• 520
  • سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ : إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي ، فَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ "

    حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي غَالِبٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ ، سَمِعْتُ أَبِي ، يَقُولُ : حَدَّثَنَا قَتَادَةُ ، أَنَّ أَبَا رَافِعٍ ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الخَلْقَ : إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي ، فَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ

    لا توجد بيانات
    رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي ، فَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ
    حديث رقم: 3047 في صحيح البخاري كتاب بدء الخلق باب ما جاء في قول الله تعالى: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} [الروم: 27]
    حديث رقم: 7009 في صحيح البخاري كتاب التوحيد باب قول الله تعالى: {ويحذركم الله نفسه} [آل عمران: 28]
    حديث رقم: 7026 في صحيح البخاري كتاب التوحيد باب {وكان عرشه على الماء} [هود: 7]، {وهو رب العرش العظيم} [التوبة: 129]
    حديث رقم: 7055 في صحيح البخاري كتاب التوحيد باب قوله تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين} [الصافات: 171]
    حديث رقم: 7154 في صحيح البخاري كتاب التوحيد باب قول الله تعالى: {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ} [البروج: 22]،
    حديث رقم: 5046 في صحيح مسلم كتاب التَّوْبَةِ بَابٌ فِي سِعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا سَبَقَتْ غَضَبَهُ
    حديث رقم: 5047 في صحيح مسلم كتاب التَّوْبَةِ بَابٌ فِي سِعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا سَبَقَتْ غَضَبَهُ
    حديث رقم: 5048 في صحيح مسلم كتاب التَّوْبَةِ بَابٌ فِي سِعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا سَبَقَتْ غَضَبَهُ
    حديث رقم: 3620 في جامع الترمذي أبواب الدعوات باب
    حديث رقم: 187 في سنن ابن ماجة الْمُقَدِّمَةُ بَابٌ فِي فَضَائِلِ أَصَحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    حديث رقم: 4292 في سنن ابن ماجة كِتَابُ الزُّهْدِ بَابُ مَا يُرْجَى مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
    حديث رقم: 7138 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 7331 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 7359 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 7941 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 8518 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 8777 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 8974 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 9406 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 9821 في مسند أحمد ابن حنبل مُسْنَدُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
    حديث رقم: 6250 في صحيح ابن حبان كِتَابُ التَّارِيخِ ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَمَّا
    حديث رقم: 6249 في صحيح ابن حبان كِتَابُ التَّارِيخِ ذِكْرُ الْإِخْبَارِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ الْعَرْشُ قَبْلَ خَلْقِ اللَّهِ جَلَّ وَعَلَا
    حديث رقم: 6251 في صحيح ابن حبان كِتَابُ التَّارِيخِ ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ كِتْبَةَ اللَّهِ الْكِتَابَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كَتَبَهُ بِيَدِهِ
    حديث رقم: 7496 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ النُّعُوتِ الرَّحْمَةُ وَالْغَضَبُ
    حديث رقم: 7497 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ النُّعُوتِ الرَّحْمَةُ وَالْغَضَبُ
    حديث رقم: 7502 في السنن الكبرى للنسائي كِتَابُ النُّعُوتِ الْمُعَافَاةُ وَالْعُقُوبَةُ
    حديث رقم: 33535 في مصنّف بن أبي شيبة كِتَابُ ذِكْرِ رَحْمَةِ اللَّهِ مَا ذُكِرَ فِي سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى
    حديث رقم: 2949 في المعجم الأوسط للطبراني بَابُ الْأَلِفِ بَابُ مَنِ اسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ
    حديث رقم: 1074 في مسند الحميدي مسند الحميدي بَابٌ جَامِعٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
    حديث رقم: 13 في حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا
    حديث رقم: 33 في حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا حسن الظن بالله لابن أبي الدنيا
    حديث رقم: 494 في السنة لعبد الله بن أحمد السُّنَّةُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ سُئِلَ عَمَّا جَحَدَتْهُ الْجَهْمِيَّةُ الضُّلَّالُ مِنْ كَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَزَّ وَجَلَّ
    حديث رقم: 770 في السنة لعبد الله بن أحمد السُّنَّةُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنِ الْقَدَرِيَّةِ وَالصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ وَمَا جَاءَ فِيهِمْ
    حديث رقم: 76 في القدر للفريابي القدر للفريابي المُقَدِّمَة
    حديث رقم: 77 في القدر للفريابي القدر للفريابي المُقَدِّمَة
    حديث رقم: 78 في القدر للفريابي القدر للفريابي المُقَدِّمَة
    حديث رقم: 79 في القدر للفريابي القدر للفريابي المُقَدِّمَة
    حديث رقم: 6151 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي الْأَعْرَجُ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
    حديث رقم: 6301 في مسند أبي يعلى الموصلي مسند أبي يعلى الموصلي شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
    حديث رقم: 655 في الشريعة للآجري كِتَابُ التَّصْدِيقِ بِالنَّظَرِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَابُ ذِكْرِ السُّنَنِ الَّتِي دَلَّتِ الْعُقَلَاءَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتِهِ وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ
    حديث رقم: 656 في الشريعة للآجري كِتَابُ التَّصْدِيقِ بِالنَّظَرِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَابُ ذِكْرِ السُّنَنِ الَّتِي دَلَّتِ الْعُقَلَاءَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتِهِ وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ
    حديث رقم: 657 في الشريعة للآجري كِتَابُ التَّصْدِيقِ بِالنَّظَرِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بَابُ ذِكْرِ السُّنَنِ الَّتِي دَلَّتِ الْعُقَلَاءَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتِهِ وَعِلْمُهُ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ , لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ
    حديث رقم: 41 في معجم أسامي شيوخ أبي بكر الإسماعيلي حَرْفُ الْأَلِفِ أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّرْقِيُّ
    حديث رقم: 9954 في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء حلية الأولياء وطبقات الأصفياء سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ
    حديث رقم: 2739 في أخبار أصبهان لأبي نعيم الأصبهاني بَابُ الْهَاءِ هَمَّامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ التَّيْمِيُّ أَبُو عَمْرٍو قِيلَ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْأَبْدَالِ ، تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ ، يَرْوِي عَنِ الْكُوفِيِّينَ : جَنْدَلِ بْنِ وَالِقٍ ، وَأَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ ، وَعَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ صَالِحٍ

    [7554] قَوْلُهُ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي غَالِبٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا وَهُوَ قُومَسِيٌّ نَزَلَ بَغْدَادَ وَيُقَالُ لَهُ الطَّيَالِسِيُّ وَكَانَ حَافِظًا مِنْ أَقْرَانِ الْبُخَارِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي بَابِ الْأَخْذِ بِالْيَدِ مِنْ كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ وَقَدْ نَزَلَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ دَرَجَةً بِالنِّسْبَةِ لِحَدِيثِ مُعْتَمِرٍ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ عَنْهُ الْكَثِيرَ بِوَاسِطَةِ وَاحِدٍ فَعِنْدَهُ فِي الْعِلْمِ وَالْجِهَادِ وَالدَّعَوَاتِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالصُّلْحِ وَاللِّبَاسِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ أَخْرَجَهَا مُسَدَّدٌ عَن متعمر وَدَرَجَتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِحَدِيثِ قَتَادَةَ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ الْكَثِيرُ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْهُ بِوَاسِطَةِ وَاحِدٍ عَنْ شُعْبَةَ وَقَدْ سَمِعَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ وَالْأَنْصَارِيُّ سَمِعَ مِنْسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَلَكِنْ لَمْ يُخَرِّجِ الْبُخَارِيُّ هَذِهِ التَّرْجَمَة فِي الْجَامِع وَمُحَمّد بْنُ إِسْمَاعِيلَ شَيْخُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي غَالِبٍ بَصرِي يُقَال لَهُ بن أَبِي سَمِينَةَ بِمُهْمَلَةٍ وَنُونٍ وَزْنُ عَظِيمَةَ مِنَ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ أَخْرَجَ عَنْهُ فِي التَّارِيخِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَلَمْ أَرَ عَنْهُ فِي الْجَامِعِ شَيْئًا إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعَ وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ مَنْ حَدَّثَ عَنِ الْبُخَارِيِّ مِثْلُ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظِ الْمُلَقَّبِ جَزَرَةَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالزَّايِ وَمُوسَى بْنِ هَارُونَ وَغَيْرِهِمَا(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) ذكر بن بَطَّالٍ عَنِ الْمُهَلَّبِ أَنَّ غَرَضَ الْبُخَارِيِّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِثْبَاتُ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ وَأَقْوَالَهُمْ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ كُنْ وَبَيْنَ الْخَلْقِ بِقَوْلِهِ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بأَمْره فَجَعَلَ الْأَمْرَ غَيْرَ الْخَلْقِ وَتَسْخِيرُهَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَى خَلْقِهَا إِنَّمَا هُوَ عَنْ أَمْرِهِ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ نُطْقَ الْإِنْسَانِ بِالْإِيمَانِ عَمَلٌ مِنْ أَعماله كَمَا ذكر فِي قصَّة عَبْدِ الْقَيْسِ حَيْثُ سَأَلُوا عَنْ عَمَلٍ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ فَأَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَفَسَّرَهُ بِالشَّهَادَةِ وَمَا ذَكَرَ مَعَهَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمَذْكُورِ وَإِنَّمَا اللَّهُ الَّذِي حَمَلَكُمْ الرَّدُّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَخْلُقُونَ أَعْمَالَهُمْ قَوْلُهُ إِنَّا كُلَّ شَيْء خلقناه بِقدر كَذَا لَهُمْ وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي بَابِ قَوْلَهُ تَعَالَى قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي قَالَ الْكِرْمَانِيُّ التَّقْدِيرُ خَلَقْنَا كُلَّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ خَالِقَ كُلَّ شَيْءٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَأما قَوْله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي إِثْبَاتِ نِسْبَةِ الْعَمَلِ إِلَى الْعِبَادِ فَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَمَلَ هُنَا غَيْرُ الْخَلْقِ وَهُوَ الْكَسْبُ الَّذِي يَكُونُ مُسْنَدًا إِلَى الْعَبْدِ حَيْثُ أَثْبَتَ لَهُ فِيهِ صُنْعًا وَيُسْنَدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ إِنَّ وُجُودَهُ إِنَّمَا هُوَ بِتَأْثِيرِ قُدْرَتِهِ وَلَهُ جِهَتَانِ جِهَةٌ تَنْفِي الْقَدَرَ وَجِهَةٌ تَنْفِي الْجَبْرَ فَهُوَ مُسْنَدٌ إِلَى اللَّهِ حَقِيقَةً وَإِلَى الْعَبْدِ عَادَةً وَهِيَ صِفَةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْفِعْلُ وَالتَّرْكُ فَكُلُّ مَا أُسْنِدَ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى تَأْثِيرِ الْقُدْرَةِ وَيُقَالُ لَهُ الْخَلْقُ وَمَا أُسْنِدَ إِلَى الْعَبْدِ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُقَالُ لَهُ الْكَسْبُ وَعَلَيْهِ يَقَعُ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ كَمَا يُذَمُّ الْمُشَوَّهُ الْوَجْهِ وَيُمْدَحُ الْجَمِيلُ الصُّورَةِ وَأَمَّا الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ فَهُوَ عَلَامَةٌ وَالْعَبْدُ إِنَّمَا هُوَ مِلْكُ اللَّهِ تَعَالَى يَفْعَلُ فِيهِ مَا يَشَاءُ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ هَذَا بِأَتَمَّ مِنْهُ فِي بَاب قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ سَلَكَهَا فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِعْرَابِ مَا هَلْ هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ وَقَدْ قَالَ الطَّبَرِيُّ فِيهَا وَجْهَانِ فَمَنْ قَالَ مَصْدَرِيَّةٌ قَالَ الْمَعْنَى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ عَمَلَكُمْ وَمَنْ قَالَ مَوْصُولَةٌ قَالَ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ الَّذِي تَعْمَلُونَ أَيْ تَعْمَلُونَ مِنْهُ الْأَصْنَامَ وَهُوَ الْخَشَبُ وَالنُّحَاسُ وَغَيْرُهُمَا ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ قَتَادَةَ مَا يُرَجِّحُ الْقَوْلَ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَىوَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ أَي بِأَيْدِيكُمْ وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَيْضًا قَالَ تَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ أَيْ مِنَ الْأَصْنَامِ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ أَيْ بِأَيْدِيكُمْ وَتَمَسَّكَ الْمُعْتَزِلَةُ بِهَذَا التَّأْوِيلِ قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي نَتَائِجِ الْفِكْرِ لَهُ اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْجَوَاهِرِ وَالْأَجْسَامِ فَلَا تَقُولُ عَمِلْتُ حَبْلًا وَلَا صَنَعْتُ جَمَلًا وَلَا شَجَرًا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَنْ قَالَ أَعْجَبَنِي مَا عَمِلْتَ فَمَعْنَاهُ الْحَدَثُ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ فِي تَأْوِيل وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ إِلَّا أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ إِنَّهَا مَوْصُولَةٌ فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهَا وَاقِعَةٌ عَلَى الْأَصْنَامِ الَّتِي كَانُوا يَنْحِتُونَهَا فَقَالُوا التَّقْدِيرُ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ الْأَصْنَامَ وَزَعَمُوا أَنَّ نَظْمَ الْكَلَامِ يَقْتَضِي مَا قَالُوهُ لِتَقَدُّمِ قَوْلِهِ مَا تَنْحِتُونَ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ عَلَى الْحِجَارَةِ الْمَنْحُوتَةِ فَكَذَلِكَ مَا الثَّانِيَةُ وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَهُمْ أَتَعْبُدُونَ حِجَارَةً تَنْحِتُونَهَا وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ تِلْكَ الْحِجَارَةَ الَّتِي تَعْمَلُونَهَا هَذِهِ شُبْهَتُهُمْ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ النَّحْوِ إِذْ مَا لَا تَكُونُ مَعَ الْفِعْلِ الْخَاصِّ إِلَّا مَصْدَرِيَّةً فَعَلَى هَذَا فَالْآيَةُ تَرُدُّ مَذْهَبَهُمْ وَتُفْسِدُ قَوْلَهُمْ وَالنَّظْمُ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَبْدَعُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقُولُ عَمِلْتُ الصَّحْفَةَ وَصَنَعْتُ الْجَفْنَةَ وَكَذَا يَصِحُّ عَمِلْتُ الصَّنَمَ قُلْنَا لَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ إِلَّا بِالصُّورَةِ الَّتِي هِيَ التَّأْلِيفُ وَالتَّرْكِيبُ وَهِيَ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ الْإِحْدَاثُ دُونَ الْجَوَاهِرِ بِالِاتِّفَاقِ وَلِأَنَّ الْآيَةَ وَرَدَتْ فِي بَيَانِ اسْتِحْقَاقِ الْخَالِقِ الْعِبَادَةَ لِانْفِرَادِهِ بِالْخَلْقِ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ يَعْبُدُ مَا لَا يَخْلُقُ وَهُمْ يُخْلَقُونَ فَقَالَ أَتَعْبُدُونَ مَنْ لَا يَخْلُقُ وَتَدَعُونَ عِبَادَةَ مَنْ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ أَعْمَالَكُمُ الَّتِي تَعْمَلُونَ وَلَوْ كَانُوا كَمَا زَعَمُوا لَمَا قَامَتِ الْحُجَّةُ مِنْ نَفْسِ هَذَا الْكَلَامِ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَهُمْ خَالِقِينَ لِأَعْمَالِهِمْ وَهُوَ خَالِقٌ لِلْأَجْنَاسِ لَشَرَكَهُمْ مَعَهُمْ فِي الْخَلْقِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ إِفْكِهِمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِقَادِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالق كل شَيْء فَدَخَلَ فِيهِ الْأَعْيَانُ وَالْأَفْعَالُ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.
    وَقَالَ تَعَالَى أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كل شَيْء فَنَفَى أَنْ يَكُونَ خَالِقُ غَيْرَهُ وَنَفَى أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ سِوَاهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَلَوْ كَانَتِ الْأَفْعَالُ غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ لَهُ لَكَانَ خَالِقَ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ لَا خَالِقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِخِلَافِ الْآيَةِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَفْعَالَ أَكْثَرُ مِنَ الْأَعْيَانِ فَلَوْ كَانَ اللَّهُ خَالِقَ الْأَعْيَانَ وَالنَّاسُ خَالِقَ الْأَفْعَالَ لَكَانَ مَخْلُوقَاتُ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.
    وَقَالَ الله تَعَالَى وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ.
    وَقَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي إِعْرَابِ الْقُرْآنِ لَهُ قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا تَعْمَلُونَ مَوْصُولَةٌ فِرَارًا مِنْ أَنْ يُقِرُّوا بِعُمُومِ الْخَلْقِ لِلَّهِ تَعَالَى يُرِيدُونَ أَنَّهُ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تُنْحَتُ مِنْهَا الْأَصْنَامُ وَأَمَّا الْأَعْمَالُ وَالْحَرَكَاتُ فَإِنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي خَلْقِ اللَّهِ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِذَلِكَ تَنْزِيهَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ خَلْقِ الشَّرِّ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ السُّنَّةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ إِبْلِيسَ وَهُوَ الشَّرُّ كُلُّهُ.
    وَقَالَ تَعَالَى قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خلق فَأَثْبَتَ أَنَّهُ خَلَقَ الشَّرَّ وَأَطْبَقَ الْقُرَّاءُ حَتَّى أَهْلُ الشُّذُوذِ عَلَى إِضَافَةِ شَرِّ إِلَى مَا إِلَّا عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ رَأْسَ الِاعْتِزَالِ فَقَرَأَهَا بِتَنْوِينِ شَرٍّ لِيُصَحِّحَ مَذْهَبَهُ وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلِهِ عَلَى قِرَاءَتِهَا بِالْإِضَافَةِ قَالَ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةً وَالْمَعْنَى خَلَقَكُمْ وَخَلَقَعَمَلَكُمْ انْتَهَى وَقَوَّى صَاحِبُ الْكَشَّافِ مَذْهَبَهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَمَا تَعْمَلُونَ تَرْجَمَةٌ عَنْ قَوْلِهِ قَبْلَهَا مَا تنحتون وَمَا فِي قَوْلِهِ مَا تَنْحِتُونَ مَوْصُولَةٌ اتِّفَاقًا فَلَا يعدل مَا الَّتِي بَعْدَهَا عَنْ أُخْتِهَا وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ وَمِنْ جُمْلَتِهِ فَإِنْ قُلْتُ مَا أَنْكَرْتُ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةً وَالْمَعْنَى خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ عَمَلَكُمْ كَمَا تَقُولُ الْمُجْبِرَةُ يَعْنِي أَهْلَ السُّنَّةِ قُلْتُ أَقْرَبُ مَا يَبْطُلُ بِهِ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ يَأْبَاهُ إِبَاءً جَلِيًّا لِأَنَّ اللَّهَ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ الْعَابِدَ وَالْمَعْبُودَ جَمِيعًا خَلْقُ اللَّهِ فَكَيْفَ يُعْبَدُ الْمَخْلُوقُ مَعَ أَنَّ الْعَابِدَ هُوَ الَّذِي عَمِلَ صُورَةَ الْمَعْبُودِ وَلَوْلَاهُ لَمَا قَدَرَ أَنْ يُشَكِّلَ نَفْسَهُ فَلَوْ كَانَ التَّقْدِيرُ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ عَمَلَكُمْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْتُ هِيَ مَوْصُولَةٌ لَكِنَّ التَّقْدِيرَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَهُ مِنْ أَعْمَالِكُمْ قُلْتُ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا حجَّة على الْمُشْركين وَتعقبه بن خَلِيلٍ السَّكُونِيُّ فَقَالَ فِي كَلَامِهِ صَرْفٌ لِلْآيَةِ عَن دلالتها الْحَقِيقَة إِلَى ضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ بَلْ لِنُصْرَةِ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْعِبَادَ يَخْلُقُونَ أَكْسَابَهُمْ فَإِذَا حَمَلَهَا عَلَى الْأَصْنَامِ لَمْ تَتَنَاوَلِ الْحَرَكَاتِ وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَيَقُولُونَ الْقُرْآنُ نَزَلَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَأَئِمَّةُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ الْوَارِدَ بَعْدَ مَا يُتَأَوَّلُ بِالْمَصْدَرِ نَحْوَ أَعْجَبَنِي مَا صَنَعْتَ أَيْ صُنْعُكَ وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى الْآيَةِ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ أَعْمَالَكُمْ وَالْأَعْمَالُ لَيْسَتْ هِيَ جَوَاهِرُ الْأَصْنَامِ اتِّفَاقًا فَمَعْنَى الْآيَةِ عِنْدَهُمْ إِذَا كَانَ اللَّهُ خَالِقَ أَعْمَالَكُمُ الَّتِي تَتَوَهَّمُ الْقَدَرِيَّةُ أَنَّهُمْ خَالِقُونَ لَهَا فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ خَالِقًا لِمَا لَمْ يَدَّعِ فِيهِ أَحَدٌ الْخَلْقِيَّةَ وَهِيَ الْأَصْنَامُ قَالَ وَمَدَارُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَجَازِ وَلَا أَثَرَ لِلْمَرْجُوحِ مَعَ الرَّاجِحِ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَشَبَ الَّتِي مِنْهَا الْأَصْنَامُ وَالصُّوَرَ الَّتِي لِلْأَصْنَامِ لَيْسَتْ بِعَمَلٍ لَنَا وَإِنَّمَا عَمَلُنَا مَا أَقْدَرَنَا اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَانِي الْمَكْسُوبَةِ الَّتِي عَلَيْهَا ثَوَابُ الْعِبَادِ وَعِقَابُهُمْ فَإِذَا قُلْتُ عَمِلَ النَّجَّارُ السَّرِيرَ فَالْمَعْنَى عَمِلَ حَرَكَاتٍ فِي مَحَلٍّ أَظْهَرَ اللَّهُ لَنَا عِنْدَهَا التَّشَكُّلَ فِي السَّرِيرِ فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَهِيَ مَعْمُولُكُمْ وَأَمَّا مَا يُطَالِبُ بِهِ الْمُعْتَزِلِيُّ مِنَ الرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْآيَةِ فَهُوَ مِنْ أَبْيَنِ شَيْءٍ لِأَنَّهُ تَعَالَى إِذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ خَلَقَنَا وَخَلَقَ أَعْمَالَنَا الَّتِي يَظْهَرُ بِهَا التَّأْثِيرُ بَيْنَ أَشْكَالِ الْأَصْنَامِ وَغَيْرِهَا فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ خَالِقًا لِلْمُتَأَثِّرِ الَّذِي لَمْ يَدَّعِ فِيهِ أَحَدٌ لَا سُنِّيٌّ وَلَا مُعْتَزِلِيٌّ وَدَلَالَةُ الْمُوَافَقَةِ أَقْوَى فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَأَبْلَغُ مِنْ غَيْرِهَا وَقَدْ وَافَقَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا تَقُلْ لَهما أُفٍّ فَإِنَّهُ أَدَلُّ عَلَى نَفْيِ الضَّرْبِ مِنْ أَنْ لَوْ قَالَ وَلَا تَضْرِبْهُمَا.
    وَقَالَ إِنَّهَا مِنْ نُكَتِ عِلْمِ الْبَيَانِ ثُمَّ غَفَلَ عَنْهَا اتِّبَاعًا لِهَوَاهُ وَأَمَّا ادِّعَاؤُهُ فَكَّ النَّظْمِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ الْحُجَّةِ لِأَنَّ فَكَّهُ لِمَا هُوَ أَبْلَغُ سَائِغٌ بَلْ أَكْمَلُ لِمُرَاعَاةِ الْبَلَاغَةِ ثُمَّ قَالَ وَلِمَ لَا تَكُونُ الْآيَةُ مُخْبِرَةً عَنْ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ لِلْعَبْدِ فَهُوَ خَلْقٌ لِلرَّبِّ فَيَنْدَرِجُ فِيهِ الرَّدُّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَعَ مُرَاعَاةِ النَّظْمِ وَمَنْ قَيَّدَ الْآيَةَ بِعَمَلِ الْعَبْدِ دُونَ عَمَلٍ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَأَجَابَ الْبَيْضَاوِيُّ بِأَنَّ دَعْوَى أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ أَبْلَغُ لِأَنَّ فِعْلَهُمْ إِذَا كَانَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْمُتَوَقِّفُ عَلَى فِعْلِهِمْ أَوْلَى بِذَلِكَ وَيَتَرَجَّحُ أَيْضًا بِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَخْلُو مِنْ حَذْفٍ أَوْ مَجَازٍ وَهُوَ سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
    وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَتَكْمِلَةُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ تَقَرَّرَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ أَنَّ الْكِنَايَةَ أَوْلَى مِنَ التَّصْرِيحِ فَإِذَا نَفَى الْحُكْمَ الْعَامَّ لِيَنْتَفِيَ الْخَاصُّ كَانَ أَقْوَى فِي الْحُجَّةِ وَقَدْ سَلَكَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ هَذَا بِعَيْنِهِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى كَيفَ تكفرون بِاللَّه الْآيَة.
    وَقَالَ بن الْمُنِيرِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا الْأَصْنَامَ مِنْ حَيْثُ هِيَ حِجَارَةٌ أَوْ خَشَبٌ عَارِيَةٌ عَنِ الصُّورَةِ بَلْ عَبَدُوهَا لِأَشْكَالِهَا وَهِيَ أَثَرُ عَمَلِهِمْ وَلَوْ عَمِلُوا نَفْسَ الْجَوَاهِرِ لَمَا طَابَقَ تَوْبِيخَهُمْ بِأَنَّ الْمَعْبُودَ مِنْ صَنْعَةِ الْعَابِدِ قَالَ وَالْمُخَالِفُونَ مُوَافِقُونَ أَنَّ جَوَاهِرَ الْأَصْنَامِ لَيْسَتْ عَمَلًا لَهُمْ فَلَوْ كَانَ كَمَا ادَّعَوْهُ لَاحْتَاجَ إِلَى حَذْفٍ أَيْ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ شَكْلَهُ وَصُورَتَهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّقْدِيرِ وَقَدْ جَاءَ التَّصْرِيحُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِمَعْنَى الَّذِي تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي بَابِ قَوْلِهِ كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن عَنْ حُذَيْفَةَ رَفَعَهُ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ.
    وَقَالَ غَيْرُهُ قَوْلُ مَنِ ادَّعَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَمَا تَعْمَلُونَ نَفْسُ الْعِيدَانِ وَالْمَعَادِنِ الَّتِي تُعْمَلُ مِنْهَا الْأَوْثَانُ بَاطِلٌ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا يَقُولُونَ إِنَّ الْإِنْسَانَ يَعْمَلُ الْعُودَ أَوِ الْحَجَرَ بَلْ يُقَيِّدُونَ ذَلِكَ بِالصَّنْعَةِ فَيَقُولُونَ عَمِلَ الْعُودُ صَنَمًا وَالْحَجَرُ وَثَنًا فَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ وَخَلَقَ شَكْلَ الصَّنَمِ وَأَمَّا الَّذِي نَحَتَ أَوْ صَاغَ فَإِنَّمَا هُوَ عَمَلُ النَّحْتِ وَالصِّيَاغَةِ وَقَدْ صَرَّحَتِ الْآيَةُ بِذَلِكَ وَالَّذِي عَمِلَهُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي خَلَقَهُ.
    وَقَالَ التُّونِسِيُّ فِي مُخْتَصَرِ تَفْسِيرِ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ احْتَجَّالْأَصْحَاب بِهَذِهِ الْآيَة على ان عمل العَبْد مَخْلُوقٌ لِلَّهِ عَلَى إِعْرَابِ مَا مَصْدَرِيَّةً وَأَجَابَ الْمُعْتَزِلَةُ بِأَنَّ إِضَافَةَ الْعِبَادَةِ وَالنَّحْتِ لَهُمْ إِضَافَةُ الْفِعْلِ لِلْفَاعِلِ وَلِأَنَّهُ وَبَّخَهُمْ وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْأَفْعَالُ لِخَلْقِهِمْ لَمَا وَبَّخَهُمْ قَالُوا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ لِأَنَّ الْأَخْفَشَ يَمْنَعُ أَعْجَبَنِي مَا قُمْتَ أَيْ قِيَامَكَ.
    وَقَالَ إِنَّهُ خَاصٌّ بِالْمُتَعَدِّي سَلَّمْنَا جَوَازَهُ لَكِنْ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ تَقْدِيرِ مَا مَفْعُولًا لِلنَّحَّاتِينَ وَلِمُوَافَقَةِ مَا يَنْحِتُونَ وَلِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي مَحَلَّ الْعَمَلِ عَمَلًا فَتَقُولُ فِي الْبَابِ هُوَ عَمَلُ فُلَانٍ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ هُوَ تَزْيِيفُ عِبَادَتِهِمْ لَا بَيَانَ أَنَّهُمْ لَا يُوجِدُونَ أَعْمَالَ أَنْفُسِهِمْ قَالَ وَهَذِهِ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِهَذَا الْمُرَادِ كَذَا قَالَ وَجَرَى عَلَى عَادَتِهِ فِي إِيرَادِ شُبَهِ الْمُخَالِفِينَ وَتَرْكِ بَذْلِ الْوُسْعِ فِي أَجْوِبَتِهَا وَقَدْ أَجَابَ الشَّمْسُ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَهُوَ مُلَخَّصٌ مِنْ تَفْسِيرِ الْفَخْرِ فَقَالَ وَمَا تَعْمَلُونَ أَيْ عَمَلَكُمْ وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ وَعَلَى أَنَّهَا مُكْتَسَبَةٌ لِلْعِبَادِ حَيْثُ أَثْبَتَ لَهُمْ عَمَلًا فَأَبْطَلَتْ مَذْهَبَ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ مَعًا وَقَدْ رَجَّحَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَوْنَهَا مَصْدَرِيَّةً لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا الْأَصْنَامَ إِلَّا لِعَمَلِهِمْ لَا لِجُرْمِ الصَّنَمِ وَإِلَّا لَكَانُوا يَعْبُدُونَهَا قَبْلَ الْعَمَلِ فَكَأَنَّهُمْ عَبَدُوا الْعَمَلَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عِبَادَةَ الْمَنْحُوتِ الَّذِي لَمْ يَنْفَكَّ عَنِ الْعَمَلِ الْمَخْلُوقِ.
    وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ وَلَكِنْ لَا حُجَّةَ فِيهَا لِلْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى وَالله خَلقكُم يَدْخُلُ فِيهِ ذَاتُهُمْ وَصِفَاتُهُمْ وَعَلَى هَذَا إِذَا كَانَ التَّقْدِيرُ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ خَلْقَهُ لَهَا قَبْلَ النَّحْتِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْمُولُ غَيْرَ مَخْلُوقٍ وَهُوَ بَاطِلٌ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ خَلْقُهُ لَهَا قَبْلَ النَّحْتِ وَبَعْدَهُ وَأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهَا بِمَا فِيهَا مِنَ التَّصْوِيرِ وَالنَّحْتِ فَثَبَتَ أَنَّهُ خَالِقُ مَا تَوَلَّدَ عَنْ فِعْلِهِمْ فَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ أَفْعَالَهُمُ الْقَائِمَةَ بِهِمْ وَخَلَقَ مَا تَوَلَّدَ عَنْهَا وَوَافَقَ عَلَى تَرْجِيحِ أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ السِّيَاقَ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عِبَادَةَ الْمَنْحُوتِ فَنَاسَبَ أَنْ يُنْكِرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَنْحُوتِ وَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لَهُ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ اللَّهُ خَالِقُ الْعَابِدَ وَالْمَعْبُودَ وَتَقْدِيرُ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ أَعْمَالَكُمْ يَعْنِي إِذَا أُعْرِبَتْ مَصْدَرِيَّةً لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي ذَمَّهُمْ عَلَى تَرْكِ عِبَادَتِهِ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدِ ارْتَضَى الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ هَذِهِ الطَّرِيقَ وَأَوْضَحَهَا وَنَقَّحَهَا فَقَالَ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ لَهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ وَأَدِلَّةَ الْفَرِيقَيْنِ وَمِنْهَا اسْتِدْلَالُ أَهْلِ السُّنَّةِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ قَالُوا مَعْنَاهُ وَخَلَقَ عَمَلَكُمْ عَلَى إِعْرَابِ مَا مَصْدَرِيَّةً وَرَجَّحُوا ذَلِكَ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إِلَى حَذْفِ الضَّمِيرِ قَالَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَخَلَقَ مَعْمُولَكُمْ عَلَى إِعْرَابِهَا مَوْصُولَةً وَيَشْمَلُ أَعْمَالَ الْعِبَادِ لِأَنَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّهَا مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ أَوْ لِلْعَبْدِ لَمْ يُرِدْ بِالْفِعْلِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ الَّذِي هُوَ الْإِيجَادُ بَلِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْإِيجَادِ وَهُوَ مَا يُشَاهِدُهُ مِنَ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ قَالَ وَلِلذُّهُولِ عَنْ هَذِهِ النُّكْتَةِ تَوَهَّمَ مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى كَوْنِ مَا مَصْدَرِيَّةً وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ تَكْمِلَةٌ جَوَّزَ مَنْ صَنَّفَ فِي إِعْرَابِ الْقُرْآنِ فِي إِعْرَابِ مَا تَعْمَلُونَ زِيَادَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالُوا وَاللَّفْظُ لِلْمُنْتَخَبِ فِي مَا أَوْجُهٌ أَحَدُهَا ان تكون مَصْدَرِيَّة مَنْصُوبَة الْمحل عطف عَلَى الْكَافِ وَالْمِيمِ فِي خَلَقَكُمْ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَيْضًا عَطْفًا عَلَى الْمَذْكُورِ آنِفًا وَالتَّقْدِيرُ خَلَقَكُمْ وَالَّذِي تَعْمَلُونَ أَيْ تَعْمَلُونَ مِنْهُ الْأَصْنَامَ يَعْنِي الْخَشَبَ وَالْحِجَارَةَ وَغَيْرَهَا الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ اسْتِفْهَامِيَّةً مَنْصُوبَةَ الْمَحَلِّ بِقَوْلِهِ تَعْمَلُونَ تَوْبِيخًا لَهُمْ وَتَحْقِيرًا لِعَمَلِهِمْ الرَّابِعُ أَنْ تَكُونَ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمَوْصُولَةِ الْخَامِسُ أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً عَلَى مَعْنَى وَمَا تَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَكِنَّ اللَّهَ هُوَ خَلَقَهُ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فَامْتَدَحَ بِأَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَبِأَنَّهُ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ فَكَمَا لَا يَخْرُجُ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ وَكَذَا لَا يَخْرُجُ عَنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ.
    وَقَالَ تَعَالَى وأسروا قَوْلكُم أَو اجهروا بِهِ إِنَّه عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ فَأَخْبَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ سِرًّا وَجَهْرًا خَلْقُهُلِأَنَّهُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ عَلِيمٌ.
    وَقَالَ تَعَالَى خَلَقَ الْمَوْت والحياة.
    وَقَالَ وانه هُوَ أمات وَأَحْيَا فَأَخْبَرَ أَنَّهُ الْمُحْيِي الْمُمِيتُ وَأَنَّهُ خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ فَثَبَتَ أَنَّ الْأَفْعَالَ كُلَّهَا خَيْرَهَا وَشَرَّهَا صَادِرَةٌ عَنْ خَلْقِهِ وَإِحْدَاثِهِ إِيَّاهَا.
    وَقَالَ تَعَالَى وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى.
    وَقَالَ تَعَالَى أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ فَسَلَبَ عَنْهُمْ هَذِهِ الْأَفْعَالَ وَأَثْبَتَهَا لِنَفْسِهِ لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِيهَا حَتَّى صَارَتْ مَوْجُودَةً بَعْدَ الْعَدَمِ هُوَ خَلْقُهُ وَأَنَّ الَّذِي يَقَعُ مِنَ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ مُبَاشَرَةُ تِلْكَ الْأَفْعَالِ بِقُدْرَةٍ حَادِثَةٍ أَحْدَثَهَا عَلَى مَا أَرَادَ فَهِيَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقٌ بِمَعْنَى الِاخْتِرَاعِ بِقُدْرَتِهِ الْقَدِيمَةِ وَمِنَ الْعِبَادِ كَسْبٌ عَلَى مَعْنَى تَعَلُّقِ قُدْرَةٍ حَادِثَةٍ بِمُبَاشَرَتِهِمُ الَّتِي هِيَ كَسْبُهُمْ وَوُقُوعُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ عَلَى وُجُودِهِ بِخِلَافِ فِعْلِ مُكْتَسِبِهَا أَحْيَانًا مِنْ أَعْظَمِ الدَّلَالَةِ عَلَى مُوقِعٍ أَوْقَعَهَا عَلَى مَا أَرَادَ ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ فَمَعْنَاهُ كَمَا قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَالشَّرُّ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ.
    وَقَالَ غَيْرُهُ أَرْشَدُ إِلَى اسْتِعْمَالِ الْأَدَبِ فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ مَحَاسِنُ الْأُمُورِ دُونَ مَسَاوِيهَا وَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْمُهْدَى مَنْ هَدَيْتَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَهْدِي مَنْ شَاءَ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ.
    وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَاضِي فِي الْأَحْكَامِ الَّذِي فِي أَوَّلِهِ أَنَّ كُلَّ وَالٍ لَهُ بِطَانَتَانِ وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَعْصِمُ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ.
    وَقَالَ غَيْرُهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَصْلُحَ قُدْرَةَ الْعِبَادِ لِلْإِبْرَازِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالِاخْتِرَاعِ وَثُبُوتُهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَطْعِيٌّ لِأَنَّ قُدْرَةَ الْإِبْرَازِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ تَتَوَجَّهُ إِلَى تَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ فَحَالَ تَوْجِيهِهَا لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَحْصُلَ الْعَدَمُ شَيْئًا فَقُدْرَتُهُ ثَابِتَةٌ وَقُدْرَةُ الْمَخْلُوقِينَ عَرَضٌ لَا بَقَاءَ لَهُ فَيَسْتَحِيلُ تَقَدُّمُهَا وَقَدْ تَوَارَدَتِ النُّقُولُ السَّمْعِيَّةُ وَالْقُرْآنُ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِانْفِرَادِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالِاخْتِرَاعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ فأروني مَاذَا خلق الَّذين من دونه وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْكُمُ فِي خَلْقِهِ بِمَا يَشَاءُ وَلَا تَتَوَقَّفُ أَحْكَامُهُ فِي ثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ عَلَى أَنْ يَكُونُوا خَالِقِينَ لِأَفْعَالِهِمْ أَنَّهُ نَصَبَ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ عَلَى مَا يَقَعُ مُبَايِنًا لِمَحَالِّ قُدْرَتِهِمْ وَأَمَّا اكْتِسَابُ الْعِبَادِ فَلَا يَقَعُ إِلَّا فِي مَحَلِّ الْكَسْبِ وَمِثَالُ ذَلِكَ السَّهْمُ الَّذِي يَرْمِيهِ الْعَبْدُ لَا تَصَرُّفُ لَهُ فِيهِ بِالرَّفْعِ وَكَذَلِكَ لَا تَصَرُّفُ لَهُ فِيهِ بِالْوَضْعِ وَأَيْضًا فَإِنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَتَعَلَّقُ بِمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ عَلَى وَجْهِ النُّفُوذِ وَعَدَمِ التَّعَذُّرِ وَإِرَادَةُ الْعَبْدِ لَا تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مَعَ تَسْمِيَتِهَا إِرَادَةً وَكَذَلِكَ عِلْمُهُ تَعَالَى لَا نِهَايَةَ لَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ وَعِلْمُ الْعَبْدِ لَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مَعَ تَسْمِيَتِهِ عِلْمًا فَصْلٌ احْتَجَّ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى الله خَالق كل شَيْء عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ لِأَنَّهُ شَيْءٌ وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَهُوَ صِفَتُهُ فَكَمَا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَدْخُلْ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ كُلِّ شَيْءٍ اتِّفَاقًا فَكَذَلِكَ صِفَاتُهُ وَنَظِيرُ ذَلِك قَوْله تَعَالَى ويحذركم الله نَفسه مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ فَكَمَا لَمْ تَدْخُلْ نَفْسُ اللَّهِ فِي هَذَا الْعُمُومِ اتِّفَاقًا فَكَذَا لَا يَدْخُلُ الْقُرْآنُ قَوْلُهُ وَيُقَالُ لِلْمُصَوِّرِينَ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَيَقُولُ أَيِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَوِ الْمَلَكُ بِأَمْرِهِ.
    وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ لَفْظُ الْحَدِيثِ الْمَوْصُولِ فِي الْبَابِ وَيُقَالُ لَهُمْ فَأَظْهَرَ الْبُخَارِيُّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ انْتَهَى وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى نِسْبَةِ الْخَلْقِ إِلَيْهِمْ فِي آخِرِ الْبَابِ قَوْلُهُ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض إِلَى تبَارك الله رب الْعَالمين سَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَةَ كُلَّهَا وَالْمُنَاسِبُ مِنْهَا لِمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى أَلَا لَهُ الْخلق وَالْأَمر فَيَصِحُّ بِهِ قَوْلُ اللَّهِ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَلذَلِك عقبه بقوله قَالَ بن عُيَيْنَةَ بَيَّنَ اللَّهُ الْخَلْقَ مِنَ الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى الا لَهُ الْخلق وَالْأَمر وَهَذَا الْأَثر وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ مِنْ طَرِيقِ بَشَّارِ بْنِ مُوسَى قَالَ كُنَّا عِنْدَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَفَقَالَ الا لَهُ الْخلق وَالْأَمر فَالْخَلْقُ هُوَ الْمَخْلُوقَاتُ وَالْأَمْرُ هُوَ الْكَلَامُ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ نُعَيْمٍ سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ وَسُئِلَ عَنِ الْقُرْآنِ أَمَخْلُوقٌ هُوَ فَقَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ أَلَا تَرَى كَيْفَ فَرَّقَ بَيْنَ الْخَلْقَ وَالْأَمْرَ فَالْأَمْرُ كَلَامُهُ فَلَوْ كَانَ كَلَامُهُ مَخْلُوقًا لَمْ يفرق قلت وَسبق بن عُيَيْنَةَ إِلَى ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَتَبِعَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَبْدُ السَّلَامِ بن عَاصِم وَطَائِفَة أخرج كل ذَلِك بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُمْ.
    وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ بِأَمْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بعد وَلِقَوْلِهِ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كن فَيكون وَلِقَوْلِهِ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ بأَمْره قَالَ وَتَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّ أَمْرَ اللَّهِ قَبْلَ مَخْلُوقَاتِهِ قَالَ وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ خِلَافُ ذَلِكَ وَهُمُ الَّذِينَ أَدَّوْا إِلَيْنَا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ إِلَى زَمَانِ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَحَمَّادٍ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ عُلَمَاءِ الْحَرَمَيْنِ وَالْعِرَاقَيْنِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَخُرَاسَانَ.
    وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْمَكِّيُّ فِي مُنَاظَرَتِهِ لِبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ بَعْدَ أَنْ تَلَا الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْخَلْقِ أَنَّهُ مُسَخَّرٌ بِأَمْرِهِ فَالْأَمْرُ هُوَ الَّذِي كَانَ الْخَلْقُ مُسَخَّرًا بِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْأَمْرُ مَخْلُوقًا.
    وَقَالَ تَعَالَى إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نقُول لَهُ كن فَيكون فَأَخْبَرَ أَنَّ الْأَمْرَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الشَّيْءِ الْمُكَوَّنِ.
    وَقَالَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ أَيْ مِنْ قَبْلِ خَلْقِ الْخَلْقِ وَمِنْ بَعْدِ خَلْقِهِمْ وَمَوْتِهِمْ بَدَأَهُمْ بِأَمْرِهِ وَيُعِيدُهُمْ بِأَمْرِهِ.
    وَقَالَ غَيْرُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ يَرِدُ لِمَعَانٍ مِنْهَا الطَّلَبُ وَمِنْهَا الْحُكْمُ وَمِنْهَا الْحَالُ وَالشَّأْنُ وَمِنْهَا الْمَأْمُورُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمر رَبك أَيْ مَأْمُورُهُ وَهُوَ إِهْلَاكُهُمْ وَاسْتِعْمَالُ الْمَأْمُورِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ كَاسْتِعْمَالِ الْمَخْلُوقِ بِمَعْنَى الْخَلْقِ.
    وَقَالَ الرَّاغِبُ الْأَمْرُ لَفْظٌ عَامٌّ لِلْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ كُلِّهَا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى واليه يرجع الْأَمر كُله وَيُقَالُ لِلْإِبْدَاعِ أَمْرٌ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى أَلَا لَهُ الْخلق وَالْأَمر وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلِهِ تَعَالَى قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي أَيْ هُوَ مِنْ إِبْدَاعِهِ وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِاللَّهِ تَعَالَى دون الْخَلَائق وَقَوله انما أمرنَا لشَيْء إِذا أردناه إِشَارَةٌ إِلَى إِبْدَاعِهِ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِأَقْصَرِ لَفْظٍ وَأَبْلَغُ مَا نَتَقَدَّمَ بِهِ فِيمَا بَيْنَنَا بِفِعْلِ الشَّيْء وَمِنْه وَمَا أمرنَا الا وَاحِدَة فَعَبَّرَ عَنْ سُرْعَةِ إِيجَادِهِ بِأَسْرَعِ مَا يُدْرِكُهُ وَهْمُنَا وَالْأَمْرُ التَّقَدُّمُ بِالشَّيْءِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِقَوْلِ افْعَلْ أَوْ لِتَفْعَلْ أَوْ بِلَفْظِ خَبَرٍ نَحْو والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ أَوْ بِإِشَارَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَتَسْمِيَتِهِ مَا رأى إِبْرَاهِيم أمرا حَيْثُ قَالَ ابْنه يَا أَبَت افْعَل مَا تُؤمر واما قَوْله وَمَا أَمر فِرْعَوْن برشيد فَعَامٌّ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَقَوْلُهُ أَتَى أَمْرُ الله إِشَارَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَذَكَرَهُ بِأَعَمِّ الْأَلْفَاظِ وَقَوله بل سَوَّلت لكم أَنفسكُم أمرا أَيْ مَا تَأْمُرُ بِهِ النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ انْتَهَى وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ لَا سِيَّمَا فِي تَفْسِيرِ الْأَمْرِ فِي آيَةِ الْبَابِ بِالْإِبْدَاعِ وَالْمَعْرُوف فِيهِ مَا نقل عَن بن عُيَيْنَةَ وَعَلَى مَا قَالَ الرَّاغِبُ يَكُونُ الْأَمْرُ فِي الْآيَةِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ بَعْدَ الْخَلْقِ تَصْرِيفُ الْأُمُورِ.
    وَقَالَ بَعْضُهُمُ الْمُرَادُ بِالْخَلْقِ فِي الْآيَةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَبِالْأَمْرِ الْآخِرَةُ وَمَا فِيهَا فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ قَوْلُهُ وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَانَ عَمَلًا تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي بَابِ مَنْ قَالَ الْإِيمَانُ هُوَ الْعَمَلُ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ أَوَّلَ الْجَامِعِ قَوْلُهُ.
    وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا وَبَيَانُ مَنْ وَصَلَهُمَا وَشَوَاهِدُهُمَا فِي بَابِ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا قَبْلَ أَبْوَابٍ قَوْلُهُ.
    وَقَالَ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يعْملُونَ أَيْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ وَلَكِنْ لَمْ يُخَرِّجِ الْبُخَارِيُّ هَذِهِ التَّرْجَمَة فِي الْجَامِع وَمُحَمّد بْنُ إِسْمَاعِيلَ شَيْخُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي غَالِبٍ بَصرِي يُقَال لَهُ بن أَبِي سَمِينَةَ بِمُهْمَلَةٍ وَنُونٍ وَزْنُ عَظِيمَةَ مِنَ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ أَخْرَجَ عَنْهُ فِي التَّارِيخِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَلَمْ أَرَ عَنْهُ فِي الْجَامِعِ شَيْئًا إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعَ وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ مَنْ حَدَّثَ عَنِ الْبُخَارِيِّ مِثْلُ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْحَافِظِ الْمُلَقَّبِ جَزَرَةَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالزَّايِ وَمُوسَى بْنِ هَارُونَ وَغَيْرِهِمَا(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) ذكر بن بَطَّالٍ عَنِ الْمُهَلَّبِ أَنَّ غَرَضَ الْبُخَارِيِّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِثْبَاتُ أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ وَأَقْوَالَهُمْ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ كُنْ وَبَيْنَ الْخَلْقِ بِقَوْلِهِ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بأَمْره فَجَعَلَ الْأَمْرَ غَيْرَ الْخَلْقِ وَتَسْخِيرُهَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَى خَلْقِهَا إِنَّمَا هُوَ عَنْ أَمْرِهِ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ نُطْقَ الْإِنْسَانِ بِالْإِيمَانِ عَمَلٌ مِنْ أَعماله كَمَا ذكر فِي قصَّة عَبْدِ الْقَيْسِ حَيْثُ سَأَلُوا عَنْ عَمَلٍ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ فَأَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَفَسَّرَهُ بِالشَّهَادَةِ وَمَا ذَكَرَ مَعَهَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمَذْكُورِ وَإِنَّمَا اللَّهُ الَّذِي حَمَلَكُمْ الرَّدُّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَخْلُقُونَ أَعْمَالَهُمْ قَوْلُهُ إِنَّا كُلَّ شَيْء خلقناه بِقدر كَذَا لَهُمْ وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي بَابِ قَوْلَهُ تَعَالَى قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي قَالَ الْكِرْمَانِيُّ التَّقْدِيرُ خَلَقْنَا كُلَّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ خَالِقَ كُلَّ شَيْءٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَأما قَوْله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي إِثْبَاتِ نِسْبَةِ الْعَمَلِ إِلَى الْعِبَادِ فَقَدْ يُشْكِلُ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَمَلَ هُنَا غَيْرُ الْخَلْقِ وَهُوَ الْكَسْبُ الَّذِي يَكُونُ مُسْنَدًا إِلَى الْعَبْدِ حَيْثُ أَثْبَتَ لَهُ فِيهِ صُنْعًا وَيُسْنَدُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ إِنَّ وُجُودَهُ إِنَّمَا هُوَ بِتَأْثِيرِ قُدْرَتِهِ وَلَهُ جِهَتَانِ جِهَةٌ تَنْفِي الْقَدَرَ وَجِهَةٌ تَنْفِي الْجَبْرَ فَهُوَ مُسْنَدٌ إِلَى اللَّهِ حَقِيقَةً وَإِلَى الْعَبْدِ عَادَةً وَهِيَ صِفَةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْفِعْلُ وَالتَّرْكُ فَكُلُّ مَا أُسْنِدَ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى تَأْثِيرِ الْقُدْرَةِ وَيُقَالُ لَهُ الْخَلْقُ وَمَا أُسْنِدَ إِلَى الْعَبْدِ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُقَالُ لَهُ الْكَسْبُ وَعَلَيْهِ يَقَعُ الْمَدْحُ وَالذَّمُّ كَمَا يُذَمُّ الْمُشَوَّهُ الْوَجْهِ وَيُمْدَحُ الْجَمِيلُ الصُّورَةِ وَأَمَّا الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ فَهُوَ عَلَامَةٌ وَالْعَبْدُ إِنَّمَا هُوَ مِلْكُ اللَّهِ تَعَالَى يَفْعَلُ فِيهِ مَا يَشَاءُ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ هَذَا بِأَتَمَّ مِنْهُ فِي بَاب قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ سَلَكَهَا فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِعْرَابِ مَا هَلْ هِيَ مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ وَقَدْ قَالَ الطَّبَرِيُّ فِيهَا وَجْهَانِ فَمَنْ قَالَ مَصْدَرِيَّةٌ قَالَ الْمَعْنَى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ عَمَلَكُمْ وَمَنْ قَالَ مَوْصُولَةٌ قَالَ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ الَّذِي تَعْمَلُونَ أَيْ تَعْمَلُونَ مِنْهُ الْأَصْنَامَ وَهُوَ الْخَشَبُ وَالنُّحَاسُ وَغَيْرُهُمَا ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ قَتَادَةَ مَا يُرَجِّحُ الْقَوْلَ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَىوَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ أَي بِأَيْدِيكُمْ وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَيْضًا قَالَ تَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ أَيْ مِنَ الْأَصْنَامِ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ أَيْ بِأَيْدِيكُمْ وَتَمَسَّكَ الْمُعْتَزِلَةُ بِهَذَا التَّأْوِيلِ قَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي نَتَائِجِ الْفِكْرِ لَهُ اتَّفَقَ الْعُقَلَاءُ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ لَا تَتَعَلَّقُ بِالْجَوَاهِرِ وَالْأَجْسَامِ فَلَا تَقُولُ عَمِلْتُ حَبْلًا وَلَا صَنَعْتُ جَمَلًا وَلَا شَجَرًا فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَنْ قَالَ أَعْجَبَنِي مَا عَمِلْتَ فَمَعْنَاهُ الْحَدَثُ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ فِي تَأْوِيل وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ إِلَّا أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ إِنَّهَا مَوْصُولَةٌ فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهَا وَاقِعَةٌ عَلَى الْأَصْنَامِ الَّتِي كَانُوا يَنْحِتُونَهَا فَقَالُوا التَّقْدِيرُ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ الْأَصْنَامَ وَزَعَمُوا أَنَّ نَظْمَ الْكَلَامِ يَقْتَضِي مَا قَالُوهُ لِتَقَدُّمِ قَوْلِهِ مَا تَنْحِتُونَ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ عَلَى الْحِجَارَةِ الْمَنْحُوتَةِ فَكَذَلِكَ مَا الثَّانِيَةُ وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَهُمْ أَتَعْبُدُونَ حِجَارَةً تَنْحِتُونَهَا وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ تِلْكَ الْحِجَارَةَ الَّتِي تَعْمَلُونَهَا هَذِهِ شُبْهَتُهُمْ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ النَّحْوِ إِذْ مَا لَا تَكُونُ مَعَ الْفِعْلِ الْخَاصِّ إِلَّا مَصْدَرِيَّةً فَعَلَى هَذَا فَالْآيَةُ تَرُدُّ مَذْهَبَهُمْ وَتُفْسِدُ قَوْلَهُمْ وَالنَّظْمُ عَلَى قَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَبْدَعُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ تَقُولُ عَمِلْتُ الصَّحْفَةَ وَصَنَعْتُ الْجَفْنَةَ وَكَذَا يَصِحُّ عَمِلْتُ الصَّنَمَ قُلْنَا لَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ إِلَّا بِالصُّورَةِ الَّتِي هِيَ التَّأْلِيفُ وَالتَّرْكِيبُ وَهِيَ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ الْإِحْدَاثُ دُونَ الْجَوَاهِرِ بِالِاتِّفَاقِ وَلِأَنَّ الْآيَةَ وَرَدَتْ فِي بَيَانِ اسْتِحْقَاقِ الْخَالِقِ الْعِبَادَةَ لِانْفِرَادِهِ بِالْخَلْقِ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ يَعْبُدُ مَا لَا يَخْلُقُ وَهُمْ يُخْلَقُونَ فَقَالَ أَتَعْبُدُونَ مَنْ لَا يَخْلُقُ وَتَدَعُونَ عِبَادَةَ مَنْ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ أَعْمَالَكُمُ الَّتِي تَعْمَلُونَ وَلَوْ كَانُوا كَمَا زَعَمُوا لَمَا قَامَتِ الْحُجَّةُ مِنْ نَفْسِ هَذَا الْكَلَامِ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَهُمْ خَالِقِينَ لِأَعْمَالِهِمْ وَهُوَ خَالِقٌ لِلْأَجْنَاسِ لَشَرَكَهُمْ مَعَهُمْ فِي الْخَلْقِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ إِفْكِهِمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِقَادِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالق كل شَيْء فَدَخَلَ فِيهِ الْأَعْيَانُ وَالْأَفْعَالُ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.
    وَقَالَ تَعَالَى أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كل شَيْء فَنَفَى أَنْ يَكُونَ خَالِقُ غَيْرَهُ وَنَفَى أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ سِوَاهُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ فَلَوْ كَانَتِ الْأَفْعَالُ غَيْرَ مَخْلُوقَةٍ لَهُ لَكَانَ خَالِقَ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ لَا خَالِقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِخِلَافِ الْآيَةِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَفْعَالَ أَكْثَرُ مِنَ الْأَعْيَانِ فَلَوْ كَانَ اللَّهُ خَالِقَ الْأَعْيَانَ وَالنَّاسُ خَالِقَ الْأَفْعَالَ لَكَانَ مَخْلُوقَاتُ النَّاسِ أَكْثَرَ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ.
    وَقَالَ الله تَعَالَى وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ.
    وَقَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي إِعْرَابِ الْقُرْآنِ لَهُ قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا تَعْمَلُونَ مَوْصُولَةٌ فِرَارًا مِنْ أَنْ يُقِرُّوا بِعُمُومِ الْخَلْقِ لِلَّهِ تَعَالَى يُرِيدُونَ أَنَّهُ خَلَقَ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تُنْحَتُ مِنْهَا الْأَصْنَامُ وَأَمَّا الْأَعْمَالُ وَالْحَرَكَاتُ فَإِنَّهَا غَيْرُ دَاخِلَةٍ فِي خَلْقِ اللَّهِ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِذَلِكَ تَنْزِيهَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ خَلْقِ الشَّرِّ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ السُّنَّةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ إِبْلِيسَ وَهُوَ الشَّرُّ كُلُّهُ.
    وَقَالَ تَعَالَى قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خلق فَأَثْبَتَ أَنَّهُ خَلَقَ الشَّرَّ وَأَطْبَقَ الْقُرَّاءُ حَتَّى أَهْلُ الشُّذُوذِ عَلَى إِضَافَةِ شَرِّ إِلَى مَا إِلَّا عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ رَأْسَ الِاعْتِزَالِ فَقَرَأَهَا بِتَنْوِينِ شَرٍّ لِيُصَحِّحَ مَذْهَبَهُ وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلِهِ عَلَى قِرَاءَتِهَا بِالْإِضَافَةِ قَالَ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةً وَالْمَعْنَى خَلَقَكُمْ وَخَلَقَعَمَلَكُمْ انْتَهَى وَقَوَّى صَاحِبُ الْكَشَّافِ مَذْهَبَهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَمَا تَعْمَلُونَ تَرْجَمَةٌ عَنْ قَوْلِهِ قَبْلَهَا مَا تنحتون وَمَا فِي قَوْلِهِ مَا تَنْحِتُونَ مَوْصُولَةٌ اتِّفَاقًا فَلَا يعدل مَا الَّتِي بَعْدَهَا عَنْ أُخْتِهَا وَأَطَالَ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ وَمِنْ جُمْلَتِهِ فَإِنْ قُلْتُ مَا أَنْكَرْتُ أَنْ تَكُونَ مَا مَصْدَرِيَّةً وَالْمَعْنَى خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ عَمَلَكُمْ كَمَا تَقُولُ الْمُجْبِرَةُ يَعْنِي أَهْلَ السُّنَّةِ قُلْتُ أَقْرَبُ مَا يَبْطُلُ بِهِ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ يَأْبَاهُ إِبَاءً جَلِيًّا لِأَنَّ اللَّهَ احْتَجَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ الْعَابِدَ وَالْمَعْبُودَ جَمِيعًا خَلْقُ اللَّهِ فَكَيْفَ يُعْبَدُ الْمَخْلُوقُ مَعَ أَنَّ الْعَابِدَ هُوَ الَّذِي عَمِلَ صُورَةَ الْمَعْبُودِ وَلَوْلَاهُ لَمَا قَدَرَ أَنْ يُشَكِّلَ نَفْسَهُ فَلَوْ كَانَ التَّقْدِيرُ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ عَمَلَكُمْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْتُ هِيَ مَوْصُولَةٌ لَكِنَّ التَّقْدِيرَ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَهُ مِنْ أَعْمَالِكُمْ قُلْتُ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا حجَّة على الْمُشْركين وَتعقبه بن خَلِيلٍ السَّكُونِيُّ فَقَالَ فِي كَلَامِهِ صَرْفٌ لِلْآيَةِ عَن دلالتها الْحَقِيقَة إِلَى ضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ بَلْ لِنُصْرَةِ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْعِبَادَ يَخْلُقُونَ أَكْسَابَهُمْ فَإِذَا حَمَلَهَا عَلَى الْأَصْنَامِ لَمْ تَتَنَاوَلِ الْحَرَكَاتِ وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ فَيَقُولُونَ الْقُرْآنُ نَزَلَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَأَئِمَّةُ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ الْوَارِدَ بَعْدَ مَا يُتَأَوَّلُ بِالْمَصْدَرِ نَحْوَ أَعْجَبَنِي مَا صَنَعْتَ أَيْ صُنْعُكَ وَعَلَى هَذَا فَمَعْنَى الْآيَةِ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ أَعْمَالَكُمْ وَالْأَعْمَالُ لَيْسَتْ هِيَ جَوَاهِرُ الْأَصْنَامِ اتِّفَاقًا فَمَعْنَى الْآيَةِ عِنْدَهُمْ إِذَا كَانَ اللَّهُ خَالِقَ أَعْمَالَكُمُ الَّتِي تَتَوَهَّمُ الْقَدَرِيَّةُ أَنَّهُمْ خَالِقُونَ لَهَا فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ خَالِقًا لِمَا لَمْ يَدَّعِ فِيهِ أَحَدٌ الْخَلْقِيَّةَ وَهِيَ الْأَصْنَامُ قَالَ وَمَدَارُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَجَازِ وَلَا أَثَرَ لِلْمَرْجُوحِ مَعَ الرَّاجِحِ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَشَبَ الَّتِي مِنْهَا الْأَصْنَامُ وَالصُّوَرَ الَّتِي لِلْأَصْنَامِ لَيْسَتْ بِعَمَلٍ لَنَا وَإِنَّمَا عَمَلُنَا مَا أَقْدَرَنَا اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَانِي الْمَكْسُوبَةِ الَّتِي عَلَيْهَا ثَوَابُ الْعِبَادِ وَعِقَابُهُمْ فَإِذَا قُلْتُ عَمِلَ النَّجَّارُ السَّرِيرَ فَالْمَعْنَى عَمِلَ حَرَكَاتٍ فِي مَحَلٍّ أَظْهَرَ اللَّهُ لَنَا عِنْدَهَا التَّشَكُّلَ فِي السَّرِيرِ فَلَمَّا قَالَ تَعَالَى وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَهِيَ مَعْمُولُكُمْ وَأَمَّا مَا يُطَالِبُ بِهِ الْمُعْتَزِلِيُّ مِنَ الرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْآيَةِ فَهُوَ مِنْ أَبْيَنِ شَيْءٍ لِأَنَّهُ تَعَالَى إِذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ خَلَقَنَا وَخَلَقَ أَعْمَالَنَا الَّتِي يَظْهَرُ بِهَا التَّأْثِيرُ بَيْنَ أَشْكَالِ الْأَصْنَامِ وَغَيْرِهَا فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ خَالِقًا لِلْمُتَأَثِّرِ الَّذِي لَمْ يَدَّعِ فِيهِ أَحَدٌ لَا سُنِّيٌّ وَلَا مُعْتَزِلِيٌّ وَدَلَالَةُ الْمُوَافَقَةِ أَقْوَى فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَأَبْلَغُ مِنْ غَيْرِهَا وَقَدْ وَافَقَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا تَقُلْ لَهما أُفٍّ فَإِنَّهُ أَدَلُّ عَلَى نَفْيِ الضَّرْبِ مِنْ أَنْ لَوْ قَالَ وَلَا تَضْرِبْهُمَا.
    وَقَالَ إِنَّهَا مِنْ نُكَتِ عِلْمِ الْبَيَانِ ثُمَّ غَفَلَ عَنْهَا اتِّبَاعًا لِهَوَاهُ وَأَمَّا ادِّعَاؤُهُ فَكَّ النَّظْمِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُ الْحُجَّةِ لِأَنَّ فَكَّهُ لِمَا هُوَ أَبْلَغُ سَائِغٌ بَلْ أَكْمَلُ لِمُرَاعَاةِ الْبَلَاغَةِ ثُمَّ قَالَ وَلِمَ لَا تَكُونُ الْآيَةُ مُخْبِرَةً عَنْ أَنَّ كُلَّ عَمَلٍ لِلْعَبْدِ فَهُوَ خَلْقٌ لِلرَّبِّ فَيَنْدَرِجُ فِيهِ الرَّدُّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَعَ مُرَاعَاةِ النَّظْمِ وَمَنْ قَيَّدَ الْآيَةَ بِعَمَلِ الْعَبْدِ دُونَ عَمَلٍ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَأَجَابَ الْبَيْضَاوِيُّ بِأَنَّ دَعْوَى أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ أَبْلَغُ لِأَنَّ فِعْلَهُمْ إِذَا كَانَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْمُتَوَقِّفُ عَلَى فِعْلِهِمْ أَوْلَى بِذَلِكَ وَيَتَرَجَّحُ أَيْضًا بِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يَخْلُو مِنْ حَذْفٍ أَوْ مَجَازٍ وَهُوَ سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ.
    وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَتَكْمِلَةُ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ تَقَرَّرَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْبَيَانِ أَنَّ الْكِنَايَةَ أَوْلَى مِنَ التَّصْرِيحِ فَإِذَا نَفَى الْحُكْمَ الْعَامَّ لِيَنْتَفِيَ الْخَاصُّ كَانَ أَقْوَى فِي الْحُجَّةِ وَقَدْ سَلَكَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ هَذَا بِعَيْنِهِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى كَيفَ تكفرون بِاللَّه الْآيَة.
    وَقَالَ بن الْمُنِيرِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا الْأَصْنَامَ مِنْ حَيْثُ هِيَ حِجَارَةٌ أَوْ خَشَبٌ عَارِيَةٌ عَنِ الصُّورَةِ بَلْ عَبَدُوهَا لِأَشْكَالِهَا وَهِيَ أَثَرُ عَمَلِهِمْ وَلَوْ عَمِلُوا نَفْسَ الْجَوَاهِرِ لَمَا طَابَقَ تَوْبِيخَهُمْ بِأَنَّ الْمَعْبُودَ مِنْ صَنْعَةِ الْعَابِدِ قَالَ وَالْمُخَالِفُونَ مُوَافِقُونَ أَنَّ جَوَاهِرَ الْأَصْنَامِ لَيْسَتْ عَمَلًا لَهُمْ فَلَوْ كَانَ كَمَا ادَّعَوْهُ لَاحْتَاجَ إِلَى حَذْفٍ أَيْ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ شَكْلَهُ وَصُورَتَهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّقْدِيرِ وَقَدْ جَاءَ التَّصْرِيحُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِمَعْنَى الَّذِي تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي بَابِ قَوْلِهِ كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن عَنْ حُذَيْفَةَ رَفَعَهُ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ.
    وَقَالَ غَيْرُهُ قَوْلُ مَنِ ادَّعَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَمَا تَعْمَلُونَ نَفْسُ الْعِيدَانِ وَالْمَعَادِنِ الَّتِي تُعْمَلُ مِنْهَا الْأَوْثَانُ بَاطِلٌ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَا يَقُولُونَ إِنَّ الْإِنْسَانَ يَعْمَلُ الْعُودَ أَوِ الْحَجَرَ بَلْ يُقَيِّدُونَ ذَلِكَ بِالصَّنْعَةِ فَيَقُولُونَ عَمِلَ الْعُودُ صَنَمًا وَالْحَجَرُ وَثَنًا فَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ وَخَلَقَ شَكْلَ الصَّنَمِ وَأَمَّا الَّذِي نَحَتَ أَوْ صَاغَ فَإِنَّمَا هُوَ عَمَلُ النَّحْتِ وَالصِّيَاغَةِ وَقَدْ صَرَّحَتِ الْآيَةُ بِذَلِكَ وَالَّذِي عَمِلَهُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي خَلَقَهُ.
    وَقَالَ التُّونِسِيُّ فِي مُخْتَصَرِ تَفْسِيرِ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ احْتَجَّالْأَصْحَاب بِهَذِهِ الْآيَة على ان عمل العَبْد مَخْلُوقٌ لِلَّهِ عَلَى إِعْرَابِ مَا مَصْدَرِيَّةً وَأَجَابَ الْمُعْتَزِلَةُ بِأَنَّ إِضَافَةَ الْعِبَادَةِ وَالنَّحْتِ لَهُمْ إِضَافَةُ الْفِعْلِ لِلْفَاعِلِ وَلِأَنَّهُ وَبَّخَهُمْ وَلَوْ لَمْ تَكُنِ الْأَفْعَالُ لِخَلْقِهِمْ لَمَا وَبَّخَهُمْ قَالُوا وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مَصْدَرِيَّةٌ لِأَنَّ الْأَخْفَشَ يَمْنَعُ أَعْجَبَنِي مَا قُمْتَ أَيْ قِيَامَكَ.
    وَقَالَ إِنَّهُ خَاصٌّ بِالْمُتَعَدِّي سَلَّمْنَا جَوَازَهُ لَكِنْ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ تَقْدِيرِ مَا مَفْعُولًا لِلنَّحَّاتِينَ وَلِمُوَافَقَةِ مَا يَنْحِتُونَ وَلِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي مَحَلَّ الْعَمَلِ عَمَلًا فَتَقُولُ فِي الْبَابِ هُوَ عَمَلُ فُلَانٍ وَلِأَنَّ الْقَصْدَ هُوَ تَزْيِيفُ عِبَادَتِهِمْ لَا بَيَانَ أَنَّهُمْ لَا يُوجِدُونَ أَعْمَالَ أَنْفُسِهِمْ قَالَ وَهَذِهِ شُبْهَةٌ قَوِيَّةٌ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ لِهَذَا الْمُرَادِ كَذَا قَالَ وَجَرَى عَلَى عَادَتِهِ فِي إِيرَادِ شُبَهِ الْمُخَالِفِينَ وَتَرْكِ بَذْلِ الْوُسْعِ فِي أَجْوِبَتِهَا وَقَدْ أَجَابَ الشَّمْسُ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَهُوَ مُلَخَّصٌ مِنْ تَفْسِيرِ الْفَخْرِ فَقَالَ وَمَا تَعْمَلُونَ أَيْ عَمَلَكُمْ وَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ وَعَلَى أَنَّهَا مُكْتَسَبَةٌ لِلْعِبَادِ حَيْثُ أَثْبَتَ لَهُمْ عَمَلًا فَأَبْطَلَتْ مَذْهَبَ الْقَدَرِيَّةِ وَالْجَبْرِيَّةِ مَعًا وَقَدْ رَجَّحَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَوْنَهَا مَصْدَرِيَّةً لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا الْأَصْنَامَ إِلَّا لِعَمَلِهِمْ لَا لِجُرْمِ الصَّنَمِ وَإِلَّا لَكَانُوا يَعْبُدُونَهَا قَبْلَ الْعَمَلِ فَكَأَنَّهُمْ عَبَدُوا الْعَمَلَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عِبَادَةَ الْمَنْحُوتِ الَّذِي لَمْ يَنْفَكَّ عَنِ الْعَمَلِ الْمَخْلُوقِ.
    وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ وَلَكِنْ لَا حُجَّةَ فِيهَا لِلْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى وَالله خَلقكُم يَدْخُلُ فِيهِ ذَاتُهُمْ وَصِفَاتُهُمْ وَعَلَى هَذَا إِذَا كَانَ التَّقْدِيرُ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ الَّذِي تَعْمَلُونَهُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ خَلْقَهُ لَهَا قَبْلَ النَّحْتِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْمُولُ غَيْرَ مَخْلُوقٍ وَهُوَ بَاطِلٌ فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ خَلْقُهُ لَهَا قَبْلَ النَّحْتِ وَبَعْدَهُ وَأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهَا بِمَا فِيهَا مِنَ التَّصْوِيرِ وَالنَّحْتِ فَثَبَتَ أَنَّهُ خَالِقُ مَا تَوَلَّدَ عَنْ فِعْلِهِمْ فَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ أَفْعَالَهُمُ الْقَائِمَةَ بِهِمْ وَخَلَقَ مَا تَوَلَّدَ عَنْهَا وَوَافَقَ عَلَى تَرْجِيحِ أَنَّهَا مَوْصُولَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ السِّيَاقَ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عِبَادَةَ الْمَنْحُوتِ فَنَاسَبَ أَنْ يُنْكِرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَنْحُوتِ وَأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لَهُ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ اللَّهُ خَالِقُ الْعَابِدَ وَالْمَعْبُودَ وَتَقْدِيرُ خَلَقَكُمْ وَخَلَقَ أَعْمَالَكُمْ يَعْنِي إِذَا أُعْرِبَتْ مَصْدَرِيَّةً لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي ذَمَّهُمْ عَلَى تَرْكِ عِبَادَتِهِ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدِ ارْتَضَى الشَّيْخُ سَعْدُ الدِّينِ التَّفْتَازَانِيُّ هَذِهِ الطَّرِيقَ وَأَوْضَحَهَا وَنَقَّحَهَا فَقَالَ فِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ لَهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ وَأَدِلَّةَ الْفَرِيقَيْنِ وَمِنْهَا اسْتِدْلَالُ أَهْلِ السُّنَّةِ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ قَالُوا مَعْنَاهُ وَخَلَقَ عَمَلَكُمْ عَلَى إِعْرَابِ مَا مَصْدَرِيَّةً وَرَجَّحُوا ذَلِكَ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إِلَى حَذْفِ الضَّمِيرِ قَالَ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَخَلَقَ مَعْمُولَكُمْ عَلَى إِعْرَابِهَا مَوْصُولَةً وَيَشْمَلُ أَعْمَالَ الْعِبَادِ لِأَنَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّهَا مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ أَوْ لِلْعَبْدِ لَمْ يُرِدْ بِالْفِعْلِ الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيَّ الَّذِي هُوَ الْإِيجَادُ بَلِ الْحَاصِلُ بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ مُتَعَلِّقُ الْإِيجَادِ وَهُوَ مَا يُشَاهِدُهُ مِنَ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ قَالَ وَلِلذُّهُولِ عَنْ هَذِهِ النُّكْتَةِ تَوَهَّمَ مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِالْآيَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى كَوْنِ مَا مَصْدَرِيَّةً وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ تَكْمِلَةٌ جَوَّزَ مَنْ صَنَّفَ فِي إِعْرَابِ الْقُرْآنِ فِي إِعْرَابِ مَا تَعْمَلُونَ زِيَادَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَالُوا وَاللَّفْظُ لِلْمُنْتَخَبِ فِي مَا أَوْجُهٌ أَحَدُهَا ان تكون مَصْدَرِيَّة مَنْصُوبَة الْمحل عطف عَلَى الْكَافِ وَالْمِيمِ فِي خَلَقَكُمْ الثَّانِي أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ أَيْضًا عَطْفًا عَلَى الْمَذْكُورِ آنِفًا وَالتَّقْدِيرُ خَلَقَكُمْ وَالَّذِي تَعْمَلُونَ أَيْ تَعْمَلُونَ مِنْهُ الْأَصْنَامَ يَعْنِي الْخَشَبَ وَالْحِجَارَةَ وَغَيْرَهَا الثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ اسْتِفْهَامِيَّةً مَنْصُوبَةَ الْمَحَلِّ بِقَوْلِهِ تَعْمَلُونَ تَوْبِيخًا لَهُمْ وَتَحْقِيرًا لِعَمَلِهِمْ الرَّابِعُ أَنْ تَكُونَ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمَوْصُولَةِ الْخَامِسُ أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً عَلَى مَعْنَى وَمَا تَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَكِنَّ اللَّهَ هُوَ خَلَقَهُ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فَامْتَدَحَ بِأَنَّهُ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَبِأَنَّهُ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ فَكَمَا لَا يَخْرُجُ عَنْ عِلْمِهِ شَيْءٌ وَكَذَا لَا يَخْرُجُ عَنْ خَلْقِهِ شَيْءٌ.
    وَقَالَ تَعَالَى وأسروا قَوْلكُم أَو اجهروا بِهِ إِنَّه عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ فَأَخْبَرَ أَنَّ قَوْلَهُمْ سِرًّا وَجَهْرًا خَلْقُهُلِأَنَّهُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ عَلِيمٌ.
    وَقَالَ تَعَالَى خَلَقَ الْمَوْت والحياة.
    وَقَالَ وانه هُوَ أمات وَأَحْيَا فَأَخْبَرَ أَنَّهُ الْمُحْيِي الْمُمِيتُ وَأَنَّهُ خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ فَثَبَتَ أَنَّ الْأَفْعَالَ كُلَّهَا خَيْرَهَا وَشَرَّهَا صَادِرَةٌ عَنْ خَلْقِهِ وَإِحْدَاثِهِ إِيَّاهَا.
    وَقَالَ تَعَالَى وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى.
    وَقَالَ تَعَالَى أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ فَسَلَبَ عَنْهُمْ هَذِهِ الْأَفْعَالَ وَأَثْبَتَهَا لِنَفْسِهِ لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِيهَا حَتَّى صَارَتْ مَوْجُودَةً بَعْدَ الْعَدَمِ هُوَ خَلْقُهُ وَأَنَّ الَّذِي يَقَعُ مِنَ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ مُبَاشَرَةُ تِلْكَ الْأَفْعَالِ بِقُدْرَةٍ حَادِثَةٍ أَحْدَثَهَا عَلَى مَا أَرَادَ فَهِيَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى خَلْقٌ بِمَعْنَى الِاخْتِرَاعِ بِقُدْرَتِهِ الْقَدِيمَةِ وَمِنَ الْعِبَادِ كَسْبٌ عَلَى مَعْنَى تَعَلُّقِ قُدْرَةٍ حَادِثَةٍ بِمُبَاشَرَتِهِمُ الَّتِي هِيَ كَسْبُهُمْ وَوُقُوعُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ عَلَى وُجُودِهِ بِخِلَافِ فِعْلِ مُكْتَسِبِهَا أَحْيَانًا مِنْ أَعْظَمِ الدَّلَالَةِ عَلَى مُوقِعٍ أَوْقَعَهَا عَلَى مَا أَرَادَ ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ فَمَعْنَاهُ كَمَا قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَالشَّرُّ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ.
    وَقَالَ غَيْرُهُ أَرْشَدُ إِلَى اسْتِعْمَالِ الْأَدَبِ فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ مَحَاسِنُ الْأُمُورِ دُونَ مَسَاوِيهَا وَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْمُهْدَى مَنْ هَدَيْتَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَهْدِي مَنْ شَاءَ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ.
    وَقَالَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَاضِي فِي الْأَحْكَامِ الَّذِي فِي أَوَّلِهِ أَنَّ كُلَّ وَالٍ لَهُ بِطَانَتَانِ وَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَعْصِمُ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ.
    وَقَالَ غَيْرُهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَصْلُحَ قُدْرَةَ الْعِبَادِ لِلْإِبْرَازِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالِاخْتِرَاعِ وَثُبُوتُهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَطْعِيٌّ لِأَنَّ قُدْرَةَ الْإِبْرَازِ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ تَتَوَجَّهُ إِلَى تَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ فَحَالَ تَوْجِيهِهَا لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِهَا لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَحْصُلَ الْعَدَمُ شَيْئًا فَقُدْرَتُهُ ثَابِتَةٌ وَقُدْرَةُ الْمَخْلُوقِينَ عَرَضٌ لَا بَقَاءَ لَهُ فَيَسْتَحِيلُ تَقَدُّمُهَا وَقَدْ تَوَارَدَتِ النُّقُولُ السَّمْعِيَّةُ وَالْقُرْآنُ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِانْفِرَادِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالِاخْتِرَاعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ فأروني مَاذَا خلق الَّذين من دونه وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْكُمُ فِي خَلْقِهِ بِمَا يَشَاءُ وَلَا تَتَوَقَّفُ أَحْكَامُهُ فِي ثَوَابِهِمْ وَعِقَابِهِمْ عَلَى أَنْ يَكُونُوا خَالِقِينَ لِأَفْعَالِهِمْ أَنَّهُ نَصَبَ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ عَلَى مَا يَقَعُ مُبَايِنًا لِمَحَالِّ قُدْرَتِهِمْ وَأَمَّا اكْتِسَابُ الْعِبَادِ فَلَا يَقَعُ إِلَّا فِي مَحَلِّ الْكَسْبِ وَمِثَالُ ذَلِكَ السَّهْمُ الَّذِي يَرْمِيهِ الْعَبْدُ لَا تَصَرُّفُ لَهُ فِيهِ بِالرَّفْعِ وَكَذَلِكَ لَا تَصَرُّفُ لَهُ فِيهِ بِالْوَضْعِ وَأَيْضًا فَإِنَّ إِرَادَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى تَتَعَلَّقُ بِمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ عَلَى وَجْهِ النُّفُوذِ وَعَدَمِ التَّعَذُّرِ وَإِرَادَةُ الْعَبْدِ لَا تَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مَعَ تَسْمِيَتِهَا إِرَادَةً وَكَذَلِكَ عِلْمُهُ تَعَالَى لَا نِهَايَةَ لَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ وَعِلْمُ الْعَبْدِ لَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مَعَ تَسْمِيَتِهِ عِلْمًا فَصْلٌ احْتَجَّ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى الله خَالق كل شَيْء عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ لِأَنَّهُ شَيْءٌ وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَهُوَ صِفَتُهُ فَكَمَا أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَدْخُلْ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ كُلِّ شَيْءٍ اتِّفَاقًا فَكَذَلِكَ صِفَاتُهُ وَنَظِيرُ ذَلِك قَوْله تَعَالَى ويحذركم الله نَفسه مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ فَكَمَا لَمْ تَدْخُلْ نَفْسُ اللَّهِ فِي هَذَا الْعُمُومِ اتِّفَاقًا فَكَذَا لَا يَدْخُلُ الْقُرْآنُ قَوْلُهُ وَيُقَالُ لِلْمُصَوِّرِينَ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَيَقُولُ أَيِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَوِ الْمَلَكُ بِأَمْرِهِ.
    وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ لَفْظُ الْحَدِيثِ الْمَوْصُولِ فِي الْبَابِ وَيُقَالُ لَهُمْ فَأَظْهَرَ الْبُخَارِيُّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ انْتَهَى وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى نِسْبَةِ الْخَلْقِ إِلَيْهِمْ فِي آخِرِ الْبَابِ قَوْلُهُ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض إِلَى تبَارك الله رب الْعَالمين سَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَةَ كُلَّهَا وَالْمُنَاسِبُ مِنْهَا لِمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى أَلَا لَهُ الْخلق وَالْأَمر فَيَصِحُّ بِهِ قَوْلُ اللَّهِ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَلذَلِك عقبه بقوله قَالَ بن عُيَيْنَةَ بَيَّنَ اللَّهُ الْخَلْقَ مِنَ الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى الا لَهُ الْخلق وَالْأَمر وَهَذَا الْأَثر وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ مِنْ طَرِيقِ بَشَّارِ بْنِ مُوسَى قَالَ كُنَّا عِنْدَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَفَقَالَ الا لَهُ الْخلق وَالْأَمر فَالْخَلْقُ هُوَ الْمَخْلُوقَاتُ وَالْأَمْرُ هُوَ الْكَلَامُ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ نُعَيْمٍ سَمِعْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ وَسُئِلَ عَنِ الْقُرْآنِ أَمَخْلُوقٌ هُوَ فَقَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ أَلَا تَرَى كَيْفَ فَرَّقَ بَيْنَ الْخَلْقَ وَالْأَمْرَ فَالْأَمْرُ كَلَامُهُ فَلَوْ كَانَ كَلَامُهُ مَخْلُوقًا لَمْ يفرق قلت وَسبق بن عُيَيْنَةَ إِلَى ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَتَبِعَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَبْدُ السَّلَامِ بن عَاصِم وَطَائِفَة أخرج كل ذَلِك بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُمْ.
    وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ بِأَمْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بعد وَلِقَوْلِهِ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كن فَيكون وَلِقَوْلِهِ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ بأَمْره قَالَ وَتَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّ أَمْرَ اللَّهِ قَبْلَ مَخْلُوقَاتِهِ قَالَ وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ خِلَافُ ذَلِكَ وَهُمُ الَّذِينَ أَدَّوْا إِلَيْنَا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ إِلَى زَمَانِ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَحَمَّادٍ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَمَضَى عَلَى ذَلِكَ مَنْ أَدْرَكْنَا مِنْ عُلَمَاءِ الْحَرَمَيْنِ وَالْعِرَاقَيْنِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَخُرَاسَانَ.
    وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْمَكِّيُّ فِي مُنَاظَرَتِهِ لِبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ بَعْدَ أَنْ تَلَا الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْخَلْقِ أَنَّهُ مُسَخَّرٌ بِأَمْرِهِ فَالْأَمْرُ هُوَ الَّذِي كَانَ الْخَلْقُ مُسَخَّرًا بِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ الْأَمْرُ مَخْلُوقًا.
    وَقَالَ تَعَالَى إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نقُول لَهُ كن فَيكون فَأَخْبَرَ أَنَّ الْأَمْرَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الشَّيْءِ الْمُكَوَّنِ.
    وَقَالَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ أَيْ مِنْ قَبْلِ خَلْقِ الْخَلْقِ وَمِنْ بَعْدِ خَلْقِهِمْ وَمَوْتِهِمْ بَدَأَهُمْ بِأَمْرِهِ وَيُعِيدُهُمْ بِأَمْرِهِ.
    وَقَالَ غَيْرُهُ لَفْظُ الْأَمْرِ يَرِدُ لِمَعَانٍ مِنْهَا الطَّلَبُ وَمِنْهَا الْحُكْمُ وَمِنْهَا الْحَالُ وَالشَّأْنُ وَمِنْهَا الْمَأْمُورُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمر رَبك أَيْ مَأْمُورُهُ وَهُوَ إِهْلَاكُهُمْ وَاسْتِعْمَالُ الْمَأْمُورِ بِلَفْظِ الْأَمْرِ كَاسْتِعْمَالِ الْمَخْلُوقِ بِمَعْنَى الْخَلْقِ.
    وَقَالَ الرَّاغِبُ الْأَمْرُ لَفْظٌ عَامٌّ لِلْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ كُلِّهَا وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى واليه يرجع الْأَمر كُله وَيُقَالُ لِلْإِبْدَاعِ أَمْرٌ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى أَلَا لَهُ الْخلق وَالْأَمر وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلِهِ تَعَالَى قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي أَيْ هُوَ مِنْ إِبْدَاعِهِ وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِاللَّهِ تَعَالَى دون الْخَلَائق وَقَوله انما أمرنَا لشَيْء إِذا أردناه إِشَارَةٌ إِلَى إِبْدَاعِهِ وَعَبَّرَ عَنْهُ بِأَقْصَرِ لَفْظٍ وَأَبْلَغُ مَا نَتَقَدَّمَ بِهِ فِيمَا بَيْنَنَا بِفِعْلِ الشَّيْء وَمِنْه وَمَا أمرنَا الا وَاحِدَة فَعَبَّرَ عَنْ سُرْعَةِ إِيجَادِهِ بِأَسْرَعِ مَا يُدْرِكُهُ وَهْمُنَا وَالْأَمْرُ التَّقَدُّمُ بِالشَّيْءِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِقَوْلِ افْعَلْ أَوْ لِتَفْعَلْ أَوْ بِلَفْظِ خَبَرٍ نَحْو والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ أَوْ بِإِشَارَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَتَسْمِيَتِهِ مَا رأى إِبْرَاهِيم أمرا حَيْثُ قَالَ ابْنه يَا أَبَت افْعَل مَا تُؤمر واما قَوْله وَمَا أَمر فِرْعَوْن برشيد فَعَامٌّ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَقَوْلُهُ أَتَى أَمْرُ الله إِشَارَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَذَكَرَهُ بِأَعَمِّ الْأَلْفَاظِ وَقَوله بل سَوَّلت لكم أَنفسكُم أمرا أَيْ مَا تَأْمُرُ بِهِ النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ انْتَهَى وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرَهُ نَظَرٌ لَا سِيَّمَا فِي تَفْسِيرِ الْأَمْرِ فِي آيَةِ الْبَابِ بِالْإِبْدَاعِ وَالْمَعْرُوف فِيهِ مَا نقل عَن بن عُيَيْنَةَ وَعَلَى مَا قَالَ الرَّاغِبُ يَكُونُ الْأَمْرُ فِي الْآيَةِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ بَعْدَ الْخَلْقِ تَصْرِيفُ الْأُمُورِ.
    وَقَالَ بَعْضُهُمُ الْمُرَادُ بِالْخَلْقِ فِي الْآيَةِ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَبِالْأَمْرِ الْآخِرَةُ وَمَا فِيهَا فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ قَوْلُهُ وَسَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَانَ عَمَلًا تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي بَابِ مَنْ قَالَ الْإِيمَانُ هُوَ الْعَمَلُ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ أَوَّلَ الْجَامِعِ قَوْلُهُ.
    وَقَالَ أَبُو ذَرٍّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا وَبَيَانُ مَنْ وَصَلَهُمَا وَشَوَاهِدُهُمَا فِي بَابِ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا قَبْلَ أَبْوَابٍ قَوْلُهُ.
    وَقَالَ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يعْملُونَ أَيْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِبِالتَّصْدِيقِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يَسْتَخْرِجُونَهُ مِنْ كِتَابِهِمْ وَلَوْلَا اعْتِقَادُهُمْ جَوَازَ النَّظَرِ فِيهِ لَمَا فَعَلُوهُ وَتَوَارَدُوا عَلَيْهِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ لِلتَّحْرِيمِ بِمَا وَرَدَ مِنَ الْغَضَبِ وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً مَا غَضِبَ مِنْهُ فَهُوَ مُعْتَرَضٌ بِأَنَّهُ قَدْ يَغْضَبُ مِنْ فِعْلِ الْمَكْرُوهِ وَمِنْ فِعْلِ مَا هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى إِذَا صَدَرَ مِمَّنْ لَا يَلِيقُ مِنْهُ ذَلِكَ كَغَضَبِهِ مِنْ تَطْوِيلِ مُعَاذٍ صَلَاةَ الصُّبْحِ بِالْقِرَاءَةِ وَقَدْ يَغْضَبُ مِمَّنْ يَقَعُ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فِي فَهْمِ الْأَمْرِ الْوَاضِحِ مِثْلَ الَّذِي سَأَلَ عَنْ لُقَطَةِ الْإِبِلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ الْغَضَبُ فِيُ الْمَوْعِظَةِ وَمَضَى فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مَا يَجُوزُ مِنَ الْغَضَبِ قَوْلُهُ يَتَأَوَّلُونَهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَطَائِفَةٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا يعلم تَأْوِيله الا الله تَعَالَى التَّأْوِيلُ التَّفْسِيرُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا آخَرُونَ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ التَّأْوِيلُ رَدُّ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ إِلَى مَا يُطَابِقُ الظَّاهِرَ وَالتَّفْسِيرُ كَشْفُ الْمُرَادِ عَنِ اللَّفْظِ الْمُشْكِلِ وَحَكَى صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّ التَّأْوِيلَ نَقْلُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ عَنْ وَضْعِهِ الْأَصْلِيِّ إِلَى مَالا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ لَوْلَاهُ مَا تُرِكَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَقِيلَ التَّأْوِيلُ إِبْدَاءُ احْتِمَالِ لَفْظٍ مُعْتَضِدٍ بِدَلِيلٍ خَارِجٍ عَنْهُ وَمَثَّلَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا ريب فِيهِ قَالَ مَنْ قَالَ لَا شَكَّ فِيهِ فَهُوَ التَّفْسِيرُ وَمَنْ قَالَ لِأَنَّهُ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ لَا يَقْبَلُ الشَّكَّ فَهُوَ التَّأْوِيلُ وَمُرَادُ الْبُخَارِيِّ بِقَوْلِهِ يَتَأَوَّلُونَهُ أَنَّهُمْ يُحَرِّفُونَ الْمُرَادَ بِضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ كَمَا لَوْ كَانَتِ الْكَلِمَةُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ تَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ وَكَانَ الْمُرَادُ الْقَرِيبُ فَإِنَّهُمْ يَحْمِلُونَهَا عَلَى الْبَعِيدِ وَنَحْوَ ذَلِكَ قَوْلُهُ دِرَاسَتُهُمْ تلاوتهم وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ قَالَ حَافِظَةٌ قِيلَ النُّكْتَةُ فِي إِفْرَادِ الْأُذُنِ الْإِشَارَةُ بِقِلَّةِ مَنْ يَعِي مِنَ النَّاسِ وَوَرَدَ فِي خَبَرٍ ضَعِيفٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُذُنِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَاصٌّ وَهِيَ أُذُنُ عَلِيٍّ أَخْرَجَهُ الثَّعْلَبِيُّ مِنْ مُرْسَلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَفِي سَنَدِهِ أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ مُرْسَلِ مَكْحُولٍ نَحْوَهُ قَوْلُهُ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ يَعْنِي أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ بَلَغَ هَذَا الْقُرْآنُ فَهُوَ لَهُ نَذِير وَصله بن أبي حَاتِم بالسند الْمَذْكُور إِلَى بن عَبَّاس.
    وَقَالَ بن التِّينِ قَوْلُهُ وَمَنْ بَلَغَ أَيْ بَلَغَهُ فَحَذَفَ الْهَاءَ وَقِيلَ الْمَعْنَى وَمَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُور وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ الْخُرَيْبِيِّ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ رَاءٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرٌ قَالَ مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَشَدُّ عَلَى أَصْحَابِ جَهْمٍ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بلغ فَمَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ فَكَأَنَّمَا سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى


    [ رقم الحديث عند عبدالباقي:7155 ... ورقمه عند البغا: 7554 ]
    - حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى غَالِبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ سَمِعْتُ أَبِى يَقُولُ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ أَنَّ أَبَا رَافِعٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ، إِنَّ رَحْمَتِى سَبَقَتْ غَضَبِى فَهْوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ».وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: بالجمع (محمد بن أبي غالب) بالغين المعجمة وكسر اللام أبو عبد الله القومسي بالقاف والميم والسين المهملة نزل بغداد ويقال له الطيالسي: وكان حافظًا
    من أقران البخاري قال: (حدّثنا محمد بن إسماعيل) البصري ويقال له ابن أبي سمينة بالسين المهملة وبالنون بوزن عظيمة ولم يتقدم له في البخاري ذكر قال: (حدّثنا معتمر) قال: (سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي (يقول: حدّثنا قتادة) بن دعامة (أن أبا رافع) نفيعًا الصائغ المدني (حدّثه أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):(إن الله) عز وجل (كتب كتابًا) إما حقيقة عن كتابة اللوح المحفوظ أي خلق صورته فيه أو أمر بالكتابة (قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي فهو مكتوب عنده فوق العرش).وفي الحديث السابق لما قضى الله الخلق كتب ففيه أن الكتابة بعد الخلق وقال هنا قبل أن يخلق الخلق فالمراد من الأوّل: تعلق الخلق وهو حادث فجاز أن يكون بعده، وأما الثاني: فالمراد منه نفس الحكم وهو أزليّ فبالضرورة يكون قبله والحديث سبق مرارًا والله الموفق والمعين.

    حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي غَالِبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، أَنَّ أَبَا رَافِعٍ، حَدَّثَهُ أَنَّهُ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ـ رضى الله عنه ـ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ ‏ "‏ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي‏.‏ فَهْوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ ‏"‏‏.‏

    Narrated Abu Hurairah (ra):I heard Allah's Messenger (ﷺ) saying: "Before Allah created the creations, He wrote a Book (wherein He has written): "My Mercy has preceded my Anger.' And that is written with Him over the Throne." (see Hadith)

    Telah menceritakan kepadaku [Muhammad bin Abu Ghalib] telah menceritakan kepada kami [Muhammad bin Ismail] telah menceritakan kepada kami [Mu'tamir] aku mendengar [ayahku] berkata, telah menceritakan kepada kami [Qatadah] bahwa [Abu Rafi'] menceritakan kepadanya, ia mendengar [Abu Hurairah] radliyallahu'anhu berkata, "Aku mendengar Rasulullah shallallahu 'alaihi wasallam bersabda: "Allah menetapkan satu ketetapan sebelum mencipta penciptaan 'rahmat-Ku lebih mendahului kemurkaan-Ku, dan itu tercatat di sisi-Nya di atas 'arsy

    Ebu Hureyre' nin nakline göre Resulullah Sallallahu Aleyhi ve Sellem şöyle buyurmuştur: "Muhakkak ki Yüce Allah mahlukları yarc.t"YJadan önce bir kitap yazmış (ve onda) 'Benim rahmetim gazabımın önüne geçmiştir!' diye yazmıştır. O kitap, arşın üstünde Yüce Allah'ın yanında yazılmış bir kitaptır." Fethu'l-Bari Açıklaması: "Yüce Allah'ın 'Hakikatte o levh-i mahfuzda bulunan şerefli Kur'an'dır' sözü." İmam Buhari Halk-u Ef'ali'l-İbad'da bu ve bundan sonraki ayete yer verdikten sonra şöyle der: Yüce Allah Kur'an'ın muhafaza edildiğini ve satır satır yazıldığını belirtmektedir. Kalplerde bellenmiş, insanların dillerinde okunan ve Mushaflara yazılmış olan Kur'an, Allah'ın kelamı olarak mahluk değildir. Fakat mürekkep, kağıt, mushafın cildi gibi şeyler mahluktur. "Halbuki Yüce Allah'ın kitaplarından bir kitabın lafzım izale edebilecek hiçbir kimse yoktur. Fakat onlar "kitabı tahrif ederler" yani onu tevilinden başka bir tevil ile tevil ederler." Son dönem şerh bilginlerinden biri şöyle demiştir: Bu meselede bilginler birkaç görüş halinde ihtilaf etmişlerdir. Bunlardan birincisine göre daha önceki kitapların tamamı değiştirilmiştir. Bu kitaplara değer vermemenin caizliği yolunda nakledilen görüşün gereği budur. Ancak bu görüş bir ifraddır. Bu konuda mutlak olarak söylenen sözü, çoğunluğun görüşüdür diye anlamak gerekir. Aksi takdirde bu bir kendi görüşünde diretmekten ibarettir. Oysa bu kitaplardan değişikliğe uğramamış birçok şeyin kaldığı noktasında ayet ve haberler çoktur. Bunlardan birisi şu ayettir: "Yanlarındaki Tevrat ve İncil'de yazılı buldukları o elçiye, o ümmi Nebie uyanlar (var ya) işte o Nebi onlara iyiliği emreder ... "(Araf 157) İki yahudinin recm edilmesi olayı da bunlardan biridir. O Tevrat'ta recm ayetinin var olduğundan söz edilmişti. Bu görüşü "De ki eğer doğru sözlü iseniz, o zaman Tevrat'ı getirip onu okuyun"(AI-i İmran 93) ayet i teyid etmektedir. Bir diğer görüşe göre bu kitaplarda değiştirme yapılmıştır, fakat bu, kitapların büyük kısmı için sözkonusudur. Bunun delilleri çoktur. Birinci görüşü de bu doğrultuda anlamak uygundur. Üçüncüsü bu kitapların çok az bir kısmında değişiklik yapılmıştır ve büyük bir kısmı olduğu gibi durmaktadır. Şeyh Takıyyuddin b. Teymiye, er-Reddü'ssahıh ala men beddele dine'l-Mesıh isimli eserinde bu görüşü savunmaktadır. "Bu Kur'an bana kendisiyle sizi" yani Mekkelileri "ve ulaştığı herkesi uyarmam için vahyolundu." Demek ki Nebi Sallallahu Aleyhi ve Sellem kıyamete kadar gelecek herkes için bir uyarıcı olmuştur. İbn Ebi Hatim, bu haberi yukarıda zikredilen isnadla İbn Abbas'a ulaştırmaktadır. İbnü't-Tın şöyle der: "Ve men belağa" cümlesi, "belağahu" şeklindedir. Fiilin sonundan "hO" zamiri hazfedilmiştir. Bazıları ayete şu manayı vermişlerdir: Bu Kur'an bana kendisiyle sizi ve ergenlik çağına erişmiş herkesi uyarmam için vahyolundu. Bu iki manadan birincisi daha meşhurdur. İbn Ebi Hatim'in er-Redd ale'l-Cehmiyye isimli eserde nakline göre Abdullah b. Davud el-Hureybı şöyle demiştir: Kur'an-ı Kerim'de Cehm b. Safvan'ın taraftarlarına "Kendisiyle sizi ve ulaştığı herkesi uyarmam için vahyolundu" ayetinden daha şiddetli bir ayet yoktur. Ayetteki "ve men belağ" Kur'an'ın ulaştığı kimse demektir. Dolayısıyla o kişi Kur'an'ı sanki Yüce Allah'tan duymuş gibi olmaktadır

    مجھ سے محمد بن غالب نے بیان کیا، ان سے محمد بن اسماعیل بصریٰ نے بیان کیا، کہا ہم سے معتمر بن سلیمان نے بیان کیا، انہوں نے اپنے والد سے سنا، انہوں نے کہا کہ ہم سے قتادہ نے بیان کیا، ان سے ابورافع نے حدیث بیان کی، انہوں نے ابوہریرہ رضی اللہ عنہ سے سنا، انہوں نے بیان کیا کہ میں نے رسول اللہ صلی اللہ علیہ وسلم سے سنا، آپ صلی اللہ علیہ وسلم نے فرمایا کہ اللہ تعالیٰ نے مخلوق کو پیدا کرنے سے پہلے ایک تحریر لکھی کہ میری رحمت میرے غضب سے بڑھ کر ہے، چنانچہ یہ اس کے پاس عرش کے اوپر لکھا ہوا ہے۔

    আবূ হুরাইরাহ (রাঃ) হতে বর্ণিত। তিনি বলেন, আমি রাসূলুল্লাহ্ সাল্লাল্লাহু আলাইহি ওয়াসাল্লাম-কে বলতে শুনেছি, আল্লাহ্ সমস্ত সৃষ্টিকে সৃষ্টি করার আগে একটি লেখা লিখে রেখেছেন। তা হলো ‘‘আমার গযবের উপর আমার রহমত অগ্রগামী হয়েছে’’, এটি তাঁরই নিকটে আরশের ওপর লেখা আছে। [৩১৯৪] (আধুনিক প্রকাশনী- ৭০৩৩, ইসলামিক ফাউন্ডেশন)

    அல்லாஹ்வின் தூதர் (ஸல்) அவர்கள் கூறினார்கள்: அல்லாஹ் படைப்புகளைப் படைப்ப தற்கு முன்பாக தனக்குத்தானே விதி யொன்றை எழுதிக்கொண்டான். ‘என் கருணை என் கோபத்தை முந்திவிட்டது’ என்பதுதான் அந்த விதி. அது அவனிட முள்ள அரியணைக்கு மேலேயே எழுதப்பட்டுள்ளது. இதை அபூஹுரைரா (ரலி) அவர்கள் அறிவிக்கிறார்கள். அத்தியாயம் :