهر استهل، فإن الذي كان عليه الحلف جاء تسعة وعشرين، وفيه تقوية لقول من قال: إن يمينه صلى الله عليه وسلم اتفق أنها كانت في أول الشهر، ولهذا اقتصر على تسعة وعشرين، وإلا فلو اتفق ذلك في أثناء الشهر فالجمهور على أنه لا يقع البر إلا بثلاثين. وذهبت طائفة إلى الاكتفاء بتسعة وعشرين، أخذاً بأقل ما ينطلق عليه الاسم. قال ابن بطال: يؤخذ منه أن من حلف على فعل شيء يبر بفعل أقل ما ينطلق عليه الاسم. والقصة محمولة عند الشافعي ومالك على أنه دخل أول الهلال، وخرج به، فلو دخل في أثناء الشهر لم يبر إلا بثلاثين. 6
    5- استنبط منه بعضهم إيثار الفقر على الغنى، وخصه الطبري بمن لم يصرف الغنى في وجوهه، ويفرقه في سبله التي أمر الله بوضعه فيها، وأما من فعل ذلك فهو من منازل الامتحان، والصبر على المحن مع الشكر أفضل من الصبر على الضراء وحده. اهـ. قال الحافظ ابن حجر: وهي مسألة اختلف فيها السلف والخلف، وهي طويلة الذيل. والله أعلم

    حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَسْتَأْذِنُنَا إِذَا كَانَ فِي يَوْمِ الْمَرْأَةِ مِنَّا بَعْدَ مَا نَزَلَتْ ‏{‏ تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ‏}‏ فَقَالَتْ لَهَا مُعَاذَةُ فَمَا كُنْتِ تَقُولِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِذَا اسْتَأْذَنَكِ قَالَتْ كُنْتُ أَقُولُ إِنْ كَانَ ذَاكَ إِلَىَّ لَمْ أُوثِرْ أَحَدًا عَلَى نَفْسِي ‏.‏

    A'isha (Allah be pleased with her) reported that Allah's Messenger (ﷺ) sought our permission when he had a (turn to spend) a day with (one of his wives) amongst us (whereas he wanted to visit his other wives too). It was after this that this verse was revealed:" Thou mayest put off whom thou pleasest of them, and take for thee whom thou pleasest" (xxxiii. 5). Mu'adha said to her: What did you say to Allah's Messenger (ﷺ) when he sought your permission? She said: I used to say: If it had the option in this I would not have (allowed anyone) to have precedence over me

    Telah menceritakan kepada kami [Suraij bin Yunus] telah menceritakan kepada kami ['Abbad bin 'Abbad] dari ['Ashim] dari [Mu'adzah Al 'Adawiyyah] dari ['Aisyah] dia berkata; Bahwa Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam biasa meminta izin jika berada di salah satu istrinya setelah turunnya ayat: "Kamu boleh menangguhkan menggauli siapa saja yang kamu kehendaki di antara mereka dan boleh pula menggauli siapa saja yang kamu kehendaki." Maka Mu'adzah bertanya kepadanya; Apa yang kamu katakan kepada Nabi shallallahu 'alaihi wasallam ketika beliau meminta izin kepadamu? Dia menjawab; Jika hari itu hari giliranku, maka saya tidak akan memberikannya untuk yang lain. Dan telah menceritakan kepada kami [Al Hasan bin Isa] telah mengabarkan kepada kami [Ibnu Al Mubarrak] telah mengabarkan kepada kami ['Ashim] dengan isnad seperti ini

    Bize Süreye b. Yûnus rivayet etti. (Dediki): Bize Abbâd b. Abbâd, Âsım'dan, o da Muâzetü'l-Adeviyye'den, o da Âişe'den naklen rivayet etti. Âişe şöyle demiş : «Onlardan dilediğini geri bırakır; İstediğini de yanında barındırırsın.» [Ahzab 51] âyet-i kerîmesi indikten sonra Resûlullah (Sallallahu Aleyhi ve Sellem) birimizin nevbeti günü gelirse ondan izin isterdi. Muâze ona: «Resûlullah (Sallallahu Aleyhi ve Sellem) senden izin istedi­ği vakit ne derdin?» diye sormuş. Âişe (Radiyallahû anha) : — Bu iş bana kaldı ise ben kimseyi kendime tercih edemem, derdim; cevâbını vermiş

    عباد بن عباد نے ہمیں عاصم سے حدیث بیان کی ، انہوں نے معاذ عدویہ سے ، انہوں نے حضرت عائشہ رضی اللہ عنہا سے روایت کی ، انہوں نے کہا : جب ہم میں سے کسی بیوی کی باری کا دن ہوتا تو رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم ( کسی اور بیوی کے ہاں جانے کے لیے ) ہم سے اجازت لیتے تھے ، حالانکہ یہ آیت نازل ہو چکی تھی : " آپ ان میں سے جسے چاہیں ( خود سے ) الگ رکھیں اور جسے چاہیں اپنے پاس جگہ دیں ۔ " تو معاذہ نے ان سے پوچھا : جب رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم آپ سے اجازت لیتے تو آپ ان سے کیا کہتی تھیں؟ انہوں نے جواب دیا : میں کہتی تھی : اگر یہ ( اختیار ) میرے سپرد ہے تو میں اپنے آپ پر کسی کو ترجیح نہیں دیتی

    সুরায়জ ইবনু ইউনুস (রহঃ) ..... মুআযাহ আল আদাবিয়্যাহ্ (রহঃ) এর সূত্রে আয়িশাহ (রাযিঃ) থেকে বর্ণিত। তিনি বলেন, “আপনি তাদের (স্ত্রীদের) মধ্যে যাকে ইচ্ছা দূরে সরিয়ে রাখতে পারেন এবং যাকে ইচ্ছা আপনার নিকট স্থান দিতে পারেন"- (সূরা আহযাব ৩৩ঃ ৫১) আয়াত নাযিল হবার পরে রসূলুল্লাহ সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম তার কোন এক স্ত্রীর পালার দিনে (অন্যদের জন্য) আমাদের কাছে অনুমতি চাইতেন। তখন মুআযাহ্ (রহঃ) তাকে বললেন, রসূলুল্লাহ সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম আপনার নিকট অনুমতি চাইলে আপনি তাকে কী বলতেন? তিনি বললেন, আমি বলতামঃ এ বিষয়টি আমার অধিকারে থাকলে তো কাউকে আমি আমার উপর অগ্রাধিকার দিতাম না। অর্থাৎ অনুমতি প্রার্থনার বিষয়টি অধিকারমূলক ছিল না। বরং তা ছিল নৈতিক ও রসূলুল্লাহ সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম এর সৌজন্যমূলক আচরণ মাত্র। সুতরাং সেখানে অনুমতি না দেয়ার অবকাশ ছিল না। অন্যথায় আমি অনুমতি প্রদানে রায়ী হতাম না। (ইসলামিক ফাউন্ডেশন ৩৫৪৫, ইসলামীক সেন্টার)