• 2101
  • عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ أَرْبَعَةٌ فَيُعْرَضُونَ عَلَى اللَّهِ ، فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمْ ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا فَلَا تُعِدْنِي فِيهَا ، فَيُنْجِيهِ اللَّهُ مِنْهَا "

    حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ ، وَثَابِتٍ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ أَرْبَعَةٌ فَيُعْرَضُونَ عَلَى اللَّهِ ، فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمْ ، فَيَقُولُ : أَيْ رَبِّ ، إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا فَلَا تُعِدْنِي فِيهَا ، فَيُنْجِيهِ اللَّهُ مِنْهَا

    فينجيه: أنجاه : خلصه
    " يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ أَرْبَعَةٌ فَيُعْرَضُونَ عَلَى اللَّهِ ، فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمْ
    حديث رقم: 13085 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ
    حديث رقم: 13182 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ
    حديث رقم: 13784 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ
    حديث رقم: 634 في صحيح ابن حبان كِتَابُ الرَّقَائِقِ بَابُ حُسْنِ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى
    حديث رقم: 1315 في المنتخب من مسند عبد بن حميد المنتخب من مسند عبد بن حميد مُسْنَدُ أَنَسِ بْنِ مَالْكٍ
    حديث رقم: 71 في حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا
    حديث رقم: 3204 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ
    حديث رقم: 3265 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ عَنْ أَنَسٍ
    حديث رقم: 110 في حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا
    حديث رقم: 4100 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ ، عَنْ أَنَسٍ
    حديث رقم: 8771 في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ
    حديث رقم: 344 في مستخرج أبي عوانة كِتَابُ الْإِيمَانِ صِفَةُ أَهْلِ النَّارِ الْمُخَلَّدُونَ فِيهَا وَأَنَّهُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ هَلْ مِنْ
    حديث رقم: 2585 في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حلية الأولياء وطبقات الأصفياء أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ
    حديث رقم: 4960 في مُشكِل الآثار للطحاوي مُشكِل الآثار للطحاوي بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي أَهْلِ النَّارِ ،

    [192] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الْأَزْدِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ وَثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ أَمَّا هَدَّابٌ فَهُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا هُدْبَةُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ فَأَحَدُهُمَا اسْمٌ وَالْآخَرُ لَقَبٌ وَاخْتُلِفَ فِيهِمَا وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ وَأَمَّا أَبُو عِمْرَانَ فَهُوَ الْجُونِيِّ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ وَأَمَّاثَابِتٌ فَهُوَ الْبُنَانِيُّ

    عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يخرج من النار أربعة فيعرضون على الله. فيلتفت أحدهم فيقول: أي رب! إذ أخرجتني منها فلا تعدني فيها. فينجيه الله منها.
    المعنى العام:
    كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أصحابه باليوم الآخر وما يقع فيه من الأهوال، وفي ليلة مقمرة بدرها يسطع في السماء حدثهم صلى الله عليه وسلم عن الحشر، وعن قول الله: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، وقول المسلمين: هذا مكاننا حتى نرى ربنا. حينئذ سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القمر، فقال: إنكم ستعرضون على ربكم، فترونه كما ترون هذا القمر، هل يضر بعضكم بعضا إذا نظرتم إلى القمر ليلة البدر؟ قالوا: لا، يا رسول الله. قال: وهل يزاحم بعضكم بعضا ويؤذيه حين ترون الشمس في وسط السماء ليس دونها سحاب! قالوا: لا، يا رسول الله، قال: فإنكم ترونه بسهولة ويسر ووضوح كما ترون القمر ليلة البدر وكما ترون الشمس ليس دونها سحاب. ثم أخذ يحدثهم عن هذه الرؤية وعن ظروفها ووقتها، فقال: يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد، وفي مكان واحد، في أرض واسعة مستوية، لا يخفى منهم أحد، لو دعاهم داع لسمعوه، ولو نظر إليهم ناظر لأدركهم، يقومون أربعين عاما، شاخصة أبصارهم إلى السماء لا يكلمهم ربهم، والشمس على رءوسهم، حتى يلجم العرق كل بر منهم وفاجر، غير أنه يخفف على المؤمن، فيكون ذلك اليوم أقصر عليه من ساعة من نهار، حتى إذا أذن جل شأنه بالانصراف من هذا الموقف، تطايرت الصحف وتم العرض والميزان، ونادى مناد: من كان يعبد شيئا فليتبعه، أيها الناس: أليس عدلا من ربكم الذي خلقكم وصوركم فأحسن صوركم، ورزقكم وأحسن إليكم ثم توليتم غيره أن يولي كل عبد منكم ما كان قد تولى؟ أيها الناس لتنطلق كل أمة مع ما كانت تعبد، ويتمثل لهم الصنم والشيطان والصليب والشمس والقمر، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت والأصنام الطواغيت والأصنام، ويتبع من كان يعبد الصليب صليبهم، فيساقون هم ومعبوداتهم إلى النار، فلا يبقى في الموقف أحد كان يعبد الأصنام والأنصاب، والأوثان والشمس والقمر والنار والإنسان والحيوان والشيطان والملائكة إلا تساقط في النار، ثم يدعى المنحرفون من اليهود، فيقال لهم: ماذا كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد عزير ابن الله. فيقال لهم: كذبتم في ادعائكم أن لله ولدا، سبحانه لم يتخذ من صاحبة ولا ولد، وضللتم في عبادتكم هذه، ولا نجاة لكم اليوم، فيقولون: يا ربنا عطشنا، فاسقنا، فتبدو جهنم أمامهم كأنها ماء، فيقال لهم: هيا ألا تردون! فيحشرون إلى النار، ثم يدعى المبدلون والمحرفون من النصارى، فيقال لهم: ماذا كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم في ادعائكم أن المسيح ابن الله. ما اتخذ الله من ولد، ولم تكن له صاحبة، فماذا بعد الكفر والضلال؟ فأنى تصرفون؟ فيقولون: يا ربنا عطشنا، فاسقنا، فتبدو لهم جهنم كأنها ماء، فيشار إليها، ويقال لهم: هيا، ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار، فيجدونها يحطم بعضها بعضا، حتى إذا لم يبق من الخلائق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر، أتاهم أمر الله، يقول لهم: ماذا تنتظرون؟ ماذا يحبسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: يا ربنا، فارقنا الناس في الدنيا حفاظا على ديننا منهم، ونحن أحوج ما نكون إليهم، هجرنا الأهل والأوطان فرارا بديننا، وأخرجنا من ديارنا وأموالنا، ونحن أحوج ما نكون إليهم، فكيف نتابعهم اليوم، لقد سمعنا: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، فنحن ننتظر معبودنا، ننتظر ربنا، فيقال لهم: هل تعرفونه؟ فيقولون: إذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله بصورة لم يعهدوها، تقول لهم: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك لست ربنا، ربنا ليس كمثله شيء، فيقال لهم: هل بينكم وبينه علامة! فيقولون: نعم. فيكشف عن الساق، ويتجلى لهم رب العالمين، فيسجد له كل مؤمن، يسجد له كل من كان يعبده بإخلاص، أما المنافقون الذين كانوا يسجدون اتقاء ورياء فإن أصلابهم تتجمد كأصلاب البقر، كلما حاول أحدهم أن يسجد تقليدا للمؤمنين سقط على قفاه ثم يقال للمؤمنين: ارفعوا رءوسكم إلى نوركم بقدر أعمالكم، فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة، ومنهم من يعطى دون ذلك حتى يكون آخرهم من يعطى نوره على إبهام قدمه، ثم يوجهون إلى الصراط، يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم. فيقول لهم المنافقون: أنظرونا وتمهلوا نسير في ركابكم ونقتبس من نوركم، فيقولون لهم تبكيتا وخذلانا: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا، فيرجعون إلى المكان الذي وزع فيه النور، فلا يجدون شيئا، فيحاولون اللحاق بالمؤمنين، فيضرب بينهم بسور له باب فيقذفون في النار. وينصب الصراط على شاطئ جهنم، جسر ممدود، أدق من الشعر وأحد من السيف، على جانبيه كلاليب وخطاطيف ذات أسهم من كل جانب، تشبه شوكة السعدان، التي تلصق بأصواف الغنم، ويقف الأنبياء وقلوبهم وجلة، يتضرعون إلى الله، ويقولون: يا رب سلم. يا رب سلم. وتقف الملائكة ممسكة بالكلاليب المأمورة، وهي تقول: يا رب سلم، يا رب سلم وتقف الأمة الإسلامية، ولسانها يلهج بالدعاء: يا رب سلم. يا رب سلم. ومن حولها سائر الرسل وأتباعهم في انتظار أمر الله. ثم ينادي المنادي: أين محمد وأمته؟ فيقوم صلى الله عليه وسلم وتتبعه أمته، برها وفاجرها، فتفرج الأمم لهم عن الطريق. فيمرون غرا محجلين من أثر الطهور، فتقول الأمم: كادت هذه الأمة أن يكونوا أنبياء، فيأخذون الجسر، فيطمس الله أبصار أعدائه، فيتهافتون من يمين وشمال، وتتخطفهم الكلاليب، ويكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من يجتاز الصراط، وأمته أول الأمم، ويتسع الصراط لبعض المؤمنين، حتى يكون مثل الوادي، وإن بعضهم يمر عليه كطرف العين، وبعضهم كالبرق، وبعضهم كالسحاب، وبعضهم كانقضاض الكوكب، وبعضهم كالريح، وبعضهم كجياد الخيل، وبعضهم كالطير، وبعضهم كجياد الإبل، وبعضهم كأسرع البهائم، وبعضهم يسعى سعيا، وبعضهم يمشي مشيا تجري بهم أعمالهم، حتى يمر الرجل الذي أعطي نوره على إبهام قدمه يحبو على وجهه ويديه ورجليه يتكفأ به الصراط، يتلبط على بطنه، يجر نفسه بيد، ويتعلق بيد، يجر نفسه برجل ويتعلق برجل، وتضرب جوانبه النار، يقول: يا رب لم أبطأت بي؟ فيقول: أبطأ بك عملك، ويظل يحبو، حتى ينجو، فيلتفت إلى النار، ويقول: تبارك الذي نجاني منك. حتى إذا خلص المؤمنون من النار وقعت المقاصة بينهم على قنطرة بين الجنة والنار، حتى إذا انتهوا إلى الجنة تفقدوا إخوانهم فوجدوا العصاة منهم في النار، فرقت لهم أفئدتهم، واشتدت عليهم حسراتهم، فيجأرون إلى الله بالدعاء، ويناشدونه بكل تذلل أن يعفو عن إخوانهم وأن يخرجهم من النار، يقولون: يا ربنا، إخواننا، كانوا يصومون معنا، ويصلون معنا ويحجون معنا، يا ربنا، آباؤنا، وأجدادنا، أعمامنا، أخوالنا، أبناؤنا، أزواجنا اغفر لهم، شفعنا فيهم، فيقول لهم: اذهبوا فأخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان، ويأمر ملائكته بإخراجهم، ثم يعودون فيستشفعون في غيرهم فيشفعون، وهكذا حتى يخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من خير، فيقول الله تعالى: شفع الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا أبدا، قد صاروا فحما، فيلقيهم في نهر في مقدمة الجنة، يسمى نهر الحياة، فيخرجون منه كالنبتة الصغيرة في نضارتها وحسنها، ويقال: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم من مائكم، فيرشون عليهم من ماء الجنة، فيزدادون نضارة وبهاء ثم يؤذون لهم بدخول الجنة. يقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: إني أعلم حال آخر أهل النار خروجا من النار، وآخر أهل الجنة دخولا الجنة، هو رجل يبقى مقبلا بوجهه على النار، فيقول: يا رب، اصرف وجهي عن النار، فقد آذاني ريحها، وأحرقني حرها، يا رب اقبلني واعف عني، يا رب. أقر بذنبي وأعترف بتقصيري، وأرجو واسع رحمتك، ويدعو الله ما شاء أن يدعوه، فيقول الله لملائكته: اعرضوا عليه صغار ذنوبه، وارفعوا عنه كبارها، فتعرض عليه صغار ذنوبه، فيقال: عملت كذا وكذا يوم كذا، وعملت كذا وكذا يوم كذا. فيقول: نعم يا رب، وهو مشفق من كبار ذنوبه، خائف أن تعرض عليه ويؤخذ بها، فيقول: يا رب، قد عملت أشياء لا أراها ههنا؟ فيضحك رب العزة ويرضى عن عبده العاصي، ويقول له: لعلك إن صرفت وجهك عن النار أن تسألني غير ذلك؟ فيقول: لا، لا أسألك غيره، ويقسم ويعطي ربه من العهود والمواثيق ما شاء الله، فيصرف وجهه عن النار، فيقول لها: تبارك الذي نجاني منك لقد أعطاني الله من الفضل والرحمة ما لم يعط أحدا من الأولين، والآخرين، ويسكت ما شاء الله أن يسكت، ثم ترفع له شجرة ذات ظل ظليل، فيقول: يا رب. أدنني من هذه الشجرة، لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فقد آذاني الحر والعطش، فيقول له ربه: يا ابن آدم. لعلي إن أعطيتك ما تطلب أن تسألني غيره؟ فيقول: لا يا رب لا أسألك غيره، ويعطي ربه من العهود والمواثيق ما شاء الله، وربه يقبل عذره، لأنه يرى شيئا لا يستطيع الصبر عليه، فيدنيه من الشجرة فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ويسكت ما شاء الله أن يسكت، ثم ترفع له شجرة أحسن من الأولى، فيقول مقالته السابقة وربه يعذره فيدنيه منها، ثم ترفع له شجرة ثالثة عند باب الجنة هي أحسن من الأوليين، فيقول مقالته السابقة، فيقول له ربه: ويلك يا ابن آدم ما أغدرك، ألم تعطني عهودك ومواثيقك ألا تسأل غيره؟ فيقول: لا أسألك غيره يا رب. ويعطي ربه من العهود والمواثيق ما شاء الله، فيدنيه منها، فيسمع أصوات أهل الجنة، أصواتا كالمزامير، فيتسمع ويتطلع فتنفتح أمامه أبواب الجنة فيرى ما فيها من نعيم وسرور وحبور، فيقول: يا رب أدخلني الجنة، فيقول له: يا ابن أدم: ما يقطع مسألتك مني؟ أين عهودك ومواثيقك ألا تسأل؟ فيقول: كرمك أوسع من مسألتي، وفضلك لا ينقصه عطائي، فيقول له: اذهب فادخل الجنة، فيدخلها، فيخيل إليه أنها ملأى، وأن الناس قد أخذوا منازلهم فيها، فيرجع، فيقول: يا رب، وجدتها ملأى، فيقول الله تبارك وتعالى له: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملأى. فيرجع، فيقول: يا رب، وجدتها ملأى فيقول الله تبارك وتعالى له: اذهب فادخل الجنة، فإذا دخلها قال الله له: تمنه اطلب تعط، فيتمنى قصورا وحدائق، وطعاما وشرابا وفرشا وأرائك، فإذا ما طلب ما يشتهي ذكره ربه بأشياء لم يذكرها، يقول له: اطلب كذا وكذا وكذا، مما لا يخطر على قلب بشر، حتى إذا ما انقضت به الأماني قال الله له: ذلك لك وعشرة أمثاله معه، فيقول: يا رب، لا أستحق شيئا من ذلك، لا تكاد عيني تصدق ما ترى، ولا تكاد أذني تصدق ما أسمع، أكاد أغيب عن صوابي، فيضحك رب العزة ويقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر، فيدخل بيته، فتدخل عليه زوجتاه من الحور العين، فتحتضنانه وتقبلانه وتقولان له: الحمد لله الذي أحياك لنا، وأحيانا لك، فيعيش في سعادة دائمة، وسرور خالد، وهو يقول في نفسه: ما أعطي أحد مثل ما أعطيت. ذلك أدنى أهل الجنة منزلة يوم القيامة، أما أعلاهم منزلة فأولئك الذين اختارهم ربهم واصطفاهم، لهم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} [السجدة: 17] فاللهم اجعلنا من أهل الجنة، الناجين من النار، ويسر لنا الموقف العظيم، واهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين. آمين، آمين. آمين. رب العالمين. المباحث العربية (عن أبي هريرة أن ناسا قالوا) في الرواية الرابعة، عن أبي سعيد قلنا يا رسول الله وفي رواية للبخاري قال أناس: يا رسول الله وفي رواية إن الناس قالوا يا رسول الله فلم يعين السائل ولعله أبو سعيد، وإسناد القول إلى الجماعة مع أن السائل واحد بتنزيل رضاهم عنه وحرصهم عليه منزلة النطق به. (هل نرى ربنا يوم القيامة؟) في التقييد بيوم القيامة إشارة إلى أن السؤال لم يقع عن الرؤية في الدنيا، وإنما عن الرؤية في الآخرة، وهي محل البحث. (هل تضارون) روي بتشديد الراء وضم التاء بصيغة المفاعلة، من الضر، وأصله تضاررون ومعناها: هل تضرون غيركم، أو يضركم أحد في حالة الرؤية، بزحمة أو مخالفة في الرؤية أو غيرها لخفائه؟ والاستفهام إنكاري بمعنى النفي، أي لا يحصل ذلك، كما لا يحصل عند رؤيتكم القمر ليلة البدر. أو تقريري، فلما أقروا، وقالوا: لا، قال: فإنكم ترونه كذلك . وروي بتشديد الراء أيضا، لكن مع فتح التاء، وأصله تتضارون فحذفت إحدى التاءين تخفيفا، والمعنى لا يضر بعضكم بعضا بمنازعة ولا مجادلة ولا مضايقة، وروي بتخفيف الراء وضم التاء من الضير يقال: ضاره يضيره، وهو لغة في الضر، والمعنى: هل يلحقكم في رؤيته ضير؟ أي لا يخالف بعضكم بعضا فيكذبه وينازعه، فيضيره بذلك. وروي هل تضامون بتشديد الميم وتخفيفها، فمن شددها فتح التاء فهو بحذف إحدى التاءين، من الضم، والمعنى: هل تضامون في رؤيته، يريد لا تجتمعون لرؤيته في جهة، ولا ينضم بعضكم إلى بعض. ومن خفف الميم ضم التاء، من الضيم. وهو الغلبة على الحق. والاستبداد به، والمعنى: هل يلحقكم ضيم ومشقة وتعب؟ . وروي هل تمارون بضم التاء وفتحها، مع تخفيف الراء، من المرية وهي الشك، أو من المراء وهي المجادلة، والمعنى: لا يشتبه عليكم ولا تشكون، فيعارض بعضكم بعضا. (في الشمس ليس دونها سحاب) في الكلام مضاف محذوف، أي في رؤية الشمس، وجملة ليس دونها سحاب في محل النصب على الحال. (فإنكم ترونه كذلك) معناه تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح وزوال الشك، ورفع المشقة والاختلاف، قال ابن الأثير: قد يتخيل بعض الناس أن الكاف كاف التشبيه للمرئي، وهو غلط، وإنما هي كاف التشبيه للرؤية التي هي فعل الرائي، والمعنى أنها رؤية مزاح عنها الشك مثل رؤيتكم القمر. اهـ. (يجمع الله الناس يوم القيامة) في رواية يحشر ، وفي رواية يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد والمراد جمعهم وحشرهم بعد بعثهم من القبور للموقف العظيم. (من كان يعبد شيئا فليتبعه) بتشديد التاء المفتوحة، وفي رواية ألا ليتبع كل إنسان ما كان يعبد وفي رواية ألا لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت جمع طاغوت، وهو الشيطان أو الصنم. وقال جماهير أهل اللغة: الطاغوت كل ما عبد من دون الله تعالى. قال الواحدي: الطاغوت يكون واحدا، وجمعا، ومؤنثا، ومذكرا، ففي الواحد قال الله تعالى: {يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به} [النساء: 60]، وفي الجمع قال تعالى: {والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات} [البقرة: 257] وفي المؤنث قال تعالى: {والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها} [الزمر: 17] قال النحويون: وزنه فعلوت. والتاء زائدة وهو مشتق من طغى. (ويضرب الصراط بين ظهري جهنم) بفتح الظاء وسكون الهاء، والمعنى: يمد الصراط عليها، وفي رواية ويضرب جسر جهنم . (فأكون أنا وأمتي أول من يجيز) بضم الياء وكسر الجيم، ومعناه أول من يمضي عليه ويقطعه، يقال: أجزت الوادي وجزته، لغتان بمعنى واحد، وقال الأصمعي: أجزته قطعته، وجزته مشيت فيه، وفي رواية أول من يجيزها والضمير لجهنم. (وفي جهنم كلاليب) جمع كلوب بفتح الكاف وضم اللام المشددة وهو حديدة معطوفة الرأس، يعلق فيها اللحم، ويقال لها أيضا كلاب بفتح الكاف وتشديد اللام. وفي رواية وبه كلاليب والضمير للصراط، وفي رواية وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة تأخذ من أمرت به وفي رواية وعليه كلاليب النار . (مثل شوك السعدان) بفتح السين وسكون العين، بلفظ التثنية، ويعرب بالحركات على النون، والسعدان جمع سعدانة، وهو نبات ذو شوك شوكته من جميع الجوانب، ونباته يضرب به المثل في طيب مرعاه، قالوا: مرعى ولا كالسعدان. (هل رأيتم السعدان؟) الاستفهام للتقرير، لاستحضار الصورة المذكورة، وفي رواية أما رأيتم شوك السعدان؟. (فإنها مثل شوك السعدان) تشبيه الكلاليب بشوك السعدان خاص بسرعة اختطافها وكثرة الانتشاب فيها، تمثيلا لهم بما عرفوه في الدنيا، وألفوه بالمباشرة. (غير أنه لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله) ما قدر عظمها ما استفهام مبتدأ وقدر عظمها خبر، والاستفهام علق يعلم عن العمل في اللفظ فجملته سدت مسد مفعولي يعلم والفاعل لفظ الجلالة، والتقدير لا يعلم إلا الله قدر عظمها، وهذه الجملة استدراك على تشبيه الكلاليب بشوك السعدان، للإشارة إلى أن التشبيه لم يقع في مقدارهما. (تخطف الناس بأعمالهم) تخطف بكسر الطاء وفتحها، وفي الفصيح قال ثعلب: خطف بالكسر في الماضي وبالفتح في المضارع، وحكى القزاز عكسه، والمعنى: تخطفهم بأعمالهم، فالباء للسببية، أو تخطفهم على قدر أعمالهم فالباء للمقابلة. (فمنهم المؤمن بقي بعمله) روي على أوجه: أحدها: المؤمن من الإيمان وبقي بالباء المفتوحة والقاف المكسورة، أي بقي لم يخطف بسبب عمله. ثانيها: المؤمن يقي بعمله يقي بالياء المفتوحة والقاف المكسورة من الوقاية، أي يقي نفسه بعمله، أي يقيه عمله ويستره من النار. ثالثا: الموثق بعمله بالثاء، من الوثاق، وهو القيد. رابعها: الموبق بعمله بالباء الموحدة، أي الهالك بعمله. خامسها: الموبق يعني بعمله يعني بفتح الياء، بعدها عين ساكنة بعدها نون مكسورة، قال القاضي: هذا أصحها. وقال الحافظ ابن حجر: هو تصحيف. وعلى أنه صحيح يكون لفظ يعني للتفسير والتوضيح. والله أعلم. (ومنهم المجازى حتى ينجي) قال النووي: ضبطناه بالجيم والزاي من المجازاة. اهـ. ورواه بعضهم المخردل بالميم المضمومة، والخاء والراء، والدال المفتوحة، بعدها لام، وفي رواية ومنهم من يخردل بالبناء للمجهول، أي إن كلاليب النار تقطعه فيهوى في النار، وقيل معناه، تقطع أعضاؤه كالخردل، وقيل معناه: تقطعهم عن لحوقهم بمن نجا، وقيل: المخردل المصروع، ورجحه ابن التين. ورواه بعضهم المجردل بالجيم بدل الخاء، والجردلة الإشراف على الهلاك. (حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد) قال الزين بن المنير: الفراغ إذا أضيف إلى الله معناه القضاء وحلوله بالمقضى عليه، وقال ابن أبي جمرة: معناه وصل الوقت الذي سبق في علمه أن يرحمهم. (فيخرجون من النار وقد امتحشوا) يخرجون بالبناء للمجهول ، امتحشوا بفتح التاء والحاء، أي احترقوا، وزنا ومعنى، والمحش احتراق الجلد وظهور العظم، وقال القاضي عياض: ضبطناه عن بعض شيوخنا بضم التاء وكسر الحاء، بالبناء للمجهول، ويبعده أنه لم يعرف في اللغة امتحشه متعديا. (فيصب عليهم ماء الحياة) في الرواية الثالثة فيلقيهم في نهر، في أفواه الجنة، يقال له نهر الحياة وفي تسمية الماء والنهر بالحياة إشارة إلى أنهم لا يحصل لهم الفناء بعد ذلك. (فينبتون منه كما تنبت الحبة في حميل السيل) الحبة بكسر الحاء وتشديد الباء، بذر البقول والعشب تنبت في البراري وجوانب السيول وجمعها حبب، بكسر الحاء وفتح الباء، وأما الحبة بفتح الحاء فهي ما يزرعه الناس، وجمعها حبوب وحميل السيل بفتح الحاء وكسر الميم، هو ما جاء به السيل من طين أو غثاء، وفي الرواية الخامسة كما تنبت الحبة إلى جانب السيل وفي رواية كما تنبت الغثاءة بضم الغين بعدها ثاء وهي في الأصل كل ما حمله السيل، من عيدان وورق وغيرها، والمراد به هنا ما حمله من البذور خاصة. وفي رواية إلى جانب السيل والمراد أن الغثاء الذي يجيء به السيل يكون فيه الحبة، فيقع في جانب الوادي فتصبح من يومها نابتة، وفي رواية في حمئة السيل بعد الميم همزة وقد تشبع كسرة الميم، فيصير بوزن عظيمة، وهو ما تغير لونه من الطين، وخص بالذكر لأنه يقع فيه النبت غالبا. قال ابن أبي جمرة: في هذا التشبيه إشارة إلى سرعة نباتهم لأن الحبة أسرع في النبات من غيرها، وفي السيل أسرع، لما يجتمع فيه من الطين الرخو الحادث مع الماء، مع ما خالطه من حرارة الزبل المجذوب معه. اهـ. وقال النووي: المراد التشبيه في سرعة النبات وحسنه وطراوته. اهـ. (فإنه قد قشبني ريحها) بفتح القاف والشين المخففة، وحكي تشديدها، ومعناه: سمني وآذاني وأهلكني، يقال: قشبه الدخان إذا ملأ خياشيمه وأخذ بكظمه، وأصل القشب خلط السم بالطعام، يقال: قشبه إذا سمه، ثم استعمل فيما إذا بلغ الدخان والرائحة منه غايته. (وأحرقني ذكاؤها) بفتح الذال، وبالمد، ومعناه لهيبها واشتعالها وشدة وهجها، وفي رواية ذكاها بالقصر، وهو الأشهر في اللغة حتى قال بعضهم: إن الذكاء بالمد لم يأت في النار، وإنما جاء في الفهم والفطنة. (هل عسيت إن أعطيتك ذلك أن تسأل غيره) عسيت بفتح السين وكسرها لغتان، والتاء للخطاب، وأن تسأل خبر عسى وجواب الشرط محذوف دلت عليه الجملة، أي إن أعطيتك يتوقع منك السؤال، والمعنى: هل يتوقع منك سؤال شيء غير ذلك، والاستفهام تقريري، لأن ذلك عادة بني آدم، والترجي راجع للمخاطب، لا إلى الرب، وهو من باب إرخاء العنان إلى الخصم ليبعثه ذلك على التفكر في أمره والإنصاف من نفسه. (حتى إذا قام على باب الجنة انفهقت له الجنة) بفتح الفاء والهاء والقاف معناه انفتحت. (فرأى ما فيها من الخير) رواه بعض الرواة من الحبر بالحاء المفتوحة والباء الساكنة بدل الخاء والياء، ومعناه السرور، وفي رواية فإذا بلغ بابها ورأى زهرتها وما فيها من النضرة. (ويلك يا ابن آدم) وفي رواية ويحك عبارة للزجر والتأنيب. (أي رب، لا أكون أشقى خلقك) المراد من الخلق هنا من دخل الجنة فهو لفظ عام، وأريد به خاص، ومراده: أنه يصير إذا استمر خارجا عن الجنة [وهم من داخلها] أشقاهم، وقيل: الخلق على عمومه، لأن الذي يشاهد ما يشاهده، ولا يصل إليه يصير أشد حسرة ممن لا يشاهد، وهو قول بعيد، وفي رواية لأكونن ومعناه: لئن أبقيتني على هذه الحالة ولم تدخلني الجنة لأكونن أشقى خلقك، الذين هم ليسوا من أهل النار. (فلا يزال يدعو حتى يضحك الله تعالى منه) نسبة الضحك إلى الله مجاز بمعنى رضاه بفعل عبده، ومحبته إياه، وإظهار نعمته عليه. ذكره النووي. (تمنه) تمن فعل أمر، أي سل ما تتمناه، والهاء للسكت، وقد جاء في الرواية الثانية بدون هاء السكت. (ويتمنى حتى إن الله ليذكره من كذا وكذا) أي فيسأل ويتمنى حتى إن الله يلقنه ما لا علم له به. فيقول: تمن من كذا، فيتمنى. الرواية الثالثة (ما تضارون في رؤية الله يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما) معناه لا تضارون أصلا، كما لا تضارون في رؤيتهما أصلا. (وغبر أهل الكتاب) بضم الغين وفتح الباء المشددة، معناه بقاياهم، جمع غابر، وفي رواية وغبرات أهل الكتاب بضم الغين وتشديد الباء المفتوحة، جمع غبر، وغبر جمع غابر، فهي جمع الجمع. (فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا) السراب هو الذي يتراءى للناس في الأرض القفر والقاع المستوي وسط النهار في الحر الشديد لامعا، مثل الماء، يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، فالكفار يأتون جهنم- وهم عطاش- فيحسبونها ماء، فيتساقطون فيها، فإذا هي يحطم بعضها بعضا لشدة اتقادها، وتلاطم الأمواج فيها، والحطم الكسر والإهلاك، والحطمة اسم من أسماء النار، لكونها تحطم ما يلقى فيها. (أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها) معنى رأوه فيها علموها له وهي صفته المعلومة للمؤمنين، وهي أنه لا يشبهه شيء. ونسبة الإتيان إلى الله عبارة عن رؤيتهم إياه، لأن العادة أن كل من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته إلا بالمجيء إليه، فعبر عن الرؤية بالإتيان مجازا. وقيل: الإتيان فعل من أفعال الله تعالى، يجب الإيمان به، مع تنزيهه سبحانه وتعالى عن صفات الحوادث، وقيل: فيه حذف، تقديره: يأتيهم بعض ملائكة الله، ورجحه القاضي عياض. (قال: فما تنتظرون؟) وفي رواية: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟ (فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم) مقصودهم التضرع إلى الله في كشف هذه الشدة عنهم، وأنهم لزموا طاعته تعالى، وفارقوا في الدنيا أقاربهم الضالين، ممن كانوا يحتاجون في معايشهم إلى معاشرتهم كما جرى للصحابة المهاجرين الذين آثروا رضا الله تعالى. (حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب) عن الصواب، ويرجع عنه للامتحان الشديد الذي جرى، وهو في الأصول بإثبات أن وإثباتها مع كاد لغة، كما أن حذفها مع عسى لغة. (فيكشف عن ساق) قال النووي: ضبط يكشف بفتح الياء وضمها وهما صحيحان، وفسر ابن عباس وجمهور أهل اللغة وغريب الحديث الساق هنا بالشدة أي يكشف عن شدة وأمر مهول، وهذا مثل تضربه العرب لشدة الأمر، فيقولون: قامت الحرب على ساق، وأصله أن الإنسان إذا وقع في أمر شديد شمر ساعده، وكشف عن ساقه للاهتمام به، وقيل: المراد بالساق هنا نور عظيم، وقيل: قد يكون الساق مخلوقا جعله الله علامة للمؤمنين، خارجة عن السوق المعتادة، وقيل: معناه كشف الخوف وإزالة الرعب عنهم، فتطمئن حينئذ نفوسهم، ويتجلى سبحانه وتعالى لهم، فيخرون سجدا. (ثم يرفعون رءوسهم وقد تحول في صورته) قال النووي: هكذا ضبطناه صورته بالهاء في آخرها، ووقع في كثير من الأصول في صورة بغير هاء، ومعناه: وقد أزال المانع لهم من رؤيته، وتجلى لهم. (ثم يضرب الجسر على جهنم) الجسر بفتح الجيم وكسرها، لغتان مشهورتان، وهو الصراط. (وتحل الشفاعة) بكسر الحاء، وقيل: بضمها، أي تقع ويؤذن فيها. (وما الجسر؟ قال: دحض مزلة) دحض بدال مفتوحة وحاء ساكنة، ومزلة بفتح الميم، وفي الزاي الفتح والكسر، والدحض والمزلة بمعنى واحد، وهو الموضع الذي تزل فيه الأقدام ولا تستقر، ومنه {حجتهم داحضة عند ربهم} [الشورى: 16] أي مائلة، لا ثبات لها. (فيه خطاطيف وكلاليب وحسك) الخطاطيف جمع خطاف بضم الخاء في المفرد والحسك بفتح الحاء والسين نبات له ثمر خشن يتعلق بأصواف الغنم ويتخذ مثله من الحديد آلة حرب. (وكأجاويد الخيل والركاب) من إضافة الصفة للموصوف، والأصل وكالخيل الأجاويد. يقال: فرس جواد، أي بين الجودة رائع، والركاب معطوف على الخيل، أي وأجاويد الركاب، والركاب ككتاب الإبل، واحدتها راحلة. (فناج مسلم) مبتدأ محذوف الخبر، أي فمنهم ناج سالم، أو خبر مبتدأ محذوف أي فهم ناج مسلم، ومسلم بفتح السين وتشديد اللام المفتوحة. (ومخدوش مرسل) أصابه خدش وإصابات ثم أرسل وخلص، وفي البخاري وناج مخدوش . (ومكدوس في نار جهنم) بالسين. يقال: تكدست الدواب في سيرها إذا ركب بعضها بعضا، ورواه بعضهم بالشين مكدوش وهو أنسب. يقال: كدشه يكدشه إذا ساقه ودفعه دفعا عنيفا. فهو كقوله: {يوم يدعون إلى نار جهنم دعا} [الطور: 13]. (حتى إذا خلص المؤمنون من النار، فوالذي بيده نفسي ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار) لفظة في استقصاء الحق ضبطت على: أربعة أوجه. 1 - استيضاء. 2 - استضاء بحذف الياء، يقال: استضاء الأمر إذا طلب وضوحه وبيانه، والمعنى على الوجهين: إنكم إذا عرض لكم في الدنيا أمر مهم والتبس الحال فيه، وسألتم الله تعالى بيانه، وناشدتموه نحوه في استيضائه وبالغتم في هذه المناشدة، لا تكون مناشدة أحدكم أشد من مناشدة المؤمنين لله تعالى، يشفعون لإخوانهم. 3 - استيفاء بالفاء بدل الضاد. 4 - استقصاء. والمعنى على هذين الوجهين: ما منكم من أحد يناشد الله تعالى في الدنيا في استيفاء حقه أو استقصائه من خصمه المعتدى عليه، بأشد من مناشدة المؤمنين لله تعالى، يشفعون لإخوانهم. والقسم وجوابه جواب إذا والتقدير: إذا خلص المؤمنون كانوا في مناشدتهم الله لإخوانهم أشد منكم في مناشدتكم حقوقكم. (ربنا لم نذر فيها خيرا) أي صاحب خير. (فيخرج قوما، قد عادوا حمما) معنى عادوا صاروا، وليس بلازم في عاد أن يصير إلى حالة كان عليها قبل ذلك، بل معناه هنا صاروا، والحمم بضم الحاء وفتح الميم الأولى المخففة: الفحم، والواحدة حممة. (فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة) في النهر فتح الهاء وسكونها، لغتان، والفتح أجود، وبه جاء القرآن، قال تعالى: {فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر} [البقرة: 249] والأفواه هنا جمع فوهة بضم الفاء وتشديد الواو المفتوحة، وهو جمع سمع من العرب على غير قياس، ففي القاموس: والفوهة كقبرة من السكة والطريق فمه، وأول الشيء، والجمع فوهات بضم الفاء وتشديد الواو المفتوحة، كأن المراد من الحديث مفتتح من مسالك قصور الجنة ومنازلها. (ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر؟) أي ألا ترونها تكون بيضاء مائلة إلى لون الحجر، أو صفراء وخضراء مائلة إلى لون الشجر؟ (ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض) يكون الأولى والثانية تامة، ليس لها خبر، وأصيفر وأخيضر مرفوعان خبر ما وأما يكون الثالثة فناقصة، وأبيض خبرها، أي ما يوجد ويقع جهة الشمس أصيفر وأخيضر، وما يوجد ويقع جهة الظل يكون أبيض، هذا في حبة السيل، أما ما يخص أهل الآخرة ففيه إشارة إلى أن من يكون منهم إلى الجهة التي تلي الجنة يسبق إليه البياض المستحسن، وما يكون منهم إلى جهة النار يتأخر النصوع عنه، فيبقى أصيفر وأخيضر إلى أن يتلاحق البياض، ويستوي الحسن والنور، ونضارة النعمة عليهم، ويحتمل أن يكون إشارة إلى أن الذين يرش عليهم الماء أولا يسرع إليهم النصوع، وأن الذين يتأخر عنهم الرش يتأخر نصوعهم، لكنهم يلحقون. والله أعلم. (فيخرجون كاللؤلؤ) في التلألؤ والصفاء، وفي اللؤلؤ أربع قراءات في السبع، بهمزتين وبحذفهما وبإثباتها في الأول وبإثباتها في الآخر. (في رقابهم الخواتم) جمع خاتم، بفتح التاء وكسرها، والمراد بها هنا أشياء من ذهب أو غير ذلك. (يعرفهم أهل الجنة. هؤلاء عتقاء الله) أي يقولون: هؤلاء عتقاء الله، وفي رواية يقول لهم أهل الجنة: هؤلاء الجهنميون، فيقول الله: هؤلاء عتقاء الله. وليست هذه التسمية تنقيصا لهم، بل للاستذكار لنعمة الله ليزدادوا بذلك شكرا. الرواية السادسة (أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون) أي أهل النار المستحقون للخلود لا يموتون فيها، ولا يحيون حياة ينتفعون بها، ويستريحون معها، كما قال تعالى: {لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها} [فاطر: 36] وكما قال: {ثم لا يموت فيها ولا يحيا} [الأعلى: 13]. (ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم، فأماتهم إماتة) حقيقية يذهب معها الإحساس، ويكون عذابهم على قدر ذنوبهم، ثم يميتهم، ثم يكونون محبوسين في النار من غير إحساس المدة التي قدرها الله، ثم يخرجون من النار موتى، قد صاروا فحما. (فجيء بهم ضبائر ضبائر) كذا هو في الروايات مكرر مرتين، وهو منصوب على الحال. والضبائر: الجماعات في تفرقة، جمع ضبارة بفتح الضاد وكسرها، والكسر أشهر، وروي ضبارات، ضبارات. الرواية الثامنة (رجل يخرج من النار حبوا) وفي الرواية الثامنة يخرج منها زحفا قال أهل اللغة: الحبو المشي على اليدين والرجلين، وربما قالوا: على اليدين والركبتين، وربما قالوا: على يديه ومقعدته، وأما الزحف فقال بعضهم: هو المشي على الإست مع إفراشه بصدره، فالحبو والزحف متماثلان أو متقاربان ولو ثبت اختلافهما حمل على أنه في حال يحبو، وفي حال يزحف. (أتسخر بي -أو أتضحك بي- وأنت الملك) هذا شك من الراوي، فإن كان اللفظ الواقع في نفس الأمر أتضحك بي فمعناه: أتسخر بي، لأن الساخر في العادة يضحك ممن يسخر به، فوضع الضحك موضع السخرية مجازا، وأما معنى أتسخر بي هنا وفيما جاء في الرواية الأخرى أتسخر مني ففيه أقوال: أحدها: أنه خرج على المقابلة الموجودة في معنى الحديث دون لفظه، لأنه عاهد الله مرارا ثم غدر، فحل غدره محل الاستهزاء والسخرية، فقدر الرجل أن قول الله تعالى له: ادخل الجنة، وتردده إليها، وتخييل كونها مملوءة ضرب من الإطماع له، والسخرية به، جزاء لما تقدم من غدره، وعقوبة له فسمي الجزاء على السخرية سخرية. فقال: أتسخر بي؟ أي أتعاقبني بالإطماع؟ الثاني: أن معناه نفي السخرية التي لا تجوز على الله تعالى، كأنه قال: أعلم أنك لا تهزأ بي لأنك رب العالمين، والهمزة في أتسخر بي همزة نفي. وهذا كلام منبسط متدلل. الثالث: أن يكون هذا الكلام صدر من هذا الرجل وهو غير ضابط لما قاله، لما ناله من السرور ببلوغ ما لم يخطر بباله، فلم يضبط لسانه دهشا وفرحا، فقاله وهو لا يعتقد حقيقة معناه، وجرى على عادته في الدنيا في مخاطبة المخلوق. (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه) بالجيم والذال، والمراد بالنواجذ هنا الأنياب، وقيل: المراد هنا الضواحك، وقيل: المراد بها الأضراس، وهذا هو الأشهر في إطلاق النواجذ في اللغة. (فكان يقال: ذلك أدنى أهل الجنة منزلة) قال الكرماني: ليس هذا من تتمة كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هو من كلام الراوي، نقلا عن الصحابة، أو عن غيرهم من أهل العلم وحققه الحافظ ابن حجر، فقال: قائل فكان يقال هو الراوي وأما قائل ذلك أدنى أهل الجنة منزلة فهو النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ. وروايتنا العاشرة صريحة في ذلك، ففيها إن أدنى أهل الجنة منزلة رجل... الحديث . الرواية التاسعة (فهو يمشي مرة ويكبو أخرى، وتسفعه النار مرة) يكبو أي يسقط على وجهه، وتسفعه النار بفتح التاء وسكون السين وفتح الفاء، معناه: تضرب وجهه وتسوده وتؤثر فيه أثرا. (وربه يعذره) بفتح الياء وسكون العين وكسر الذال، يقال: عذره يعذره، أي يقبل عذره. (لأنه يرى ما لا صبر له عليه) كذا هو في الأصول، في المرتين الأوليين، وأما الثالثة فوقع في أكثر الأصول ما لا صبر له عليها أي نعمة لا صبر له عليها، أي عنها. (فإذا أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنة) التقدير: فإذا أدناه منها بلغ به الرضا والسرور مبلغا كبيرا، فيسمع أصوات أهل الجنة، فيقول... إلخ. (يا ابن آدم. ما يصريني منك؟) بفتح الياء وإسكان الصاد، أي ما يقطع مسألتك مني؟ والصري القطع، وفي غير مسلم ما يصريك مني وكلاهما صحيح، فإن السائل متى انقطع من المسئول انقطع المسئول منه، والمعنى: أي شيء يرضيك؟ ويقطع السؤال بيني وبينك؟. الرواية العاشرة (فتدخل عليه زوجتاه) قال النووي: هكذا ثبت في الروايات والأصول زوجتاه بالتاء، تثنية زوجة، بالهاء، وهي لغة صحيحة معروفة، وفيها أبيات كثيرة من شعر العرب. اهـ. (فتقولان) هو بالتاء المثناة من فوق، ويخطئ فيه البعض، فيقوله بالياء، وذلك لحن لا شك فيه، قال الله تعالى: {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا} [آل عمران: 122] وقال: {ووجد من دونهم امرأتين تذودان} [القصص: 23] وقال: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا} [فاطر: 41] وقال: {فيهما عينان تجريان} [الرحمن: 50] ذكره النووي. (الحمد لله الذي أحياك لنا وأحيانا لك) معناه: الذي خلقك لنا، وخلقنا لك، وجمع بيننا في هذه الدار الدائمة السرور. الرواية الحادية عشرة (ما أدنى أهل الجنة منزلة؟) كذا هو في الأصول ما أدنى وكان الظاهر أن يقول: من أدنى، ولكن لما كان السؤال عن الصفة عبر بـ ما والمعنى: ما صفته، أو ما علامة أدنى أهل الجنة؟. (كيف وقد نزل الناس منازلهم؟ وأخذوا أخذاتهم) بفتح الهمزة والخاء، وهو ما أخذوه من كرامة مولاهم، وحصلوه، أو يكون معناه: قصدوا منازلهم. ذكره القاضي عياض. (أولئك الذين أردت) بتاء المتكلم، ومعناه: اخترت واصطفيت. (غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها) أي اصطفيتهم وتوليتهم فلا يتطرق إلى كرامتهم تغيير. (ومصداقه) بكسر الميم، معناه: دليله وما يصدقه. الرواية الرابعة عشرة (سئل عن الورود) أي عن ورود الأمم النار، وفيه يقول الله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} [مريم: 71] باعتبار أن الكل سيمر بالصراط المضروب عليها، وإن لم يدخلها. (نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا. انظر. أي ذلك فوق الناس) هكذا وقع اللفظ في جميع الأصول من صحيح مسلم، واتفق المتقدمون والمتأخرون على أنه تصحيف وخطأ. ولعل أصلها نجيء نحن يوم القيامة على تل أو كوم فوق الناس، فلما خفي الحرف على الناسخ أو أمحى، عبر عنه هكذا وكذا، ثم فسره بقوله: أي فوق الناس، وكتب عليه انظر تنبيها على أن الكلام في حاجة إلى المراجعة، فجمع الناقلون الكل، ونسقوه على أنه من متن الحديث، كذا قال القاضي عياض: وتابعه عليه جماعة من المتأخرين. والله أعلم. (فيتجلى لهم يضحك) التجلي الظهور وإزالة المانع من الرؤية، ومعنى يتجلى لهم يضحك أي يظهر وهو راض عنهم. (ثم يطفأ نور المنافقين) روي بفتح الياء، وضمها، وهما صحيحان، يقال: طفئ النور يطفأ، من باب سمع، فنور المنافقين فاعل على رواية فتح الياء، ويقال: أطفأ النور يطفئ، ويبنى للمجهول يطفأ فنور المنافقين نائب فاعل. (فتنجو أول زمرة) الزمرة الجماعة. (حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل) في كثير من الأصول نبات الشيء وهو بمعنى الروايات السابقة، وعن بعض رواة مسلم نبات الدمن بكسر الدال وإسكان الميم، وهو البعر، والتقدير: نبات ذي الدمن في السيل، أي كما ينبت الشيء الحاصل في البعر والغثاء الموجود في أطراف النهر، والمراد التشبيه به في السرعة والنضارة. قاله النووي. (ويذهب حراقه) بضم الحاء وتخفيف الراء، والضمير يعود على المخرج من النار، ومعنى حراقه أثر النار. الرواية الخامسة عشرة (إن قوما يخرجون من النار، يحترقون فيها، إلا دارات وجوههم) جمع دارة وهي ما يحيط بالوجه من جوانبه، ومعناه: أن النار لا تأكل دارة الوجه، لكونها محل السجود. (حتى يدخلون الجنة) هكذا هو في الأصول (حتى يدخلون) بالنون، وهو صحيح على اعتبار استحضار الصورة المستقبلة، لأن شرط رفع الفعل بعد حتى أن يكون حالا حقيقة أو تقديرا. الرواية السادسة عشرة (كنت قد شغفني) بالغين، أي لصق بشغاف قلبي، وهو غلافه، أو حجابه، أو سويداؤه، وروي (شعفني) بالعين، وفي القاموس: الشعفة من القلب رأسه عند معلق النياط، ومنه شعفني حبه، أي غشى الحب القلب من فوق، وقرئ بهما {قد شغفها حبا} [يوسف: 30]. (رأى من رأى الخوارج) وهو أن أصحاب الكبائر يخلدون في النار ولا يخرج منها من دخلها. (فخرجنا في عصابة) هي من الرجال ما بين العشرة إلى الأربعين، فالمراد في جماعة كبيرة. (ثم نخرج على الناس) نظهر مذهب الخوارج، وندعو إليه ونحث عليه. (يحدث القوم - جالسا إلى سارية - عن رسول الله) أي يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حالة كونه جالسا مسندا ظهره إلى سارية وعمود من سواري المسجد. (قد ذكر الجهنميين) أي أهل جهنم. (ثم نعت وضع الصراط) ثم وصف جابر في حديثه الصراط ووضعه وكلاليبه. (ومر الناس عليه) أي وأحوال مرور الناس على الصراط. (وأخاف ألا أكون أحفظ ذلك) أي ما قاله جابر، فرويته بالمضمون ولم أحاول رواية الحديث نفسه مخافة الخطأ وعدم الحفظ. (فيخرجون كأنهم عيدان السماسم) هو بالسينين: الأولى مفتوحة والثانية مكسورة، وهو السمسم المعروف، وعيدانه- إذا قلعت وتركت في الشمس ليؤخذ حبها - تراها دقاقا سوداء، كأنها محترقة، فشبه بها هؤلاء. وقيل: لعل اللفظة محرفة، وأصلها عيدان الساسم، بحذف الميم الأولى وفتح السين الثانية وهو خشب أسود كالأبنوس، وقال بعضهم: السماسم نبت ضعيف كالسمسم والكزبرة، قال النووي: والمختار أنه السمسم المعروف. والله أعلم. (يخرجون كأنهم القراطيس) جمع قرطاس بكسر القاف وضمها لغتان، وهو الصحيفة التي يكتب فيها، ووجه الشبه البياض بعد اغتسالهم وزوال ما كان عليه من السواد. (قلنا: ويحكم، أترون الشيخ يكذب على رسول الله؟) أي قال: يزيد الفقير لزملائه من الخوارج: أتظنون أن الشيخ جابر بن عبد الله يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ . (فرجعنا، فلا والله ما خرج منا غير رجل واحد) معناه: رجعنا من حجنا، وقد كففنا عن رأي الخوارج وتبنا منه، ولم يخرج منا [أي لم يبق من الخوارج منا] إلا رجل واحد. ؟ فقه الحديث ساق الإمام مسلم هذا الحديث هنا للاستشهاد به على رؤية الله تعالى في الآخرة، لكنه في مجموع رواياته يتناول مع ذلك أمورا مهمة هي: ما قبل الصراط من أمور الآخرة - الصراط وأحوال الناس عليه- دخول عصاة المؤمنين النار وخروجهم منها - آخر أهل النار خروجا منها وآخر أهل الجنة دخولا لها - الشفاعة - ما يؤخذ من الحديث. 1 - أما رؤية الله تعالى في الآخرة فقد تعرض الحديثان السابقان لرؤية المؤمنين لربهم سبحانه وتعالى في الجنة، وقد ذكرنا في شرحهما آراء العلماء في الرؤية، وأدلة كل فريق. أما الرؤية الواردة في هذا الحديث فقد قال الخطابي: هذه الرؤية غير التي تقع في الجنة، إكراما للمؤمنين، فإن هذه للامتحان، وتلك لزيادة الإكرام. قال: ولا إشكال في حصول الامتحان في الموقف، لأن آثار التكاليف لا تنقطع إلا بعد الاستقرار في الجنة أو النار. والألفاظ الواردة هنا في الرؤية هي: أن ناسا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: فإنكم ترونه كذلك ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله - تبارك وتعالى- في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا، حتى يأتينا ربنا. فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون. فيقول: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه، ثم يضرب الصراط. وفي الرواية الثالثة: حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله تعالى، من بر وفاجر، أتاهم رب العالمين -سبحانه وتعالى- في أدنى صورة من التي رأوه فيها. قال: فما تنتظرون؟ تتبع كل أمة ما كانت تعبد. قالوا: يا ربنا، فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم، ولم نصاحبهم فيقول: أنا ربكم. فيقولون: نعوذ بالله منك. لا نشرك بالله شيئا- مرتين أو ثلاثا- حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟ فيقولون: نعم. فيكشف عن ساق، فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه، ثم يرفعون رءوسهم، وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة، فقال: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا. ثم يضرب الجسر على جهنم. ومن هذه الألفاظ يتضح أن هذه الرؤية في نهاية موقف الحشر، وقبل ضرب الصراط. وفي شرحها يقول الإمام النووي: اعلم أن لأهل العلم في أحاديث الصفات وآيات الصفات قولين: أحدهما: وهو مذهب معظم السلف أو كلهم - أنه لا يتكلم في معناها، بل يقولون: يجب علينا أن نؤمن ونعتقد لها معنى يليق بجلال الله تعالى وعظمته، مع اعتقادنا الجازم أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وأنه منزه عن التجسم والانتقال والتحيز في جهة، وعن سائر صفات المخلوق. والقول الثاني: -وهو مذهب معظم المتكلمين- أنها تتأول على ما يليق بها على حسب مواقعها، وإنما يسوغ تأويلها لمن كان من أهله، بأن يكون عارفا بلسان العرب وقواعد الأصول والفروع، ذا رياضة في العلم، فعلى هذا المذهب يقال هنا: إن إتيان الله تعالى عبارة عن رؤيتهم إياه، لأن العادة أن من غاب عن غيره لا يمكنه رؤيته إلا بالإتيان، فعبر بالإتيان هنا عن الرؤية مجازا. وقيل: الإتيان فعل من أفعال الله تعالى، سماه إتيانا. وقيل: المراد بيأتيهم الله، يأتيهم بعض ملائكة الله. قال القاضي عياض: هذا الوجه أشبه عندي بالحديث، ويكون هذا الملك الذي جاءهم في الصورة التي أنكروها من سمات الحدث الظاهرة على الملك والمخلوق، قال: أو يكون معناه: يأتيهم الله في صورة، أي يأتيهم بصورة، ويظهر لهم من صور ملائكته ومخلوقاته التي لا تشبه صفات الإله لتختبرهم، فإذا قال لهم هذا الملك، أو هذه الصورة: أنا ربكم، رأوا عليه من علامات المخلوق ما ينكرونه ويعلمون أنه ليس ربهم، ويستعيذون بالله منه. أما الصورة التي يعرفون فالمراد بها هنا الصفة، ومعناه: فيتجلى الله - سبحانه وتعالى- لهم على الصفة التي يعلمونها ويعرفونه بها، وإنما عرفوه بصفته وإن لم تكن تقدمت لهم رؤية له سبحانه وتعالى لأنهم يرونه لا يشبه شيئا من مخلوقاته، وقد علموا أنه لا يشبه شيئا من مخلوقاته، فيعلمون أنه ربهم، فيقولون: أنت ربنا. ومعنى فيتبعونه فيتبعون أمره إياهم بذهابهم إلى الجنة، أو يتبعون ملائكته الذين يذهبون بهم إلى الجنة. اهـ. وقال ابن بطال: تمسك المجسمة بهذا الحديث، فأثبتوا لله صورة، ولا حجة لهم فيه، لاحتمال أن يكون بمعنى العلامة، وضعها الله لهم دليلا على معرفته، كما يسمى الدليل والعلامة صورة، وكما تقول: صورة حديثك كذا، وصورة الأمر كذا، والحديث والأمر لا صورة لهما حقيقة. اهـ. وقال ابن الجوزي: معنى الخبر: يأتيهم الله بأهوال يوم القيامة ومن صور الملائكة بما لم يعهدوا مثله في الدنيا، فيستعيذون من تلك الحال، ويقولون: إذا جاء ربنا عرفناه، أي إذا أتانا بما نعرفه من لطفه، وهي الصورة التي عبر عنها بقوله: يكشف عن ساق أي عن شدة. اهـ. وقال القرطبي: هو مقام هائل، يمتحن الله به عباده يميز الخبيث من الطيب، وذلك أنه لما بقي المنافقون مختلطين بالمؤمنين زاعمين أنهم منهم، ظانين أن ذلك يجوز في ذلك الوقت، كما جاز في الدنيا، امتحنهم الله بأن أتاهم بصورة هائلة، قالت للجميع: أنا ربكم. فأجابه المؤمنون بإنكار ذلك، لما سبق لهم معرفته سبحانه وأنه منزه عن صفات هذه الصورة، فلهذا قالوا: نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا، حتى إن بعضهم ليكاد ينقلب أي يزل، فيوافق المنافقين. اهـ. وقد فهم بعضهم من قوله: وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة أنهم رأوه أول ما حشروا. وقال آخرون: إنهم عرفوا صورته بناء على ما عرفوه به حين أخرج ذرية آدم من صلبه، ثم أنساهم ذلك في الدنيا، ثم يذكرهم بها في الآخرة. وقال آخرون: إن العلامة التي عرفوه بها، وهي الساق، يحتمل أن الله عرفهم على ألسنة الرسل من الملائكة أن الله جعل لهم علامة تجليه سبحانه كشف الساق. وقال الكلاباذي: عرفوه بأن أحدث فيهم لطائف عرفهم بها نفسه، ومعنى كشف الساق: زوال الخوف والهول. والله أعلم. وفي تشبيه رؤيته - سبحانه وتعالى- برؤية الشمس والقمر قال الزين بن المنير: إنما خص الشمس والقمر بالذكر مع أن رؤية السماء بغير سحاب أكبر آية، وأعظم خلقا من مجرد الشمس والقمر، لما خص به من عظيم النور والضياء بحيث صار التشبيه بهما فيمن يوصف بالجمال والكمال سائغا شائعا في الاستعمال. اهـ. وقال ابن أبي جمرة: في عطف الشمس على القمر مع أن تحصيل الرؤية بذكره كاف، لأن القمر لا يدرك وصفه الأعمى حسا بل تقليدا، والشمس يدركها الأعمى حسا بوجود حرها، إذا قابلها وقت الظهيرة مثلا فحسن التأكيد بها. اهـ. والله أعلم. 2 - وأما ما قبل الصراط من أمور الآخرة فقد تعرض الحديث لنهاية الحشر والموقف العظيم، حين يؤذن المؤذن: ليتبع كل أمة ما كانت تعبد من كان يعبد شيئا فليتبعه فيتمثل لهم ما كانوا يعبدون، فيتمثل لصاحب الصليب صليبه، ولصاحب التصاوير تصاويره، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، فيقذف بهم وبمعبوداتهم في النار. فلا يبقى أحد كان يعبد غير الله -سبحانه - من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار، ومصداقه من القرآن قوله تعالى: {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} [الأنبياء: 98] حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر وغبر أهل الكتاب، فيدعى اليهود [الذين حرفوا وبدلوا] فيقول لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيرا ابن الله، فيقال لهم: كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ قالوا عطشنا يا ربنا، فاسقنا، فيشار إليهم [نحو النار وهى كالسراب، فيخيل إليهم أنها ماء، ويقال لهم]. ألا تردون؟ فيحشرون إلى النار، كأنها سراب، يحطم بعضها بعضا. فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى [الذين انحرفوا وبدلوا] فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم: كذبتم. ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فيقال لهم: ماذا تبغون؟ فيقولون: عطشنا يا ربنا فاسقنا. فيشار إليهم: ألا تردون؟ فيحشرون إلى جهنم، كأنها سراب يحطم بعضها بعضا فيتساقطون في النار. قال بعض الأفاضل: إن كل ما كان يعبد من دون الله، من الجماد أو الحيوان يحضر بذاته فيتبعه أتباعه إلى النار، وكذا كل من عبد من دون الله ممن يرضى بذلك كفرعون، أما من عبد من دون الله ممن لا يرضى بهذه العبادة كعزير والمسيح فقد قال بعضهم: يمثل لهم المعبود تلبيسا عليهم فيتبعونه إلى النار، وهذا بعيد فإن الروايات صريحة في أنهم يساقون إلى النار بدافع أنها ماء، فهم متبعون للسراب، وليس لمعبودهم، كما أن بقاء هذين الفريقين، بعد اتباع كل أمة معبودها دليل على أنهم لا يمثل لهم معبود يتبعونه، ولعل تأخرهم عن عبدة الأوثان باعتبار أنهم عبدوا الله، وإن كانت عبادة خاطئة، فلم تغن عنهم شيئا، وألحقوا بأصحاب الأوثان، ومصداقه قوله تعالى: {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها} [البينة: 6]. والتكذيب الوارد في الحديث -كما قال الكرماني- لم يكذب أنهم عبدوا، وإنما كذبهم في أن عزيرا ابن الله، وأن المسيح ابن الله، ويلزم منه إنكار عبادتهم ما ليس ابن الله. نعم لم يتعرض الحديث لمصير اليهود والنصارى الذين لم يعبدوا عزيرا أو المسيح ممن لم يدركوا مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، أو لم تبلغهم دعوته والظاهر: أنهم يبقون من المسلمين، يدل على هذا باقي الحديث، وفيه في الرواية الثالثة حتى إذ لم يبق إلا من كان يعبد الله (وحده) من بر وفاجر أتاهم رب العالمين. وفي الرواية الأولى وتبقى هذه الأمة، فيها منافقوها، فيأتيها الله تبارك وتعالى. قال ابن أبي جمرة: يحتمل أن يكون المراد بالأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يحمل على أعم من ذلك، فيدخل فيه جميع أهل التوحيد، حتى من الجن، ويدل عليه ما في بقية الحديث أنه يبقى من كان يعبد الله من بر وفاجر. اهـ. وقال الحافظ ابن حجر: ويؤخذ هذا أيضا من قوله في بقية الحديث فأكون أول من يجيز فإن فيه إشارة إلى أن الأنبياء بعده يجيزون أممهم. اهـ. ومن هذا يعلم مصير الغابرين من أهل الكتاب، فالمؤمنون منهم إيمانا صحيحا قبل المبعث سيجتازون الصراط مع أنبيائهم، أما من أدرك البعثة منهم، ثم كفر بما جاءه من الحق الذي يعرفه كما يعرف أبناءه فهو مسوق إلى النار. داخل في قوله تعالى: {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية} أما المنافقون فإنهم يتأخرون مع المؤمنين، ويعطى كل واحد منهم نورا مع المؤمنين لما كانوا يظهرونه من الإسلام، وهم يظنون أن تسترهم بالمؤمنين ينفعهم في الآخرة، كما كان ينفعهم في الدنيا، لكن الله يميز المؤمنين حين يتجلى لهم سبحانه فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه . ثم يطفأ نور المنافقين حين يتجهون إلى الصراط، فيقول المنافقون للذين آمنوا: {انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا} [الحديد: 13] فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئا، فيندفعون إلى النار. 3 - وأما عن الصراط وأحوال الناس عليه فإنه يضرب الصراط بين ظهري جهنم فيكون نبينا صلى الله عليه وسلم هو وأمته أول من يجيز، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم. سلم. وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم فمنهم المؤمن بقي بعمله (لا يخطف) ومنهم المجازى حتى ينجى من المؤمنين من يمر (على الصراط) كطرف العين، وكالبرق، وكالريح، وكالطير، وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم، ومخدوش مرسل (ينجو بعد الإصابات) ومكدوس (مركوم) في نار جهنم . هذا ما ورد عن الصراط في رواياتنا، وقد جاءت بعض الروايات بزيادات في وصفه ووصف الكلاليب، وفي رواية لأبي هريرة وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به وفي رواية عليه كلاليب النار وفي مرسل عبيد بن عمير أن الصراط مثل السيف وبجنبتيه كلاليب وأنه يؤخذ بالكلوب الواحد أكثر من ربيعة ومضر وفيه والملائكة على جنبتيه يقولون: يا رب سلم. سلم وعند مسلم قال أبو سعيد: بلغني أن الصراط أحد من السيف، وأدق من الشعرة، وأخرج ابن المبارك عن سعيد بن أبي هلال قال: بلغنا أن الصراط أدق من الشعر على بعض الناس، ولبعض الناس مثل الوادي الواسع وعند الحاكم من حديث عبد الله بن سلام ثم ينادي مناد أين محمد وأمته؟ فيقوم، فتتبعه أمته، برها وفاجرها، فيأخذون الجسر، فيطمس الله أبصار أعدائه، فيتهافتون عن يمين وشمال، وينجو النبي صلى الله عليه وسلم والصالحون وفي حديث ابن عباس يرفعه فيفرج لنا الأمم عن طريقنا، فنمر غرا محجلين من آثار الطهور، فتقول الأمم: كادت هذه الأمة أن يكونوا أنبياء وللترمذي من حديث المغيرة شعار المؤمن على الصراط: رب سلم. سلم وأخرج ابن عساكر عن الفضيل بن عياض قال: لا يجوز عليه إلا ضامر مهزول من خشية الله . وفي حديث ابن مسعود ثم يقال لهم: انحوا على قدر نوركم، فمنهم من يمر كطرف العين، ثم كالبرق، ثم كالسحاب، ثم كانقضاض الكوكب، ثم كالريح، ثم كشد الفرس، ثم كشد الرحل، حتى يمر الرجل الذي أعطي نوره على إبهام قدمه يحبو على وجهه ويديه ورجليه، يجر بيد ويعلق بيد، ويجر برجل ويعلق برجل، وتضرب جوانبه النار حتى يخلص وفي أخرى عن ابن مسعود بعد الذي يمر كالريح ثم كأسرع البهائم، حتى يمر الرجل سعيا، ثم مشيا، ثم آخرهم يتلبط على بطنه، فيقول: يا رب. لم أبطأت بي؟ فيقول: أبطأ بك عملك. 4 - من هذا كله يتبين أن عصاة المؤمنين يسقطون في النار، ولا خلاف بين العلماء في سقوط من لم تشملهم رحمة الله من مرتكبي الكبائر، اللهم إلا ما قيل عن غلاة المرجئة من أنه لا يضر من الإيمان شيء، وأنه لا يدخل النار أحد من الموحدين، وهو قول واضح البطلان، ولكن الخلاف الكبير في إخراج العصاة من النار بعد أن يدخلوها، فمذهب المعتزلة أن أصحاب الكبائر مخلدون في النار، ومذهب الخوارج أن أصحاب الكبائر كفار يخلدون في النار. والرواية السادسة عشرة توضح شبهتهم وتعلقهم بقوله تعالى: {إنك من تدخل النار فقد أخزيته} [آل عمران: 192] وقوله: {كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها} [السجدة: 20] والرد عليهم: أن الآيتين في الكافرين، وأن الخزي الذي يلحق مرتكب الكبيرة مؤقت بمدة عذابه، ورواياتنا المتعددة واضحة في تأييد هذا القول: ففي الرواية الأولى: حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد، وأريد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا، ممن أراد الله تعالى أن يرحمه، ممن يقول: لا إله إلا الله، فيعرفونهم في النار، يعرفونهم بأثر السجود، تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار وقد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون منه كما تنبت الحبة في حميل السيل . وفي الرواية الثالثة: يشفع المؤمنون الناجون لإخوانهم الذين في النار يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا، ويصلون ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقا كثيرا، قد أخذت النار إلى نصف ساقيه، وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به. فيقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا. ثم يقولون: لم نذر فيها خيرا. فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط، قد عادوا حمما، فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة، يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم، يعرفهم أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الله، الذين أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه. وفي الرواية السادسة: أما أهل النار الذين هم أهلها. فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم - أو قال بخطاياهم- فأماتهم إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أنهار الجنة. ثم قيل: يا أهل الجنة، أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل. وفي الرواية الخامسة عشرة إن قوما يخرجون من النار، يحترقون فيها إلا دارات وجوههم، حتى يدخلون الجنة. وقد تمسك بعض المبتدعة بظاهر قوله في الرواية الأولى أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ، فزعم أن من وحد الله من أهل الكتاب يخرج من النار، ولو لم يؤمن بغير من أرسل إليه. قال الحافظ ابن حجر: وهو قول باطل، فإن من جحد الرسالة كذب الله، ومن كذب الله لم يوحده. اهـ. ولما كان ظاهر الرواية الأولى أن الملائكة هي التي تخرج من النار، وظاهر الرواية الثالثة أن المؤمنين هم الذين يخرجون إخوانهم، رفع هذا التعارض بأن الملائكة يؤمرون من الأنبياء والمؤمنين، فيباشرون الإخراج، يعرفون المؤمنين بآثار السجود. قال الزين بن المنير: تعرف صفة هذا الأثر مما ورد في قوله تعالى: {سيماهم في وجوههم من أثر السجود} [الفتح: 29] لأن وجوههم لا تؤثر فيها النار، فتبقى صفتها باقية. وقد يبدو قوله: حرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود معارضا لقوله: حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة لأنهم إذا صاروا فحما كيف يتميز أثر السجود، وحاصل الجواب: تخصيص أعضاء السجود من عموم الأعضاء كأنه قال: حتى إذا كانوا فحما فيما عدا أعضاء السجود أذن بالشفاعة. وقد اختلف العلماء في المراد بأثر السجود، فذهب النووي إلى أن النار لا تأكل جميع أعضاء السجود السبعة. وهي: الجبهة واليدان والركبتان والقدمان، وبهذا جزم بعض العلماء. وذهب القاضي عياض إلى أن المراد الوجه خاصة. بدليل قوله في الرواية الخامسة عشرة يحترقون بها فيها إلا دارت وجوههم ويؤيده ما في الرواية الثالثة من أن بعض المخرجين كانت النار قد أخذت منه إلى نصف الساق وإلى ركبتيه. كما اختلفوا في عدم أكل النار لمحل السجود، هل ذلك خاص بمن صلى وسجد فعلا؟ أو هو عام فيمن سجد بالفعل أو بالقوة؟ فذهب ابن أبي جمرة إلى أن من كان مسلما، ولكنه كان لا يصلي لا يخرج، إذ لا علامة له لكن يحمل على أنه يخرج في القبضة لعموم قوله: لم يعملوا خيرا قط. وقال الحافظ ابن حجر: الأظهر العموم، ليدخل فيه من أسلم مثلا وأخلص، فبغته الموت قبل أن يسجد، والله أعلم. 5 - وقد أفاضت رواياتنا في ذكر أحوال آخر أهل النار خروجا منها، وفي آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وفي النعيم الذي يعطاه. وقد تساءل القاضي عياض فقال: إن آخر من يخرج من النار هل هو آخر من يبقى على الصراط أو هو غيره، وإن اشترك كل منهما في أنه آخر من يدخل الجنة؟ وأشار ابن أبي جمرة إلى المغايرة بين آخر من يخرج من النار، وأنه يخرج منها بعد أن يدخلها حقيقة، وبين آخر من يخرج مارا على الصراط، فإن التعبير عنه بأنه خرج من النار بطريق المجاز، لأنه أصابه من حرها وكربها ما يشارك به بعض من دخلها. هذا وقد حكت الرواية الأولى خلافا بين أبي هريرة وبين أبي سعيد في اللفظ المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما تفضل به الله على آخر أهل الجنة دخولا الجنة. هل اللفظ ذلك لك ومثله معه؟ أو عشرة أمثاله معه؟ وقد جاء في بعض الروايات على أثر هذا الخلاف قال أحدهما لصاحبه: حدث بما سمعت، وأحدث بما سمعت. وجمع القاضي عياض بينهما باحتمال أن يكون أبو هريرة سمع أولا قوله: ومثله معه فحدث به، ثم حدث النبي صلى الله عليه وسلم بالزيادة فسمعه أبو سعيد، فحدث به، وقد وقع في رواية أبي سعيد أشياء كثيرة زائدة على حديث أبي هريرة . اهـ. كما جاء في الرواية السابعة: فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها وفي الرواية الثامنة لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا فقال النووي: هاتان الروايتان بمعنى واحد، وإحداهما تفسير للأخرى، فالمراد بالأضعاف الأمثال، فإن المختار عند أهل اللغة أن الضعف المثل. كما جمع النووي بين هاتين الروايتين، وبين قوله في الرواية الحادية عشرة: أترضى أن يكون لك مثل ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت. رب. فيقول: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله. فقال في الخامسة: رضيت. رب. فقول: هذا لك وعشرة أمثاله قال النووي: المراد أن أحد ملوك الدنيا لا ينتهي ملكه إلى جميع الأرض بل يملك بعضا منها، ثم منهم من يكثر البعض الذي يملكه، ومنهم من يقل بعضه، فيعطي هذا الرجل مثل أحد ملوك الدنيا خمس مرات وذلك كله قدر الدنيا كلها ثم يقال له: لك عشرة أمثال هذا فيعود معنى الرواية إلى موافقة الروايات الأخرى. والله أعلم. وقد اعتذر الكلاباذي عن نقض هذا الرجل للعهد، فقال: كان إمساكه أولا عن السؤال حياء من ربه، والله يحب أن يسأل، لأنه يحب صوت عبده المؤمن، فيباسطه أولا بقوله: لعلك إن أعطيتك هذا تسأل غيره وهذه حالة المقصر، فكيف حالة المطيع؟ وليس نقض هذا العبد، وتركه ما أقسم عليه جهلا منه، ولا قلة مبالاة، بل علما منه بأن نقض هذا العهد أولى من الوفاء به، لأن سؤاله ربه أولى من ترك السؤال مراعاة للقسم، وقد قال صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين، فرأى خيرا منها، فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير فعمل هذا العبد على وفق هذا الخير، والتكفير قد ارتفع عنه في الآخرة. اهـ. 6 - كما تعرضت رواياتنا للشفاعة (شفاعة النبيين عليهم السلام وشفاعة، الملائكة، وشفاعة المؤمنين) كما تعرضت الرواية السادسة عشرة إلى المقام المحمود، وسنتكلم عن هاتين النقطتين عند الكلام على الشفاعة في الحديث الآتي إن شاء الله. 7 - ويؤخذ من الحديث 1 - جواز مخاطبة الشخص بما لا يدرك حقيقته. 2 - وجواز التعبير عن ذلك بما يفهمه. 3 - وأن الأمور التي في الآخرة لا تشبه ما في الدنيا إلا في الأسماء. 4 - والاستدلال على العلم الضروري بالنظري. 5 - وأن التكليف لا ينقطع إلا بالاستقرار في الجنة أو النار. 6 - وأن الصراط مع دقته وحدته يسع الكثير من الخلائق. 7 - وأن النار مع عظمها وشدتها لا تتجاوز الحد الذي أمرت بإحراقه. 8 - وفيه إشارة إلى توبيخ الطغاة والعصاة. 9 - وفيه فضل الدعاء وقوة الرجاء في إجابة الدعوة، ولو لم يكن الداعي أهلا لذلك في الظاهر. 10 - وفي قوله ما أغدرك إشارة إلى أن الشخص لا يوصف بالفعل الذميم إلا بعد أن يتكرر ذلك منه. 11 - وفيه جواز سؤال الشفاعة، خلافا لمن منع، محتجا بأنها لا تكون إلا لمذنب، قال القاضي عياض: كل عاقل معترف بالتقصير فيحتاج إلى طلب العفو عن تقصيره، وكذا كل عامل يخشى ألا يقبل عمله، فيحتاج إلى الشفاعة في قبوله قال: ويلزم هذا القائل ألا يدعو بالمغفرة ولا بالرحمة، وهو خلاف ما درج عليه السلف في أدعيتهم. 12 - وفيه إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة. 13 - وفيه أن جماعة من مذنبي هذه الأمة يعذبون بالنار، ثم يخرجون بالشفاعة والرحمة، خلافا لمن نفى ذلك. 14 - وأن تعذيب الموحدين بخلاف تعذيب الكفار لاختلاف مراتبهم من أخذ النار بعضهم إلى ساقه، وأنها لا تأكل أثر السجود، وأنهم يموتون، فيكون عذابهم إحراقهم وحبسهم عن دخول الجنة مع السابقين كالمسجونين، بخلاف الكفار. 15 - وفيه ما طبع عليه الآدمي من قوة الطمع وجودة الحيلة في تحصيل المطلوب. ذكر ذلك ابن أبي جمرة. 16 - وفيه أن الأنبياء يجوزون الصراط مع مؤمني أممهم. 17 - استدل به على أن الإيمان يزيد وينقص. 18 - ويستفاد منه أنه صلى الله عليه وسلم كان عارفا بأمور الدنيا بتعليم الله تعالى له، وإن لم يباشر ذلك. 19 - وتمسك به من أجاز التكليف بما يطاق من الأشاعرة، وأجاب المخالفون بأن الدعوة إلى السجود للتبكيت لا للتكليف، لأن الآخرة ليست دار تكليف ومثله من التبكيت ما قيل لهم: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا قال الحافظ ابن حجر: وهي مسألة طويلة الذيل. 20 - وفيه إثبات الصراط، ومذهب أهل الحق إثباته، وقد أجمع السلف على إثباته. 21 - وكمال شفقة الرسل ورحمتهم، حيث تكون دعوتهم: يا رب سلم، سلم. 22 - وأن الدعوات تكون بحسب المواطن، فيدعي في كل موطن بما يليق به. 23 - وجواز الضحك، وأنه ليس بمكروه في بعض المواطن ولا بمسقط للمروءة إذا لم يجاوز به الحد المعتاد من أمثاله في مثل تلك الحال. 24 - وسعة فضل الله تعالى، ومحبته عباده، حتى يذكر الضعيف من المؤمنين بما يتمناه مما لا يخطر على قلب بشر. والله أعلم.

    حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ الأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، وَثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ ‏ "‏ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ أَرْبَعَةٌ فَيُعْرَضُونَ عَلَى اللَّهِ فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا فَلاَ تُعِدْنِي فِيهَا ‏.‏ فَيُنْجِيهِ اللَّهُ مِنْهَا ‏"‏ ‏.‏

    It is narrated on the authority of Anas b. Malik that the Messenger of Allah (ﷺ) said:Four persons would be brought out from the Fire and would be presented to Allah. One of them would turn (towards the He) ) ) and say: O my Lord, when Thou hast brought me out from it, do not throw me back into it, and Allah would rescue him from it

    Telah menceritakan kepada kami [Haddab bin Khalid al-Azdi] telah menceritakan kepada kami [Hammad bin Salamah] dari [Abu Imran] dan [Tsabit] dari [Anas bin Malik] bahwa Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam bersabda: "Ada empat manusia yang keluar dari neraka, lalu dihadapkan kepada Allah, maka salah seorang dari mereka berpaling, seraya berkata, 'Wahai Rabbku, jika Engkau telah mengeluarkanku dari neraka maka janganlah Engkau mengemabalikanku ke dalamnya.' Maka Allah menyelamatkannya dari neraka

    Bize Heddâb b. Halid El-Ezdî rivayet etti (dedi ki): Bize Hammad b. Seleme Ebu imran ile Sabit'ten, onlarda Enes b. Malik'ten naklen rivayet ettiler ki: Resulullah (Sallallahu Aleyhi ve Sellem): şöyle buyurdu: "Cehennemden dört kişi çıkarılacak ve onlar Allah'a arz edilecekler. Onlardan biri dönüp şöyle diyecek: Rabbim, beni oradan çıkardığına göre artık beni bir daha oraya döndürme diyecek, Allah da onu ondan kurtaracak. " Yalnız Müslim rivayet etmiştir; Tuhfetu'I-Eşraf, 347, 1073 NEVEVİ ŞERHİ (471-473 numaralı hadisler): (471) "Bana Yezid el-Fakir tahdis etti." Adı Yezid b. Suhayb el-Kufi sonra el-Mekki'dir. Künyesi Ebu Osman'dır. Ona "el-Fakir" denilmesinin sebebi sırtında bir hastalığa tutulmuş olmasıdır. Eğilip, bükülmedikçe ondan dolayı ağrı çekiyordu. "Birtakım kimseler ... nihayet cennete girerler." Yüzleri n yuvarlağı yüzün etrafını çeviren yanları demektir. Bu ibarelerin anlamı da şudur: Cehennem ateşi yüzün yuvarlağını yemez; çünkü orası secde yeridir. Burada yüzün yuvarlığı sözkonusu edilirken daha önce diğer hadiste "secde yerleri"nden söz edilmişti. Orada da her iki ibarenin bir arada nasıl telif edildiği açıklanmıştı. Allah en iyi bilendir. "Haricilerin bazı görüşleri kalbimde yer etmişti." Asıl yazmalarda ve rivayetlerde "kalbimde yer etmişti" anlamındaki lafız bu şekilde ğayn iledir. Kadı İyaz (yüce Allah'ın rahmeti ona) bu kelimenin ayn ile rivayet edildiğini de nakletmektedir. Her ikisinin anlamı birbirine yakındır; yani bu düşünce kalbimin zarına yapışmıştl. Haricilerin görüşüne gelince, daha önce birkaç defa büyük günah işlemiş olanların cehennemde ebediyen kalacakları ve cehenneme girenin oradan bir daha çıkmayacağı görüşüne sahip olduklarını belirtmiştik. "Haccetmek sonra da insanlar arasına çıkmak maksadıyla ... yola çıktık." Yani bizler (3/50) büyük bir kalabalık halinde önce haccetmek sonra da insanlar arasında haricilerin mezhebini açıkça ortaya koyup, ona çağırıp, onun propagandasını yapmak üzere ülkemizden çıktık demektir. "Ancak o birtakım kimselerin cehennemden çıkacaklarını söyledi." Burada (aslında iddia etti, anlamına gelen ve dedi diye tercüme ettiğimiz) zeame fiili, dedi anlamındadır, kitabın baş taraflarında bunun açıklaması geçmiş, imamların onun ile ilgili sözleri de nakledilmişti. Allah en iyi bilendir. "Susam çubukları gibi çıkarlar. " Kasıt yağı çıkartılan bildiğimiz susamdır. İbnu'l-Esir diye bilinen İmam Ebu's-Saadat el-Mubarek b. Muhammed b. Abdulkerim el-Cezeri (yüce Allah'ın rahmeti ona) şöyle diyor: Susam kökleri sökülüp, taneleri alınmak üzere güneşe bırakılacak olursa yanmış gibi incelir ve kararır. İşte bunlar ona benzetilmiştir. Ben bu kelimenin gerçekte ne olduğunu uzun süre araştırdım ve onu soruşturdum. Fakat bu hususta beni rahatlatacak bir bilgi bulamadım. Ama büyük bir ihtimalle lafız tahrife uğramış olmalıdır. Büyük bir ihtimalle bu lafız "sa'sam" çubukları (odunu) olmalıdır. Bu ise abanos gibi siyah bir ahşaptır. Ebu's-Saadat'ın açıklamaları bunlardır. Onun aradaki mim harfini kaydetmeyip, ikinci sin'in fethalı olarak sözünü ettiği sa'sam kelimesi hakkında Cevheri ve başkaları da aynı şeyleri söylemiştir. Kadı İyaz ise şunları söylemektedir: Burada "susam" kelimesinin ne anlama geldiği bilinmiyor. Muhtemelen bunun doğru şekli "sa'sam odunu" olmalıdır. Bunun doğru olma ihtimali daha yüksektir. Bu da siyah bir odundur. Abanosun kendisi olduğu da söylenmiştir. Metali' sahibi ise şunları söylemektedir: Semasim aslında susam ve kişniş gibi güçsüz her türlü bitkiye denir. Başkaları da bu muhtemelen hemzeli "sesem" olmalıdır, o da abanos demektir. Onları abanos gibi siyah diye benzetmiş olmaktadır. (3/51) Bu ilim adamlarının bu hususta söylediklerinin kısa özeti budur. Ancak tercih edilen Ebu's-Saadat'ın açıkladığı üzere kaydettiğimiz gibi "susam" olduğudur. Şunu da belirtelim ki, asıl nüshaların birçoğunda "(.....): onlar susam çubukları gibi" şeklinde (gibi anlamındaki lafız) he' den sonra elif ile yazılmıştır ama doğru ve asıl nüshaların ve kitapların birçoğunda yazılı olan şekil ise he' den sonra mim ile yazılmasıdır. Birincisinin de açıklanabilir bir tarafı vardır. O da oradaki zamirin suretlerine raci olmasıdır. Yani onların suretleri susam çubukları gibidir demek olur. Allah en iyi bilendir. "Kağıt gibi çıkacaklar." Kırtas: kağıt üzerine yazı yazılan sahife demektir. O ırmakta yıkandıktan sonra ileri derecede beyaz olup, üzerlerindeki siyahlık kaybolacağından ötürü onları kağıtlara benzetmiştir. "Yazık size! O yaşlı adamın Resulullah'a yalan söylediğini nasıl düşünebilirsiniz?" Buradaki yaşlı adamdan kasıt Cabir b. Abdullah (r.a.)'dır. Bu soru bir inkar ve böyle bir kanaati red anlamını taşır; yani onun yalan söylediği asla düşünülemez, böyle bir şüphe olamaz. "Sonra geri döndük ... " Yani hacdan döndük ve biz haricilerin görüşünü hiç sözkonusu etmedik. Aksine sustuk ve bundan dolayı tövbe ettik. "Aramızdan bir adam müstesna." O bu görüşten vazgeçmek hususunda bize muvafakat etmedi. "Yahut Ebu Nuaym'in dediği gibi" ibaresinden kasıt senedin başında adı geçen Ebu Nuaym Fadl b. Dukeyn'dir. O Müslim'in hocasının hocasıdır. Onun bu yaptığı ravilerin rivayet ettikleri edeplerden bilinen bir edep ve terbiyedir. Bu da eğer ravi rivayeti mana yoluyla nakletmiş ise rivayetinin sonunda ihtiyaten ve meydana gelmiş bir değişiklik endişesiyle "yahut onun dediği gibi" demesidir. (473) "Bize Heddab b. Halid el-Ezdı tahdis etti. .. Enes (r.a.)'dan" Bu senetteki ravilerin tamamı Basralıdır. "Heddab"in adı Hudbe olarak da söylenir. Bunların biri isimdir, diğeri lakaptır. Fakat hangisinin hangisi olduğu ihtilaflıdır. (3/52) Buna dair açıklama daha önce geçmişti. Senetteki Ebu İmran'ın nispeti el-Cevnı' dir. Adı da Abdulmelik b. Habib'dir. Sabit'in nispeti ise el-Bunanl'dir

    ابو عمران اور ثابت نے حضرت انس بن مالک ‌رضی ‌اللہ ‌عنہ ‌ ‌ سے روایت کی کہ رسول اللہ ﷺ نے فرمایا : ’’دوزخ سے چار آدمی نکلیں گے ، انہیں اللہ تعالیٰ کی بارگاہ میں پیش کیا جائے گا ۔ ان میں سے ایک متوجہ ہو گا اور کہے گا : اے میرے رب !جب تو نے مجھے اس سے نکال ہی دیا ہے تو اب دوبارہ اس میں نہ ڈالنا ، چنانچہ اللہ تعالیٰ اس کو جہنم سے نجات دے دے گا ۔ ‘ ‘

    হাদ্দাব ইবনু খালিদ আল আযদী (রহঃ) ..... আনাস ইবনু মালিক (রাযিঃ) থেকে বর্ণিত যে, রাসূলুল্লাহ সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম ইরশাদ করেনঃ চার ব্যক্তিকে জাহান্নাম থেকে বের করে আল্লাহর সমীপে উপস্থিত করা হবে। তন্মধ্যে একজন বারবার পশ্চাৎ দিকে ফিরে তাকাবে আর বলবে, হে আমার রব! যখন আমাকে এ জাহান্নাম থেকে বের করেছেন, তখন আমাকে আর সেখানে ফিরিয়ে নিবেন না। আল্লাহ তা'আলা এ লোকটিকে জাহান্নাম থেকে মুক্তি দিয়ে দিবেন। (ইসলামিক ফাউন্ডেশনঃ ৩৭০, ইসলামিক সেন্টারঃ)

    அல்லாஹ்வின் தூதர் (ஸல்) அவர்கள் கூறினார்கள்: (இறுதிக் கட்டத்தில்) நான்கு பேர் (நரக) நெருப்பிலிருந்து வெளியேறுவார்கள். அந்நால்வரும் அல்லாஹ்வின் முன் நிறுத்தப்படுவார்கள். அப்போது அவர்களில் ஒருவர் (நரகத்தை நோக்கித்) திரும்பி, "இறைவா! இ(ந்தக் கொடிய நரகத்)திலிருந்து என்னை நீ வெளியேற்றிய பின் மீண்டும் அதற்குள் என்னை அனுப்பிவிடாதே!" என்று கூறுவார். அதையடுத்து அல்லாஹ் அதிலிருந்து அவரைக் காப்பாற்றுவான். இதை அனஸ் பின் மாலிக் (ரலி) அவர்கள் அறிவிக்கிறார்கள். இந்த ஹதீஸ் இரு அறிவிப்பாளர்தொடர்களில் வந்துள்ளது. அத்தியாயம் :