• 2092
  • عَنْ جَابِرٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " عُرِضَ عَلَيَّ الْأَنْبِيَاءُ ، فَإِذَا مُوسَى ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ ، وَرَأَيْتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ ، وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ - يَعْنِي نَفْسَهُ - ، وَرَأَيْتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا دَحْيَةُ "

    حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ ، ح ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، عَنْ جَابِرٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ : عُرِضَ عَلَيَّ الْأَنْبِيَاءُ ، فَإِذَا مُوسَى ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ ، كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ ، وَرَأَيْتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ ، وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ - يَعْنِي نَفْسَهُ - ، وَرَأَيْتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا دَحْيَةُ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رُمْحٍ : دَحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ

    ضرب: الضرب : النحيف خفيف اللحم
    " عُرِضَ عَلَيَّ الْأَنْبِيَاءُ ، فَإِذَا مُوسَى ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ ،
    حديث رقم: 3740 في جامع الترمذي أبواب المناقب باب
    حديث رقم: 14324 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 6338 في صحيح ابن حبان كِتَابُ التَّارِيخِ ذِكْرُ تَشْبِيهِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ بِعُرْوَةَ
    حديث رقم: 9092 في المعجم الأوسط للطبراني بَابُ الْمِيمِ
    حديث رقم: 1047 في المنتخب من مسند عبد بن حميد المنتخب من مسند عبد بن حميد مِنْ مُسْنَدِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
    حديث رقم: 12 في الشمائل المحمدية للترمذي الشمائل المحمدية للترمذي بَابُ مَا جَاءَ فِي خَلْقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    حديث رقم: 2133 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي مُسْنَدُ جَابِرٍ
    حديث رقم: 2207 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي مُسْنَدُ جَابِرٍ
    حديث رقم: 261 في مستخرج أبي عوانة كِتَابُ الْإِيمَانِ بَيَانُ غَسْلِ قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءِ زَمْزَمَ بَعْدَ
    حديث رقم: 262 في مستخرج أبي عوانة كِتَابُ الْإِيمَانِ بَيَانُ غَسْلِ قَلْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَاءِ زَمْزَمَ بَعْدَ
    حديث رقم: 1626 في أخبار أصبهان لأبي نعيم الأصبهاني بَابُ الْعَيْنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدَةَ : أَبُو إِسْمَاعِيلَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الضَّبِّيُّ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ إِسْمَاعِيلُ ، حَدَّثَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ ، وَالْحُسَيْنِ بْنِ حَفْصٍ .

    [167] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ) هُوَ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُوَ الرَّجُلُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فِي كَثْرَةِ اللَّحْمِ وَقِلَّتِهِ قَالَ الْقَاضِي لَكِنْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ مِنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مُضْطَرِبٌ وَهُوَ الطَّوِيلُ غَيْرُ الشَّدِيدِ وَهُوَ ضِدُّ جَعْدِ اللَّحْمِ مُكْتَنِزِهِ وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى أَصَحُّ يَعْنِي رِوَايَةَ ضَرْبٍ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى حَسِبْتُهُ قَالَ مُضْطَرِبٌ فَقَدْ ضُعِّفَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لِلشَّكِّ وَمُخَالَفَةِ الْأُخْرَى الَّتِي لَا شَكَّ فِيهَا وفى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى جَسِيمٌ سَبِطٌ وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى الطَّوِيلِ وَلَا يَتَأَوَّلُ جَسِيمٌ بِمَعْنَى سَمِينٍ لِأَنَّهُ ضِدُّ ضَرْبٍ وَهَذَا إِنَّمَا جَاءَ فِي صِفَةِ الدَّجَّالِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ تَضْعِيفِ رِوَايَةِ مُضْطَرِبٍ وَأَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ ضَرْبٍ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا فَقَدْ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الضَّرْبُ هُوَ الرجل الخفيف اللحم كذا قاله بن السِّكِّيتِ فِي الْإِصْلَاحِ وَصَاحِبُ الْمُجْمَلِ وَالزُّبَيْدِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ لَا يُحْصَوْنَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

    [167] ضرب بِإِسْكَان الرَّاء الرجل بَين الرجلَيْن فِي كَثْرَة اللَّحْم وقلته دحْيَة بِكَسْر الدَّال وَفتحهَا

    عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عرض علي الأنبياء. فإذا موسى ضرب من الرجال. كأنه من رجال شنوءة. ورأيت عيسى بن مريم عليه السلام. فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود. ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه. فإذا أقرب من رأيت به شبها صاحبكم (يعني نفسه) ورأيت جبريل عليه السلام. فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية . (وفي رواية ابن رمح) دحية بن خليفة.
    المعنى العام:
    بعد أن توفي أبو طالب حامي الرسول صلى الله عليه وسلم من أذى الكفار، والمدافع عنه ضد مكائدهم وعنتهم وجهلهم، وبعد أن توفيت خديجة المؤنسة الأولى، والمواسية الكبرى، بعد أن توفيا في عام واحد واشتد ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم، وبلغ به الأسى أن سمى ذلك العام عام الحزن، وضاق ذرعا بأذى الكفار الذي بلغ منه مبلغا لم يسبق له مثيل. وفي هذه الظروف العصيبة جاءت حادثة الإسراء والمعراج، للإشارة إلى أنه إن فاتته صلى الله عليه وسلم حماية العم فإنه محاط بحماية الرب عز وجل، ولئن فاتته مؤانسة الزوج فإنه مشمول بمؤانسة الملأ الأعلى، ولئن أحاط به تكذيب أهل مكة وأذاهم فإنه مصدق من أهل السماء، مكرم فيهم غاية التكريم. جاءت حادثة الإسراء كبلسم للجراح، وكشحنة إلهية من الصبر والقوة، لتدفع محمدا صلى الله عليه وسلم إلى زيادة استمساكه بالذي أوحي إليه إنه على صراط مستقيم، وليطمئن إلى نصرة ربه لدينه، وإلى أن الله بالغ أمره، وإلى أنه إذا أراد شيئا فإنما يقول له: كن... فيكون. جاءت الدعوة من الرب إلى العبد، على لسان أمين الوحي جبريل وأخيه ميكائيل، جاءا إلى محمد صلى الله عليه وسلم وهو نائم في المسجد الحرام بين حمزة وجعفر رضي الله عنهما، فقال جبريل لرفيقه: إنه أحد الثلاثة، إنه الذي بين الرجلين، فأيقظاه، ثم شقا عن صدره، فغسلاه بماء زمزم، ثم جاءا بطست من الذهب مملوء حكمة وإيمانا، فأفرغاه في صدره ثم أطبقاه. بعد هذا الإعداد وذلك التطهير جيء له بالبراق، تلك الدابة العجيبة الشأن، التي تشبه المألوف في الشكل، وتخالفه في الصفات والفعل، إنها شبيهة بالحمار الكبير أو البغل الصغير، لكنها تضع حافرها عند منتهى بصرها، وإذا صعدت جبلا طالت رجلاها، وإذا هبطت واديا طالت يداها، فيظل ظهرها مستويا في الحالتين زيادة في راحة راكبها، لقد نقلت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي صحبته جبريل- عليه السلام- من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالشام في لحظات، وهناك كانت وفود الأنبياء- عليهم السلام- في استقباله، وأذن للصلاة، فقاموا صفوفا ينتظرون من يؤمهم، فأخذ جبريل بيد محمد صلى الله عليه وسلم فأمهم، ثم نصب له المعراج، نصب له سلم رباني نوراني يرقى عليه ومعه جبريل حتى وصلا إلى السماء الدنيا، فطلب جبريل من حارسها أن يفتح. قال الحارس: من؟ قال: جبريل. قال: ومن معك؟ قال محمد. قال: وقد أرسل إليه ليعرج؟ قال: نعم. ففتح. فرأى صلى الله عليه وسلم رجلا، عن يمينه أشباح، وعن يساره أشباح، فإذا نظر إلى من هم عن يمينه ضحك، وإذا نظر إلى من هم عن شماله بكى، قال: من هذا يا جبريل؟ قال: أبوك آدم، وهذه الأسودة أرواح بنيه، فأهل اليمين أهل الجنة، وأهل الشمال أهل النار، ثم قال له: سلم عليه. فسلم، فرد عليه السلام، وقال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح، نعم المجيء جئت يا بني. ثم عرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل، ففتح لهما بالتكريم والترحيب، فإذا عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا، فسلم عليهما فردا السلام، وقالا: مرحبا بالأخ الصالح، والنبي الصالح، نعم المجيء جئت. ثم عرج به إلى السماء الثالثة، فإذا فيها يوسف عليه السلام، فرحب ودعا بخير. ثم عرج به إلى السماء الرابعة فإذا فيها إدريس عليه السلام فرحب ودعا بخير. ثم عرج به إلى السماء الخامسة فإذا فيها هارون عليه السلام فرحب ودعا بخير. ثم عرج به إلى السماء السادسة فإذا هو بالكليم موسى عليه السلام فرحب بالأخ الصالح والنبي الصالح ودعا له بخير. فلما جاوزه بكى موسى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: كنت أتمنى أن أعطى مثله، جاء بعدي، ويدخل من أمته الجنة أكثر ممن يدخلها من أمتي. ثم عرج به إلى السماء السابعة فإذا فيها أبوه إبراهيم عليه السلام. فرحب بالابن الصالح والنبي الصالح ودعا له بخير. ثم ذهب به إلى سدرة المنتهى، وهي شجرة تشبه شجر السدر من جهة وتخالفه من جهات، ليس ورقها رقيقا كورقه، ولكنه كآذان الفيلة، وليس نبقها صغيرا كنبقه، ولكنه كقلال هجر، يغشاها خلق من خلق الله، ملائكة الله وجنده، وكأنهم الطير أو الفراش، في صفاء الذهب ولمعانه، وفي ضوء الشمس ونور القمر، فإذا غشيها من أمر الله ما غشى أصبحت شعلة من نور، ترد الطرف، فلا يستطيع مخلوق أن يصفها لحسنها وجمالها، شجرة عندها جنة المأوى، وأدخلها صلى الله عليه وسلم، فإذا فيها قباب من اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك الأذفر، ورأى صلى الله عليه وسلم أربعة أنهار: نهران ظاهران، ونهران باطنان. فقال: ما هذه الأنهار يا جبريل؟ فقال له: أما الظاهران فهما يشبهان النيل والفرات حلاوة وعذوبة، وأما الباطنان فهما نهران بالجنة، نهر الرحمة ونهر الكوثر. ثم جيء له بثلاثة آنية مغطاة. فقال له جبريل: يا محمد. ألا تشرب مما سقاك الله؟ فتناول أحدها، فإذا هو عسل، فشرب منه قليلا. ثم تناول الآخر، فإذا هو لبن، فشرب منه حتى روي. فقال له جبريل: ألا تشرب من الثالث؟ قال: قد رويت. قال جبريل: وفقك الله. الحمد لله الذي هداك للفطرة، لو أخذت الثالث -وفيه خمر- لغويت وغويت أمتك. ثم رفع له البيت المعمور. فقال: ما هذا يا جبريل؟ قال: البيت المعمور، يزوره الملائكة كما يزور بنو آدم الكعبة، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم يخرجون منه، لا يعودون إليه أبدا. ثم أمر صلى الله عليه وسلم بالعروج وحده، فقال: يا جبريل. أههنا يترك الخليل خليله؟ قال: يا محمد وما منا إلا له مقام معلوم، لو تقدمت أنت لاخترقت، ولو تقدمت أنا لاحترقت، فصعد صلى الله عليه وسلم إلى مستوى يسمع فيه صريف الأقلام، وغشيه النور من كل مكان، فقال: التحيات لله المباركات الصلوات، فسمع الصوت الكريم يقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فقال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. ثم فرض الله عليه وعلى أمته خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فرجع بها صلى الله عليه وسلم حتى جاء موسى عليه السلام في السماء السادسة فقال له: يا محمد. ماذا فرض الله عليك وعلى أمتك؟ قال: خمسين صلاة في اليوم والليلة قال: فارجع إلى ربك فاسأله أن يخفف عنكم، فإن أمتك لا تطيق ذلك، وقد خبرت بني إسرائيل قبلك، فرض عليهم ركعتان فعجزوا عنهما، وهم أشد من أمتك قوة وأعظم أجساما فرجع صلى الله عليه وسلم إلى حيث ناجى ربه أولا ، فقال: رب أسألك التخفيف عن أمتي، فحط عنه خمسا، فرجع إلى موسى فأخبره، فرده إلى ربه يسأله التخفيف، فحط عنه خمسا، وهكذا أخذ يتردد بين موسى وربه، حتى صارت خمسا، وسمع النداء: يا محمد. أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي، هن خمس في العمل وخمسون في الأجر، والحسنة بعشر أمثالها، لا يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد. ورجع صلى الله عليه وسلم إلى مكة في نفس الليلة، فلما أصبح جلس يفكر، كيف يبلغ قومه، وهم يكذبونه فيما هو أقرب من ذلك، فمر به عدو الله أبو جهل، فقال له ساخرا: هل كان من شيء يا محمد؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أسري بي الليلة إلى بيت المقدس. قال: ثم أصبحت بين أظهرنا؟ قال: نعم. قال: فإن دعوت قومك أتحدثهم بذلك؟ قال: نعم. قال: يا معشر بني كعب ابن لؤي. فانفضت إليه المجالس، حتى جاءوا إليهما. فقال: حدث قومك بما حدثتني، فحدثهم فمن بين مصفق، ومن بين واضع يده على رأسه متعجبا. قال أحدهم: إن الرجل منا يضرب آباط الإبل شهرا ذهابا وشهرا عودة، وتذهب وتعود أنت في ليلة واحدة؟ قال: نعم. فقال رجل من القوم: هل مررت بإبل لنا في طريقك؟ قال: نعم. والله قد وجدتهم قد أضلوا بعيرا لهم، فهم في طلبه. ومررت بإبل فلان انكسرت لهم ناقة حمراء. قالوا: فأخبرنا عن عدتها، وما فيها من الرعاة. وكان عن عدتها مشغولا، فرفع الله له الإبل فعدها وأخذ يخبرهم عما فيها من الرعاة، قال له المطعم بن عدي- وكان قد رأى مسجد بيت المقدس، ويعلم أن محمدا لم يكن رآه قبل ذلك- قال له: هل تستطيع أن تصف لنا المسجد؟ فطفق يخبرهم عن أوصافه، قالوا: كم له من باب؟ ولم يكن قد عدها صلى الله عليه وسلم، قال: فكربت كربا لم أكرب مثله قط، فرفع الله له بيت المقدس، فجعل ينظر إليه ويخبرهم. قال: ما يسألوني عن شيء إلا نبأتهم به. وحدث صلى الله عليه وسلم أصحابه عن الأنبياء الذين لقيهم، وأفاض في وصف كثير منهم، وتخيل عن طريق الوحي - حين مر بأصحابه على وادي الأزرق الواقع بين مكة والمدينة، تخيل موسى عليه السلام هابطا من ثنية هرشى المشرفة على هذا الوادي متجها نحو الكعبة يحجها ملبيا بصوت جهوري مرتفع، وقد وضع أصبعيه في أذنيه، كما تخيل في هذا المكان يونس عليه السلام راكبا ناقة حمراء، خطامها ليف، وعليه جبة من الصوف، مارا بهذا الوادي، بل قاصدا حج بيت الله الحرام، كما صور له عيسى عليه السلام رجلا أسمر جميل المنظر، له شعر يتدلى مجاوزا شحمة الأذنين، قد رجله وسرحه تسريحا جميلا، كأنه يقطر ماء لبهائه ونظافته، يعتمد على عواتق رجلين يطوف بالبيت، فأخبر أصحابه بذلك، مشيرا إلى أن دينه الإسلام هو الجامع للديانات الخاتم لها المصدق من قبل الأنبياء السابقين. وهكذا كان الإسراء والمعراج آية من آيات الله الكبرى، واشتمل على كثير من الآيات العظمى، فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون، وأما الذين كفروا المعاندون فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون. المباحث العربية الرواية الأولى (أتيت بالبراق) بضم الباء وتخفيف الراء، قال أبو دريد: مشتق من البرق -يعني لسرعته- وقيل: مشتق من البريق، وسمي بذلك لكونه ذا لونين. يقال: شاة برقاء إذا كان في خلال صوفها الأبيض طاقات سود، ولا ينافيه وصفه في الحديث بأن البراق أبيض، لأن البرقاء من الغنم معدودة في البيض. (وهو دابة أبيض طويل) الدابة ما دب من الحيوان، وغلب على ما يركب، ويقع على المذكر، فتذكير أبيض طويل لهذا الاعتبار. (يضع حافره عند منتهى طرفه) الطرف بفتح الطاء وسكون الراء: البصر، وفي رواية للبخاري يضع خطوه عند أقصى طرفه أي رجله عند منتهى ما يرى بصره. (حتى أتيت بيت المقدس) قال النووي: بيت المقدس فيه لغتان مشهورتان غاية الشهرة، إحداهما بفتح الميم وإسكان القاف وكسر الدال المخففة، والثانية بضم الميم وفتح القاف والدال المشددة. قال الواحدي: أما من شدده فمعناه المطهر، وأما من خففه فمعناه بيت المكان الذي جعل فيه الطهارة، وتطهيره إخلاؤه من الأصنام، وإبعاده منها، قال الزجاج: أي المكان الذي يطهر فيه من الذنوب، ويقال له أيضا إيلياء. (قال فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء) الحلقة بإسكان اللام على اللغة الفصيحة المشهورة، وحكى الجوهري وغيره فتح اللام أيضا، وقوله التي يربط به كذا هو في الأصول به بضمير المذكر، وكان الظاهر أن يقول بها لكنه أعاده على معنى الحلقة، وهو الشيء. قال صاحب التحرير: المراد حلقة باب مسجد بيت المقدس. (اخترت الفطرة) فسروا الفطرة هنا بالإسلام والاستقامة، قال النووي: ومعناه- والله أعلم- اخترت علامة الإسلام والاستقامة، وجعل اللبن علامة لكونه سهلا طيبا، طاهرا سائغا للشاربين، سليم العاقبة، وأما الخمر فإنها أم الخبائث، وجالبة لأنواع من الشر في الحال والمآل. (ثم عرج بنا) بفتح العين والراء، أي صعد جبريل بي وبنفسه. (فاستفتح جبريل) أي طلب الفتح. (وقد بعث إليه؟) مراد بواب السماء، وقد بعث إليه للإسراء وصعود السموات؟ وليس مراده الاستفهام عن أصل البعثة والرسالة، فإن ذلك لا يخفى عليه، هذا هو الصحيح. (فإذا أنا بابني الخالة) قال الزهري: قال ابن السكيت: يقال: هما ابنا عم، ولا يقال: هما ابنا خال، ويقال: هما ابنا خالة ولا يقال ابنا عمة. (إلى السدرة المنتهى) هكذا وقع في الأصول السدرة بالألف واللام، وفي الروايات بعد هذا سدرة المنتهى والسدرة شجرة النبق، وسميت سدرة المنتهى لأن علم الملائكة ينتهي عندها، ولم يجاوزها أحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ابن عباس والمفسرون، وقيل: لكونها ينتهي عندها ما يهبط من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر الله تعالى، وقيل: إليها منتهى أرواح الشهداء. (وإذا ثمرها كالقلال) بكسر القاف، وجمع قلة بضمها، والقلة جرة عظيمة تسع قربتين أو أكثر، يريد أن ثمرها في الكبر مثل القلال وكانت معروفة عند المخاطبين، فلذلك وقع التمثيل بها، قال الخطابي: وهي التي وقع تحديد الماء الكثير بها في قوله: إذا بلغ الماء قلتين. (فلما غشيها من أمر الله ما غشى) أي فلما أتاها وغطاها ما غطى وما موصول، فاعل غشيها والموصول من صيغ العموم، فيفيد التعميم والتهويل، أي فلما غشيها من أمر الله الشيء الكثير الهائل الذي غشى، قال الألوسي: وفي إبهام ما يغشى من التفخيم ما لا يخفى، فكأن الغاشي أمر لا يحيط به نطاق البيان. وفي رواية فغشيها ألوان لا أدري ما هي وفي الرواية العشرين، قال ابن مسعود: يغشاها فراش من ذهب وعن أنس: جراد من ذهب قال البيضاوي: ذكر الفراش وقع على سبيل التمثيل، لأن من شأن الشجر أن يسقط عليها الجراد وشبهه، وجعلها من الذهب لصفاء لونها وإضاءتها في نفسها. اهـ. قال الحافظ ابن حجر: ويجوز أن يكون من الذهب حقيقة، ويخلق الله فيه الطيران، والقدرة صالحة لذلك. وعن ابن عباس: يغشاها الملائكة، وفي حديث أبي سعيد عند البيهقي على كل ورقة منها ملك. (تغيرت) في رواية عند ابن مردويه تحولت قوتا ونحو ذلك. (فرجعت إلى ربي) أي رجعت إلى الموضع الذي ناجيته منه أولا، فناجيته فيه ثانيا. ففي الكلام محذوفان، والأصل: فرجعت إلى مكان مناجاة ربي. الرواية الثانية (فشرح عن صدري) أي شق، كما في الرواية الثالثة. (ثم أنزلت) أي ثم صرفت إلى موضعي الذي حملت منه، وقيل: أنزلت بمعنى تركت، وحكي عن ابن السراج أن أنزلت بمعنى تركت صحيح في جميع اللغة، وقيل: هذا وهم من الرواة وإن كان في الأصول والنسخ، وصوابه تركت وقيل: إن هذا طرف من الحديث، وتمامه ثم أنزلت على طست من ذهب مملوءة حكمة وإيمانا. الرواية الثالثة (ثم غسله في طست) بفتح الطاء وإسكان السين، وكسر الطاء لغة، والمشهور الفتح، وهي مؤنثة، وهي إناء معروف، ويقال فيها طس بتشديد السين وحذف التاء، وطسة بتشديد السين مع التاء، وجمعها طساس وطسوس وطسات. (ثم لأمه) بفتح اللام والهمزة على وزن ضربه، ومعناه جمعه وضم بعضه إلى بعض. (إلى أمه -يعني ظئره-) بكسر الظاء، بعدها همزة ساكنة، وهي المرضعة، ويقال أيضا لزوج المرضعة ظئر. (وهو منتقع اللون) بالقاف المفتوحة، أي متغير اللون، قال أهل اللغة: امتقع لونه، فهو ممتقع، وانتقع، فهو منتقع، وابتقع، فهو مبتقع فيه ثلاث لغات، والقاف مفتوحة فيهن، قال الجوهري وغيره: والميم أفصحهن، ومعناه تغير من حزن أو فزع. (كنت أرى أثر ذلك المخيط) بكسر الميم، وإسكان الخاء، وفتح الياء، وهي الإبرة. الرواية الرابعة (عن ليلة أسري) تقول: أسرى وسرى إذا سار ليلا، هذا قول الأكثر، وقيل: أسرى سار أول الليل، وسرى سار من آخره. (ثلاثة نفر) الإضافة بيانية، والتقدير: ثلاثة أي نفر، والنفر من ثلاثة إلى عشرة من الرجال ليس بينهم امرأة. الرواية الخامسة (ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإيمانا) قدمنا أن الطست مؤنثة فالتذكير في ممتلئ على معناها، وهو الإناء. (فأفرغها في صدري) ضمير المفعول في فأفرغها يعود على الطست على اللفظ، وقيل: يعود على الحكمة، والأول أظهر، لأن عوده على الطست يكون تصريحا بإفراغ الإيمان والحكمة، وعلى القول الثاني يكون إفراغ الإيمان مسكوتا عنه. وجعل الإيمان والحكمة في طست وإفراغهما مع أنهما معنيان، وهذه صفة الأجسام، معناه أن الطست كان فيها شيء يحصل به كمال الإيمان والحكمة وزيادتهما، فسمي إيمانا وحكمة، لكونه سببا لهما، وهذا من أحسن المجاز: قاله النووي. (فإذا رجل عن يمينه أسودة) جمع سواد كأزمنة وزمان. قال أهل اللغة: السواد الشخص، وقيل: السواد الجماعات. (مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح) مرحبا أي أصاب رحبا وسعة، وكني بذلك عن الانشراح، واقتصر الأنبياء على وصفه بالصلاح، وتواردوا عليها، لأن الصلاح صفة تشمل خلال الخير، والصالح هو الذي يقوم بما يلزمه من حقوق الله وحقوق العباد، فمن هنا كانت كلمة جامعة لمعاني الخير. (نسم بنيه) بفتح النون والسين، الواحدة نسمة، قال الخطابي وغيره: هي نفس الإنسان، والمراد أرواح بني آدم. الرواية السادسة (حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام) ظهرت بمعنى علوت، والمستوى المصعد، وقيل المكان المستوي، وصريف الأقلام تصويتها حال الكتابة، قال الخطابي: هو صوت ما تكتبه الملائكة من أقضية الله تعالى ووحيه، وما ينسخونه من اللوح المحفوظ، أو ما شاء الله تعالى من ذلك أن يكتب. (حتى أمر بموسى) عبر بالمضارع بدل الماضي، لاستحضار الصورة، والأصل حتى مررت بموسى. (فوضع شطرها) الشطر يطلق على النصف، ويطلق على البعض والجزء، والمراد هنا الثاني، وفي الرواية الأولى فحط عني خمسا وفي بعض الروايات فوضع عني عشرا. قال ابن المنير: ذكر الشطر أعم من كونه وقع في دفعة واحدة. وقال الحافظ ابن حجر: وكذا العشر، فكأنه وضع العشر على دفعتين، والشطر [باعتباره النصف] في خمس دفعات، والتحقيق أن التخفيف خمسا خمسا. (ثم انطلق بي جبريل حتى نأتي سدرة المنتهى) هكذا هو في الأصول حتى نأتي فالتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة العجيبة، والأصل حتى أتينا، وفي بعض الأصول حتى أتى قال النووي: وكلاهما صحيح. (جنابذ اللؤلؤ) الجنابذ بالجيم المفتوحة وبعدها نون مفتوحة، ثم ألف، ثم باء، ثم ذال، هي القباب، واحدتها جنبذة بالضم. وفي رواية للبخاري حبائل قال الخطابي وغيره: وهو تصحيف. واللؤلؤ معروف، وفيه أربعة أوجه، بهمزتين، وبحذفهما، وبإثبات الأولى دون الثانية، وعكسه. (سمعت قائلا يقول: أحد الثلاثة بين الرجلين) القائل جبريل، والمقول له مرافقوه من الملائكة، وأحد خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: هو [أي محمد] أحد الثلاثة، والمراد من الرجلين حمزة وجعفر وكان صلى الله عليه وسلم نائما بينهما. (فشرح صدري إلى كذا وكذا) أي شق صدري وإلى كذا وكذا كناية عن نهاية الشق، وفسره الراوي بأنه إلى أسفل بطنه. الرواية السابعة (ولنعم المجيء جاء) قيل: المخصوص بالمدح محذوف، وفيه تقديم وتأخير، والتقدير: جاء ولنعم المجيء مجيئه، وقال ابن مالك: في هذا الكلام شاهد على الاستغناء بالصلة عن الموصول، أو الصفة عن الموصوف في باب نعم إلا أنها تحتاج إلى فاعل هو المجيء، وإلى مخصوص بمعناها، وهو مبتدأ، مخبر عنه بنعم وفاعلها، فهو في هذا الكلام وشبهه موصول أو موصوف بجاء، والتقدير: نعم المجيء الذي جاء، أو نعم المجيء مجيء جاءه، وكونه موصولا أجود، لأنه مخبر عنه، والمخبر عنه إذا كان معرفة أولى من كونه نكرة. اهـ. (ورأيت أربعة أنهار يخرج من أصلها) قال النووي: هكذا هو في أصول صحيح مسلم يخرج من أصلها والمراد من أصل سدرة المنتهى، كما جاء مبينا في صحيح البخاري وغيره. اهـ. والرواية التي أشار إليها هي ورفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها كأنه قلال هجر، وورقها كأنه آذان الفيول، في أصلها أربعة أنهار: نهران باطنان، ونهران ظاهران إلخ. (أصبت، أصاب الله بك، أمتك على الفطرة) مفعول أصبت محذوف، أي أصبت الفطرة، ومفعول أصاب محذوف أيضا، أي أصاب الله بك الفطرة والخير، أي جعلك سببا في إصابة أمتك الفطرة، وقال النووي: معنى أصاب الله بك، أي أراد بك الفطرة والخير والفضل، قد جاء أصاب بمعنى أراد، قال الله تعالى: {فسخرنا له الريح تجري بـأمره رخاء حيث أصاب} [ص: 36] أي حيث أراد. وأما قوله: أمتك على الفطرة فمعناه أنهم أتباع لك، وقد أصبت الفطرة، فهم يكونون عليها. اهـ. (إذا خرجوا منه لم يعودوا فيه، آخر ما عليهم) قال صاحب مطالع الأنوار: رويناه آخر بالرفع والنصب، فالنصب على الظرف، والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: ذلك آخر ما عليهم. (فشق من النحر إلى مراق البطن) بفتح الميم وتشديد القاف، وهو ما سفل من البطن ورق من الجلد، قال الجوهري: لا واحد لها. الرواية الثامنة (موسى آدم طوال) الأدمة في الإنسان السمرة، يقال: أدم كعلم وكرم، فهو آدم بفتح الدال، أي أسمر، وطوال بضم الطاء وتخفيف الواو، أي طويل. (كأنه من رجال شنوءة) قبيلة معروفة. قال النووي: الشنوءة التقزز والتباعد عن الأدناس، ومنه أزد شنوءة، وهم حي من اليمن وفي القاموس: أزد بن الغوث أبو حي باليمن. اهـ . وكأن وجه الشبه بين موسى وبين رجال أزد شنوءة ما بدا عليه من الترفع والاعتزاز. (عيسى جعد مربوع) المربوع هو رجل بين الرجلين في القامة ليس بالطويل البائن، وليس بالقصير الحقير، وأما الجعد، فقد تطلق على جعد الجسم، وجعد الشعر، فجعودة الجسم اجتماعه واكتنازه، وجعودة الشعر هي القطط، أو بين القطط والسبط، ولما كانت الرواية التالية تصف عيسى بأنه سبط الرأس - أي مسترسل الشعر ليس فيه تكسر - كان المراد في وصفه جعودة الجسم. الرواية التاسعة (وأري مالكا) هو بضم الهمزة وكسر الراء، ومالكا بالنصب، ووقع في أكثر الأصول مالك ووجهه النووي بأن لفظة مالك منصوبة، ولكن أسقطت الألف في الكتابة، وهذا يفعله المحدثون كثيرا فيكتبون: سمعت أنس بغير ألف، ويقرءونه بالنصب، وكذلك مالك كتبوه بغير ألف، ويقرءونه بالنصب. (فلا تكن في مرية من لقائه) جمهور المحققين على أن المعنى فلا تكن في شك من لقاء موسى الكتاب، لكن الراوي استدل بتفسير قتادة للآية وأن معناها فلا تكن في شك من لقائه موسى. الرواية العاشرة (هابطا من الثنية) في القاموس: الثنية العقبة أو طريقها، أو الجبل. اهـ والمراد هنا الجبل المشرف على واد الأزرق. أي هابطا من هذا الجبل، مارا بهذا الوادي. (وله جؤار إلى الله بالتلبية) الجؤار بضم الجيم، وبالهمز: رفع الصوت. (ثم أتى على ثنية هرشى) بفتح الهاء، وسكون الراء وبالشين مقصورة جبل على طريق الشام والمدينة قريب من الجحفة. (خطام ناقته خلبة) الخطام بكسر الخاء هو الحبل الذي يقاد به البعير، يجعل على خطمه أي مقدم أنفه، والخلبة بضم الخاء، وسكون اللام وقد تضم، وفتح الباء، هي الليف. الرواية الحادية عشرة (واضعا إصبعيه في أذنيه) في الإصبع عشر لغات، كسر الهمزة وفتحها وضمها، مع فتح الباء وكسرها وضمها، فهذه تسع، والعاشرة أصبوع مثل عصفور، وفي الكلام مجاز مرسل علاقته الجزئية والكلية فإن الذي يوضع في الأذنين جزءان من أصبعين. (خطام ناقته ليف خلبة) روي بتنوين ليف وروي بإضافته إلى خلبة فمن نون جعل خلبة بدلا أو عطف بيان، ومن أضاف جعل الإضافة بيانية. الرواية الثانية عشرة (فذكروا الدجال فقال) أي قال قائل من الحاضرين، وفي رواية فقالوا وحاصل الرواية أن ابن عباس لم يسمع أن الدجال مكتوب بين عينيه كافر، ثم جاءت روايته خالية عن ذكر الدجال. الرواية الخامسة عشرة (أراني ليلة عند الكعبة) أراني بفتح الهمزة، والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة، والأصل رأيتني، وهو صالح لليقظة والمنام، وسيأتي في فقه الحديث إيضاحه. (كأحسن ما أنت راء من آدم الرجال) الخطاب لكل من يتأتى خطابه أي كأحسن ما يرى كل إنسان من سمرة الرجال. (له لمة .. قد رجلها، فهي تقطر ماء) اللمة، بكسر اللام وتشديد الميم، وجمعها لمم، مثل قربة وقرب: هي الشعر المتدلي، الذي جاوز شحمة الأذنين، فإذا بلغ المنكبين فهو جمة، ورجلها بتشديد الجيم سرحها بمشط مع ماء أو غيره، وقوله فهي تقطر ماء إما على ظاهره لقرب الترجيل بالماء، وإما كناية عن النضارة والحسن. (أو على عواتق رجلين) العاتق موضع الرداء من المنكب، أو ما بين المنكب والعنق، والمنكب مجتمع رأس الكتف والعضد. ولكل رجل عاتقان ومنكبان، والمتكئ بيديه على عاتقي رجلين يضع كل يد على عاتق فمقابلة المثنى بمثنى تقتضي القسمة آحادا، أما جمع عاتق في روايتنا فلأنهم كرهوا إضافة المثنى للمثنى، فأحيانا يجمعون المضاف، كقوله تعالى {فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4] وكما في هذه الرواية عواتق رجلين وأحيانا يفردون المضاف، وأحيانا يبقونه على تثنيته، ويمكن تصور جمع عواتق على حقيقته بأن يكون المتكئ قد مد يده خلف رقبة كل من الرجلين واستند على عاتقي كل منهما فيكون مستندا على عواتق أربعة. (إذا أنا برجل جعد قطط) بفتح القاف والطاء، وروي بكسر الطاء الأولى، أي شديد القصر، قال بعضهم: الجعد في صفة الرجال ذم، وفي صفة عيسى عليه السلام مدح. الرواية السادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة (أعور عين اليمنى) هو عند الكوفيين على ظاهره من الإضافة، وعند البصريين بتقدير محذوف، أي أعور عين صفحة وجهه اليمنى. (كأنها عنبة طافية) أي ناتئة بارزة، وروي طافئة بالهمز، أي ذهب ضوؤها. (فجلا الله لي بيت المقدس) وروي فجلا بتخفف اللام وتشديدها ومعناهما كشف وأظهر. (ينطف رأسه ماء، أو يهراق رأسه ماء) نطف الماء ينطف، من باب نصر وضرب: أي سال، وأهرق الماء: صبه، أي يسيل الماء من رأسه، أو ينصب الماء من رأسه. الرواية التاسعة عشرة والمتممة للعشرين (فكربت كربة ما كربت مثله قط) قال الجوهري: الكربة بالضم الغم الذي يأخذ النفس، والضمير في مثله يعود على معنى الكربة، وهو الكرب، أو الغم أو الهم، أو الشيء. (ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به) حذفت إحدى النونين، والأصل ما يسألونني، نون الرفع ونون الوقاية، وحذف إحدى النونين جائز تخفيفا، وقد قرئ قوله {أتحاجوني في الله} [الأنعام: 80] بحذف إحدى النونين وبإدغامهما، وبثبوتهما مخففتين. (المقحمات) بضم الميم وإسكان القاف وكسر الحاء معناه: الذنوب العظام الكبائر التي تهلك صاحبها وتورده النار وتقحمه إياها، والتقحم: الوقوع في المهالك، ومعنى الكلام: من مات من هذه الأمة غير مشرك بالله غفر له المقحمات، قال النووي: والمراد بغفرانها أنه لا يخلد في النار، ويحتمل أن يكون المراد بهذا بعض مخصوص من الأمة، أي يغفر لبعض الأمة المقحمات قال: وهذا يظهر على مذهب من يقول: إن لفظة من لا تقتضي العموم مطلقا، وعلى مذهب من يقول: إنها لا تقتضي العموم في الأخبار، وإن اقتضته في الأمر والنهي. فقه الحديث بعد قراءة روايات هذا الحديث يجد القارئ نفسه أمام تساؤلات كثيرة: هل كان الإسراء والمعراج يقظة أو مناما؟ ومن أين بدأ؟ وما سر اختيار بيت المقدس نهاية له؟ وبداية للمعراج؟ وما الحكمة في كون وسيلته ركوب البراق؟ وما حقيقة شق الصدر؟ ومتى كان؟ وماذا رأى من آيات ربه الكبرى في إسرائه وفي معراجه؟ وما حقيقة ما رأى؟ وما وجه اختصاص من ذكر من الأنبياء؟ ولم كانت مراكزهم في السموات كذلك؟ وماذا نأخذ من الحديث من الأحكام والعبر؟ . ونجيب عن هذه التساؤلات بنفس ترتيبها، ونزيد عليها ما يتطلبه شرح الحديث، فنقول وبالله التوفيق: هل كان الإسراء يقظة أو مناما؟ ذهب الجمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين إلى أن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة، في اليقظة، بجسد النبي صلى الله عليه وسلم وروحه، بعد المبعث. قال الحافظ ابن حجر: وتواردت على ذلك ظواهر الأخبار الصحيحة ولا ينبغي العدول عن ذلك، إذ ليس في العقل ما يحيله، حتى يحتاج إلى تأويل. اهـ. وذهب قليل من العلماء إلى أن الإسراء والمعراج كانا مناما، تشبثا، بقوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} [الإسراء: 60] على أن المراد بها ما رأى ليلة الإسراء، والرؤيا بالقصر ما يرى في المنام، وتشبثا ببعض الروايات التي يدل ظاهرها على أنه كان في المنام، وهذا القول مردود من وجوه. الأول: أنه ثبت أن قريشا كذبوه في الإسراء، واستبعدوا وقوعه، ولو كان مناما لما كذبوه، ولا استنكروه، لجواز وقوع مثل ذلك وأبعد منه لآحاد الناس. الثاني: أن الله تعالى ذكر الإسراء في كتابه بصيغة التنزيه له والتعجيب للحادث، والتشريف لنبيه فقال: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا} [الإسراء: 1] ولو كان مناما لم يستحق ذلك. الثالث: أن الله تعالى أثبت رؤيا القلب بقوله: {ما كذب الفؤاد ما رأى} [النجم: 11] ورؤيا العين بقوله: {ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى} [النجم: 17 - 18] وأما قولهم: إن الرؤيا بالقصر مختص برؤيا المنام، فيمكن رد هذا الاستدلال عليهم بأن هذا الاستعمال هنا في رؤيا العين دليل على أن هذا اللفظ ليس خاصا بالمنام. وأما الروايات التي استندوا إلى ظاهرها، كرواية البخاري: بينا أنا عند البيت مضطجعا بين النائم واليقظان إذ أتاني... إلخ ورواية بينا أنا نائم فإنها محمولة على ابتداء الحال، ثم صار إلى اليقظة الكاملة صلى الله عليه وسلم. وذهب بعضهم إلى أن الإسراء والمعراج كانا بالروح لا بالجسد، وقالوا: ينبغي أن يعلم الفرق بين قولهم: كان الإسراء مناما وبين قولهم: بروحه دون جسده، فإن بينهما فرقا، فإن الذي يراه النائم قد يكون حقيقة بأن تصعد الروح مثلا إلى السماء، وقد يكون من ضرب المثل بأن يرى النائم ذلك وروحه لم تصعد أصلا، فمعنى أسري بروحه ولم يصعد جسده أن روحه عرج بها حقيقة، فصعدت، ثم رجعت، وجسده باق في مكانه خرقا للعادة. اهـ قال الحافظ ابن حجر: وظاهر الأخبار الواردة في الإسراء تأبى الحمل على ذلك. وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن ذلك كله وقع مرتين، مرة في المنام توطئة وتمهيدا، ومرة ثانية في اليقظة، جمعا بين ظواهر ما ورد، وجوز بعض قائلي ذلك أن تكون قصة المنام وقعت قبل المبعث، لما جاء في بعض الروايات من قول الراوي وذلك قبل أن يوحى إليه. وذهب جماعة إلى أن الإسراء كان في اليقظة، والمعراج كان في المنام أو أن الاختلاف في كونه يقظة أو مناما خاص بالمعراج لا بالإسراء، واستدلوا على ذلك بدليلين: الأول: أن قريشا كذبوه في الإسراء واستبعدوا وقوعه، ولم يتعرضوا للمعراج، ولو أنه أخبرهم بالمعراج يقظة لكان أولى بالتكذيب. الثاني: أن الله تعالى ذكر الإسراء على وجه التنزيه والتعجيب والتشريف، ولو أن المعراج وقع في اليقظة لكان أبلغ في الذكر، فلما لم يقع ذكره في هذا الموضع، مع كون شأنه أعجب، وأمره أغرب من الإسراء بكثير دل على أنه كان مناما. وأجيب عن الأول باحتمال أنه صلى الله عليه وسلم لما بادءوه بالتكذيب في الإسراء لم يسترسل معهم بذكر المعراج، أو أنه ذكره لهم لكن لم يقع منهم في شأنه اعتراض لأن ذلك عندهم من جنس قوله: إن الملك يأتيه من السماء في أسرع من طرفة عين، وكانوا يعتقدون استحالة ذلك، لكنهم لا يجدون طريقا واضحا لتكذيبه، بخلاف إخباره أنه جاء بيت المقدس في ليلة واحدة، ورجع، فإنهم صرحوا بتكذيبه فيه، وطلبوا منه نعت بيت المقدس، لمعرفتهم به، وعلمهم بأنه ما كان رآه قبل ذلك، فأمكنهم استعلام صدقه في ذلك، بخلاف المعراج. وعن الثاني بأنه لما كان الإسراء هو مناط التكذيب كان الجدير بالذكر للرد عليهم، وإن كان المعراج أعجب. والله أعلم. وذهب جماعة إلى أن الإسراء كان في ليلة، والمعراج كان في أخرى اعتمادا على أن بعض الروايات اقتصرت على الإسراء، وبعضها اقتصر على المعراج، وهو مردود ومحمول على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر. وذهب قوم جمعا بين الروايات إلى أن الإسراء وقع مرتين مرة على انفراد، ومرة مضموما إليه المعراج وكلاهما في اليقظة، وأن المعراج وقع مرتين: مرة في المنام على انفراد، ومرة مضموما إلى الإسراء في اليقظة. قال الحافظ ابن حجر: إن من المستبعد وقوع التعدد في قصة المعراج التي وقع فيها سؤاله عن كل نبي، وسؤال أهل كل باب: هل بعث إليه؟ وفرض الصلوات الخمس. وغير ذلك، فإن تعدد ذلك في اليقظة لا يتجه فيتعين رد الروايات المختلفة إلى بعض، أو الترجيح، إلا أنه لا بد في وقوع ذلك في المنام توطئة، ثم وقوعه في اليقظة على وفقه. اهـ. من أين بدأ الإسراء؟ : ظاهر الرواية الرابعة والسابعة أنه بدأ من المسجد الحرام، إذ فيهما وهو نائم في المسجد الحرام وبينا أنا عند البيت. لكن الرواية الخامسة تقول فرج سقف بيتي، وأنا بمكة، فنزل جبريل إلخ، وفي رواية الواقدي أنه أسري به من شعب أبي طالب، وعند الطبراني عن أم هانئ أنه بات في بيتها، قالت: ففقدته من الليل، فقال: إن جبريل أتاني... إلخ. قال الحافظ ابن حجر: والجمع بين هذه الأقوال أنه نام في بيت أم هانئ وبيتها عند شعب أبي طالب، ففرج سقف بيته [وأضاف البيت إلى نفسه لكونه كان يسكنه] فنزل منه الملك، فأخرجه من البيت إلى المسجد فكان به مضطجعا وبه أثر النعاس، ثم أخرجه الملك إلى باب المسجد فأركبه البراق. وقد اختلف العلماء في سنة الإسراء والمعراج اختلافا كثيرا، فقيل: كان قبل المبعث، وهو شاذ، إلا إن حمل على أنه وقع حينئذ في المنام. وقيل: كان قبل الهجرة بسنة وشهرين، وقيل: بسنة وثلاثة أشهر. وقيل بسنة وخمسة أشهر، وقيل: قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل: كان قبل الهجرة بخمس سنين، وقال ابن سعد وغيره: كان قبل الهجرة بسنة، وبه جزم النووي، وبالغ ابن حزم فنقل الإجماع فيه، قال الحافظ ابن حجر: وادعاء الإجماع مردود بالخلاف السابق. اهـ. وقد استدل القائلون بأنه كان قبل الهجرة بخمس سنين بأنه لا خلاف أن خديجة صلت معه بعد فرض الصلاة، ولا خلاف أنها توفيت قبل الهجرة إما بثلاث، أو بخمس، أو نحوهما، ولا خلاف أن فرض الصلاة كان في ليلة الإسراء. ورد هذا الاستدلال بأن عائشة جزمت بأن خديجة ماتت قبل أن تفرض الصلاة، وبأنهم قد اختلفوا في فرض الصلاة، فقيل كان من أول البعثة، وكان ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي، وإنما الذي فرض ليلة الإسراء الصلوات الخمس. وبناء على هذين الردين يحمل قول عائشة على أن مرادها قبل أن تفرض الصلوات الخمس، ويحمل القول بأنها ماتت بعد أن فرضت الصلاة، وأنها كانت تصلي معه على الصلاة التي قبل الصلوات الخمس، فيجمع بذلك بين القولين، ويرد ذلك الاستدلال، ويسلم القول بأن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة أو نحوها. وسر اختيار بيت المقدس غاية للإسراء وبداءة للمعراج علمه عند الله. وما ذكره العلماء في ذلك لا يمثل سرا أو حكمة، ولكنه تلمس واجتهاد لا بأس به، نذكر منه ما قيل من أن باب السماء الذي يقال له مصعد الملائكة يقابل بيت المقدس، فحصل الإسراء إليه قبل العروج ليحصل العروج مستويا من غير تعويج، ورده الحافظ ابن حجر، وقال: بل كان المناسب أن يصعد من مكة ليصل إلى البيت المعمور من غير تعويج، لأنه صعد من سماء إلى سماء إلى البيت المعمور، والبيت المعمور حيال الكعبة، فلا يصح أن يكون السر عدم التعويج. وقيل: الحكمة في ذلك أن يجمع صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة بين رؤية القبلتين، وقيل: لأن بيت المقدس كان هجرة غالب الأنبياء قبله فحصل له الرحيل إليه في الجملة، ليجمع بين أشتات الفضائل، وقيل: لأنه محل الحشر، وغالب ما اتفق له في تلك الليلة يناسب الأحوال الأخروية فكان المعراج منه أليق بذلك، وقيل: للتفاؤل بحصول أنواع التقديس له حسا ومعنى، وقيل: ليجتمع بالأنبياء جملة، وقيل: إرادة إظهار الله معاندة من يعارض، لأنه لو عرج به من مكة إلى السماء لم يجد لمعاندة الأعداء سبيلا إلى البيان والإيضاح، فلما ذكر أنه أسري به إلى بيت المقدس، سألوه عن تعريفات جزئيات من بيت المقدس كانوا قد رأوها، وعلموا أنه لم يكن رآها قبل ذلك، فلما أخبرهم بها حصل التحقق بصدقه فيما ذكر من الإسراء إلى بيت المقدس في ليلة، وإذا صح خبره في ذلك لزم تصديقه في بقية ما ذكره، فكان ذلك زيادة في إيمان المؤمن، وزيادة في شقاء الجاحد. ويمكن أن يكون جميع ما ذكر بعض الحكمة، وكلها -كما ذكرت- تلمس كالورد يشم ولا يدعك. والله أعلم. وفي وصف البراق بأنه فوق الحمار ودون البغل وبأنه أبيض إشارة إلى أن الركوب كان في سلم وأمن، لا في حرب وخوف، أو لإظهار المعجزة بوقوع الإسراع الشديد بدابة لا توصف بذلك في العادة. وفي حكمة الإسراء به صلى الله عليه وسلم راكبا مع القدرة على طي الأرض له، قيل إنه وقع كذلك تأنيسا له بالعادة، في مقام خرق العادة لأن العادة جرت بأن الملك إذا استدعى من يحبه يبعث إليه بما يركبه. وقال ابن أبي جمرة: خص البراق بذلك إشارة إلى الاختصاص به لأنه لم ينقل أن أحدا ملكه، بخلاف غير جنسه من الدواب. ثم قال: والقدرة كانت صالحة لأن يصل بنفسه من غير براق، لكن ركوب البراق كان زيادة في تشريفه، لأنه لو وصل بنفسه لكان في صورة ماش، والراكب أعز من الماشي. وقد اختلف العلماء في اختصاصه صلى الله عليه وسلم بركوب البراق فذهب الجمهور إلى أنه مركب الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم مستأنسا برواية ابن إسحاق في ذكر الإسراء فاستصعب البراق وكانت الأنبياء تركبها قبله، وكانت بعيدة العهد بركوبهم. لم تكن ركبت في الفترة. وبما في مغازي ابن عائذ عن سعيد بن المسيب قال: البراق: هي الدابة التي كان يزور إبراهيم عليها إسماعيل وبما في كتاب مكة للفاكهي والأزرقي من أن إبراهيم كان يحج على البراق. وبما في كتاب الروض للسهيلي من أن إبراهيم حمل هاجر على البراق لما سار إلى مكة بها وبولدها. كما يستأنس الجمهور برواية للنسائي وابن مردويه عن أنس وكانت تسخر للأنبياء قبله وبرواية للترمذي أتي بالبراق مسرجا ملجما، فاستصعب عليه، فقال جبريل: ما حملك على هذا؟ فوالله ما ركبك خلق قط أكرم على الله منه، قال الحافظ ابن حجر: فهذه آثار يشد بعضها بعضا. اهـ. ونفى جماعة ذلك، وتمسكوا بالخصوصية، وردوا الآثار المذكورة وأولوا قول جبريل بأن معناه ما ركبك أحد قط، فكيف يركبك أكرم منه؟ . وظاهر عبارة الإمام النووي التوقف، إذ قال: قال الزبيدي في مختصر العيني، وتبعه صاحب التحرير: كان الأنبياء يركبون البراق. ثم قال: وهذا يحتاج إلى نقل صحيح. اهـ ونحن إلى التوقف نميل، كما نميل إلى التوقف في ركوب جبريل البراق مع النبي صلى الله عليه وسلم، أو في مصاحبته له ممسكا بالركاب لعدم ركوننا لما جاء في رواية لأبي سعيد في شرف المصطفى، وفيها فكان الذي أمسك بركابه جبريل، وبزمام البراق ميكائيل. ولا لما جاء في حديث ابن مسعود رفعه أتيت بالبراق فركبت خلف جبريل رواه أبو يعلى والحاكم. والله أعلم. وأما قصة شق صدره صلى الله عليه وسلم فإن الرواية الثانية لم تبين متى كان، والرواية الثالثة صريحة وواضحة في أنه حصل وهو غلام صغير يلعب مع الغلمان في بني سعد، وثبت شق الصدر أيضا عند البعثة، والرواية الخامسة تفيد أنه حصل ليلة المعراج، والرواية السابعة تفيد أنه حصل ليلة الإسراء، ولا منافاة بين الرواية الخامسة والسابعة، غاية الأمر أن في سياق الرواية الخامسة حذفا، وأصلها فأفرغها في صدري، ثم أطبقه، ثم أتيت بدابة أبيض... حتى وصلنا إلى بيت المقدس... ثم أخذ بيدي، فعرج بي إلى السماء إلخ، فالشق ليلة الإسراء هو الشق ليلة المعراج، بناء على أنهما كانا في ليلة واحدة. وأما الجمع بين الروايات السابقة ففيه يقول الحافظ ابن حجر: وقع الشق ثلاث مرات، ولكل منها حكمة، فالأول وقع في زمن الطفولة فأخرج من الصدر علقة، وقال: هذا حظ الشيطان منك، فنشأ صلى الله عليه وسلم على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان، ثم وقع الشق عند البعث زيادة في إكرامه، ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي، في أكمل الأحوال من التطهير، ثم وقع شق الصدر عند إرادة العروج إلى السماء ليتأهب للمناجاة. ويحتمل أن تكون الحكمة في هذا الغسل الأخير أن تقع المبالغة في الإسباغ بحصول المرة الثالثة كما تقرر في شرعه صلى الله عليه وسلم. ثم قال: وجميع ما ورد من شق الصدر، واستخراج القلب، وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة، ومما يجب التسليم به، دون التعرض لصرفه عن حقيقته، لصلاحية القدرة، فلا يستحيل شيء من ذلك. ثم نقل عن القرطبي قوله في المفهم: لا يلتفت لإنكار الشق ليلة الإسراء، لأن رواته ثقات مشاهير. اهـ. ويؤيد أن الشق على الحقيقة قول أنس في الرواية الثالثة وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم. وأما ما رآه صلى الله عليه وسلم في إسرائه وفي معراجه من آيات ربه فقد وردت فيه أحاديث وآثار كثيرة، نذكر منها: ما رواه الطبراني والبزار عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم مر بقوم يزرعون ويحصدون، كلما حصدوا عاد كما كان، قال جبريل: هؤلاء المجاهدون، ومر بقوم ترضخ رءوسهم بالصخر، كلما رضخت عادت. قال: هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة، ومر بقوم على عوراتهم رقاع يسرحون كالأغنام. قال: هؤلاء الذين لا يؤدون الزكاة، ومر بقوم يأكلون لحما نيئا خبيثا، ويدعون لحما نضيجا طيبا قال: هؤلاء الزناة، ومر برجل جمع حزمة حطب لا يستطيع حملها، ثم هو يضم إليها غيرها، قال: هذا الذي عنده الأمانة لا يؤديها، وهو يطلب أخرى. ومر بقوم تقرض ألسنتهم وشفاههم، كلما قرضت عادت. قال: هؤلاء خطباء الفتنة، ومر بثور عظيم، يخرج من ثقب صغير، ثم يريد أن يرجع فلا يستطيع، قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة فيندم، فيريد أن يردها فلا يستطيع. وعند البيهقي في الدلائل عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم مر بشيء يدعوه، متنحيا عن الطريق، فقال له جبريل: سر، وأنه مر على عجوز، فقال: ما هذه؟. فقال: سر، وفي آخره فقال: الذي دعاك إبليس، والعجوز الدنيا وعند الطبراني في الأوسط، من حديث أبي أمامة ثم مر بقوم بطونهم أمثال البيوت، كلما نهض أحدهم خر، وأن جبريل قال له: هم آكلوا الربا، وأنه مر بقوم مشافرهم كالإبل، يلقمون حجرا، فيخرج من أسافلهم، وأن جبريل قال له: هؤلاء أكلة أموال اليتامى وعندي أن هذه الأحاديث - إن صحت- هي تصوير للترغيب أو الترهيب، وربما كانت صورة لما سيحدث في الآخرة من هيئة الأجر أو العقاب، وليست أمورا واقعية، وعدها من قبيل آياته الكبرى لا يخلو عن تسامح. أما الآيات الحقيقية فيمكن أن يكون منها: 1 - شق صدره صلى الله عليه وسلم، وقد سبق الحديث عنه. 2 - والبراق وسرعته، وقد تقدم الكلام عليه. 3 - والمعراج واختراقه. 4 - ورؤيته البيت المعمور كما جاء في الرواية السابعة. 5 - ولقاؤه مالكا خازن النار، كما في الرواية الثامنة، والتاسعة، والتاسعة عشرة، وكما جاء عند أبي حاتم عن أنس وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ما لي لم آت أهل سماء إلا رحبوا وضحكوا إلي غير رجل واحد، فسلمت عليه، فرد علي الإسلام، ورحب بي، ولم يضحك إلي، قال: يا محمد. ذاك مالك خازن جهنم، ولم يضحك منذ خلق، ولو ضحك إلى أحد لضحك إليك. 6 - ورؤيته الدجال، نعم ظاهر الرواية الخامسة عشرة، والسادسة عشرة أن رؤيته للدجال لم تكن في إسرائه أو معراجه، وإنما كانت بمكة، بل الرواية السادسة عشرة صريحة بأنها رؤيا منام، ولا مانع من رؤيته ليلة الإسراء عيانا، ورؤيته مرة أخرى مناما. نعم يشكل عن الروايتين المذكورتين ما ورد في الصحيح من أن الدجال لا يدخل مكة ولا المدينة، فكيف يرى وهو يطوف بالبيت؟ ورؤيا الأنبياء حق؟ وأجيب بأن تحريم دخول المدينة عليه إنما هو في زمن فتنته. والله أعلم. ولفظ المسيح صفة لعيسى عليه السلام، وصفة للدجال، أما كونه صفة لعيسى فسيأتي، وأما الدجال فقيل: سمي بذلك لأنه ممسوح العين، وقيل: لأنه أعور، والأعور يسمى مسيحا، وقيل: لمسحه الأرض حين خروجه، قال القاضي عياض: ولا خلاف في اسم عيسى أنه المسيح بفتح الميم وكسر السين مخففة، واختلف في الدجال، فأكثرهم يقول مثله ولا فرق بينهما في اللفظ، ولكن عيسى عليه السلام مسيح هدى، والدجال مسيح ضلالة، ورواه بعض الرواة مسيح بكسر الميم والسين المشددة، وبعضهم كذلك مع الخاء بدل الحاء، وبعضهم بكسر الميم وتخفيف السين. وقد جاء في وصفه أعور العين اليمنى، وجاء في رواية أخرى أعور العين اليسرى وقد ذكرهما جميعا مسلم في آخر الكتاب كما وصف في الحديث بأنه ممسوح العين، وأنها ليست جحراء، ولا ناتئة وفي رواية جاحظ العين، وكأنها كوكب وفي رواية لها حدقة جاحظة، كأنها نخاعة في حائط. وقد نقل النووي عن القاضي عياض الجمع بين هذه الروايات فقال: يجمع بين الأحاديث وتصحيح الروايات جميعا بأن تكون المطموسة والممسوحة والتي ليست بجحراء ولا ناتئة هي العوراء الطافئة بالهمز [أي الذاهب ضوؤها] وهي العين اليمنى، كما جاء هنا، وتكون الجاحظة، والتي كأنها كوكب، وكأنها نخاعة، هي الطافية، بغير همز. وهي العين اليسرى، كما جاء في الرواية الأخرى، وكل منهما عوراء، فإن الأعور من كل شيء المعيب، لا سيما ما يختص بالعين، وكلتا عيني الدجال معيبة عوراء إحداهما بذهابها والأخرى بعيبها. هذا آخر كلام القاضي، وهو في نهاية من الحسن. والله أعلم. ولتوضيح مقدمة الرواية السادسة عشرة أي قوله صلى الله عليه وسلم إن الله تبارك وتعالى ليس بأعور، ألا إن المسيح الدجال أعور عين اليمنى قال النووي: معناه أن الله تعالى منزه عن سمات الحدث وعن جميع النقائص. وأن الدجال مخلوق من خلق الله تعالى، ناقص الصورة، [فلا تغتروا بجنته وناره] فينبغي لكم أن تعلموا هذا، وتعلموه للناس، لئلا يغتر بالدجال من يرى تخييلاته وما معه من الفتنة. والله أعلم. 7 - ومن الآيات الكبرى رؤيته صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى، والرواية الأولى تشبه ورقها بآذان الفيلة، وثمرها بالقلال، وتبهم وتفخم ما يغشاها من أمر الله حتى إن أحدا من خلق الله لا يستطيع أن ينعتها لحسنها، والرواية المتممة للعشرين تفسر مبهم الرواية الأولى بأنه يغشاها فراش من ذهب. ولما كانت الرواية العشرون تصرح بأنها في السماء السادسة، والرواية الأولى ظاهرها أنها في السماء السابعة كان في هذا تعارض لا شك فيه، قال القرطبي في المفهم: وحديث أنس [الرواية الأولى] هو قول الأكثر وهو الذي يقتضيه وصفها بأنها التي ينتهي إليها علم كل نبي مرسل وكل ملك مقرب على ما قال كعب، قال: وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله أو من أعلمه. ثم قال القرطبي: ويترجح حديث أنس بأنه مرفوع، وحديث ابن مسعود موقوف. وقال الحافظ ابن حجر جامعا بين الروايتين: لا يعارض قوله: إنها في السادسة الرواية بأنها في السابعة، لأنه يحمل على أن أصلها في السماء السادسة، وأغصانها وفروعها في السماء السابعة، وليس في السادسة منها إلا أصل ساقها. والله أعلم. 8 - ومن الآيات الكبرى رؤيته صلى الله عليه وسلم الأنبياء عليهم السلام، وفيها - غير ما ورد في رواياتنا - ما جاء عند البيهقي في حديث أبي سعيد فدخلت أنا وجبريل بيت المقدس فعرفت النبيين من بين قائم وراكع وساجد، فصلى كل واحد منا ركعتين، ثم أقيمت الصلاة فأممتهم، وعند أبي حاتم فلم ألبث إلا يسيرا حتى اجتمع ناس كثير، ثم أذن مؤذن، فأقيمت الصلاة فقمنا صفوفا، ننتظر من يؤمنا، فأخذ بيدي جبريل، فقدمني، فصليت بهم . وقد اختلف في حال الأنبياء عند لقاء النبي صلى الله عليه وسلم إياهم هل أسري بأجسادهم لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة؟ أو أن أرواحهم شكلت بشكل أجسادهم، فالتقت به وأجسادهم في قبورها؟ قال بعض العلماء: رؤيته صلى الله عليه وسلم للأنبياء في السماء محمولة على رؤية أرواحهم، إلا عيسى لما ثبت أنه رفع بجسده، وقد قيل في إدريس أيضا ذلك، وأما الذين صلوا معه في بيت المقدس فيحتمل الأرواح خاصة، ويحتمل الأجساد بأرواحها. والله أعلم بالحقيقة. ومما هو غني عن البيان أن الهدف من هذا اللقاء، وهذا الاستقبال هو الترحيب والتكريم والتشريف. وقد أكثر الباحثون في تلمس الحكمة في اختصاص بعض الأنبياء بالذكر دون بعض، فقيل: أمر الجميع بملاقاته، فمنهم من أدركه في أول وهلة فذكر، ومنهم من تأخر فلحق، ومنهم من فاته، وهذا القول زيف وخلط لا يليق في هذا المقام. وقيل: الحكمة في الاقتصار على هؤلاء المذكورين الإشارة إلى ما سيقع له صلى الله عليه وسلم مع قومه، من أمثال ما وقع لكل منهم. فأما آدم فكان التنبيه بما وقع له من الخروج من الجنة إلى الأرض على أنه سيقع للنبي صلى الله عليه وسلم الخروج من مكة إلى المدينة، والجامع بينهما ما حصل لكل منهما من المشقة، وكراهة فراق ما ألف من الوطن، ثم مآل كل منهما أن يرجع إلى وطنه الذي أخرج منه. وأما عيسى ويحيى فكان التنبيه بهما على ما وقع له من أول الهجرة من عداوة اليهود وتماديهم في البغي عليه، وإرادتهم وصول السوء إليه. وأما يوسف فكان التنبيه به على ما وقع له من قريش أهله وإخوته - في نصبهم الحرب له، وإرادتهم هلاكه، وكانت العاقبة له، وقد أشار إلى ذلك بقوله يوم الفتح لقريش: أقول كما قال يوسف لا تثريب عليكم اليوم. وأما إدريس فكان التنبيه به على رفع منزلته عند الله. وأما هارون فكان التنبيه به على أن قومه رجعوا إلى محبته بعد أن آذوه. وأما موسى فكان التنبيه به على ما وقع له من معالجة قومه، وقد أشار إلى ذلك بقوله لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر. وأما إبراهيم فكان التنبيه به على ما فرض عليه من إقامة منسك الحج وتعظيم البيت. وهذه مناسبات لطيفة أبداها السهيلي، وأوردها الحافظ ابن حجر في الفتح، ولكنها لا تصل درجة العلة والحكمة وبيان السبب، ولو ذكر غيرهم لوجدت مناسبات أخرى لهم تضاهي هذه المناسبات. وشبيه بهذا ما قيل في سر اختصاص كل منهم بالسماء التي لقيه بها إذ قال ابن أبي جمرة: الحكمة في كون آدم في السماء الدنيا أنه أول الأنبياء، وأول الآباء، وهو أصل، فكان أولى بالأولى، لتأنس البنوة بالأبوة، وعيسى في الثانية لأنه أقرب الأنبياء عهدا من محمد، ويليه يوسف، لأن أمة محمد تدخل الجنة على صورته، وإدريس في الرابعة لقوله: {ورفعناه مكانا عليا} [مريم: 57] والرابعة من السبع وسط معتدل، وهارون لقربه من أخيه موسى، وموسى أرفع منه لفضل كلام الله، وإبراهيم لأنه الأب الأخير، فناسب أن يتجدد للنبي صلى الله عليه وسلم بلقائه أنس، لتوجهه بعده إلى عالم آخر، وأيضا فمنزلة الخليل تقتضي أن تكون أرفع المنازل، ومنزلة الحبيب أرفع من منزلته. فلذلك ارتفع النبي صلى الله عليه وسلم عن منزلة إبراهيم. وزاد ابن المنير في مناسبة لقاء إبراهيم في السماء السابعة ما اتفق له صلى الله عليه وسلم من دخول مكة في السنة السابعة، وطوافه بالبيت. وعندي أن هذه المناسبات كالوردة، تشم ولا تدعك، لأن وضع الأنبياء في هذه السموات غير متفق عليه بين الروايات. ولقد لوحظ من الروايات بصفة عامة أنها ذكرت بعض الأنبياء خاليا من أي تعليق أو وصف، وأوجزت الوصف أو التعليق للبعض، وأطنبت مع آخرين. وليس لهذا - فيما أرى- أثر في المفاضلة بين الصفوة عليهم الصلاة والسلام. فمثلا ذكرت يحيى بن زكريا وهارون خاليين من الوصف أو التعليق. وذكرت آدم [في الرواية الخامسة] وعن يمينه أسودة وعن يساره أسودة فإذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى. وظاهرها أن أرواح بني آدم من أهل الجنة والنار في السماء، وهو مشكل، لأنه قد جاء أن أرواح الكفار في سجين، وأن أرواح المؤمنين منعمة في عليين، فكيف تكون مجتمعة في سماء الدنيا؟ وأجاب القاضي عياض بأنه يحتمل أنها تعرض على آدم أوقاتا، فصادفت وقت عرضها مرور النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ويدل على أن كونهم في الجنة والنار إنما هو في أوقات دون أوقات قوله تعالى: {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} [غافر: 46]. واعترض ثانيا بأن أرواح الكفار لا تفتح لها أبواب السماء، كما هو نص القرآن، فكيف تكون عن شمال آدم وهو في السماء؟ وأجاب عنه القاضي عياض، فقال: يحتمل أن الجنة كانت في جهة يمين آدم، والنار في جهة شماله، وكان يكشف له عنهما. اهـ. وقال الحافظ ابن حجر. يحتمل أن يقال: إن النسم المرئية التي تدخل الأجساد بعد، وهي مخلوقة قبل الأجساد، ومستقرها عن يمين آدم وشماله وقد أعلم بما سيصيرون إليه، فلذلك كان يستبشر إذا نظر إلى من عن يمينه ويحزن إذا نظر إلى من عن يساره، بخلاف التي في الأجساد، فليست مرادة قطعا، وبخلاف التي انتقلت من الأجساد إلى مستقرها من جنة أو نار فليست مرادة أيضا فيما يظهر. اهـ. وهذا الجواب بعيد، وخير منه ما ذكره الحافظ ابن حجر نفسه في موضع آخر، حيث قال: ظهر لي الآن احتمال آخر، وهو أن يكون المراد بها من خرجت من الأجساد حين خروجها [أي وقبل استقرارها في جنة أو نار] ولا يلزم من رؤية آدم لها وهو في السماء الدنيا أن يفتح لها أبواب السماء، ولا أن تلجها، ويؤيده ما وقع في حديث أبي سعيد عند البيهقي ولفظه فإذا أنا بآدم، تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين، فيقول: روح طيبة ونفس طيبة، اجعلوها في عليين، ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار، فيقول روح خبيثة، اجعلوها في سجين. وذكرت الروايات يوسف وأنه قد أعطي شطر الحسن [كما في الرواية الأولى] وكما عند البيهقي والطبراني عن أبي هريرة فإذا أنا برجل أحسن ما خلق الله، قد فضل الناس بالحسن، كالقمر ليلة البدر على سائر الكواكب ظاهر هذا أن يوسف عليه السلام كان أحسن من جميع الناس. لكن روى الترمذي من حديث أنس ما بعث الله نبيا إلا حسن الوجه، حسن الصوت، وكان نبيكم أحسنهم وجها، وأحسنهم صوتا فعلى هذا يحمل ما جاء في روايتنا الأولى على أن المراد أن يوسف أعطي شطر الحسن الذي أوتيه نبينا صلى الله عليه وسلم، ويحتمل ما جاء في رواية البيهقي والطبراني على أن المراد غير النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤيده قول من قال: إن المتكلم لا يدخل في عموم خطابه. وذكرت إدريس عليه السلام، وعقبت عليه بقوله تعالى: {ورفعناه مكانا عليا} قال الحافظ ابن حجر: وكون إدريس رفع وهو حي لم يثبت من طريق مرفوعة قوية. اهـ. فالظاهر أن الرفع رفع مكانة، والتنصيص على رفع مكانته لا يمنع رفع مكانة غيره من الأنبياء مثله، أو أرفع منه. والله أعلم. وذكرت إبراهيم عليه السلام، ففي الرواية الثانية عشرة أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم وفي الرواية الثالثة عشرة ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه، فإذا أقرب من رأيت به شبها صاحبكم - يعني نفسه صلى الله عليه وسلم وفي الرواية الرابعة عشرة ورأيت إبراهيم صلوات الله عليه وأنا أشبه ولده به. وفي الرواية الأولى فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسندا ظهره إلى البيت المعمور . وقد أخرج الطبري عن قتادة قال: ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: البيت المعمور مسجد في السماء، بحذاء الكعبة، لو خر لخر عليها . وعن علي أنه سئل عن البيت المعمور، فقال: بيت في السماء، بحيال البيت، وحرمته في السماء كحرمة هذا في الأرض. وقد أطنبت الروايات في وصف عيسى عليه السلام، فذكرت الرواية الثامنة عيسى جعد مربوع وفي التاسعة ورأيت عيسى بن مريم مربوع الخلق، إلى الحمرة والبياض، سبط الرأس وفي الرواية الثالثة عشرة ورأيت عيسى بن مريم عليه السلام، فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة ابن مسعود وفي الرواية الرابعة عشرة ولقيت عيسى فنعته النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هو ربعة أحمر، كأنما خرج من ديماس - يعني حماما - وفي الخامسة عشرة أراني ليلة عند الكعبة فرأيت رجلا آدم، كأحسن ما أنت راء من آدم الرجال، له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم، قد رجلها، فهي تقطر ماء، متكئا على رجلين، أو على عواتق رجلين يطوف بالبيت، فسألت: من هذا؟ فقيل: هذا المسيح ابن مريم . ومن مجموع الروايات تبرز صورة عيسى عليه السلام، رجلا ليس بالطويل المفرط في الطول، وليس بالقصير الواضح القصر، جعد الجسم مكتنزه ممتلئه، ليس بالهزيل النحيل، وليس بالغليظ البطين، رجل يميل إلى الحمرة والبياض، أكثر مما يميل إلى الأدمة والسمرة، نضر الوجه، كأنما خرج لساعته من حمام، له شعر يتدلى، يجاوز شحمة الأذنين، قد رجله وسرحه ترجيلا حديثا، كأنه يقطر ماء، لقرب عهده بالغسيل والنظافة. وليس اتكاؤه على عواتق رجلين علامة على شيخوخته وضعفه، بل كثيرا ما يكون هذا الوضع من أوضاع الاحترام والتكريم. وأما طواف عيسى عليه السلام فإن كانت الرؤيا رؤيا منام فلا إشكال وإن كانت رؤيا عين فعيسى حي لم يمت. فلا امتناع من طوافه حقيقة، قاله القاضي عياض رحمه الله. وسيأتي مزيد إيضاح لهذه النقطة، وارتباطها بالإسراء قريبا عند الكلام عن تلبية موسى عليه السلام. أما الكلام عن موسى عليه الصلاة والسلام فقد ذكر في الروايات بإسهاب يفوق كل ما ذكر عن سائر الأنبياء، مرة بالوصف الجسمي، ومرة ببيان الحال، ومرة بالمحادثة والمراجعة. ففي الرواية الثامنة موسى آدم أي أسمر طوال أي طويل كأنه من رجال شنوءة المشهورين بالترفع عن الأدناس، وفي الرواية التاسعة جعد أي ممتلئ الجسم، وفي الرواية الرابعة عشرة، رجل الرأس أي مرجل شعر الرأس مسرحه، وفي الثالثة عشرة فإذا موسى ضرب من الرجال أي رجل بين الرجلين في كثرة اللحم وقلته. وفي الرواية السابعة فأتيت على موسى.. فلما جاوزته بكى فنودي: ما يبكيك؟ قال: رب. هذا غلام بعثته بعدي، يدخل من أمته الجنة أكثر مما يدخل من أمتي . وفي رواية للبخاري فقال موسى: رب، لم أظن أن يرفع علي أحد. وفي حديث أبي سعيد قال موسى: يزعم بنو إسرائيل أني أكرم على الله. وهذا أكرم على الله مني وفي رواية ولو كان هذا هو وحده هان علي ولكن معه أمته، وهم أفضل الأمم عند الله وفي رواية أنه مر بموسى عليه السلام، وهو يرفع صوته، فيقول: أكرمته وفضلته؟. فقال جبريل: هذا موسى. قلت: ومن يعاتب؟ قال: يعاتب ربه فيك. قلت: ويرفع صوته على ربه؟ قال إن الله قد عرف له حدته. قال الحافظ ابن حجر: قال العلماء: لم يكن بكاء موسى حسدا. معاذ الله. فإن الحسد في ذلك العالم منزوع عن آحاد المؤمنين، قال تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا} [الحجر: 47] فكيف بمن اصطفاه الله تعالى؟ بل كان أسفا على ما فاته من الأجر الذي يترتب عليه رفع الدرجة بسبب ما وقع من أمته من كثرة المخالفة المقتضية لتنقيص أجورهم، المستلزم لتنقيص أجره، لأن لكل نبي مثل أجر كل من اتبعه، ولهذا كان من اتبعه من أمته في العدد دون من اتبع نبينا صلى الله عليه وسلم مع طول مدتهم بالنسبة لهذه الأمة. وأما قوله غلام فليس على سبيل النقص، بل على سبيل التنويه بقدرة الله وعظيم كرمه، إذ أعطى لمن كان في ذلك السن ما لم يعطه أحدا قبله ممن هو أسن منه، وقد وقع من موسى من العناية بهذه الأمة من أمر الصلاة ما لم يقع من غيره، ووقعت الإشارة لذلك في حديث أبي هريرة عند الطبري والبزار، قال عليه الصلاة والسلام: وكان موسى أشدهم علي حين مررت به، وخيرهم لي حين رجعت إليه وفي حديث أبي سعيد فأقبلت راجعا فمررت بموسى- ونعم الصاحب كان لكم - فسألني: كم فرض عليك ربك؟ . اهـ. وقال ابن أبي جمرة: إن الله جعل الرحمة في قلوب الأنبياء أكثر مما جعل في قلوب غيرهم، فذلك بكى رحمة لأمته: وأما قوله: غلام فإشارة إلى صغر سنه بالنسبة إليه. اهـ. وقال الخطابي: العرب تسمي الرجل المستجمع السن غلاما ما دامت فيه بقية من القوة. اهـ. وقال الحافظ ابن حجر: ويظهر لي أن موسى عليه السلام أشار إلى ما أنعم الله به على نبينا -عليهما الصلاة والسلام- من استمرار القوة في الكهولية وإلى أن دخل في سن الشيخوخة، ولم يدخل على بدنه هرم، ولا اعترى قوته نقص، حتى إن الناس في قدومه المدينة لما رأوه مردفا أبا بكر أطلقوا عليه اسم الشاب, وعلى أبي بكر اسم الشيخ، مع كونه في العمر أسن من أبي بكر. اهـ. وقال بعضهم: وقع ما وقع من موسى لأنه ليس في الأنبياء من له أتباع أكثر من موسى، ولا من له كتاب أكبر ولا أجمع للأحكام من كتابه، فكان من هذه الجهة مضاهيا للنبي صلى الله عليه وسلم، فناسب أن يتمنى أن يكون له مثل ما أنعم الله به عليه، من غير أن يريد زواله عنه. اهـ. وقد وردت مراجعة موسى لنبينا - عليهما الصلاة والسلام- بشأن الصلاة في أكثر الروايات. قال القرطبي: والحكمة في تخصيص موسى بمراجعة النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الصلاة لعلها لكون أمة موسى كلفت من الصلاة بما لم تكلف به غيرها من الأمم، فثقلت عليهم، فأشفق موسى على أمة محمد صلى الله عليه وسلم من مثل ذلك. ويشير إلى ذلك قوله: إني قد جربت الناس قبلك . اهـ. وقال بعضهم: يحتمل أن يكون موسى لما غلب عليه الأسف في الابتداء على نقص حظ أمته بالنسبة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، حتى تمنى ما تمنى، يحتمل أن يكون قد استدرك ذلك ببذل النصيحة لهم، والشفقة عليهم، ليزيل ما عساه أن يتوهم عليه فيما وقع منه في الابتداء. اهـ. وهذا كلام جيد، ويضمه إلى ما قاله القرطبي يتم المقصود، والله أعلم. والظاهر أن الرواية العاشرة والرواية الحادية عشرة ليستا عن ليلة الإسراء فإن رؤية النبي لموسى -عليهما الصلاة والسلام- كانت بالمسجد الأقصى وبالسماء السادسة، ولم يرد أنه رآه ليلة الإسراء بوادي الأزرق، وربما بدا للإمام مسلم أن يسوق هاتين الروايتين في حديث عن الإسراء لمجرد أنهما تتحدثان عن موسى كما تتحدث أحاديث الإسراء، كما ساق الرواية الخامسة عشرة والسادسة عشرة عن عيسى والدجال لمجرد أنهما تتحدثان عن عيسى كما تتحدث أحاديث الإسراء، وكما سيسوق أحاديث رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة وكلامهم معه جل شأنه بمناسبة أحاديث رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء وتكليمه إياه. وبعيد عندي أن يقال: إن رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لموسى في وادي الأزرق ولعيسى يطوف بالبيت وقعتا ليلة الإسراء، وأن التحديث عنهما تأخر للمناسبة، فإن الروايات في ذلك ليس فيها ما يربطها بالإسراء، ولم يرد في الأحاديث الصحيحة أنه رأى يونس على هذه الحال ليلة الإسراء، وليست هناك ضرورة لتمحل ربطها به. وقد أورد الإمام النووي نقلا عن القاضي عياض إشكالا وأجوبة للإشكال على هاتين الروايتين، ولفظه، قال: فإن قيل: كيف يحجون ويلبون وهم أموات وهم في الدار الآخرة وليست دار عمل؟ قلنا: إن للمشايخ وفيما ظهر لنا عن هذا أجوبة: أحدها: أنهم كالشهداء، بل هم أفضل منهم، والشهداء أحياء عند ربهم، فلا يبعد أن يحجوا ويصلوا، وأن يتقربوا إلى الله تعالى بما استطاعوا، لأنهم وإن كانوا قد توفوا فهم في هذه الدنيا التي هي دار العمل، حتى إذا فنيت مدتها، وتعقبتها الآخرة التي هي دار الجزاء انقطع العمل. (وهذا الجواب عندي بعيد عن القبول، فإن القرآن الكريم بين نشاطهم ومظاهر حياتهم عند ربهم بأنهم يرزقون {فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم} [آل عمران: 170] وليس فيها أنهم يعملون ويصلون ويحجون، وليس في حديث صحيح ما يثبت قيام الشهداء بالأعمال التي كانوا يعملونها في الدنيا، بل لهم أجرها بدون عمل إن أراد الله لهم استمرار الأجر. بل في الأحاديث الصحيحة ما يفيد انقطاع الأعمال البدنية بالانتقال من هذه الحياة، كقوله صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له . ثانيها: أن عمل الآخرة ذكر ودعاء، قال تعالى: {دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام} [يونس: 10] (ولست أرى هذا جوابا عن الإشكال القائل: كيف يحجون ويلبون وهم أموات؟ والمعروف أن الذكر والدعاء في الدار الآخرة للتمتع والتلذذ لا للعبادة والتقرب، فلا ارتباط بين هذا الجواب وذاك الإشكال). ثالثها: أن تكون هذه رؤيا منام في غير ليلة الإسراء، أو في بعض ليلة الإسراء كما في رواية ابن عمر رضي الله عنهما بينا أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة... وذكر الحديث في قصة عيسى صلى الله عليه وسلم (وهذا الجواب إن صلح بالنسبة للرواية الخامسة عشرة والسادسة عشرة فإنه لا يصلح بالنسبة للرواية العاشرة والحادية عشرة). رابعها: أنه صلى الله عليه وسلم أري أحوالهم التي كانت في حياتهم ومثلوا له في حال حياتهم كيف كانوا؟ وكيف حجهم وتلبيتهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: كأني أنظر إلى موسى وكأني أنظر إلى عيسى وكأني أنظر إلى يونس عليهم السلام (وهذا جواب حسن، ويزيده حسنا لو قلنا: إنه صلى الله عليه وسلم تخيلهم كذلك وتمثلهم في نفسه، بناء على ما أوحي إليه من أمرهم في دنياهم، وهذا الجواب بالنسبة للرواية العاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة، وفيها كأني أنظر، أما بالنسبة للرواية الخامسة عشرة والسادسة عشرة فخير جواب أنها رؤيا منام في غير ليلة الإسراء. والله أعلم). ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم 1 - يؤخذ من قوله في الرواية السابعة أحد الثلاثة بين الرجلين تواضعه صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه. 2 - وجواز نوم الجماعة في موضع واحد، وثبت من طرق أخرى أنه يشترط ألا يجتمعوا في لحاف واحد. 3 - استدل بعضهم بقوله: ثم غسله في طست من ذهب على جواز استعمال إناء الذهب، ورده النووي بأن هذا فعل الملائكة واستعمالهم، وليس بلازم أن يكون حكمهم حكمنا. فيحتاج إلى إثبات كونهم مكلفين بما كلفنا به، وتعقبه الحافظ ابن حجر. فقال: لا يكفي أن يقال: إن المستعمل له كان ممن لم يحرم عليه ذلك من الملائكة، لأنه لو كان قد حرم على محمد صلى الله عليه وسلم استعماله لنزه أن يستعمله غيره في أمر يتعلق ببدنه المكرم. ثم قال: ولعل ذلك كان قبل أن يحرم استعمال الذهب في هذه الشريعة. ويمكن أن يقال إن تحريم استعماله مخصوص بأحوال الدنيا، وما وقع في تلك الليلة كان الغالب أنه من أحوال الغيب، فيلحق بأحكام الآخرة. اهـ. 4 - قال الحافظ ابن حجر: وقد أبعد من استدل به على جواز تحلية المصحف وغيره بالذهب، وقال: خص الطست لكونه أشهر آلات الغسل عرفا، والذهب لكونه أغلى أنواع الأواني الحسية وأصفاها، ولأن فيه خواص ليست لغيره، يظهر لها هنا مناسبات، منها أنه من أواني الجنة، ومنها أنه لا تأكله النار ولا التراب، ولا يلحقه الصدأ، ومنها أنه أثقل الجواهر فناسب ثقل الوحي. اهـ. قال السهيلي: إن نظر إلى لفظ الذهب ناسب من جهة إذهاب الرجس عنه، وإن نظر إلى معناه فلوضاءته ونقائه وصفائه، ولأنه أعز الأشياء في الدنيا. اهـ. 5 - فيه فضيلة ماء زمزم على جميع المياه، قال ابن أبي جمرة: وإنما لم يغسل بماء الجنة لما اجتمع في ماء زمزم من كون أصل مائها من الجنة، ثم استقر في الأرض، فأريد بذلك بقاء بركة للنبي صلى الله عليه وسلم في الأرض، وقال السهيلي: لما كانت زمزم هزمة جبريل روح القدس لأم إسماعيل جد النبي صلى الله عليه وسلم ناسب أن غسل بمائها عند دخول حضرة القدوس ومناجاته. 6 - قال ابن أبي جمرة: في قوله ثم حشي إيمانا وحكمة إن الحكمة ليس بعد الإيمان أجل منها، ولذلك قرنت معه، ويؤيده قوله تعالى: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا...} [البقرة: 269]. اهـ. وهذا الحشو يحتمل أن يكون على حقيقته، وتجسيد المعاني جائز، كما جاء في تجسيد الموت في صورة كبش، وكذا وزن الأعمال وغير ذلك من أحوال الغيب. قال النووي، ويحتمل أنه من باب التمثيل، وتمثيل المعاني وقع كثيرا، فقد مثلت له الجنة والنار في عرض الحائط قاله البيضاوي. 7 - قال النووي: في قوله: كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره دليل على جواز نظر الرجل إلى صدر الرجل، ولا خلاف في جوازه، وكذا يجوز أن ينظر إلى ما فوق سرته وتحت ركبته إلا أن ينظر بشهوة إلى كل آدمي إلا الزوج لزوجته ومملوكته، وكذا هما إليه، وإلا أن يكون المنظور إليه أمرد، حسن الصورة فإنه يحرم النظر إليه، إلى وجهه وسائر بدنه، سواء كان بشهوة أو بغيرها، إلا أن يكون لحاجة البيع والشراء والتطييب والتعليم ونحوها. اهـ. 8 - يؤخذ من قوله: (فربطته بالحلقة) الأخذ بالاحتياط في الأمور وتعاطي الأسباب، وأن ذلك لا يقدح في التوكل على الله. قاله النووي. وأنكره حذيفة، إذ روي عند أحمد والترمذي من حديث حذيفة قال: تحدثوا أنه ربطه؟ أخاف أن يفر منه وقد سخره له عالم الغيب والشهادة؟ قال البيهقي: المثبت مقدم على النافي، يعنى من أثبت ربط البراق معه زيادة علم على من نفى ذلك، فهو أولى بالقبول. 9 - فيه صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ببيت المقدس، وأنكرها حذيفة أيضا، واحتج بأنه لو صلى فيه لكتب عليكم الصلاة فيه كما كتب عليكم الصلاة في البيت العتيق، ورده الحافظ ابن حجر فقال: إن أراد بقوله: كتب عليكم الفرض منع التلازم، وإن أراد التشريع فقد فرض النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة في بيت المقدس، فقرنه بالمسجد الحرام وبمسجده في المدينة في شد الرحال في قوله: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى وذكر فضيلة الصلاة فيه في غير ما حديث. 10- أخذ منه بعضهم أن للسماء أبوابا حقيقية. 11 - وحفظة موكلين بها. 12 - وأن الباب كان مغلقا. قال ابن المنير: وحكمته التحقق من أن السماء لم تفتح إلا من أجله بخلاف ما لو وجده مفتوحا. 13 - وفيه إثبات الاستئذان. 14 - أخذ من قول الحفظة ومن معك؟ أنهم أحسوا برفيق معه وإلا لكان السؤال بلفظ: أمعك أحد؟ وذلك الإحساس إما بمشاهدة لكون السماء شفافة، وإما بأمر معنوي، كزيادة أنوار أو نحوها مما يشعر بتجدد أمر يحسن معه السؤال بهذه الصيغة، ذكره في الفتح، وليس بشيء لرواية البخاري في الصلاة، وروايتنا الخامسة إذ جاءت بلفظ هل معك أحد؟. 15 - استدل بعضهم بقول جبريل: محمد على أن الاسم أدل في التعريف من الكنية، وهذا الاستدلال غير واضح، فالتعريف يكون بما اشتهر به المعرف اسما كان أو كنية أو لقبا. 16 - وفيه أنه ينبغي لمن يستأذن أن يقول: أنا فلان - ويسمي نفسه- ولا يقتصر على: أنا، لئلا يلتبس بغيره، ولأنه ينافي مطلوب الاستفهام. 1
    7- وأن المار يسلم على القاعد، وإن كان المار أفضل من القاعد. 18 - واستحباب تلقي أهل الفضل بالبشر والترحيب والثناء والدعاء. 1
    9- استنبط ابن المنير من قولهم: مرحبا جواز رد السلام بغير لفظ السلام، وتعقب بأن قول النبي مرحبا ليس ردا للسلام، وإنما هو تعقيب على رد السلام، ولعل سقطه من بعض الرواة للعلم به، وقد جاء مصرحا به في رواية البخاري ونصها عند كل نبي فسلمت عليه، فرد السلام ثم قال: مرحبا. 20- جواز مدح الإنسان في وجهه إذا أمن عليه الافتتان، قيل: اقتصر الأنبياء على وصفه بهذه الصفة، وتواردوا عليها، لأن الصلاح صفة تشمل صفات الخير، ولذلك كررها كل منهم، والصالح هو الذي يقوم بما يلزمه من حقوق الله وحقوق العباد، فمن ثم كانت جامعة لمعاني الخير. 2

    1- يؤخذ من قول آدم وإبراهيم مرحبا بالابن الصالح إشارة إلى افتخارهما بأبوة النبي صلى الله عليه وسلم. 22 - فيه أدب موسى ومراعاته جانب النبي - عليهما الصلاة والسلام- إذ أمسك عن جميع ما وقع منه، حتى فارقه النبي صلى الله عليه وسلم فلما فارقه بكى وقال ما قال. 23 - استدل باستناد إبراهيم إلى البيت المعمور على جواز الاستناد إلى القبلة بالظهر وغيره، إذ البيت المعمور كالكعبة في أنه قبلة من كل جهة، وهذا على القول بأن شرع من قبلنا شرع لنا. 24 - وأن الملائكة أكثر المخلوقات، لأنه لا يعرف من جميع العوالم من تجدد من جنسه في كل يوم سبعون ألفا غير ما ثبت من الملائكة في هذا الخبر. قال تعالى: {وما يعلم جنود ربك إلا هو} [المدثر: 31]. 25 - وفيه فضيلة ماء النيل والفرات، ورؤيتهما في السماء من قبيل التمثيل، وإنما أطلق على هذه الأنهار من الجنة تشبيها لها بأنهر الجنة لما فيها من شدة العذوبة والحسن والبركة. 26 - أخذ ابن أبي جمرة من قوله: نهران ظاهران ونهران باطنان أن الباطن أجل من الظاهر، لأن الباطن جعل في دار البقاء، والظاهر جعل في دار الفناء، ومن ثم كان الاعتماد على ما في الباطن. 27 - وفيه فضيلة اللبن، قال القرطبي: يحتمل أن يكون سبب تسمية اللبن فطرة أنه أول شيء يدخل بطن المولود ويشق أمعاءه، والسر في ميل النبي صلى الله عليه وسلم، إليه دون غيره أنه كان مألوفا له، ولأنه لا ينشأ عن جنسه مفسدة، وقال بعضهم: جعل اللبن علامة الإسلام والاستقامة لكونه سهلا طيبا طاهرا سائغا للشاربين، سليم العاقبة، أما الخمر فأم الخبائث، وجالبة الشر في الحال والمآل. وظاهر الرواية الأولى أن الإناءين عرضا على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة في بيت المقدس، وقبل العروج، وظاهر الرواية السابعة أنهما عرضا عليه في السماء السابعة بعد رؤية البيت المعمور، ثم إن الروايتين تفيدان أن الذي عرض عليه إناءان لا أكثر، لبن وخمر، وفي رواية للبخاري ثم أتيت بإناء من خمر، وإناء من لبن، وإناء من عسل، فأخذت اللبن وفي حديث أبي هريرة عن ابن عائذ في حديث المعراج، بعد ذكر إبراهيم قال: ثم انطلقنا، فإذا نحن بثلاثة آنية مغطاة، فقال جبريل: يا محمد ألا تشرب مما سقاك ربك؟ فتناولت أحدها، فإذا هو عسل، فشربت منه قليلا، ثم تناولت الآخر فإذا هو لبن، فشربت منه حتى رويت. فقال: ألا تشرب من الثالث؟ قلت: قد رويت. قال: وفقك الله وفي حديث أبي سعيد عند ابن إسحاق فصلى بهم -يعني بالأنبياء- ثم أتي بثلاثة آنية: إناء فيه لبن، وإناء فيه خمر، وإناء فيه ماء فأخذت اللبن . قال الحافظ ابن حجر: ويجمع بين الاختلاف إما بحمل ثم على غير بابها من الترتيب، وإنما هي بمعنى الواو هنا، وإما بوقوع عرض الآنية مرتين: مرة عند فراغه من الصلاة ببيت المقدس، وسببه ما وقع من العطش، ومرة عند وصوله إلى سدرة المنتهى، ورؤية الأنهار الأربعة. وأما الاختلاف في عدد الآنية وما فيها فيحمل على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر ومجموعها أربعة آنية، وفيها أربعة أشياء من الأنهار الأربعة التي رآها تخرج من سدرة المنتهى، فعند الطبري: لما ذكر سدرة المنتهى يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن، ومن لبن لم يتغير طعمه، ومن خمر لذة للشاربين، ومن عسل مصفى فلعله عرض عليه من كل نهر إناء. 28 - وعن قوله في الرواية السادسة: ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام قال الخطابي: هو صوت ما تكتبه الملائكة من أقضية الله تعالى ووحيه، وما ينسخونه من اللوح المحفوظ، أو ما شاء الله تعالى من ذلك أن يكتب ويرفع، وقال القاضي عياض: في هذا حجة لمذهب أهل السنة في الإيمان بصحة كتابة الوحي والمقادير في كتب الله، من اللوح وما شاء، بالأقلام التي هو تعالى يعلم كيفيتها، على ما جاءت به الآيات من كتاب الله تعالى، والأحاديث الصحيحة، وأن ما جاء من ذلك على ظاهره لكن كيفية ذلك وصورته وجنسه مما لا يعلمه إلا الله تعالى أو من أطلعه على شيء من ذلك من ملائكته ورسله، وما يتأول هذا ويحيله عن ظاهره إلا ضعيف النظر والإيمان، والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، حكمة من الله تعالى، وإظهارا لما يشاء من غيبه لمن يشاء من ملائكته وسائر خلقه. وإلا فهو غني عن الكتب والاستذكار. سبحانه وتعالى. 29 - قال القاضي عياض: وفي علو منزلة نبينا صلى الله عليه وسلم وارتفاعه فوق منازل سائر الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وبلوغه حيث بلغ من ملكوت السموات، دليل على علو درجته وإبانة فضله. اهـ. 30 - يؤخذ من قوله عن البيت المعمور: وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه كثرة الملائكة، كثرة تفوق كل تصور {وما يعلم جنود ربك إلا هو} 31 - وفيه أن الصلوات الخمس فرضت بمكة، وأنها فرضت خمسين صلاة ثم خففت، ويؤخذ من قوله في الرواية الأولى: فحط عني خمسا أن التخفيف كان خمسا خمسا، وأما قول الكرماني اعتمادا على قوله في الرواية السادسة: فوضع شطرها الشطر: النصف ففي المراجعة الأولى وضع خمسا وعشرين، وفي الثانية ثلاث عشرة، يعني نصف الخمس والعشرين بجبر الكسر، وفي الثالثة سبعا. إلخ. هذا القول من الكرماني بعيد، ومجموع الروايات يأباه، والشطر كما يطلق على النصف يطلق على البعض. وهل فرضت الصلاة ليلة الإسراء على ما أقرت عليه وعلى ما انتهت إلينا؟ أو فرضت - كما روي عن عائشة - ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر؟ خلاف بين العلماء، فمن ذهب إلى الثاني كالحنفية بنى عليه أن القصر في السفر عزيمة لا رخصة، ومن ذهب إلى الأول قال: إن قول عائشة غير مرفوع، وهي لم تشهد زمان فرض الصلاة، وإن قولها هذا معارض بحديث ابن عباس فرضت الصلاة في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين، وقد رواه مسلم. وحاول الحافظ ابن حجر الجمع بين الروايتين فقال: والذي يظهر لي، وبه تجتمع الأدلة السابقة أن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم زيد بعد الهجرة عقب الهجرة إلا الصبح فترك لطول القراءة، ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول قوله تعالى: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} [النساء: 101]. فعلى هذا: المراد بقول عائشة: فأقرت صلاة السفر أي باعتبار ما آل إليه الأمر بالتخفيف، لا أنها استمرت منذ أن فرضت. اهـ. وهذه المحاولة يعوزها الدليل، وسندها ضعيف، واحتمالها بعيد، والذي أميل إليه أنها فرضت ليلة الإسراء على ما هي عليه، ثم خفف الله [بالقصر] على المسافرين، ورفع عنهم الحرج والمشقة للتيسير. والله أعلم. والحكمة في وقوع فرض الصلاة ليلة الإسراء أنه لما قدس ظاهرا وباطنا حين غسل بماء زمزم وبالإيمان والحكمة، ومن شأن الصلاة أن يتقدمها الطهور ناسب ذلك أن تفرض الصلاة في تلك الحالة، وليظهر شرفه في الملأ الأعلى. كذا قيل. وقال ابن أبي جمرة: في اختصاص فرضيتها بليلة الإسراء إشارة إلى عظم بيانها، ولذلك اختص فرضها بكونه بغير واسطة جبريل. اهـ. كما أشار ابن أبي جمرة إلى الحكمة في كونها كانت كذلك بركوع وسجود بأنه لما عرج به صلى الله عليه وسلم رأى في تلك الليلة تعبد الملائكة، وأن منهم القائم فلا يقعد، والراكع فلا يسجد، والساجد فلا يقعد، فجمع الله له ولأمته تلك العبادات كلها في كل ركعة يصليها العبد بشرائطها من الطمأنينة والإخلاص. 32 - واستدل به على عدم فرضية ما زاد على الصلوات الخمس كالوتر. 33 - واستدل به على عدم جواز النسخ قبل الفعل، ألا ترى أنه عز وجل نسخ الخمسين بالخمس قبل أن تصلي؟ ذهب إلى ذلك الأشاعرة، ومنعه المعتزلة، وفي الموضوع بحث طويل للأصوليين والشراح. 34 - استدل بقوله: هي خمس وهي خمسون على فضل الله على أمة محمد صلى الله عليه وسلم. 35 - واستدل من المراجعة على استحباب الإكثار من سؤال الله تعالى وتكثير الشفاعة عنده. 36 - واستدل به على فضيلة الاستحياء. 37 - وعلى بذل النصيحة لمن يحتاج إليها وإن لم يستشر الناصح في ذلك. 38 - وأن التجربة أقوى في تحصيل المطلوب من المعرفة الكثيرة، لقول موسى إني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم، وقد فرض على بني إسرائيل صلاتان، فما قاموا بهما. 39 - ويستفاد منه تحكيم العادة، والتنبيه بالأعلى على الأدنى، لأن من سلف من الأمم كانوا أقوى أبدانا من هذه الأمة. 40 - استدل به على تكليم الله لمحمد صلى الله عليه وسلم من غير واسطة. 41 - استدل به على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن خلافا للمعتزلة. 42 - استدل به على فضل السير بالليل على السير بالنهار، وقد ورد عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل. 43 - استدل النووي من وضع موسى أصبعيه في أذنيه- كما جاء في الرواية الحادية عشرة - على استحباب وضع الأصبع في الأذن عند رفع الصوت بالأذان ونحوه مما يستحب له رفع الصوت، وهذا مبني على أن شرع من قبلنا شرع لنا. والله أعلم.

    حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ ‏"‏ عُرِضَ عَلَىَّ الأَنْبِيَاءُ فَإِذَا مُوسَى ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ وَرَأَيْتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ - يَعْنِي نَفْسَهُ - وَرَأَيْتُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا دِحْيَةُ ‏"‏ ‏.‏ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ رُمْحٍ ‏"‏ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ ‏"‏ ‏.‏

    It is narrated on the authority of Jabir that the Messenger of Allah (ﷺ) said:There appeared before me the apostles, and Moses was among men as if he was one of the people of Shanu'a, and I saw Jesus son of Mary (peace be upon him) and I saw nearest in resemblance with him was 'Urwa b. Mas'ud, and I saw Ibrahim (blessings of Allah be upon him) and I see your companions much in resemblance with him, i. e. his personality, and I saw Gabriel (peace be upon him) and I saw Dihya nearest in resemblance to him; but in the narration of Ibn Rumh it is Dihya b. Khalifa

    Telah menceritakan kepada kami [Qutaibah bin Sa'id] telah menceritakan kepada kami [Laits]. (dalam riwayat lain disebutkan) Dan telah menceritakan kepada kami [Muhammad bin Rumh] telah mengabarkan kepada kami [al-Laits] dari [Abu az-Zubair] dari [Jabir] bahwa Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam bersabda: "Ditampakkan kepadaku para nabi, ternyata Musa adalah salah satu jenis laki-laki seperti laki-laki bani Syanu'ah, dan aku melihat Isa bin Maryam Alaihissalam, ternyata dia mirip dengan orang yang telah aku lihat memiliki kemiripan dengannya, Urwah bin Mas'ud. Dan aku melihat Ibrahim Alaihissalam, ternyata dia mirip dengan orang yang aku lihat memiliki kemiripan dengannya, yaitu sahabat kalian (maksudnya beliau sendiri). Dan aku melihat Jibril Alaihissalam, ternyata dia mirip dengan orang yang pernah aku lihat memiliki kemiripan dengannya, yaitu Dahyah." Dalam riwayat Ibnu Rumh, "Dahyah bin Khalifah

    Bize Kuteybe b. Said tahdis etti. Bize Leys tahdis etti (H). Bize Muhammed b. Rumh da tahdis etti. Bize el-Leys, Ebu'z-Zubeyr'den haber verdi. Onun Cabir'den rivayetine göre Resulullah (Sallallahu aleyhi ve Sellem) şöyle buyurdu: "Bana Nebiler arzedildi. Musa'nın uzun boylu, adeta Şenue adamlarından birisi gibi olduğunu gördüm. Meryem oğlu İsa (aleyhisselam)'ı da gördüm. Onun kendisine en çok benzeyen bir kişi olarak Urve b. Mesud olduğunu gördüm. İbrahim'i de -Allah'ın salavatı ona olsun gördüm. Ona en çok benzeyen kişinin -kendisini kastederek- arkadaşınız olduğunu gördüm. Cebrail (aleyhisselam)'ı da gördüm. Ona en çok benzeyen kişinin Dihye olduğunu gördüm." - İbn Rumh'un rivayetinde: "Dihye b. Halife" dedi. Diğer tahric: Tirmizi, 3649; Tuhfetu'l-Eşraf, 2920 DAVUDOĞLU 409 – 423 AÇIKLAMASI 168.sayfada. 409 – 429 NEVEVİ ŞERHİ 172.sayfada

    قتیبہ بن سعید اور محمد بن رمح نے لیث سے انہوں نے ابو زبیر سے اور انہوں نے حضرت جابر ‌رضی ‌اللہ ‌عنہ ‌ ‌ سے روایت کی کہ رسول اللہ ﷺ نے فرمایا : ’’ انبیائے کرام میرے سامنے لائے گئے ۔ موسیٰ ‌علیہ ‌السلام ‌ پھر پتلے بدن کے آدمی تھے ، جیسے قبیلہ شنوءہ کے مردوں میں سے ایک ہوں اور میں نے عیسیٰ ابن مریم ‌رضی ‌اللہ ‌عنہ ‌ ‌ کو دیکھا ، مجھے ان کے ساتھ سب سے قریبی مشابہت عروہ بن مسعود ‌رضی ‌اللہ ‌عنہ ‌ ‌ میں نظر آتی ہے ، میں نے ابراہیم علیہ السلام کو دیکھا ، مجھے ان کے ساتھ سب سے قریبی مشابہت تمہارے صاحب ( نبیﷺ ) میں نظرآئی ، یعنی خود آپ ۔ اور میں نے جبریل ‌علیہ ‌السلام ‌ کو ( انسانی شکل میں ) دیکھا ، میں نے ان کے ساتھ سب سے زیادہ مشابہت دحیہ ‌رضی ‌اللہ ‌عنہ ‌ ‌ میں دیکھی ۔ ‘ ‘ ابن رمح کی روایت میں ’’دحیہ بن خلیفہ ‘ ‘ ہے ۔

    কুতাইবাহ ইবনু সাঈদ (রহঃ) ও মুহাম্মাদ ইবনু রুমহ (রহঃ) ..... জাবির (রাযিঃ) থেকে বলেন যে, রাসূলুল্লাহ সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম বলেনঃ আমার নিকট নবীগণকে উপস্থিত করা হল, তখন মূসা (আঃ) কে দেখলাম একজন মধ্যম ধরনের মানুষ, অনেকটা শানুয়াহ গোত্রীয় লোকদের ন্যায়। আর ঈসা ইবনু মারইয়াম (আঃ) কে দেখলাম, তার নিকটতম ব্যক্তি হলেন উরওয়াহ ইবনু মাসউদ। ইবরাহীম (আঃ) কে দেখালাম; তার অনেকটা কাছাকাছি সদৃশ ব্যক্তি হচ্ছেন তোমাদের এ সাথী অর্থাৎ স্বয়ং রাসূলুল্লাহ সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম। জিবরীল (আঃ) কে দেখলাম তার কাছাকাছি সদৃশ ব্যক্তি হচ্ছেন দিহইয়া। ইবনু রুমহ এর বর্ণনায় আছে, দিহইয়া ইবনু খলীফার ন্যায়। (ইসলামিক ফাউন্ডেশনঃ ৩২০, ইসলামিক সেন্টারঃ)

    அல்லாஹ்வின் தூதர் (ஸல்) அவர்கள் கூறினார்கள். இறைத்தூதர்கள் எனக்குக் காட்டப்பட்டனர். மூசா (அலை) அவர்கள் (யமனியர்களான) “ஷனூஆ” குலத்தைச் சேர்ந்த மனிதரைப் போன்று உயரமான மனிதராக இருந்தார்கள். மர்யமின் மைந்தர் ஈசா (அலை) அவர்களையும் நான் பார்த்தேன். அவர்கள் (என் தோழர்) உர்வா பின் மஸ்ஊதுக்கு மிக நெருக்கமான சாயலுடையவராக இருந்தார்கள். இப்ராஹிம் (அலை) அவர்களையும் நான் பார்த்தேன். அவர்கள் உங்கள் தோழருக்கு (எனக்கு) மிக நெருக்கமான சாயலுடையவராக இருந்தார்கள். (வானவர்) ஜிப்ரீல் (அலை) அவர்கள் (என் தோழர்) தஹ்யா அவர்களுக்கு மிக நெருக்கமான சாயலுடையவராக இருந்தார்கள். இதை ஜாபிர் (ரலி) அவர்கள் அறிவிக்கிறார்கள். இந்த ஹதீஸ் இரு அறிவிப்பாளர் தொடர்களில் வந்துள்ளது. அவற்றில், முஹம்மத் பின் ரும்ஹூ (ரஹ்) அவர்களது அறிவிப்பில், “தஹ்யா பின் கலீஃபா அவர்களுக்கு”’’ என்று (தந்தை பெயரும் இணைத்து) கூறப்பெற்றுள்ளது. அத்தியாயம் :